جامعات سعودية تحتال أكاديميا لتُصنف ضمن الأفضل عالميا.. ما القصة؟

12

طباعة

مشاركة

الصعود المفاجئ لجامعات سعودية في تصنيفات الجامعات العربية والدولية أثار شكوكا وتساؤلات حول حقيقة الأمر، وهل هو متصل بتفوق علمي حقيقي أم مصطنع بفعل "الاحتيال الأكاديمي" عبر شراء أبحاث وباحثين لرفع تصنيفها.

تقارير علمية دولية كشفت أن جامعات المملكة الأعلى تصنيفا تلجأ إلى “طرق احتيال أكاديمية” لرفع تصنيفها، عبر شراء أبحاث من الباحثين الأجانب، أو "شرائهم أنفسهم" عبر تغيير انتسابهم من جامعاتهم المتقدمة علميا إلى جامعات سعودية.

انتماءات زائفة

ولا يعرف أسباب هذا الاحتيال الأكاديمي السعودي رغم أنه منتشر على مستوى العالم العربي، لكن أساتذة جامعيين يرجحون أن يكون السبب هو محاولة سلطات ولي العهد محمد بن سلمان، إظهار أن المملكة “تتغير وتتقدم وفق رؤيته لعام 2030”.

الأغرب أن هذه الانتماءات الأكاديمية الزائفة، رافقها في بعض الأحيان أيضا شراء التصنيفات التي تحدد تفوق الجامعات، حيث بدأت تظهر تصنيفات أخرى تنطلق من الإمارات والسعودية تعطي تصنيفات عالية لجامعاتها.

فبجانب تصنيفات الجامعات الأبرز في العالم، وهي تصنيف شنغهاي، وتايمز للتعليم العالي (THE)، و"كيو أس" (QS)، ظهر مركز جديد، هو مركز تصنيف الجامعات العالمية (CWUR)، والذي انطلق من السعودية وانتقل للإمارات.

الكارثة أن تقارير علمية وصحفا غربية كشفت أن هناك أيضا "أبحاثا مزيفة" بات ينتجها ما يُسمى "مصانع الأوراق البحثية"، وهي منظمات تنتج وتبيع مقالات وأوراق أكاديمية ملفقة، أو تم التلاعب بها لباحثين يقدمونها لجامعاتهم لإظهار تفوقهم.

ووفقا لآخر تصنيف لجامعات المنطقة العربية لعام 2024، أصدره التنصيف العالمي "كيو إس كواكواريلي سيموندس" للتعليم العالي، والصادر في 18 أكتوبر / تشرين الأول 2023، والذي ضم 223 جامعة من 18 دولة عربية، أظهرت جامعات السعودية تفوقا.

وجاءت "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" على رأس القائمة كأفضل الجامعات في المنطقة العربية، واحتلت "جامعة الملك سعود" المرتبة الثانية، وبعدما كانت "جامعة الملك عبد العزيز"، على رأس قائمة عام 2023 تراجعت إلى المركز الخامس.

ووفقا لتصنيف الجامعات الصادر من "كيو أس" لعام 2023، تصدرت جامعة الملك عبد العزيز المركز الأول عربيا من بين 200 جامعة، والمركز رقم 106 عالميا.

وحسب الترتيب، جاءت ثلاث جامعات سعودية في مراكز الصدارة، وفق "سي إن إن" العربية في 24 يناير/ كانون الثاني 2023.

ولم يظهر هذا التفوق السعودي، عربيا فقط، بل تم الدفع بهذه الجامعات للتقدم في التصنيف العالمي، فجامعة مثل الملك فهد للبترول والمعادن وصلت للمرتبة 180 عالميا، فيما جاء تصنيف جامعة الملك سعود في المركز 203 عالميا، وذلك لأفضل 800 جامعة في العالم.

لكن تقريرا بعنوان "لعبة الانتساب لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في السعودية" نشرته "سيريز أكاديمي"، وهي شركة استشارية أوروبية مقرها برشلونة الإسبانية كشف هذا التلاعب.

وأظهر أن الجامعات أو المؤسسات البحثية في السعودية المتفوقة في تصنيفات الجامعات العالمية تقوم بتشجيع كبار الباحثين في العالم على تغيير انتسابهم في العمل البحثي، أحيانا مقابل المال ليظهروا كسعوديين أو أبحاثهم سعودية.

ويقصد بمصطلح "انتساب" في البحوث العلمية "Affiliation"، الانتماء إلى منظمة بحثية أو جامعة معينة يجري المؤلف البحث تحت مظلتها أو باسمها.

عروض مالية

وكشف تقرير "سيريز أكاديمي" أن “عددا من الباحثين من أصحاب الإسهامات البحثية الأكثر استشهادا بها عالميا خلال السنوات العشر الأخيرة، حولوا انتماءاتهم (انتسابهم) الأساسية إلى جامعات في السعودية”، أي أصبحوا محسوبين على تلك الجامعات السعودية، ما يرفع أسهمها عالميا.

وأكدت الأكاديمية أن هذا "التلاعب" أدى إلى تعزيز ورفع أسهم ومكانة المؤسسات التعليمية السعودية في تصنيفات الجامعات عالميا.

ووجد التقرير أن عدد الباحثين المصنفين عالميا الذين ينتمون لمؤسسات علمية سعودية ارتفع من 27 إلى 109 بين عامي 2014 و2022، وهم يعملون في تخصصات مختلفة، والعديد منهم من إسبانيا والصين والمملكة المتحدة وألمانيا والهند.

ولفتت الأكاديمية إلى أن "عمليات الاحتيال، والانتماءات المضللة التي تقوم بها بعض مؤسسات التعليم العالي والبحث في السعودية، تغذي شكوكا حول مصداقية العلم، وتقوض العمل الرائع الذي قام به معظم العلماء في جميع أنحاء العالم".

وقد أشار لهذا أيضا تقريران بمجلة "نيتشر" البريطانية، الأول في 5 مايو والثاني 9 مايو 2023، حذرا من أن بعض الجامعات السعودية، احتالت للحصول على هذا التصنيف العالي عربيا ودوليا.

وذكرا أن الجامعات السعودية "تلاعبت بالتصنيفات الجامعية العالمية من خلال تشجيع كبار الباحثين على تغيير انتماءاتهم الرئيسة من أجل تحسين تصنيف جامعاتها"، وفق مجلة "نيتشر".

وذلك من خلال "تقديم الأموال لباحثين أجانب، لإغرائهم بتسجيل أسمائهم وتغيير انتماءاتهم الرئيسة من جامعات أخرى إلى "سعودية" لتعزيز وتزوير تصنيف الأخيرة ضمن الجامعات العالمية.

وهو ما أكده باحثون بارزون في جميع أنحاء العالم قالوا إن الجامعات السعودية تواصلت معهم، وقدمت لهم عروضا نقدية مقابل تحويل انتماءاتهم.

أيضا سلطت صحيفة "إلبايس" الإسبانية في 2 أبريل/نيسان 2023 الضوء على الممارسات الاحتيالية التي يقوم بها النظام السعودي لرفع التصنيف العالمي لجامعاته، بما يكسبها مزيدا من النفوذ العلمي، ومن ثم السياسي.

وذكرت الصحيفة، بجانب موقع "نيتشر"، أن "بعض العلماء المشهورين في الصين وإسبانيا هم طريق النظام السعودي لتحقيق هذا الصعود لتصنيف جامعاتهم"، وأن إدراجهم في قائمة الانتماء الأساسي لجامعات سعودية ضخم مكانتها في تصنيف شنغهاي بشكل مصطنع.

و"تصنيف شنغهاي"، السنوي المرموق الذي يقيس جودة التعليم والبحث في مختلف الجامعات على مستوى العالم، يعد الصعود في مرتبته أمرا بالغ الأهمية لاكتساب النفوذ السياسي.

وهو ما مارسه النظام السعودي الذي قدم لباحثين من الصين وإسبانيا أموالا لتغيير انتماءاتهم الأكاديمية.

وأشارت الصحيفة الإسبانية، إلى أن العروض المالية السعودية بشأن الدراسات المنشورة تستهدف عاملا ثانيا في رفع التصنيف الأكاديمي لجامعات المملكة، وهو "عدد الدراسات المنشورة في المجلات العلمية المرموقة"، مثل "نيتشر" و"ساينس".

نماذج السرقة

قدمت مجلة "نيتشر" في 5 مايو 2024 نموذج الباحثة في المعهد الكتالوني لأبحاث المياه في جيرونا الإسبانية، ميرا بتروفيتش، للتدليل على الاحتيال العلمي للجامعات السعودية.

"بتروفيتش " أكدت أنها تلقت بعد فترة وجيزة من ظهورها على قائمة تصنيف عالمية عام 2018، بريدا إلكترونيا من جامعة الملك سعود يدعوها للتعاون.

وقالت: “اعتقدت أنهم يريدون اقتراح تعاون حقيقي، ولكن بعد أن استمررت في التواصل معهم، تلقيت بريدا إلكترونيا يطلب مني بصراحة تغيير انتمائي مقابل المال”، حيث قالوا لها إن "انتماءك الأساسي يجب أن يكون هو جامعة الملك سعود، وبمجرد عمل ذلك ستتلقين 70 ألف يورو".

وأكدت الباحثة أنها رفضت "العرض السعودي" مباشرة لأنه كان خاليا من أي محتوى أكاديمي.

أيضا قالت الباحثة في مجال الهندسة الزراعية بمعهد "CSIC" للزراعة المستدامة في قرطبة، بلانكا لاندا، للصحيفة الإسبانية إنها تلقت عرضا بقيمة 1500 دولار لكل دراسة منشورة من أستاذ في جامعة الملك سعود.

وذلك مقابل تسجيلها كأستاذة زائرة، مع دفع جميع النفقات، وهو ما رفضته على الفور، بحسب صحيفة "إلبايس" في 2 أبريل/نيسان 2023

وأشار التقرير ذاته إلى أستاذ لغات وأنظمة الكمبيوتر في جامعة جيان الإسبانية، لويس مارتينيز، والذي كان ضمن قائمة الباحثين الأكثر نشرا عام 2017.

وقال إنه فشل في الحصول على تمويل حكومي إسباني لمشروعاته، فقبل عرضا سعوديا بـ66 ألف دولار سنويا من جامعة الملك سعود لإدراج اسمه كأكاديمي بها. 

كذلك نقلت صحيفة "إلبايس" عن الباحث بجامعة الملك عبد العزيز، صخر الهذلي، إدانته ممارسة جامعات سعودية للاحتيال، ورفع تصنيفها العالمي، "عبر الإدراج المزيف لعلماء أجانب، ضمن قائمة الانتماء الأساسي لها".

وقوله إن الممارسات الاحتيالية التي تنطوي عليها الانتماءات الأكاديمية الزائفة بين العلماء الإسبان في جامعات النظام السعودي تثير مخاوف بشأن منهجية التصنيف الأكاديمي العالمي، وحثه العلماء والمؤسسات والجامعات على اتخاذ موقف ضد هذه الممارسات.

تزوير التصنيفات

خطورة تزوير هذه التصنيفات العلمية للجامعات السعودية ليس فقط متعلقة بنسب أو انتساب باحثين أجانب لها على غير الحقيقة لرفع تصنيفها العلمي، بل في ظهور تصنيفات أخري غير مشهورة يجرى الرجوع لها لرفع شأن الجامعات السعودية.

مقال منشور على موقع "البنك الدولي" في 11 سبتمبر/أيلول 2015، بعنوان "هل التصنيفات العالمية تحكي الحقيقة الكاملة عن الجامعات في العالم العربي؟" أشار لهذه الواقعة.

كاتب التقرير، سيمون ثاكر، وهو أخصائي وحدة التعليم بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال إن ثلاثة مصادر رئيسة "تهيمن" على تصنيفات الجامعات في العالم، هي تصنيف شنغهاي، وتايمز للتعليم العالي (THE)، و(QS).

ولكن هناك تصنيفات أخرى بدأت تظهر منها مركز جديد لتصنيف الجامعات العالمية يُسمى (CWUR)، انطلق من جدة وانتقل للإمارات.

وأوضح أن مركز (CWUR) بدأ كمشروع في مدينة جدة بهدف تصنيف أفضل 100 جامعة على مستوى العالم، لكنه توسع  عام 2019 ليدرج أفضل 2000 جامعة. 

ومنذ عام 2016، انتقل المقر الرئيس للمركز في الإمارات، والمفارقة التي رصدتها "الاستقلال" أن هذه التصنيفات تقدم الجامعات السعودية والإماراتية على بقية الجامعات العربية وبعض الجامعات العالمية.

ويعتمد جدول تصنيفات تايمز للتعليم العالي لعام 2023 على 13 مؤشر أداء يقيس أداء المؤسسة في أربعة مجالات، التدريس والبحث ونقل المعرفة والتوقعات الدولية.

ويتضمن تصنيف "كيو أس" العالمي ما يصل إلى 1500 جامعة من جميع أنحاء العالم، وهو الأشهر لأنه يعتمد على المساهمات البحثية لأعضاء هيئات التدريس في الجامعات الخاضعة للتصنيف.

ويأخذ في الحسبان أنه كان هناك خريجون أو أعضاء هيئة تدريس حائزون على جائزة نوبل، أو حصلوا على وسام فيلدز.

ويرصد تصنيف (CWTS Leiden) الأداء العلمي لأكثر من 1200 جامعة حول العالم، فيما يركز تصنيف "الويبومتريكس" على الشفافية، ويركز على أفضل الباحثين المستشهد بأبحاثهم.