تخوفات أميركية.. ما قصة تطوير روسيا تكنولوجيا نووية في الفضاء سرا؟
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على تطوير روسيا التكنولوجيا المضادة للأقمار الصناعية، في خبر انتشر كالنار في الهشيم بين الأوساط السياسية الأميركية وحول العالم.
وقالت صحيفة الإسبانيول إن رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، الجمهوري مايك تيرنر، أطلق تصريحا غامضا ومثيرا للقلق، فاجأ الجميع خلال فبراير/شباط 2024.
ولم يوضح تورنر في رسالته نوع التهديد أو المعتدي المحتمل، لكنه أكد أن الوضع خطير للغاية لدرجة أنه يتعين على الرئيس جو بايدن رفع السرية عن "جميع المعلومات" المتعلقة بهذا الموضوع.
ضجة كبيرة
وفي غضون دقائق، بدأت وسائل الإعلام الأميركية في تقديم التفاصيل. واستشهدت بمصادر مجهولة من الإدارة واتفقت حول أن التهديد سيكون له علاقة بسلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية ستحاول روسيا تطويره في الفضاء، والذي لم يصل إلى مداره بعد.
وأثار التسريب ضجة كبيرة لدرجة أن رئيس مجلس الشيوخ، مايك جونسون، اضطر إلى الدعوة إلى الهدوء. وأضاف: "ليست هناك حاجة إلى إنذار عام".
وبعد يوم واحد، أكد البيت الأبيض أن هذا "التهديد الخطير" الذي ألمح إليه تيرنر "هو تكنولوجيا مضادة للأقمار الصناعية تعمل روسيا على تطويرها".
وصرح بذلك منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في مؤتمر صحفي، رغم أنه حاول تهدئة الأجواء بالقول إن هذا النوع من الأسلحة "مثير للقلق"، لكن "لا يوجد تهديد فوري لسلامة أحد".
في الوقت نفسه، تجنب كيربي توضيح ما إذا كان هذا النوع من الأسلحة يتضمن قدرة نووية. وفي الحقيقة، لا تزال الطبيعة الدقيقة للسلاح الروسي غير معروفة رسميا.
ولكن، يمكن الإقرار بأن قدرة روسيا على وضع سلاح في المدار يمكنه تدمير الأقمار الصناعية الأخرى أو تعطيلها أمر يشكل خطرا هائلا على الولايات المتحدة وأوروبا أيضا.
ومن بين أمور أخرى، يمكن استخدام هذا السلاح النووي الفضائي لتدمير الاتصالات وتنفيذ عمليات المراقبة والاستخبارات والسيطرة العسكرية من الفضاء.
ووفقا لتصريحات مسؤول سابق لصحيفة نيويورك تايمز، فإن الولايات المتحدة، وغيرها من باقي دول العالم، لا تملك القدرة على التصدي لسلاح من هذا النمط للدفاع عن أنظمة الأقمار الصناعية الخاصة بها.
انتهاك معاهدات
عموما، ليس بالأمر الجديد أن سباق الفضاء يسير على قدم وساق: سواء كان الأمر يتعلق باكتشاف القطب الجنوبي للقمر أو بناء أنظمة اتصالات فضائية مبتكرة أو تحسين قدرة قطاعي الاتصالات التجارية والخاصة على مواصلة تعزيز الترابط العالمي، لكن الأمن القومي له الأسبقية على هذه الجوانب، وفق الصحيفة الإسبانية.
وهكذا، اختبرت روسيا في سنة 2020 سلاحا فضائيا مضادا للأقمار الصناعية يتمتع بقدرات مدارية متطورة سيكون له غرض مزدوج: خدمة وتفتيش الأقمار الصناعية الصديقة مع مهاجمة تلك التابعة لأعدائها.
لكن، تمثل أي محاولة لإطلاق "نظام مسلح نوويا مضاد للأقمار الصناعية إلى الفضاء" انتهاكا لمعاهدة الفضاء الخارجي لسنة 1967، التي تحظر صراحة "أي جسم يحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل" في مداره.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تخلت أو علقت العديد من الاتفاقيات الدولية للحد من الأسلحة التي أبرمت خلال الحرب الباردة، مثل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أو معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية، المعروفة باسم ستارت الجديدة.
لذلك لن يكون من المستغرب أن يقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كسر هذا الالتزام سرا، وفق الصحيفة.
ونوهت إلى أن الشكوك حول روسيا ليست بالجديدة، وتنامت بالتزامن مع غزو أوكرانيا في فبراير 2022، حيث كانت كل قرارات الكرملين محل شك كبير من قِبل الغرب.
وقد حذرت الولايات المتحدة في وقت سابق من أن موسكو قد تفكر في كوزموس 2543، القنبلة النووية التي ستطلقها إلى الفضاء لتدمير الأقمار الصناعية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2020، جرى التنبيه للمرة الأولى على أن روسيا استخدمت هذا السلاح المضاد للأقمار الصناعية.
ونقلا عن قيادة الفضاء الأميركية والقوات المسلحة البريطانية، كانت موسكو ستطلق جسما إلى المدار باتجاه قمر صناعي روسي آخر.
وأشار رئيس قوة الفضاء الأميركية الجنرال جون دبليو ريموند، إلى أن "هذا دليل آخر على جهود روسيا المستمرة لتطوير واختبار القواعد الفضائية".
وهو أمر يتوافق مع العقيدة العسكرية التي نشرها الكرملين لاستخدام الأسلحة التي تجعل الأصول الفضائية الأمريكية وتلك التابعة للحلفاء معرضة للخطر، وفق قوله.
في ذلك الوقت، أُطلق كوزموس 2543 من سفينته الأم، كوزموس 2542، وأطلق مقذوفا في الأثير بسرعة مذهلة تبلغ 650 كم/ساعة.
وشوهدت المركبة الفضائية الروسية أيضا وهي تحوم حول قمر التجسس التابع للبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) في وقت سابق من السنة نفسها.
لماذا الآن؟
ونقلت صحيفة لاراثون أن روسيا عملت منذ ذلك الحين على استخدام هذا القمر الصناعي كمفتاح للاستقرار الإستراتيجي.
ولم تكن مسلحة في البداية بقنبلة نووية لإطلاقها، ولكن هناك مخاوف من أن تتمكن الإصدارات المستقبلية من التكنولوجيا المماثلة من اتخاذ الخطوة التالية وسط تحذير الولايات المتحدة المخيف للغرب.
رغم ذلك، فإن هناك العديد من المحللين والمسؤولين يعتقدون أن موسكو لن تنشر هذا السلاح السري على المدى القريب، وبالتالي فهو لا يمثل خطرا وشيكا.
وأشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن منتصف فبراير إلى أن "هذه ليست قدرة فعالة".
وفي الوقت نفسه، اجتمع مستشار مجلس الأمن القومي، جاك سوليفان، بما يعرف باسم "عصابة الثمانية"، المكونة من أقوى أعضاء الكونغرس - أي أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات استخباراتية أكثر تحفظا - بهدف الحديث عن هذا الموضوع.
وبشكل عام، يمكن الإقرار بأن التقدم الذي أحرزته موسكو في مجال الأسلحة النووية الفضائية يمكن أن يتفوق على الجيش الأميركي، وفق الصحيفة.
وأوردت الإسبانيول أن هذه المعلومات جاءت في أسبوع فوضوي بالنسبة للكونغرس الأميركي.
بالإضافة إلى ذلك عرقل الجناح المتشدد للجمهوريين التمويل الجديد لأوكرانيا وتايوان في الكونغرس، فضلا عن قانون إصلاح الهجرة.
ويرى بعض المراقبين أن مايك تورنر قرر الآن بث المعلومات حول الأسلحة النووية الروسية الجديدة المزعومة لتحويل الانتباه عن هذه الإخفاقات التشريعية، خاصة وأنه مدافع قوي عن الاستمرار في تمويل وتسليح كييف.