مع اقتراب انتخابات الرئاسة.. كيف يبدو المشهد السياسي في إندونيسيا؟
تنتظر إندونيسيا انتخابات رئاسية في 14 فبراير/شباط 2024، لتحديد من سيخلف الرئيس جوكو ويدودو، الذي استوفى فترتين رئاسيتين، ولا يحق له الترشح دستوريا.
ويشارك في السباق الرئاسي برابوو سوبيانتو (72 عاما)، وهو جنرال سابق بالجيش "ذو ماض مظلم" حسب البعض، وجانجار برانوو (55 عاما)، الحاكم السابق لإقليم جاوة الوسطى، وأنيس باسويدان (54 عاما) الحاكم السابق للعاصمة جاكرتا.
ونشر موقع "بينار نيوز" الأميركي تقريرا استعرض فيه محاولات المرشحين الثلاثة لجذب أصوات شريحة الشباب على وجه الخصوص.
جذب الانتباه
وقال الموقع، إن "أحد المرشحين الرئاسيين يرقص بنشاط رغم كبر سنه، ويطلق آخر التحية بثلاثة أصابع كما في أحد أفلام هوليوود لكي يجذب الجماهير، وينشر مرشح ثالث صورا لقططه على موقع إنستغرام".
وأضاف أنه "في السباق لتحديد من سيكون الزعيم القادم لأكبر دولة في جنوب شرق آسيا، يستخدم المرشحون الثلاثة تكتيكات مختلفة لجذب الانتباه على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لكسب الناخبين الإندونيسيين الشباب".
وأوضح الموقع أن "هؤلاء المتنافسين ابتكروا طرقا فريدة للحملات الانتخابية، أثناء محاولتهم إعادة تسويق أنفسهم للوصول إلى جيل Z وجيل الألفية، الذين يشكلون أكثر من نصف الناخبين في الانتخابات الوطنية المرتقبة".
وأورد أنه "مع توجه ثالث أكبر ديمقراطية في العالم إلى صناديق الاقتراع لتحديد من سيخلف الرئيس جوكو، تساءل بعض الناخبين والمراقبين عما يرونه على أنه افتقار إلى الجوهر والرؤية وراء شعارات المرشحين وحيلهم".
ومع ذلك، يبدو أن هذه التكتيكات نجحت مع سوبيانتو، الذي بات محبوبا على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب موقع الأميركي.
ويقول مراقبون إن سوبيانتو -الذي اتُهم بانتهاكات حقوق الإنسان خلال ديكتاتورية الرئيس الأسبق محمد سوهارتو، وأعمال الشغب عام 1998 التي أدت إلى سقوطه- قد صاغ شخصيته على وسائل التواصل الاجتماعي بمهارة، حيث يشتهر بالمرح والفكاهة".
وأفاد الموقع بأن حملة سوبيانتو "تستخدم صورا كاريكاتورية له ولنائبه جبران راكابومينغ راكا، ويصوَّران على أنهما شخصان مرحان مبتسمان وخدودهما ممتلئة، ويمكن أن يكونا جارين لأي مواطن عادي".
وأشار إلى أن مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي -التي تظهر سوبيانتو وهو يؤدي رقصات في مناسبات مختلفة- حصدت ملايين المشاهدات والإعجابات، مما أكسبه لقب "gemoy"، الذي يعني "محبوبا" أو "لطيفا".
أما جبران -الذي هو أيضا الابن الأكبر للرئيس ورئيس بلدية سولو- فقد تعرض لانتقادات بوصفه منعزلا ويحظى بامتيازات خاصة، لكنه انضم في بعض الأحيان، ودافع عن تصرفات سوبيانتو "الغريبة".
وأمام الآلاف من المؤيدين والمتطوعين في تجمع حاشد في بوكور، على مشارف جاكرتا، قال جبران: "ما العيب في الرقص، وما العيب في أن تكون سعيدا؟ هل ممنوع أن يكون الناس أكثر فرحا؟"
خطط ضبابية
من جانبها، قالت خبيرة الاتصال السياسي في الوكالة الوطنية للبحث والابتكار (برين)، نينا أندريانا، إن "إستراتيجية سوبيانتو لإعادة تسويق نفسه يبدو أنها نجحت، رغم ضبابية برنامجه وخططه تجاه الأمة".
وترى أندريانا أن "صورة الرجل البدين المحبوب لافتة للنظر وجذابة، وتُعطي نتائج جيدة مع خوارزمية وسائل التواصل الاجتماعي"، رغم تأكيدها على أن سوبيانتو "لا يمتلك رسالة أو رؤية سياسية واضحة".
واتفقت مع ذلك عزيزة إبراهيم، وهي ناخبة تبلغ من العمر 35 عاما وتعمل موظفة في جاكرتا، مشيرة إلى أن "الرقص ليس كافيا لجذب الناخبين".
وأضافت أن "الناس يريدون سماع حلول للمشكلات الاقتصادية مع ارتفاع الأسعار"، مشيرة إلى أن سوبيانتو وجبران "لم يتفاعلا (مع الشارع) بشكل كبير، رغم ظهورهما المتكرر".
ولفتت إلى أنهما "تهربا من مناظرات الجامعات والمنظمات"، في إشارة إلى غيابهما عن بعض المناظرات، رغم أن أيا منهما لم يأخذ إجازة من عمله للقيام بالحملة الانتخابية.
أما المرشح برانوو -المعروف بتواضعه وارتباطه بالجماهير- فإنه كثيرا ما ينشر صورا ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لنفسه وهو يركض، أو وهو يركب الدراجة مع الإندونيسيين العاديين في جميع أنحاء البلاد، حسب الموقع الأميركي.
وتابع أنه "من أجل تسويق نفسه على أنه رجل الشعب، تبنى برانوو تحية بثلاثة أصابع، شبيهة بتلك التي استخدمها أبطال هوليوود في سلسلة أفلام (The Hunger Games)، كرمز لحملته".
ففي هذه السلسة الشهيرة، تُستخدم هذه التحية من قبل الثوريين الذين يقاتلون "نظاما مستبدا".
ووفق بانجيران سياهان، المتحدث باسم حملة برانوو، فإن هذا الرمز مناسب للحملة، إذ قال: "نعتقد أن ذلك مناسب، خاصة أن التحية ذات الأصابع الثلاثة في الفيلم هي أيضا رمز لنضال الشعب".
ومع ذلك، فإن برانوو يتخلف باستمرار عن المرشح الأوفر حظا سوبيانتو في استطلاعات الرأي؛ لأنه وفقا للناخبة التي تعيش في جاكرتا عزيزة إبراهيم، فإنه "لا يتمتع بشخصية كاريزمية".
وقالت عزيزة "إنه ممل عندما يظهر على شاشة التلفزيون، وإن وعوده بتطوير ما سيتركه الرئيس الحالي من إرث ليست كافية".
وتابعت: "نريد أن نسمع أفكاره وخططه كمرشح رئاسي، لكن ذلك لم يحدث بعد".
وحسب الموقع الأميركي، فإن "سردية برانوو كرجل الشعب قد شُوهت؛ بسبب تعامله مع نزاعين على الأراضي اندلعا في جاوة الوسطى خلال فترة ولايته كحاكم".
ففي كلتا الحالتين، اتُهم برانوو بالتحالف مع الشركات، وتجاهل حقوق ومصالح السكان المحليين.
موضوعية أكبر
في المقابل، يعتقد الموقع أن "باسويدان يتمتع بأكبر قدر من الموضوعية بين المرشحين الثلاثة، على الأقل بناء على خطاباته الانتخابية".
فقد وعد بتحسين الخدمات العامة، وخلق فرص العمل، وتغيير القوانين التي تقيد حرية التعبير، ونصّب نفسه بطلا للشعب خاصة الفقراء والمهمشين، ومدافعا عن حرية التعبير.
وأضاف الموقع أن "باسويدان أطلق سلسلة من فعاليات الحملة الانتخابية تسمى (Desak Anies) أي حوارات باسويدان".
ويلتقي باسويدان بالناخبين الشباب والمتعلمين في جميع أنحاء البلاد، لمناقشة مواضيع وقضايا مختلفة، واستعراض ما لديه من علم وكاريزما.
وأشار الموقع إلى أن "باسويدان يحاول التأكيد على صورته كزعيم يحتضن الجميع"، حيث استشهد بأمثلة على قيام إدارة جاكرتا -في الفترة التي كان فيما حاكما لها- ببث ترانيم عيد الميلاد في الأماكن العامة، وتجديد الكنائس والمعابد".
علاوة على ذلك، أشرك باسويدان العديد من الشخصيات البارزة من أصل صيني في فريق حملته.
وذكر الموقع أنه "وبهدف تعزيز ارتباطه بالجماهير وإضافة بعض الإثارة إلى حملته الانتخابية، لجأ باسويدان إلى إنستغرام مع قططه الأربعة: أصلان، وليغو، وأوبوي، وسنوبول".
واستطرد: "كما أن قطط باسويدان لها حساب خاص بها على إنستغرام، يتابعه 230 ألف شخص، ويسمى باوسويدان (Pawswedan)، كاشتقاق من اسم عائلة أنيس، باسويدان (Baswedan)".
وأورد الموقع الأميركي أن "المرشح الرئاسي ينشر صورا لقططه مع تعليقات فكاهية له، أو تعليقات يكتبها وكأنها على لسان قططه".
وأردف أنه "في الآونة الأخيرة، نشر باسويدان ونائبه مهيمن إسكندر مقطع فيديو على إنستغرام، يُظهر إسكندر وهو يمزح مع باسويدان، عبر ضربه بـ(السارونغ)، بينما يضحك باسويدان ويقول: مؤلم جدا".
وأوضح أن هذه عادة مرحة بين الأطفال داخل المساجد (في إندونيسيا)، وأن السارونغ ثوب يرتديه الإندونيسيون عادة في المناسبات الدينية.
وختمت خبيرة الاتصال السياسي أندريانا بالقول إن "حملة باسويدان السياسية تعكس شخصيته وأسلوبه"، مشيرة إلى أنه "متحدث وخطيب ماهر بإمكانه إثارة إعجاب الناس وإقناعهم بكلماته، وأنه يستخدم هذا كسلاح له للفوز بالأصوات".