محمد أجليقين.. مستشار طحنون بن زايد ومهندس عملياته المشبوهة
يطلق على "محمد سومر نصوح أجليقين" في الأوساط المالية والأمنية الإماراتية، أنه طبيب الأسنان السوري الأكثر حظا في أبو ظبي، لكونه أقرب رجال طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي إليه.
نادرا ما يظهر أجليقين للعلن، إذ يشغل منصب نائب رئيس الشركة الدولية القابضة، ويعد النجم الساطع في مجرة طحنون المالية.
ومع ذلك، فإن طبيب الأسنان والملحن الموسيقي له مكانة خاصة في قلب عملية إعادة التنظيم واسعة النطاق للأصول الأكثر إستراتيجية في أبوظبي، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالمسائل المالية بل والأمنية أيضا.
وفي 3 يناير/كانون الثاني 2024، عين أجليقين رئيسا تنفيذيا لمجلس إدارة شركة "غذاء القابضة" لتجارة المواد الزراعية (محلات Zee سابقا)، وهي تابعة للشركة العالمية القابضة (IHC).
والأخيرة ليست شركة استثمارية عادية، إنما يرأسها مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد الذي يملك 61 بالمئة من أسهمها عبر شركته "رويال غروب".
ومنذ عام 2020، يشغل أجليقين منصب نائب رئيس الشركة العالمية، وخلال عمله لدى شركة "غذاء"، يقود إستراتيجية قوية للاستحواذ على أصول الأغذية الزراعية العالمية، وهي إحدى أهم أولويات طحنون بن زايد.
الساعد الأيمن
بدأت علاقة أجليقين بطحنون، شقيق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عندما عمل مستشارا للأسهم الخاصة في مجموعة "رويال".
وهو عضو غير رسمي في الدائرة الداخلية للعقل المدبر للشؤون المالية في أبوظبي، إلى جانب الباكستاني سيد بصر شعيب والمغربية صوفيا العسكي ورئيس شركة "القابضة ADQ" للاستثمار محمد حسن السويدي.
ومن خلال العمل معهم، أشرف أجليقين على عمليات شراء وبيع وإدارة العديد من استثمارات طحنون الكبرى.
وكان أجليقين مع السويدي وشعيب جزءا من وفد يرأسه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، الذي يشغل الآن منصب مستشار طحنون في الشركة العالمية القابضة.
وقد جال الوفد خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في أميركا الجنوبية، قبل بدء الأزمة المالية، حيث وصل المستشارون إلى بنما، وتحدثوا مع رئيسها لورينتينو كورتيزو.
كذلك انخرط أجليقين بشكل كبير في المفاوضات مع الحكومة الكولومبية لإتمام عملية استحواذ الشركة العالمية القابضة على شركة الأغذية الزراعية الكولومبية العملاقة Grupo Nutresa.
كانت هذه الصفقة، التي شارك فيها رجل الأعمال جيمي جيلينسكي مع الشركة العالمية، جزءا من محادثات دبلوماسية وتجارية مكثفة بين منظومة طحنون والدولة الكولومبية، والتي أدت إلى اتفاق وُقع في يونيو/حزيران 2023.
وقتها أصبح أجليقين على رأس إمبراطورية طحنون، وساعده الأيمن بلا منازع.
بعدها شغل منصب مدير مجموعة PAL، وهي شركة قابضة تنشط في عدة قطاعات، بدءا من البناء وتجارة النفط إلى مرافق تربية الأحياء المائية وتحلية المياه.
لعبت PAL دورا كبيرا من خلال استحواذ شركتها الفرعية PAL Technologies على برامج استخباراتية مختلفة أُرسلت إلى طحنون وكذلك إلى مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك شرطة أبوظبي وشركة الاتصالات.
وقادت PAL Technologies هذه العقود مع "رويال للحلول التكنولوجية"، وهي شركة تكامل الحلول السيبرانية التابعة لمجموعة "رويال" والتي استعانت خلال العام 2023، بمجموعة من خبراء الأمن السيبراني من شركة "دارك ماتر" Dark Matter، ذراع الهجوم السيبراني السابقة للإمارات..
صلاحيات واسعة
وبالدخول إلى المعلومات الشخصية الخاصة الشحيحة عن "أجليقين" فإنه تعلم خلال شبابه الشعر والرسم والموسيقى في دمشق، متبعا نصيحة والدته باتباع نهج شمولي في الفن.
وبعدها، طلبته دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي و"متحف اللوفر أبو ظبي"، ويرأسهما محمد شقيق خلدون المبارك، اليد اليمنى المالية لمحمد بن زايد لعدة مشاريع.
ويذكر أن أجليقين أصدر في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ألبوما للموسيقى الكلاسيكية الأصلية بعنوان "تأملات".
وفي 26 يناير 2024، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن نفوذ "أجليقين".
وقالت: "إنه على عكس المستشارين الماليين الآخرين لدى طحنون بن زايد، يستطيع أجليقين تقديم المشورة في مجالات أخرى لصالح طحنون، لأن الأخير غالبا ما يوظف إمبراطوريته المالية في خدمة مهامه كرئيس للمخابرات في البلاد".
وأضافت: "يبدو أن أجليقين كان مستشارا للمجلس الأعلى للأمن القومي في عدة مناسبات".
والمجلس هو جهاز المخابرات والأمن الذي تسيطر عليه أبو ظبي وهو أعلى سلطة دفاعية في البلاد.
وأوضحت: "على سبيل المثال، وضع المجلس الخطوط العريضة لتدخل الإمارات في اليمن، وكان لعدة سنوات تحت إشراف خالد الابن الأكبر لمحمد بن زايد الذي أصبح الآن ولي العهد".
رجل المهام "القذرة"
السياق الأكثر جدلا في مهام "أجليقين" بالإمارات وداخل إمبراطورية طحنون بن زايد، هو ارتباط اسمه بأكثر عمليات أبناء زايد سرية.
ففي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشر المركز الدولي للعدالة والديمقراطية (ICJD)، الذي يقدم نفسه كمنظمة غير حكومية لحقوق الإنسان مقرها بريطانيا تغريدة على منصة "إكس" أورد فيها أن لديه وثائق مسربة غير منشورة تظهر تورط أجليقين في أعمال شركة "بلاك شيلد"، التي وصفها المركز بكونها مملوكة لطحنون.
وذكر المركز أن أجليقين ومحمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي للسلطة الفلسطينية في غزة سابقا، هما اللذان ساعدا طحنون بن زايد في تجنيد مرتزقة من السودان وسوريا لتقديم الدعم لقوات خليفة حفتر في ليبيا.
وقد أشارت العديد من وثائق الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي في عام 2021، بناء على تقرير منظمة"هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية لعام 2020، إلى أن شركة "بلاك شيلد" الإماراتية للخدمات الأمنية استأجرت مئات السودانيين في عام 2019 للزج بهم في الصراع الليبي.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا عن "تورط" الإمارات، في تمويل نقل مجموعات من المرتزقة، للقتال في ليبيا إلى جانب مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من أبوظبي والقاهرة.
لم يكن اسم محمد سومر أجليقين، ظاهرا وقتها، لكن عرفت طبيعة مهامه فيما بعد، وكيف أنه أشرف بنفسه على تجنيد المرتزقة للقتال في ليبيا.
وفضح أمر "بلاك شيلد" في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، بعد أن تظاهر مئات السودانيين، أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة الخرطوم، احتجاجا على إرسال أبنائهم للقتال في اليمن وليبيا، بدلا من العمل في خدمات أمنية، حسب عقود مبرمة معهم من قبل الشركة الإماراتية المذكورة.
وقتها ردد المتظاهرون هتافات منددة بولي عهد أبوظبي آنذالك محمد بن زايد، رافعين لافتات مكتوبا عليها: "أولادنا ليسوا للبيع"، "من أجل كرامتنا قامت الثورة"، "فلذات أكبادنا ليسوا بمرتزقة".
بلاك شيلد، التي جرى تأسيسها عام 2001، تعرف نفسها أنها من الشركات المتخصصة في حلول الأمن والتشغيل والتدريب لمكافحة الإرهاب.
وفي 30 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت شبكة "الجزيرة" الإخبارية، مقاطع مصورة حصلت عليها، تظهر مجموعة من الشباب السودانيين الذين تعرضوا للخدعة من "بلاك شيلد"، التي نقلتهم إلى ليبيا بعد إخضاعهم لتدريب عسكري في معسكرات داخل الإمارات.
كما أظهرت الجزيرة، مقاطع خاصة، تؤكد وجود شباب سودانيين في شرقي ليبيا، كانت "بلاك شيلد"، قد نقلتهم إليها قبل أن تعيدهم لأبوظبي بعد ضغوط شعبية.