مخدرات وعصابات وحالة طوارئ.. ما مآلات الصراع الداخلي المسلح في الإكوادور؟
جراء أعمال العنف التي تحدث في البلاد، وبعد يوم من إعلان رئيس الإكوادور، دانييل نوبوا، حالة الطوارئ، اقتحم رجال مسلحون استوديوهات محطة "TC" في غواياكيل، وهددوا الموظفين بالأسلحة على الهواء مباشرة.
وأعلن نوبوا في 9 يناير/كانون الثاني 2024، أن الدولة تعيش "صراعا مسلحا داخليا" ضد الفصائل القوية التي تسيطر على تهريب الكوكايين.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بنسختها البرتغالية، تعرض الآن واشنطن مساعدتها، ومن المتوقع أن يصل وفد من الشرطة والجيش والدبلوماسيين الأميركيين إلى الإكوادور في الأسابيع المقبلة.
وفي نفس الوقت، تشير إلى أن ما يحدث ليس جديدا في أميركا اللاتينية، فقد حدث ذلك في بلدان مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا.
فما مآلات القرارات الأخيرة للحكومة الإكوادورية؟ وهل تستطيع الحد من العنف أم سيزداد؟ وهل يتسع الصراع وينتشر في الدول اللاتينية؟
صراع داخلي
وصرح رئيس الإكوادور لـ "بي بي سي" بأن "أعمال العنف بين الفصائل التي اندلعت بشكل كبير في بلاده تمثل مشكلة للعالم أجمع".
والآن، يواجه نوبوا، أصغر رئيس في تاريخ الإكوادور والبالغ من العمر 36 عاما، أكبر أزمة في العصر الحديث للبلاد.
وجاء إعلان حالة الطوارئ بعد اختفاء زعيم عصابة شهير من زنزانته في السجن، وتبعه اقتحام رجال مسلحين محطة تلفزيونية، حيث أُصيب اثنان من العاملين، ومن ثم ألقت الشرطة القبض على 13 شخصا بعد الهجوم.
ووفقا للهيئة، من غير الواضح ما إذا كانت هناك علاقة بين حادثة اقتحام الاستوديو التلفزيوني في مدينة غواياكيول وبين اختفاء زعيم العصابة من السجن الواقع في المدينة نفسها.
وتذكر بي بي سي أن "ما لا يقل عن عشرة أشخاص لقوا مصرعهم منذ 8 يناير/كانون الثاني 2024، الذي شهد إعلان حالة الطوارئ لمدة 60 يوما في الإكوادور".
وخلال زيارته الأولى إلى غواياكيل منذ اندلاع أعمال العنف، أقر الرئيس بأن المهمة التي تنتظره لتهدئة البلاد "شاقة".
وأعلن في 9 يناير أن الدولة تعيش "صراعا مسلحا داخليا" ضد الفصائل القوية التي تسيطر على تهريب الكوكايين. ولذلك، أمر نوبوا الجيش بـ "تحييد" 22 جماعة مسلحة أعاد تصنيفها على أنها "منظمات إرهابية".
وكما وصفتها الهيئة الإذاعية بأنها "القضية الأكثر إلحاحا"، اعترف نوبوا بأن قواته "لا تزال تجهل مكان وجود زعيم عصابة المخدرات سيئ السمعة، خوسيه أدولفو ماسياس، المعروف باسم (فيتو)".
ووفق ما ذكرته الهيئة البريطانية، "يبدو أن هروب فيتو المخيف من السجن قد أثار الكثير من أعمال العنف اللاحقة".
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة الإكوادورية أنها "تعتزم البحث عن الزعيم الهارب فيتو، بالإضافة إلى فابريسيو كولون بيكو، رئيس عصابة منافسة هارب أيضا".
ومشيرة إلى أن مشاكل الإكوادور "عميقة ومعقدة"، توضح هيئة الإذاعة البريطانية أن "هذه العصابات، التي يُعتقد أنها تعمل بالتعاون مع عصابات مكسيكية قوية، تهرب أطنانا من الكوكايين من موانئ البلاد -مثل غواياكيل- إلى الولايات المتحدة وأوروبا".
وتابعت: "وفي حين أن أعضاء الفريق الرئاسي يعرضون حملة سياحية جديدة تهدف إلى تشجيع الأجانب على زيارة العجائب الطبيعية في جبال الأنديز، شهد العالم جانبا أقبح من الإكوادور في الأيام الأخيرة، حيث تنزلق البلاد بشكل أعمق في الصراع المسلح وتبتعد أكثر عن الاستقرار".
وتحذر هيئة الإذاعة البريطانية من أن الإكوادور ربما تتجه نحو التحول إلى "دولة مخدرات" فاشلة. وفي المقابل، دحض الرئيس نوبوا هذا السيناريو قائلا إنه "مصمم على ألا تصل البلاد إلى هذه النقطة".
تاريخ طويل
ولأن الصراع في الإكوادور يؤثر على العالم أجمع، أدانت الولايات المتحدة ما وصفته بـ "الهجمات السافرة"، معلنة أنها "تنسق عن كثب" مع الرئيس دانيال نوبوا ومع الحكومة الإكوادورية.
وفي حين يرى منتقدو رئيس الإكوادور أن "التدخل الأميركي (عبر جلب القوات) أمر سلبي، يشيد هو بالمبادرة في المقابل".
وقال: "من المشجع أن نرى المجتمع الدولي يهتم حقا بما يحدث هنا، فهذا يؤثر على العالم أجمع، حيث إن إرهابيي المخدرات الذين يعملون هنا لديهم عمليات في أوروبا والولايات المتحدة".
وبالنظر إلى المنطقة بأكملها، تقول هيئة الإذاعة البريطانية إن "أميركا اللاتينية، بما فيها البرازيل والمكسيك والإكوادور وكولومبيا، تشتهر بعملياتها المتكررة لمكافحة المخدرات".
وتنوه الهيئة إلى أن البلاد المذكورة مليئة بالأمثلة حول كيفية تكليف الجيش -بشكل مؤقت أو دائم- بمهام مكافحة الاتجار بالمخدرات، والذي أسهم في بعض الأحيان في نجاح العمليات.
ويرى المتخصص في الأمن العام المكسيكي ديفيد سوسيدو، أن "أحد الأسباب التي جعلت حكومات أميركا اللاتينية تلجأ بشكل متكرر إلى هذا النوع من العمليات هو الضغط التاريخي الذي تمارسه الولايات المتحدة، التي اشتكت من الضعف الشديد في أنظمة العدالة والأمن في المنطقة".
وبهذا الشأن، يوضح المتخصص أن "الشرطة في أميركا اللاتينية اتسمت بشكل عام بالفساد اللامتناهي والضعف في مكافحة تهريب المخدرات وعدم قدرتها على منعها من اختراق المؤسسات".
ويضيف أن "قوة الكارتلات -أي العصابات- تتجاوز بكثير قدرات أي من سلطات الأمن العام أو وزارة الداخلية، وهذا ما دفع العديد من الدول إلى الثقة في الجيش، الذي يتمتع بصورة إيجابية لدى عدد كبير من المواطنين".
وأحد أبرز الأمثلة على ذلك -بحسب هيئة الإذاعة البريطانية- هي رحلة المكسيك في مكافحتها لعصابات المخدرات.
وتعود مشاركة جنود الجيش في عمليات مكافحة المخدرات بالمكسيك إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأوا في المشاركة في القضاء على محاصيل المخدرات غير المشروعة.
فضلا عن أنهم قادوا عمليات مهمة، مثل التي نُفذت عام 1984 ضد مزرعة رافائيل كارو كوينتيرو، زعيم عصابة غوادالاخارا، والتي انتهت بحرق آلاف الأطنان من الماريغوانا.
وبخلاف المكسيك، تلفت الهيئة الإذاعية إلى أن كولومبيا دولة أخرى ذات تقليد طويل في استخدام القوة العسكرية ضد تهريب المخدرات.
خطر محتمل
وبهذا الشأن، تسلط كاتالينا ميراندا أغيري، الباحثة في مؤسسة "أفكار من أجل السلام" في البلاد، الضوء على الدور المهم الذي لعبته الشرطة الوطنية في هذا المجال خلال العقود الأخيرة.
ورغم ذلك، توضح الهيئة أن "الجيش قد اكتسب وجوده الخاص، لا سيما بعد الموافقة في عام 2000 على خطة كولومبيا"، لافتة إلى أن "الولايات المتحدة عززت أيضا القدرة العسكرية للبلاد عبر دعم الجيش بملايين الدولارات".
و"خطة كولومبيا" أطلقت من أجل محاربة المخدرات وقدمت خلالها الولايات المتحدة مساعدات بلغت عشرة مليارات دولار فيما بين عامي 2000 و2015 لتحقيق هذا الهدف.
وأشارت الخبيرة السياسية، نيوز موندو، إلى أن "جنود الجيش بدأوا في لعب دور مهم للغاية فيما يتعلق بالأمن الداخلي في وقت لم يكن لدى الشرطة القدرات الكافية للتعامل مع هذا المستوى المثير للمتاعب من الجريمة".
وأضافت أن "قدرات الجيش تعززت ليس فقط في مكافحة تهريب المخدرات، بل أيضا في محاربة التمرد".
نظرا لصعوبة الحصول على الأرقام والنسب الدقيقة، تشير هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن تقييم هذه التوغلات العسكرية بالأرقام أمر معقد.
لكنها في ذات الوقت تقول: "في بلدان مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا، لم تحقق عمليات الانتشار العسكري لمكافحة تهريب المخدرات دائما النتائج المتوقعة".
ونوهت إلى أن هذه الأعمال أدت إلى زيادة العنف في بعض الأحيان. وهنا تحذر الهيئة البريطانية من حدوث سيناريوهات مماثلة في الإكوادور.
وبتحليل المهام العسكرية للجيش، تذكر أن الجانب الإيجابي منها هو أنه "يستطيع السيطرة على المناطق التي يمكن لجماعات الجريمة المنظمة أن تمارس فيها سلطة قوية للغاية، أو القبض على أعضاء رفيعي المستوى في هذه الجماعات".
أما الأمر السلبي، والذي اتفق عليه جميع الخبراء، هو أن "الجيش ليس لديه تدريب محدد لهذا النوع من المهام، أو التفاعل مع السكان المدنيين الذين يجب أن يتعاملوا معهم حتما".
وفي هذا الصدد، تشير "بي بي سي" إلى حدوث بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء تنفيذ هذا النوع من العمليات.
وتوضح أن "الموازنة بين التهديد الذي لا تستطيع الشرطة مواجهته بمفردها، إلى جانب حماية حقوق السكان المدنيين الذين يقعون في مرمى النيران بين الجريمة المنظمة والقوة الأكثر فتكا في الدولة، معضلة تشكل تحديا صعبا للغاية".