مسرحية جديدة وأزمة مستمرة.. ماذا بعد انتخابات الرئاسة المحسومة في مصر؟
يتوجه المصريون من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، فيما صوت المقيمون في الخارج في الفترة ما بين الأول والثالث من نفس الشهر.
أكدت مجلة إيطالية أن النتيجة التي سيجرى إعلانها يوم 18 من الشهر نفسه، تبدو محسومة بإعادة انتخاب رئيس النظام عبد الفتاح السيسي الذي يتولى السلطة منذ عام 2013 على إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
انتخابات محسومة
وشددت مجلة "معهد الأعمال الدولية" على أهمية التأكيد أن "الديناميكيات السياسية المصرية الحالية تظهر دولة في مرحلة من هشاشة مطولة ويرجع ذلك خاصة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة".
وفي مثل هذا السياق، ترى أن مستقبل النظام الحالي غير مؤكد على المدى الطويل وإن بدا على المدى القصير "متينا".
نصت التعديلات الدستورية التي أقرها استفتاء عام 2019 على فوز المرشح الذي يحصل على نصف عدد الأصوات الصحيحة في الانتخابات الرئاسية زائد صوت واحد من الجولة الأولى.
وفي صورة لم يحصل أي مرشح على هذه الأغلبية، يتنافس المرشحان اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات في جولة إعادة يعلن على إثرها فوز أكثرهما حصدا للأصوات.
وكان رئيس النظام الحالي السيسي قد فاز في عامي 2014 و2018 بنسبة تزيد عن 95 بالمئة من الأصوات، في انتخابات وصفها العديد من المنظمات المحلية والدولية بأنها مهزلة.
خصوصا أن السيسي تفوق على مرشحين معروفين بأنهما من أنصاره، حمدين صباحي في عام 2014 وموسى مصطفى موسى عام 2018.
وأعلن الترشح لولاية ثالثة على التوالي "لتلبية مطالب الشعب المصري"، على حد قوله رغم وعده في عام 2018 بعدم الترشح مرة أخرى.
وفي حالة تحقيق الفوز، وهو أمر مرجح للغاية بحسب المجلة الإيطالية، سيبقى في السلطة حتى عام 2030.
ويأتي ذلك بعد تمرير السيسي ما يسمى التعديلات الدستورية لعام 2019 التي أقرت تمديد مدة الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات وإمكانية الترشح لولاية رئاسية ثالثة على التوالي.
أعادت المجلة التذكير أن العديد من المراقبين المستقلين تحدثوا عن تزوير وضغوط مارستها قوات الأمن لصالح نجاح الاستفتاء الذي مر في النهاية بنسبة 89 بالمئة من الأصوات وبنسبة إقبال تزيد قليلاً عن 44 بالمئة.
وذكرت على سبيل المثال ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بشأن شراء الأصوات مقابل المال أو الطعام.
"منافسو" السيسي
يتعين على كل من يرغب بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية بحسب الدستور المصري أن يحصل على تزكية 20 برلمانيا أو توكيل 25 ألف ناخب من 15 محافظة على الأقل.
وفي الموعد النهائي لتقديم الترشيحات في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى السيسي، تمكن ثلاثة مرشحين آخرون فقط من تلبية الحد الأدنى من الشروط التي حددتها الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية.
وهم فريد زهران، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي والناشط اليساري السابق في السبعينيات، والذي يعد من الوجوه الرئيسة للمعارضة لكنه لا يزال مقربا من المخابرات المصرية وبالتالي من السيسي نفسه الذي كان رئيسًا لها (المخابرات الحربية) من عام 2010 إلى عام 2014.
المرشح الثاني هو عبد السند يمامة، أمين عام حزب الوفد، أقدم حزب ليبرالي في مصر. وكذلك ترشح حازم عمر من حزب الشعب الجمهوري رسميا في 14 أكتوبر وهو رجل أعمال سابق ومؤيد حالي للسيسي.
بينما أعلنت رئيسة حزب الدستور المصري، جميلة إسماعيل، تراجعها عن الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، بعد رفض الحزب مشاركتها.
فيما كشف المعارض المصري والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي في أكتوبر أنه لم يجمع سوى نحو نصف عدد التوكيلات المطلوب للترشح.
وأعلن منسق حملته الانتخابية، المستشار محمد أبو الديار انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية. وكانت حملة الطنطاوي قد استنكرت في عدة مرات أن أنصاره يُمنعون عمدا من الحصول على التوكيلات بحجج مختلفة.
وأحيل الطنطاوي بعد إلى المحاكمة الجنائية في نوفمبر/تشرين الثاني بتهمة تداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات وذلك عقب إعلانه عدم استيفائه شروط خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
واتهم المعارض، ومدير حملة ترشحه في الانتخابات الرئاسية محمد أبو الديار و21 من أعضاء الحملة في قضية "التوكيلات" بطباعة وتداول أوراق العملية الانتخابية.
علقت المجلة الإيطالية بأن عقد جلسات محاكمة لطنطاوي يأتي في إطار حملة قمع واسعة النطاق يشنها النظام قبل الانتخابات ويتم تنفيذها على جبهات متعددة.
وذلك في إشارة إلى اعتقال أكثر من 200 شخص، بينهم ناشطون بتهم الإرهاب، مما أدى إلى تقليص المساحة المحدودة المتاحة أمام المجتمع المدني والمعارضة السياسية.
الأزمة الاقتصادية
العنصر الأبرز خلال الحملة الانتخابية التي جرت بهدوء بالنظر إلى نتيجتها المحسومة، يظل الأزمة الاقتصادية التي تخنق المجتمع المصري منذ سنوات، على حد تعبير المجلة الإيطالية.
وتشرح أن تقديم موعد الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها في ربيع عام 2024، يعود في حد ذاته إلى الأزمة الاقتصادية بعد أن تجاوز معدل التضخم 40 بالمئة وانخفاض قيمة العملة إلى 50 بالمئة.
بالإضافة إلى ذلك، يعيش 30 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما يقدر البنك الدولي أن النسبة تصل إلى حوالي 60 بالمئة.
وعلى الرغم من "حملة البنية التحتية والسياسة الخارجية" التي نفذها السيسي، تشرح المجلة أن السلطات قررت تقديم موعد الانتخابات لتجنب زيادة السخط بسبب احتمال تفاقم الوضع الاقتصادي من ناحية.
ومن ناحية أخرى، جاء التقديم على ضوء الإصلاحات الاقتصادية والمالية المؤلمة التي ستعتمد خلال الأشهر المقبلة.
لفتت المجلة أن ما يثير قلق الطبقة الحاكمة المصرية بشكل خاص هو الإصلاحات الهيكلية للنظام الاقتصادي.
بما في ذلك الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن دائم وخفض الدين العام المرتبطة بقرض بقيمة 3 مليارات دولار جرى الاتفاق عليه في أكتوبر 2022 مع صندوق النقد الدولي.
من جانبهم، أكد العديد من المحللين أن مشكلات الاقتصاد المصري ترتبط بضعف هيكلي بسبب الاعتماد على السلع الغذائية المستوردة رغم قرض صندوق النقد الدولي وانضمام القاهرة إلى مجموعة البريكس (تكتل اقتصادي سياسي دولي) المتوقع في يناير/كانون الثاني 2024.
إلى جانب، احتكار الجيش لمختلف القطاعات الإنتاجية والسياسية ونقص الموارد المائية، وهو ما يؤثر على إنتاج الطاقة بالإضافة إلى تأثيره على القطاع الأولي.
في سياق آخر، أكدت المجلة أن هناك مسائل أخرى تحتل مساحة مهمة في النقاش العام المصري، مثل القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل، وكذلك النزاع مع إثيوبيا، واستقرار دول الجوار مثل السودان وليبيا.
في الختام، ترى أن النظام بات يشكو ظهور بعض نقاط الضعف الهيكلية التي لم يعد بإمكان السلطة الحاكمة تجاهلها رغم فوز السيسي المؤكد بالانتخابات.
لذلك ترى أن إستراتيجية الاعتماد فقط على الجيش والشركاء الدوليين قد تكون فاشلة على المدى الطويل في ظل انتشار الفقر وتعثر الاقتصاد وما يترتب على ذلك من تراجع في شعبية السيسي.