مستفيدة من فرصة غزة.. هل تقود السعودية العرب وتجبر إسرائيل على حل الدولتين؟
بينما تواصل الدول العربية صمتها المخزي إزاء الحرب الإسرائيلية في غزة، رأى موقع أميركي أنه بإمكان السعودية استخدام هذا الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال لتغيير ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط.
ونشر موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي مقالا للباحث في العلاقات الدولية، تيموثي هوبر، قال فيه إن "النظام الدولي قد تغير بسبب العولمة وآثارها، وأصبحت القوى الفاعلة الإقليمية أكثر تأثيرا في تشكيل أمن الأقاليم المختلفة والعالم ككل".
ومع ذلك، فقد أُضعفت قوة الردع السعودية؛ بسبب رغبة المملكة في المشاركة في اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي أدى إلى نفور الجمهور العربي منها.
وأضاف أن "الهجوم الأخير الذي شنته حماس على الاحتلال، والذي أشاد به العرب، هو بمثابة تحدٍّ لإدماج إسرائيل في المنطقة".
وأردف أن "هذه قد تكون فرصة للسعودية لاستعادة قوتها ونفوذها في الشرق الأوسط إذا تصرفت بحكمة".
وأوضح "هوبر" أن "هجوم حماس هو لحظة محورية في ديناميكيات الشرق الأوسط والتحول الجيوسياسي في موازين القوى في المنطقة"، مشيرا إلى أن "ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله".
قيادة العالم العربي
وأكد الكاتب أن "الدول العربية التي تتبع النظام الإقليمي بقيادة أميركا، وسَعت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل على الرغم من معارضة الجماهير العربية، هي الآن في ورطة".
وشدد على أن "على هذه الدول أن تعيد النظر في سياساتها، في ضوء الدعم الشعبي لحماس ومقاومتها ضد إسرائيل".
وتابع المقال: "يتعين على العالم العربي أن يتذكر العصر الذي كانت تلعب فيه الدول العربية الكبرى، مثل السعودية ومصر وسوريا والعراق، دورا مهما في لعبة القوة في الشرق الأوسط، وكانت كل منها تسعى لقيادة العالم العربي".
وأضاف أنه "على الرغم من أن هذه البلدان لا تزال ذات أهمية، إلا أنها فقدت النفوذ والقدرة على إبراز القوة التي كانت تتمتع بها يوما ما".
ووفق الباحث، فقد أدى الربيع العربي والتحديات الداخلية المختلفة إلى تعطيل الحالة الطبيعية التي كانت عليها تلك الدول، وفي المقابل ظهرت مراكز قوى جديدة".
وأفاد المقال بأن "أحد التطورات المهمة هو ظهور مراكز قوى غير عربية في المنطقة".
"ففي ظل الضعف والانقسامات الداخلية التي يعاني منها العالم العربي، تمكنت تركيا وإسرائيل وإيران من الظهور كدول فاعلة في المنطقة، بفضل إمكاناتها الاقتصادية وقدراتها العسكرية والاستخباراتية".
علاوة على ذلك، فإن كل دولة من هذه الدول تتمتع بالقدرة على إبراز قوتها خارج حدودها بطريقة تؤثر على المصالح الأميركية، حسب المقال.
وأشار المقال إلى أن "العالم يشهد تغيرات سريعة بسبب الأزمة في أوروبا والتوتر بين الصين والولايات المتحدة، هذا علاوة على الاستقطابات الجديدة بين الجهات الفاعلة الحكومية، كالصدام بين الجنوب العالمي والعالم الغربي على الساحة العالمية".
ويرى الكاتب أن "أيا من هذه التغيرات يمكن أن يعطل النظام القائم ويؤسس نظاما جديدا".
وتابع أن "العملية التي نفذتها حماس أتاحت لدول العالم العربي فرصة لتأسيس نظامها المنشود، وهو فرض الإرادة العربية على إسرائيل وإجبار هذه الدولة على قبول حل الدولتين في المنطقة، وبهذا تستعيد الدول العربية هيبتها المفقودة".
وفي هذا الصدد، يمكن للسعودية ومصر، بحكم دورهما وموقعهما التقليدي، أن تلعبا دورا حيويا ورئيسا في توحيد دول المنطقة وتولي الدور القيادي للعالم العربي، وفق الكاتب.
وخص الكاتب بالذكر "السعودية التي كانت دائما قادرة على بناء التوافق بين الدول العربية"، وفق وصفه.
التخلي عن التطبيع
لكن الباحث أكد أنه على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن يتخلى عن خطة تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال لفترة معينة على الأقل، وأن يستخدم سياسة الضغط والإكراه ضد النظام الإسرائيلي.
وذكر الكاتب أن هناك أسبابا واضحة لهذا الاقتراح تتلخص في التالي:
أولا، تكشف استطلاعات الرأي التي أجريت في المملكة عن معارضة واسعة النطاق لدى شعب هذا البلد لإقامة علاقات مع اليكان الصهيوني.
فوفقا لدراسة نشرتها في مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، فإن 2 بالمئة فقط من الشباب السعودي يؤيدون مثل هذه العلاقة.
ولذلك فإن الموافقة على التطبيع لا تحظى بفرصة النجاح في أي عملية ديمقراطية، ولا يمكن فرضها إلا بالقوة، وفق الكاتب.
وهذا يمكن أن يخلق استياء واسع النطاق على مختلف المستويات في المملكة، ولن يؤثر على الشباب وعامة الناس فحسب، بل أيضا على العلماء والشيوخ، وحتى على القوات العسكرية والأمنية في السعودية، خاصة في ظل الحرب الدائرة.
وأردف الكاتب أن "هذا الواقع يمكن أن يعرّض للخطر سلام وأمن قادة البلاد وخاصة المسؤولين عن التطبيع، على غرار ما حدث بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، التي لم تمر عبر الأساليب الديمقراطية ولم تحظ بدعم شعبي".
أضف إلى ذلك أن تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال يتعارض مع خطة السلام العربية، التي تبنتها الحكومات العربية بالإجماع، في قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002.
ثانيا، يجب على السعوديين أن يتذكروا أيضا أن الأميركيين لم يكونوا مخلصين لأي من القادة الإقليميين.
نذير تاريخي
وأضاف الكاتب أن "الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع حلفائها السابقين -مثل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، والرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، وملك إيران السابق محمد رضا شاه بهلوي- ينبغي أن تكون نذيرا للسلطات المصرية والسعودية من اتباع النهج ذاته".
وشدد المقال على أن "واشنطن ليس لديها أصدقاء دائمون، ولذلك على ابن سلمان أن يكون حذرا ويدرك أن واشنطن ليست شريكا موثوقا للمملكة".
ووفقا لتقارير وكالة المخابرات المركزية، كانت الولايات المتحدة تبحث عن خطة لجعل محمد بن نايف (ولي العهد السابق) ملكا للسعودية.
وأخيرا، قد يشكل الهجوم الذي تشنه حماس على الاحتلال نقطة تحول بالنسبة للعالم العربي، وخاصة بالنسبة للسعودية، حسب المقال.
وأوضح الكاتب أن "هذه الحرب أتاحت لهذه الدول، وخاصة السعودية، فرصة عظيمة لتغيير النظام الإقليمي وتوازن القوى في الشرق الأوسط".
وتابع: "بمعنى آخر، من خلال الاعتماد على الإنجازات العسكرية والسياسية لهذه الحرب، يمكن للسعوديين أن ينأوا بأنفسهم عن سياسات واشنطن وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام".
"هذا مع استعادة مكانتها وهيبتها السابقة للعالم العربي كدولة رائدة لها شعبيتها في العالم العربي"، حسب المقال.
وختم الكاتب بالتأكيد على أنه "ينبغي للسعوديين أن يتحولوا ليصبحوا مرة أخرى مُغيرين لقواعد اللعبة في الإقليم".