تبادل الاتهامات.. لماذا أعادت بلوشستان التوتر بين إيران وباكستان؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تُعد منطقة بلوشستان، التي تتقاسمها باكستان وإيران وأفغانستان، موطنا لتمرد طويل الأمد يشنه القوميون البلوش ضد الحكومة الباكستانية، والذي خلف آلاف الضحايا من كلا الجانبين.

والآن، أصبحت المنطقة مركزا للتوترات الإقليمية، حيث تتبادل إيران وباكستان الاتهامات بإيواء "إرهابيين" انفصاليين من البلوش.

ويوضح موقع "بي بي سي" البريطاني، بنسخته البرتغالية، تفاصيل هذه المنطقة وخصائصها، والأسباب التي جعلتها "بؤرة للتوتر" بين البلدين.

الفوضى تسود

في 18 يناير/كانون الثاني 2024، شنت الحكومة الباكستانية هجوما غير مسبوق على ما أسمته "مخابئ الإرهابيين" في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية أسفر عن مقتل تسعة أشخاص.

وقبل ذلك بيومين، هاجمت إيران أهدافا مرتبطة بجماعة مسلحة في بلوشستان الباكستانية، حيث قتل طفلان وأصيب ثلاثة آخرون في الهجوم، بحسب السلطات في إسلام أباد.

وبإلقاء نظرة على الساحة الدولية، يؤكد موقع بي بي سي أن "هذه الهجمات تثير قلق المجتمع الدولي وتزيد المخاوف من احتمال اندلاع صراع مسلح أوسع نطاقا في المنطقة".

وتنوه أنه "على الرغم من أن العلاقات بين إيران وباكستان كانت معقدة تاريخيا، فقد حافظ البلدان دائما على مستوى معين من الود".

وعلى مدار التاريخ، اشتركت الدولتان في مشاكل مماثلة في المنطقة الحدودية التي تشهد نشاطا مكثفا للمقاتلين المتمردين البلوش. ولذلك، يصف الخبراء تلك المنطقة بأنها "أرض ينعدم فيها القانون، وتسود فيها الفوضى".

وبحسب الموقع، تمتلك بلوشستان، التي تغطي 44 بالمئة من مساحة باكستان، احتياطيات ضخمة من الذهب والنحاس والغاز، وهي من أهم الاحتياطيات في آسيا.

"ولكن من المفارقة أن المكان يظل منطقة نائية ومنسية إلى حد ما، حيث تُعد هذه المقاطعة الأكثر فقرا والأقل نموا في باكستان".

بداية التمرد

في محاولة لمعرفة تاريخ المنطقة، توصل الخبراء -بحسب بي بي سي - إلى أن "المنطقة حصلت على اسمها من القبائل البلوشية التي سكنت المنطقة لعدة قرون".

ومن المرجح أن المكان كان معروفا سابقا باسم آخر، حيث لا توجد سجلات لهذه المنطقة في المصادر القديمة.

وتحديدا لبداية الحرب والنزاع، يقول موقع بي بي سي إن "التمردات المسلحة بدأت من قبل الجماعات التي تقاتل من أجل دولة مستقلة للشعب البلوشي عام 1948، في أعقاب تقسيم الهند البريطانية، الأمر الذي أدى إلى إنشاء الهند وباكستان وبنغلاديش".

ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من كونها المنطقة الأكبر مساحة في البلاد، أصر الانفصاليون على أن الشعب البلوشي يشعر بأن "الحكومة الباكستانية تخلت عنه وأن تمثيلهم في الدولة ضئيل".


 

وجدير بالذكر أن منطقة بلوشستان الشاسعة شهدت، لمدة تزيد عن عقدين، التجارب الخمس "شاغاي" التي أجرتها الحكومة الباكستانية، والتي جعلت البلاد السابعة في العالم لنجاحها في تطوير واختبار الأسلحة النووية.

وشاغاي هو الاسم الرمزي لخمس تجارب نووية متزامنة تحت الأرض أجرتها باكستان في مايو/أيار 1998.

وأشار الموقع إلى أن ذلك كانت تحت قيادة رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، وقد أسفرت هذه التجارب عن إدانات دولية وعقوبات ضد البلاد.

وحينها، صرح شريف قائلا: "لم نرغب قط في المشاركة بهذا السباق النووي"، مدعيا أن "اختبارات الأسلحة تحت الأرض كانت ردا على التجارب النووية الهندية الأخيرة آنذاك".

نزاع مستمر

وبالعودة إلى الوقت الحالي، يقول الموقع البريطاني إن إيران تدعي أن الهجوم الذي نُفذ في 16 يناير 2024، استهدف "إرهابيين" من جيش "العدل".

وتلفت الـ "بي بي سي" إلى أن جيش "العدل" هو جماعة انفصالية بلوشية تقاتل من أجل استقلال سيستان وبلوشستان، وتحديدا الجزء الإيراني من المنطقة.

ومن جانبها، تنفي باكستان الادعاءات الإيرانية التي تفيد بأن مقاتلي تلك المجموعة يختبئون في الأراضي الباكستانية. 

وكرد فعل، كما ذُكر سابقا، أطلقت باكستان في 18 يناير صواريخ على الأراضي الإيرانية. 

وصرحت السلطات بأن "هدف التفجير كان جبهتين للجماعات المسلحة الانفصالية في بلوشستان، والتي يُعتقد أنها تختبئ في إيران".

والحقيقة هي أن العديد من الجماعات المسلحة ينشط في بلوشستان، بما في ذلك جماعتا "طالبان" الباكستانية و"عسكر جنجوي" الإسلامية السنية والفصيل الانفصالي المعروف باسم "جيش تحرير بلوشستان"، وفق وصف بي بي سي.

ودليلا على النزاع المستمر بين البلدين، يذكر الموقع أنه في عام 2020، نفذ أربعة رجال من جيش "تحرير بلوشستان" عملية في بورصة كراتشي، وهي المنطقة الأهم في باكستان.

منطقة مهمة

وفي عام 2019، نفذت المجموعة نفسها هجوما على فندق "زافير بيرل كونتيننتال" في مدينة جوادار الساحلية في جنوب بلوشستان. 

وبحسب ما ذكرته الـ "بي بي سي"، استهدف هذا الهجوم مستثمرين صينيين وغيرهم من الأفراد الذين يتجمعون عادة هناك.

إذ تعد بعض الجماعات الانفصالية المجمع الفندقي "مركزا لعمليات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، وهو مشروع ضخم أُعلن عنه في أبريل/نيسان 2015.

وباستثمار يُقدر بحوالي 62 مليار دولار أميركي، وهي قيمة تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان، فإن الهدف من المبادرة هو بناء شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط أنابيب الغاز التي تربط البلدين الحليفين.

وبحجة أنها لا تجلب أي فائدة للسكان المحليين، يلفت الموقع البريطاني إلى أن المتشددين يعارضون بشدة الاستثمارات الصينية.


 

وفي هذا الصدد، يقول الصحفي صقلين إمام: "في بلوشستان، هناك عدة أنواع من القوميات، فالبعض يعارض كل ما تفعله باكستان، لأنهم ببساطة يريدون أن يصبحوا دولة مستقلة".

ويتابع إمام: "تشعر مجموعات أخرى أن حكومة البلاد تخضع لسيطرة البنجاب -المقاطعة الأكثر اكتظاظا بالسكان وثاني أكبر ولاية من حيث المساحة بعد بلوشستان- ولا تسمح للشعب البلوش أن يكون له رأي في المشاريع".

تقارير عن القمع

في ختام التقرير، يذكر موقع بي بي سي أن جيش "تحرير بلوشستان" هو مجرد واحد من ست مجموعات انفصالية مسلحة في المنطقة نفذت هجمات.

جدير بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة صنفتا المنظمة على أنها "إرهابية".

كما تُعد بلوشستان حاليا مقاطعة صعبة بالنسبة للصحفيين وجماعات حقوق الإنسان للوصول إليها.

ورغم ذلك، يؤكد الموقع أن العديد من الانتهاكات والمزاعم المتعلقة بالقمع واسع النطاق وُثقت من قبل الجيش الباكستاني على مر السنين. ورغم التقارير والدلائل، نفت السلطات المحلية هذه الاتهامات في عدة مناسبات.

وفي عام 2023، قُتل عشرة جنود وأفراد أمن باكستانيين في ثلاث هجمات منفصلة في بلوشستان، أُلقي باللوم فيها على المقاتلين الانفصاليين.

وبحسب التقارير، فإن تلك الهجمات قادتها مجموعات تنفذ وتدير عملياتها من إيران.

وبعد هذا التاريخ الطويل من النزاع، يقدر الخبراء والناشطون من جماعات حقوق الإنسان أن "التوترات بين حكومتي باكستان وإيران مع مختلف الجماعات الانفصالية البلوشية ستستمر حتى تتوصل الأطراف إلى نوع من الاتفاق".