مع اشتداد الحرب.. لماذا يسعى البرهان لتغيير الوثيقة الدستورية بالسودان؟

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

الحرب السودانية الضروس بين قوات الجيش و"الدعم السريع" المتمردة لم تبق حجرا في مكانه داخل الدولة، حتى القواعد العامة والاتفاقيات بين أطراف العملية السياسية يتم تغييرها والتلاعب بها. 

وخرج مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، عبر حديث متلفز في 25 مايو/ أيار 2024، أعلن فيه أن “القائد العام رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان سيلغي الوثيقة الدستورية ويعلن عن أخرى جديدة”.

كما قال إن “البرهان سيعين رئيس وزراء مستقلا، تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة، تكون تحت إدارة المجلس السيادي”.

هذا الإعلان أدى إلى تفجير أزمة قانونية ودستورية جديدة، فضلا عن تباينات في الآراء بشأن مدى شرعية الإعلان وجدواه.

قصة الوثيقة 

ولفهم معضلة أزمة الوثيقة الدستورية الحالية، يجب الانطلاق إلى أصل الأزمة في السودان.

والأزمة تكمن في أنه منذ أن نال السودان استقلاله عن بريطانيا عام 1956، لم تستطع الأنظمة المتعاقبة سواء مدنية أو عسكرية، وضع دستور دائم للحفاظ على المبادئ العامة المتفق عليها بين المكونات السياسية والاجتماعية وإعلاء المصالح الوطنية العليا.

لكن بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وكنتيجة للمفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي بقيادة البرهان، ونائبه (آنذاك) محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقوى الحرية والتغيير، بقيادة عبد الله حمدوك (رئيس الوزراء  بعد ذلك، حتى تمت الإطاحة به عام 2022)، تم التوصل إلى وثيقة دستورية جديدة، هدفها الأساسي إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.

وبالفعل بناء عليها تم تقاسم هياكل السلطة بين العسكريين والمدنيين.

وتألفت الوثيقة من عدة أجزاء على رأسها إقرار المبادئ العامة، من الحقوق والحريات، وهياكل الحكم المختلفة، وآليات الانتقال. 

وتكونت المبادئ العامة من التأكيد على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، والالتزام بمبادئ الديمقراطية والشفافية والمساءلة.

بعدها الحقوق والحريات، ونصت على ضمان الحريات الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع والتنظيم، وحماية حقوق المرأة والأقليات والطفل.

أما هياكل الحكم فجاءت كالتالي: مجلس السيادة الذي يتكون من 11 عضوا (6 مدنيين و5 عسكريين)، ويعمل كرأس الدولة الجماعي خلال فترة الحكم الانتقالية.

بعده مجلس الوزراء، والذي يتم تعيينه من قبل رئيس الوزراء المعين من قبل قوى الحرية والتغيير، ويشرف على تنفيذ السياسات الحكومية.

وكذلك المجلس التشريعي الانتقالي، الذي يمثل السلطة التشريعية، ويتكون من أعضاء يعينهم المجلس السيادي بالتشاور مع قوى الحرية والتغيير.

وجاء أول تعديل على الوثيقة الدستورية عندما صادق عليها مجلسا السيادة والوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حيث شملت عدّ اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في نفس الشهر، بين الحكومة الانتقالية، وأطراف العملية السلمية "جزءا لا يتجزأ منها".

ومن أبرز التعديلات التي شملتها الوثيقة تشكيل مجلس جديد في البلاد تحت مسمى "مجلس شركاء الفترة الانتقالية"، يختص بالفصل في الاختلافات التي قد تنشأ بين الأطراف السياسية المختلفة، بجانب بدء حساب الفترة الانتقالية، التي كانت محددة بـ39 شهرا.

لكن انقلب كل شيء في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما أعلن البرهان، حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية والشراكة مع “قوى الحرية والتغيير”.

حينها عدت الوثيقة الدستورية أنها قد جرى إلغاؤها عمليا بإجراءات البرهان، واستبعاد قوى الحرية والتغيير عن السلطة، لأن الوثيقة كانت مصممة على طرفين، قبل أن تلحق بها الحركات المسلحة عبر اتفاق "جوبا للسلام".

مساعي البرهان

لكن السؤال الذي طرح نفسه على المسرح السوداني حاليا، لماذا يقدم البرهان على تلك الخطوة حاليا خاصة أنه يخوض حربا ضد تمرد “الدعم السريع” بقيادة حميدتي. 

وأجاب عن ذلك الباحث السوداني المتخصص بالشؤون الإفريقية، محمد تورشين، لموقع “الحرة” الأميركي، في 27 مايو، عندما ذكر أن "قرار صياغة وثيقة دستورية جديدة هو تخبط يصدر من الجيش خلال الحرب".

وأضاف أن السبب الرئيس من إعلان البرهان هذه الوثيقة هو محاولة السيطرة فعليا على السلطة وترسيخ حكم العسكر من خلال إلغاء الوثيقة السابقة.

وأكمل أن الوثيقة الدستورية المستحدثة سيكون الغلبة فيها للجنرالات بمجلس السيادة، ما يعني أن رئيس الوزراء الجديد الذي سيتم تعيينه سيدين بالولاء الكامل لهم.

من جانبه، قال السياسي السوداني إبراهيم علي، عضو حزب المؤتمر الوطني، إن "البرهان ومن ورائه الجيش، يبحثون عن إضفاء شرعية على سلطتهم، عبر وضع وثيقة دستورية تزيد من اختصاصاتهم، وبحيث لا يتم التعامل دوليا مع أطراف أخرى داخل السودان".

وأضاف علي لـ"الاستقلال" أن "دلالات الإعلان في هذا التوقيت تحديدا تشير إلى أن قادة الجيش يريدون إحكام السيطرة الشرعية الكاملة في ظل موقفهم الحرج داخليا وخارجيا". 

ورأى أن إعلان البرهان "يأتي والظروف في السودان صعبة ومعقدة، وأن البلاد لم تعد بحاجة للوثيقة الدستورية بعد تطورات الحرب الأخيرة".

واستطرد: "انظر إلى الحالة العسكرية للجيش، فهي سيئة للغاية والحديث عن اقتراب حميدتي من السيطرة على الفاشر قوية، وبالتالي ستكون دارفور سقطت بالكامل في أيدي الدعم السريع، ومن بعدها سنكون واقعيا أمام سودان مقسم إلى دويلات صغيرة، فأي وثيقة دستورية ستنفع وقتها". 

وضعية سيئة 

ومع إعلان البدء في مرحلة وضع وثيقة دستورية جديدة من البرهان، فإن الوضع الخارجي والضغوطات التي يتعرض لها ليست بسيطة. 

ففي 28 مايو 2024، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها إن الوزير أنتوني بلينكن أجرى اتصالا هاتفيا مع البرهان.

وأوضحت أن “بلينكن بحث من خلال اتصاله ضرورة إنهاء الصراع في السودان على وجه السرعة، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق بما في ذلك الوصول عبر الحدود وعبر خطوط المواجهة، وذلك من أجل تخفيف معاناة الشعب”.

وبحسب البيان فإن الوزير تطرق أيضا إلى استئناف مفاوضات (جدة)، وضرورة حماية المدنيين والتخفيف من حدة الأعمال العدائية في الفاشر بولاية شمال دارفور.

وفي 4 يناير 2024، نشرت مجموعة الأزمات الدولية، تقريرها عن الوضع في السودان، وأورد التقرير أن الصراع ترك 25 مليون سوداني في حاجة للمساعدة.

وأكد التقرير أن الأزمة ستتفاقم خلال العام 2024 وستضغط على دول الجوار، حيث قتل في الصراع 12 ألف شخص وهجر 5.9 ملايين داخل البلاد، مما جعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم. 

وكذلك فر 7.2 ملايين سوداني من منازلهم ونزحوا إلى داخل البلاد أو لجأوا خارجها، وكان نصف المهجرين من الأطفال (أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم).

وأورد التقرير الدولي أن الصراع أدى إلى تدمير البنية التحتية العامة في السودان، وأكثر من 70 بالمئة من مرافق البلاد الصحية أصبحت غير صالحة للعمل، ما أدى إلى تفشي مرض "الحصبة" الذي قتل ألف طفل، وتفشٍّ حاد للكوليرا التي أصابت 8500 شخص.

كما فقد الجنيه السوداني 50 بالمئة من قيمته (الدولار = ألف جنيه سوداني)، وتم إغلاق 10 آلاف و400 مدرسة، مع وجود 19 مليون طفل أصبحوا بدون تعليم وعرضة للمعاملة السيئة والاستغلال. 

فيما يواجه 7.7 ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي، ويواجه 17.7 مليون شخص (نصف سكان السودان) أزمة (التصنيف المرحلي المتكامل للغذاء للمستوى الثالث) أي قبل المجاعة، وقد فر 1.4 مليون سوداني إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك تشاد التي استضافت وحدها 400 ألف.

لذلك يظل التساؤل مطروحا ما الذي يمكن أن يغيره إقدام البرهان على تغيير الوثيقة الدستورية واستبدالها بأخرى جديدة، لا سيما أنه فقد كثيرا من المدن والولايات، وتفاقم التباين بين القوى المختلفة سواء المسلحة أو السياسية.