مارك كارني.. رئيس وزراء كندا الجديد الذي يتحدى ترامب ويرفض التبعية لأميركا

كارني: أيها الأميركيون، يجب ألا تخطئوا، ففي التجارة كما في الهوكي، ستنتصر كندا
يوم 10 مارس/ آذار 2025، وفي قصر المؤتمرات بالعاصمة الكندية أوتاوا، نُصبت الأعلام تحت أضواء حمراء، هي لون راية الحزب الليبرالي الفائز في الانتخابات العامة بزعامة مارك كارني.
وفي نفس يوم نجاح كارني، بدأ تراشق بينه وبين دونالد ترامب، حين أدلى الرئيس الأميركي بتصريح مثير للجدل قائلا: "إنني جاد في أن تصبح كندا الولاية الأميركية رقم 51"، وذلك في مقابلة تم بثها قبل مباراة بطولة السوبر بول (كرة القدم الأميركية).
وفي أول خطاب له بعد النصر، حذر كارني من أن “الأميركيين يريدون بلادنا”، مشيرا إلى أنه "لا يمكن السماح لترامب بالانتصار"، مؤكدا أن كندا بحاجة إلى بناء اقتصاد جديد وإقامة علاقات تجارية جديدة.
وقال كارني: "أميركا ليست كندا، وكندا لن تكون أبدا جزءا من أميركا بأي شكل من الأشكال. لم تطلب كندا هذه المعركة.. أيها الأميركيون، يجب ألا تخطئوا، ففي التجارة كما في الهوكي، ستنتصر كندا".
فمن هو كارني؟ وكيف صعد إلى ذلك المنصب؟ وما هي العقبات الداخلية والخارجية التي تواجهه في هذا التوقيت الصعب؟

ابن إدمونتون
ولد مارك جوزيف كارني في 16 مارس/ آذار 1965، في مقاطعة فورت سميث، بالأقاليم الشمالية الغربية الكندية، لعائلة من أصول أيرلندية.
كان والد كارني يعمل مدير مدرسة ثانوية، وعندما بلغ السادسة من عمره، انتقلت عائلته إلى مدينة إدمونتون عاصمة مقاطعة ألبرتا.
ورث كارني عن والده الاشتغال والاهتمام بالسياسة، حيث كان والده مرشحا عن الحزب الليبرالي بإدمونتون الجنوبية في الانتخابات الفيدرالية الكندية عام 1980، وحصل على المركز الثاني.
في المرحلة الثانوية التحق كارني بمدرسة سانت فرانسيس كزافييه الثانوية، وهي مدرسة لها توجهات دينية، حيث تدار من قبل منظومة مدارس إدمونتون الكاثوليكية.
بعدها التحق بالدراسة في جامعة هارفارد بمنحة جزئية ومساعدة مالية، وخلال سنوات دراسته في هارفارد، كان حارس مرمى احتياطي لفريق هوكي الجليد الجامعي، وهو ما يفسر تشبيه صراعات بلاده مع الولايات المتحدة بلعبة الهوكي التي تتفوق فيها كندا دائما.
وفي عام 1988 تخرج كارني من هارفارد بدرجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف العالية في الاقتصاد، ثم أجرى الدراسات العليا في كلية سانت بيتر وكلية نوفيلد بجامعة أكسفورد، حيث حصل على درجة الماجستير في الفلسفة، ودرجة الدكتوراه في الاقتصاد خلال عامي 1993 و1995.
بدأ مارك كارني حياته العملية كموظف في بنك "غولدمان ساكس" الأميركي، وقضى هناك 13 عاما، حيث عمل في مكاتبه في بوسطن ولندن ونيويورك وطوكيو وتورنتو، وشملت مناصبه العليا المتدرجة رئيسا مشاركا لقسم المخاطر السيادية.
وعمل أيضا مديرا تنفيذيا لأسواق رأس المال الناشئة، ومديرا إداريا للخدمات المصرفية الاستثمارية، كما عمل في مشروع جنوب إفريقيا في أسواق السندات الدولية بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، وشارك أيضا في عمل بنك "غولدمان ساكس" مع الأزمة المالية الروسية عام 1998.
وفي عام 2003، غادر كارني غولدمان ساكس للانضمام إلى بنك كندا كنائب محافظ، وبعد عام واحد، تم اختياره للانضمام إلى وزارة المالية الكندية كنائب وزير ومساعد أول.
وفي الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2007، كان كارني نائبا لمجموعة السبع في وزارة المالية الكندية.
وخلال هذه الفترة، أشرف كارني على خطة حكومة كندا المثيرة للجدل لفرض ضرائب على صناديق الدخل من المصدر.
كما قاد عملية بيع الحكومة الفيدرالية لحصتها البالغة 19٪ في شركة بترو كندا، وكانت هذه أكبر عملية طرح أسهم في تاريخ البلاد آنذاك.

الاقتصادي المنقذ
نتيجة لتلك الخبرة، تم تعيين كارني محافظا لبنك كندا، في 1 فبراير/ شباط 2008، وكان توقيت ولاية كارني صعبا للغاية، لأنه جاء في بداية الأزمة المالية العالمية، وكان كارني آنذاك أصغر محافظ بنك مركزي بين مجموعة الثماني ومجموعة العشرين.
ومع ذلك فإن السياسة المالية التي اتبعها كارني بصفته محافظا لبنك كندا، لعبت دورا رئيسا في مساعدة بلاده على تجنب أسوأ تأثيرات الأزمة المالية.
فحينها اتخذ كارني قراره بخفض سعر الفائدة لليلة واحدة بمقدار 50 نقطة أساس في مارس 2008، بعد شهر واحد فقط من تعيينه.
في نفس الوقت رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة في يوليو 2008، حينها توقع كارني أن تؤدي أزمة القروض ذات الرافعة المالية إلى انتشار عدوى عالمية، وهو ما حدث بالفعل.
وفي أبريل/ نيسان 2009 عندما وصلت أسعار الفائدة في كندا إلى الحد الأدنى، واجه البنك المركزي الأزمة باستخدام أداة نقدية غير قياسية تعرف باسم “الالتزام المشروط”، وذلك بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير لمدة عام على الأقل، ما عزز ظروف الائتمان المحلية وثقة السوق.
وبسبب إستراتيجية كارني، بدأ الناتج والعمالة في التعافي منذ منتصف عام 2009، ويعود ذلك جزئيا إلى التحفيز النقدي، وحينها تفوق الاقتصاد الكندي على نظرائه في مجموعة الدول السبع خلال الأزمة، وكانت كندا أول دولة من مجموعة الدول السبع التي يتعافى فيها كل من الناتج المحلي الإجمالي والعملة إلى مستويات ما قبل الأزمة.
بعدها نال كارني العديد من الأوسمة لقيادته كندا خلال الأزمة المالية، فقد تم اختياره كواحد من "الخمسين الذين سيشكلون الطريق إلى الأمام" وفقا لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
كذلك تم اختياره ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيرا في العالم، ضمن قائمة مجلة "التايمز" البريطانية لعام 2009، وفي مايو/ آيار 2011، أطلقت عليه مجلة "ريدرز دايجست" الأميركية، لقب "أكثر الكنديين ثقة".
تلك المعطيات جعلت كارني مشهورا على مستوى عالمي، لذلك عين رئيسا للجنة النظام المالي العالمي في "بنك التسويات الدولية"، كما ترأس مجلس الاستقرار المالي بسويسرا عام 2011.
وعقب تلك النجاحات، أعلنت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 تعيين كارني محافظا لبنك إنجلترا، وأصبح أول شخص غير بريطاني يشغل هذا المنصب.
وكما فعل في كندا، استمر على نفس الطريق في إنجلترا، حيث تبنى سياسة "التوجيه المستقبلي"، إذ منح الأسواق المالية إشعارا مسبقا بخطط بنك إنجلترا، مؤكدا أن أسعار الفائدة ستظل منخفضة حتى وصول معدل البطالة في البلاد إلى أقل من 7 بالمئة.
وفي عام 2014، حذر أسكتلندا المستقلة، من أنها قد تضطر إلى التنازل عن سلطاتها للمملكة المتحدة، إذ كانت تريد الاستمرار في استخدام الجنيه الإسترليني.
وفي 2016، اضطر كارني إلى التعامل مع الاضطرابات الاقتصادية التي أعقبت قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والذي حذر منه مسبقا، ووقف ضده مؤكدا أنه قد يشعل فتيل الركود.
وفي عام 2020، بعد انتهاء ولايته محافظا لبنك إنجلترا، أصبح المبعوث الخاص للأمم المتحدة للعمل المناخي والتمويل. ودعا إلى استثمار القطاع المالي في الحد من الانبعاثات الكربونية، وفي العام 2021، أصبح رئيسا مشاركا في التحالف العالمي لمكافحة تغير المناخ.

الطريق إلى القصر
رغم المناصب الاقتصادية والمسيرة الطويلة التي قطعها مارك كارني في عالم المال والأعمال، لكن دخوله الفعلي إلى الحياة السياسية جاء متأخرا، ففي عام 2021 أصبح عضوا في الحزب الليبرالي الحاكم.
وفي عام 2024 تولى رئاسة مجموعة العمل الخاصة بالنمو الاقتصادي داخل الحزب، التي كانت ترفع تقاريرها إلى رئيس الحكومة (آنذاك) جاستن ترودو، كما شغل منصب مستشاره الاقتصادي.
وفي يناير/ كانون الثاني 2025، أطلق كارني رسميا حملته لاستبدال ترودو، قائلا "أنا لست المشتبه به المعتاد عندما يتعلق الأمر بالسياسة ولكن هذا ليس وقتا للسياسة المعتادة".
وقال كارني إنه يتمتع بـ"القدرة المطلوبة" لتوجيه كندا خلال فترة من عدم اليقين، حيث تواجه البلاد تهديدات ترامب حينها بفرض رسوم جمركية، وضعف النمو الاقتصادي والتضخم، الذي ارتفع خلال عهد ترودو.
ومع ذلك فقد صرحت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تروس: "أوصي بشدة بعدم دعم مارك كارني، بسبب سياساته المتعلقة بصافي الانبعاثات الصفرية، لقد كانت كارثية على بريطانيا، وستكون كارثية على كندا".
لكن كارني صرح أمام مؤيديه الذين تجمعوا لمشاهدة إطلاق حملته الانتخابية "لقد سمح رئيس الوزراء وفريقه لأنفسهم بالابتعاد عن الاقتصاد في كثير من الأحيان.. أما أنا فلن أفقد تركيزي".
كما رأى أن زعيم المحافظين (المعارض) بيير بواليفير هو الخيار "الأسوأ" للجلوس على طاولة المفاوضات مع ترامب، لأنه "سيسعى للحصول على تأييد ترامب وإيلون ماسك"، حسب كارني.
موقفه من فلسطين
على مستوى الشرق الأوسط، والعدوان الإسرائيلي على غزة، فإن موقف مارك كارني كان حاضرا، ففي 5 فبراير 2025، كتب تغريدة على صفحته الرسمية بموقع "إكس" أعلن فيها رفضه اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين قسرا من غزة، ورأى أن الأمر مقلق للغاية.
وأوضح أن الاقتراح "ينتهك حقوق الفلسطينيين والقانون الدولي، ويعرقل جهود تعزيز السلام والأمن للجميع في المنطقة".
وقال: "إنني أؤيد العمل الجاد من أجل التوصل إلى حل الدولتين، مع إقامة دولة فلسطينية حرة وقابلة للحياة تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل".
وطلب كارني أن تكون الأولوية لاستكمال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم الشامل للأسر الفلسطينية في غزة لإعادة بناء منازلها وحياتها.
ومع ذلك وجهت انتقادات لـ كارني، بسبب تعيينه وزير الأمن العام السابق، "ماركو مينديسينو"، رئيسا لهيئة الأركان، بسبب دعمه القوي لإسرائيل.
وفي 12 مارس/ آذار 2025، نشر موقع "سي بي سي" الكندي، تقريره عن إقدام كارني على تعيين مينديسينو، وقال: "قتل أكثر من 48 ألف فلسطيني في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وبالرغم من ذلك اختار ماركو مينديسينو خيار الوقوف إلى جانب نتنياهو".
كنا انتقد المجلس الوطني للمسلمين الكنديين، أحد أكبر مجموعات الدعوة السياسية التي تمثل المسلمين في كندا، تعيين مينديسينو.
وحث المجلس أنصاره على إرسال رسائل إلكترونية إلى كارني يطلبون منه تفسير سبب تعيينه لمينديسينو، الداعم لإسرائيل، ولجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.