لماذا تعزز روسيا قاعدة حميميم في سوريا بطائرات مسيرة إسرائيلية الصنع؟

عمدت روسيا أخيرا إلى اللجوء لخطوة استباقية تزيد من قدراتها العسكرية على المراقبة وجمع المعلومات على الأراضي السورية، وذلك على ضوء التصعيد الحاصل ضد إسرائيل عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية.
ومن المقرر أن تسلم روسيا في الأيام القليلة المقبلة تسع طائرات بدون طيار من طراز Forpost-M للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) إلى قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تتمركز بها بريف اللاذقية على الساحل السوري.
وفقا للمعلومات التي جمعتها وكالة الاستخبارات العسكرية الفرنسية DRM، وعلم بها موقع "إنتيليجنس أونلاين" فإن وكالات التجسس في فرنسا والعديد من دول التحالف الدولي الذي يعمل في العراق وسوريا تراقب هذه الشحنات عن كثب.
تؤكد مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في تقرير لها نشرته بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أن أجهزة المخابرات في العديد من دول التحالف الدولي العامل في سوريا والعراق، تتابع عن كثب قضية طائرات الاستطلاع والمراقبة المسيرة التي ترسلها موسكو إلى سوريا، وهو الأمر الذي يثير غضب إسرائيل.
فرض السيطرة
ويبدو أن روسيا في هذا التوقيت تريد تقوية عمليات الرصد والمتابعة على الأراضي السورية على ضوء التصعيد في الأراضي الفلسطينية وحدوث مناوشات محدودة عند الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل.
وتنامى التصعيد في المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 عقب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة وأسفرت عن مقتل وأسر المئات من الإسرائيليين، الأمر الذي دفع إسرائيل للتصعيد ضد القطاع المحاصر.
وتشير "إنتيليجنس أونلاين" في تقريرها ذاته إلى أن الصور المتبادلة بين وكالات الاستخبارات الغربية، تظهر طائرة نقل روسية ثقيلة من طراز "أنتونوف-124" ومن صنع شركة "فولغا-دنيبر"، محملة بالطائرات المسيرة، بالإضافة إلى محطات تجريبية ومعدات اتصالات وذخائر موجهة، على مدرج مطار روستوف أون-أون بروسيا.
ويشكل نقل روسيا طائرات من طراز Forpost-M إلى سوريا، قلقا لإسرائيل التي باعت تلك الطائرات لموسكو منذ أبريل/نيسان 2009.
اشترت روسيا الدفعة الأولى من الطائرات بدون طيار من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) Searcher 2 عبر حزمة بقيمة 54 مليون دولار.
وفي أواخر عام 2009، طلبت شراء 36 طائرة أخرى بقيمة 100 مليون دولار. وجرى التوقيع على صفقة ثالثة بقيمة 400 مليون دولار في أكتوبر 2010 مع الشركة الإسرائيلية.
وحينها جرى تجميع الطائرات بدون طيار في روسيا منذ أوائل عام 2012 وتسليمها للجيش الروسي في عام 2014.
وتقول مصادر روسية إنه جرى التوقيع على صفقة أخرى في أواخر عام 2015، بقيمة إجمالية تبلغ 320 مليون دولار.
ونفذت موسكو عدة محاولات لشراء طائرات بدون طيار أكثر تقدما من إسرائيل، لكن واشنطن منعت جهودها.
ولهذا فإن توغل طائرة بدون طيار إسرائيلية الصنع في المجال الجوي الإسرائيلي من داخل سوريا في 17 يوليو/تموز 2016 - يُعتقد أنها كانت من طراز Searcher 2 تديره روسيا، قد وفر للسلطات الأميركية سببا آخر لمنع المبيعات المستقبلية لهذه المعدات إلى موسكو.
ومع ذلك، تُصنع طائرات Forpost-Ms في روسيا بموجب ترخيص من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI).
وتقول إنتليجنس أونلاين إن نشر طائرات بدون طيار مصممة إسرائيليا لن يبدو جيدا بالنسبة لتل أبيب في ساحة يسهل اختراقها بشكل خاص كسوريا.
إذ يهدد حلفاء إيران الإقليميون بالتدخل ضد إسرائيل لدعم حركة حماس التي تواجه محاولات إسرائيلية راهنا لتقليص نفوذها في قطاع غزة ردا على عملية "طوفان الأقصى".
وفي الواقع، لا تزال طائرات Forpost-Ms التي تستخدمها روسيا، والتي تحطمت في أوكرانيا في الأشهر الأخيرة تحمل لوحات تسجيل من شركة (IAI) الإسرائيلية.
كما أن سقوط حطام هذه المسيرات في يد النظام في سوريا أو حلفائه على الأراضي الإسرائيلية (في إشارة إلى الجولان) ستكون له عواقب سياسية كارثية، كما ترى "إنتيليجنس أونلاين".
وبحسب مصادر المجلة، تثير هذه الخطوة من الكرملين قلق شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، التي تواجه بالفعل أزمة كبيرة في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
وحاولت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إقناع موسكو بعدم المضي قدما في عملية النقل هذه، لكن إسرائيل في ظل الظروف الراهنة لا تملك أي أدوات لمنع ذلك.
وقد وصلت علاقات تل أبيب مع موسكو إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ويبدو أن ما يسمى باتفاقيات "عدم الاشتباك" بين الجانبين في سوريا باتت أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
وهناك تنسيق روسي إسرائيلي في السماء السورية مازال عالي المستوى بين مقر قيادة قاعدة حميميم بريف اللاذقية ومقر قيادة إسرائيل في حيفا. إذ تحكم السماء السورية منذ عام 2015 بمعاهدة منع احتكاك بين موسكو وتل أبيب.
مرحلة الرصد
تقول "إنتيليجنس أونلاين" إن هذا التسليم يمثل تهديدا كبيرا يمكن أن تشكله دمشق وحزب الله، حيث تتمتع أنظمة الطائرة بقدرات كافية للسماح بإجراء عمليات استخباراتية وشن ضربات على مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967.
وهو ما يمنح حزب الله الفرصة للتحضير لضرباته التي كثفها أخيرا ضد نظام مراقبة الحدود الإسرائيلي على الحدود.
وتُصنع مسيرات Forpost-M بموجب ترخيص صدر عام 2015 من قبل شركة Ural Civil Aviation Plant (UZGA) وفق مواصفات طائرة Searcher MK II المسيرة التي طورتها شركة (IAI) الإسرائيلية.
وينص الاتفاق بين شركة (IAI) الإسرائيلية وروسيا على عدم تمكن الأخيرة من إعادة بيع الطائرات المسيرة المنتجة أو مواصفاتها إلى طرف ثالث.
واليوم، قد يستغرق التحدي القانوني لعملية إعادة التصدير غير الخاضعة للرقابة عدة سنوات، رغم أنه من المقرر أن تصل الطائرات المسيرات إلى الأراضي السورية قريبا جدا.
وتظهر تحليلات العديد من الأجهزة الاستخبارية التي تراقب المنطقة أن الطائرات متجهة إلى وحدات الاستخبارات التابعة للقوات الخاصة السورية، وفق "إنتليجنس اولاين".
ومع ذلك، فإنه إلى الآن فإن جبهة سوريا ما تزال هادئة ولم تشهد إطلاق رصاصة واحدة تجاه الحدود مع إسرائيل أو حتى افتعال مناوشات كما يحدث بين حزب الله والقوات الإسرائيلية جنوب لبنان والتي بدأت في الثامن من أكتوبر 2023.
إلا أنها ما تزال تحت السيطرة دون تطورها لمعركة حقيقية يجرى فيها الحزب إسرائيل إلى حرب واسعة مما يشتت جهودها الحربية المركزة على قطاع غزة الآن.
ويؤكد مراقبون عسكريون أن روسيا في هذه المرحلة بحاجة لمزيد من الرصد وجمع المعلومات لمختلف قوى النفوذ على الأراضي السورية وهي تسبق الأمور برفد قاعدة حميميم بطائرات مسيرة ذات قدرات محددة في حال حدوث أي انعكاس للحرب في غزة على سوريا.
لا سيما أن هناك تصعيدا بين إيران والولايات المتحدة داخل سوريا جرى أخيرا بعد ضرب مليشيات إيرانية قواعد أميركية في العراق ومحاولة استهداف قاعدة التنف الأميركية عند مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية بطائرات مسيرة.
وقاعدة حميميم الجوية الروسية تقود العمليات العسكرية الروسية في سوريا منذ أن وقعت عقد استئجار طويل الأجل لها عام 2017 مع نظام الأسد لمدة 49 عاما.
وللتنويه، فإن المواقع الروسية معلومة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى لا تتعرض لقصف من واشنطن وتل أبيب اللتين تهاجمان المصالح الإيرانية بشكل متكرر على الأراضي السورية.
قد لا تكون الطائرة الروسية المسيرة Forpost-M حديثة للغاية، لكنها توفر قدرات استخباراتية ونارية كبيرة.
فمنذ بداية الصراع في أوكرانيا، أثبتت فعاليتها في عمليات الاستهداف المعقدة لدعم القوات الجوية والمدفعية. وتبلغ حمولة الطائرة 120 كلغ ما يعني أنها قادرة على حمل قنابل موجهة من طراز KAB- 50 الدقيقة والتي هي أيضا جزء من حمولة طائرة An- 124.
وفي أبريل/نيسان 2022 زجت روسيا بهذه الطائرة في الحرب الأوكرانية، حيث شنت ضربات بصواريخ عالية الدقة على بطارية مدفع ذاتية الدفع عيار 122 ملم والعديد من المركبات المدرعة التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية.
وتعمل الطائرة بدون طيار على ارتفاع يزيد عن 4.5 كيلومترات. يوجه المشغل المنظار نحو الجسم المطلوب، ومن ثم يظهر الانفجار.
وتظهر الصور أن الطائرة بدون طيار دمرت مركبات مدرعة للقوات الأوكرانية ومستودعات أسلحة ومخزن للوقود ومواد التشحيم من الجو.
النسخة المسلحة
وForpost-M هي النسخة المسلحة من الطائرات بدون طيار، حيث جرى فيها وضع صاروخين صغيرين على التعليق الخارجي تحت جناح الطائرة بدون طيار.
ويشير وصف النموذج الأولي إلى أنه مصمم لتدمير أجسام أرضية واحدة ثابتة ومتحركة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن مناورات "قوقاز-2020" العسكرية التي جرت في نهاية سبتمبر/أيلول 2020 شهدت تدريبات على إطلاق أسراب من الدرونات العسكرية المتنوعة بينها Forpost.
وقال بيان صادر عن الوزارة حينها "خلال فعاليات مناورات قوقاز-2020 تدرب جنود تابعون لقوات المنطقة الوسطى في الجيش الروسي على إطلاق أسراب من الطائرات المسيرة من نوع Forpost وOrlan-10 وEleron-3، لتعمل هذه الدرونات في تشكيلات موحدة".
وأشار البيان إلى أن الدرونات التي استخدمت في التدريبات المذكورة كانت قادرة على التحليق على ارتفاعات تتراوح ما بين 100 و5000 م، وأن المعدات الإلكترونية المتطورة التي كانت مزودة بها مصممة لرصد تحركات وحدات العدو أثناء المعارك ومراقبة مراكز القيادة والمعدات العسكرية والقوى البشرية للعدو.
كما يمكن الاعتماد على هذه الدرونات أيضا في إعطاء البيانات للمراكز الأرضية لتوجيه ضربات دقيقة للقوى المعادية، ويمكن استعمالها كوسيلة من وسائل الحرب الإلكترونية.
وأدخلت روسيا عام 2017 عدة تحسينات على Forpost-M ويقال إن سعرها يصل إلى 6 ملايين دولار، بحيث تكون قادرة على التواصل ليس فقط مع محطة التحكم الأرضية، ولكن مباشرة مع الطائرات الأخرى بما في ذلك المروحيات.
وهو ما يمكن أطقمها من تقييم المعلومات التي يجرى جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار الخاصة بها ونقل البيانات في الوقت الفعلي إلى القوات البرية أو المحمولة جوا.
ومن المفترض أن تكون مركبة الاستطلاع مجهزة بمعدات محلية بالكامل على متنها: نظام اتصالات لاسلكي، ونظام ملاحة بالقصور الذاتي (SINS)، ومسجل معلومات.
وتتمثل مهمة الطائرة بدون طيار في نقل مئات الكيلومترات من البيانات عبر الإنترنت: الرسائل الصوتية، وبيانات الملاحة، والصور، والمحادثات النصية بتنسيق الدردشة، وصور الفيديو بجودة HD عبر عدة قنوات اتصال في وقت واحد.