أسوة بالحوثي.. هل مليشيات العراق قادرة على ضرب سفن إسرائيل بالبحر المتوسط؟
أثار تلويح حلفاء إيران في العراق، بنقل عملياتهم العسكرية إلى البحر المتوسط وتعطيل الملاحة فيه، تساؤلات عن مدى قدرتهم على تكرار ما تفعله مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر، رغم أن حزب الله اللبناني هو الأقرب جغرافيا إلى هذه المنطقة.
ومنذ 17 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، تستهدف مليشيات شيعية عراقية موالية لإيران، قواعد عسكرية يوجد فيها أميركيون بالعراق وسوريا، ردا على الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة في السابع من الشهر ذاته.
مرحلة جديدة
وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2024، قال زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" العراقية، أبو آلاء الولائي، إنه "في الوقت الذي يعاود فيه الاحتلال الأميركي المجرم استهدافه السافر لقواتنا الأمنية وحشدنا (الشعبي) المقدس في عدد من مناطق العراق، فإننا نشد على يد مجاهدي المقاومة الإسلامية في العراق شروعهم بالمرحلة الثانية من عملياتهم المباركة".
وأضاف الولائي خلال تدوينة عبر منصة "إكس" أن هذه المرحلة "تتضمن إطباق الحصار على الملاحة البحرية الصهيونية في البحر المتوسط، وإخراج موانئ الكيان الغاصب عن الخدمة، واستمرار ذلك حتى فك الحصار الظالم عن غزة، وإيقاف المجازر الصهيونية المروعة بحق أهلها".
تصريحات الولائي جاءت على خلفية الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة على منشآت تابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية في محافظتي الأنبار وبابل، في 24 يناير، وأودت بحياة اثنين منهم وإصابة نحو 6 آخرين.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان "بتوجيه من الرئيس جو بايدن تم شن 3 ضربات ضرورية ومتناسبة على 3 منشآت في العراق"، مشيرا إلى استهداف "منشآت لكتائب حزب الله العراقي المدعومة من إيران ومجموعات أخرى".
وأضاف أوستن خلال بيانه في 24 يناير، أن الضربات التي تم توجيهها لمجموعات في العراق "رد مباشر على سلسلة هجمات تصعيدية ضدنا".
كما أعلنت القيادة الوسطى الأميركية في اليوم نفسه أن الغارات جاءت ردا على هجمات "كتائب حزب الله"، بما في ذلك الهجوم على قاعدة عين الأسد الجوية في غربي العراق، مؤكدة أن الضربات استهدفت مقر "الكتائب" مواقع تخزين الصواريخ والقذائف والمسيرات.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد أعلنت أن قواتها في العراق وسوريا تعرضت يوم 22 يناير إلى هجمات جديدة بالصواريخ والمسيّرات بدون وقوع إصابات.
وقال البنتاغون إن قواته في قاعدة عين الأسد الجوية تعرضت لهجوم بطائرة مسيّرة لم يسفر عن إصابات أو أضرار.
كما ذكر أن القوات المتمركزة عند مهبط الطائرات في الرميلان بريف الحسكة شمالي سوريا تعرضت لهجوم بصاروخ لم يسفر عن إصابات أو أضرار، إضافة إلى تعرض "موقع الفرات للدعم" لهجوم بصواريخ عدة بدون خسائر.
في الوقت الذي يعاود فيه الاحتلال الامريكي المجرم استهدافه السافر لقواتنا الامنية وحشدنا المقدس في عدد من مناطق العراق، فإننا نشد على يد مجاهدي المقاومة الاسلامية في العراق شروعهم بالمرحلة الثانية من عملياتهم المباركة المتضمنة إطباق الحصار على الملاحة البحرية الصهيونية في البحر…
— ابو الاء الولائي (@aboalaa_alwalae) January 23, 2024
تبييض للسمعة
وبخصوص مدى إمكانية تنفيذ المليشيات العراقية تهديداتها، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي لؤي العزاوي، إن "ما صدر عن الولائي مجرّد تصريحات إعلامية غير قابلة للتطبيق، وربما يطلقون صاروخا أو صاروخين لا تأثير لهما على منطقة البحر المتوسط".
وأوضح العزاوي أن "هذه المليشيات تعرف جيدا أن تداعيات أي تحرك من هذا النوع ستكون عواقبه وخيمة عليهم، فهم ليس لهم حاضنة شعبية يرتكزون عليها في العراق، وأن أي ضربة غربية لإنهائهم ستكون محل ترحيب في المناطق الشيعية قبل السنية والكردية".
ولفت الباحث إلى أن "الغريب في الأذرع الإيرانية هو أن القريب منها جغرافيا على إسرائيل- مثل حزب الله اللبناني- لا يشن هجوما صاروخيا يستهدف فيه تل أبيب ومراكز مهمة للاحتلال، بل أن البعيدين منهم سواء في العراق واليمن يتوعدون بالقصف".
ورأى العزاوي أن "مليشيات إيران تعد العدوان الإسرائيلي على غزة فرصة لتبييض سمعتها وتاريخها الأسود المليء بالإجرام ضد شعوب المنطقة سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، ومن ضمن ضحاياهم، الفلسطينيون في بغداد ودمشق، لذلك فهم لا يقلون شرا عن الاحتلال وما يرتكبه من فضائع".
الأمر الآخر، يضيف العزاوي، أن "أبو آلاء الولائي هو أحد قادة الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، ويشارك في اجتماعات الدورية التي حضرها رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لذلك الولايات المتحدة سيكون لها موقف من الجهات الرسمية بالبلاد، ولا يقتصر فقط على الرد العسكري".
ولفت الباحث إلى أن "الولائي يريد أن يكون له قدم في الحكومة وأخرى مع المليشيات المسلحة، ويريد أن يذهب إلى ما ذهبت إليه مليشيا الحوثي اليمنية من إرباك الأوضاع في البحر الأحمر".
وفي 11 يناير 2024، نشر "معهد واشنطن" الأميركي تحليلا، رأى فيه أن المليشيات في العراق تتطلع إلى دور إقليمي كوكيل إيران الرئيس الموجه نحو الجنوب بالعراق، والذي يضطلع بمسؤولية العمليات في "دول الخليج".
وأوضح المعهد الأميركي، أن التهديدات التي تطلقها المليشيات العراقية، وتحديدا "كتائب حزب الله" العراقية، تعكس غيرتهم أذرع إيران الأخرى من الحوثيين و"حزب الله" اللبناني.
تهديد غير واقعي
من جهته، أعرب المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي عن استغرابه من تدوينة أبو آلاء الولائي، وقال إن "العراق ليس لديه أي مساحة جغرافية مع البحر المتوسط تمكّن الفصائل العراقية من الوصول إليه. حزب الله اللبناني هو الوحيد من قوى محور المقاومة يستطيع فعل ذلك، لكنه يرفض القتال مع إسرائيل".
وبيّن الدعمي خلال مقابلة تلفزيونية في 24 يناير، أنه "مضى أكثر من ثلاثة أشهر على حرب إسرائيل ضد غزة، لكننا لم نشهد سوى مناوشات وبعض الصواريخ أطلقها حزب الله اللبناني، وسقط له بعض القتلى، لذلك فإن الحديث عن إمكانية شن هجمات في البحر الأبيض المتوسط لا أستطيع استيعابها".
وأشار إلى أن "هناك تهديدا واقعيا وآخر غير واقعي، لذلك فإن الفصائل العراقية لا تستطيع الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وحزب الله الذي لديه إمكانية الوجود في هذه المنطقة، صرّح أكثر من مرة بأنه لا يريد جرّ لبنان إلى المواجهة مع إسرائيل".
وفي 3 نوفمبر 2023، قال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله إن موقف الحزب مما يجرى في غزة مرهون بتطور الأوضاع هناك وبسلوك إسرائيل في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية، وترك كل الخيارات مفتوحة.
وتابع الدعمي، قائلا: "لذلك هناك كلام يقال للإعلام فقط، وآخر يطلق بشكل واقعي، خصوصا أن الشعب العراقي غير مستعد للدخول إلى المعركة هذه لأنه يتذكر آثار الحروب التي خاضها البلد سواء مع إيران 8 سنوات منذ عام 1980، أو غزو الكويت في 1990، وصولا إلى الاحتلال الأميركي عام 2003".
ورأى الدعمي أنه "إذا فلتت الأمور في العراق، فإن أوضاع البلد غير مأمونه، وكذلك الفصائل وضعهم غير مضمون لا في إقليم كردستان أو المدن الغربية، ولا حتى في وسط وجنوب البلاد الذي فيه الكثير من الخصوم، وبالتالي كيف يقاتل والساحة ليست له؟"
وتُتهم المليشيات الموالية لإيران مع القوات الأمنية الرسمية، بقتل الناشطين العراقيين في الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت وسط وجنوب العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إذ وصل عدد القتلى إلى نحو 800 شخص، وإصابة أكثر من 35 ألفا، غالبيتهم من المكون الشيعي.
وكذلك يوجه السنة اتهامات للمليشيات الشيعية باختطاف نحو 12 ألف سُني واقتيادهم إلى جهة مجهولة، في أعوام 2014 و2015 و2016، وذلك خلال المعارك التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم الدولة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ومناطق شمال محافظة بابل.
وعلى صعيد المكوّن الكردي، فإن سلطات إقليم كردستان العراق، يتهم المليشيات الموالية لإيران باستهداف مستمر ينال منشآتها الحيوية، لا سيما مطار أربيل، إضافة إلى القواعد العسكرية التي توجد فيها قوات أميركية.