لماذا قد تؤدي الانتخابات التشريعية في بنغلاديش إلى اضطرابات عنيفة؟
رغم احتجاجات المعارضة، قررت الحكومة في بنغلاديش برئاسة الشيخة حسينة المضي قدما في إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في يناير/ كانون الثاني 2023.
وحذر معهد بحثي إيطالي من أن النتائج المحتمل صدورها عن صناديق الاقتراع والتي قد تمنح فوزا ساحقا للحزب الحاكم، من شأنها أن تهدد الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي في البلاد.
لذلك يرى معهد "تحليل العلاقات الدولية" أن بنغلاديش على وشك أن تعيش أحد المواعيد الانتخابية "الأكثر اضطرابا في العقود الأخيرة".
مقاطعة واحتجاجات
وأعلن الحزب الوطني البنغلاديشي، صوت المعارضة الرئيس، مقاطعته للتصويت على غرار ما حدث في انتخابات عام 2014 وكذلك 2018 وذلك بمجرد إعلان لجنة الانتخابات موعد الاستحقاق البرلماني المقرر في 7 يناير/كانون الثاني 2023.
واتهم الحزب في عدة مناسبات حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، زعيمة حزب "رابطة عوامي" الذي يتولى السلطة منذ عام 2008، بتزوير نتائج الانتخابات لصالحها، مبديا عدم استعداده للمشاركة في ما وصفها بالمهزلة.
ودعا الحزب إلى جانب أحزاب المعارضة الأخرى، إلى استقالة حسينة وتسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال مؤقتة محايدة تشرف على التصويت، وهو ما ترفضه السلطة الحالية وتعده إجراء غير دستوري.
بدوره، لن يشارك أكبر حزب إسلامي ببنغلاديش، "الجماعة الإسلامية" في الانتخابات أيضا، بعد أن منعته المحكمة العليا من المشاركة بدعوى "انتهاك ميثاق الدستور العلماني للبلاد" بناء على حكم سابق كان قد صدر عام 2013.
في المقابل، سيشارك في الانتخابات المقبلة حزب "جاتيا" المعارض الوحيد الموجود حاليا في البرلمان والمتهم بالخضوع لإملاءات الحزب الحاكم.
وذكر المعهد الإيطالي أن الحكومة الحالية "مارست خلال العام 2022 حملة قمع قاسية ضد المعارضين السياسيين".
وخلال الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أُلقي القبض على أكثر من 10 آلاف شخص بينهم معارضون ونشطاء وصحفيون.
ووقعت أيضا اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة التي اتهمت بالاستخدام غير المتناسب للقوة ما أسفر عن سقوط قتلى.
كما وجهت اتهامات لقوات الأمن بارتكاب انتهاكات، مثل حالات الاختفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.
ويمثل ذلك إشارة واضحة، بحسب المعهد الإيطالي، تنذر بتنامي مناخ العنف السياسي في بنغلاديش الذي يشهد تفاقما حادا قبيل التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وتُتهم كذلك القيادة الحكومية وعلى رأسها رئيسة الوزراء حسينة بالتحريض على العنف ضد أعضاء المعارضة في تصريحاتها.
وضع متذبذب
وجزم المعهد الإيطالي أن الحزب الحاكم في طريق مفتوح لتحقيق فوز ساحق، خصوصا على ضوء ما تتمتع به رئيسة الوزراء من نسبة تأييد تبلغ 70 بالمئة بفضل النتائج الإيجابية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، وفق ما كشف عنه استطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" في أغسطس/آب 2023.
ومع ذلك، أعرب ما يقرب من 40 بالمئة من المواطنين عن تشاؤمهم بشأن الوضع العام في البلاد.
وهذا يعني أن هناك تصورا واسع النطاق بأن عدم الاستقرار السياسي قد يتسبب في عواقب اقتصادية كارثية، رغم النتائج المشجعة حاليا، يشرح المعهد الإيطالي.
وفي الوقت نفسه، تكشف استطلاعات الرأي ارتفاعا ملحوظا في دعم المعارضة من نسبة 36 بالمئة عام 2019 إلى 63 بالمئة في العام 2023.
إلا أن 56 بالمئة من المواطنين المستجوبين يعارضون مقاطعة المعارضة للانتخابات.
وشدد المعهد الإيطالي بأنه لا يمكن إنكار أن البلاد أحرزت نتائج جيدة على مستوى التنمية الاقتصادية في عهد الشيخة حسينة رغم التحديات المتعددة.
في هذا الصدد، يذكر أن البلاد سجلت خلال الـ15 عاما الماضية معدلات نمو تزيد على 6 بالمئة باستثناء عام 2020 وذلك بسبب تفشي جائحة كورونا.
وشهدت البلاد تعافيا قويا بعد كورونا حيث نما الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2021 و2022 بنحو 7 بالمئة، فيما انخفض معدل الفقر من 11.8 بالمئة عام 2010 إلى 5 بالمئة عام 2022.
علاوة على ذلك، بعد أن دخلت بنغلاديش فئة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى في عام 2015، تهدف الآن إلى الخروج من قائمة أقل البلدان نموا في العالم بحلول عام 2026 وأن تصبح دولة ذات دخل متوسط-أعلى بحلول عام 2031.
ومع ذلك، من المتوقع تسجيل انخفاض في النمو هذا العام سيتراوح بين 5 و6 بالمئة.
وبحسب بيانات البنك الدولي، يعود تباطؤ النمو الاقتصادي في المقام الأول إلى ارتفاع التضخم الذي تضاعف تقريبا في غضون عامين من حوالي 5 بالمئة في عام 2021 إلى ما يقرب من 10 هذا العام.
علاوة على ذلك، تفاقم العجز في ميزان المدفوعات بتسجيله ارتفاعا من 5.3 ملايين في 2022 إلى 7.2 ملايين دولار في 2023 ، وكان لذلك تداعيات حتمية على احتياطيات العملات الأجنبية التي انخفضت بشكل كبير.
اهتمام خارجي
الانتخابات المنتظرة ستحظى بمتابعة كبيرة في الخارج خاصة في نيودلهي وبكين وموسكو وواشنطن، يشير المعهد الإيطالي.
وذكر أن الولايات المتحدة هددت باتخاذ إجراءات ضد المعرقلين للعملية الانتخابية، لافتا إلى أنها "كانت قد دعت في الماضي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وأدانت التزوير".
من جانبها، احتجت الصين وروسيا بدلا من ذلك على التدخل الأميركي في شؤون بنغلاديش الداخلية وتقديم الدعم لرئيسة الوزراء حسينة.
بدورها، تنظر الهند إلى التصريحات الأميركية بشيء من القلق رغم أنها لا تعارض واشنطن علنا وتدعو بدورها إلى إجراء انتخابات ديمقراطية.
لكنها تدعم ضمنيا حكومة حسينة من أجل الحفاظ على الوضع الراهن والاستقرار في الدولة المجاورة.
بإمكان حسينة وحكومتها الاعتماد على شبكة دعم محلية تضم القوات العسكرية والأمنية، وكذلك المحاكم والإدارة العامة، وقسما كبيرا من وسائل الإعلام والمالية، بالإضافة إلى الدعم الذي يقدمه العديد من الشركاء الدوليين.
وهذا يعني أن قبضة هذا "التحالف" المتنوع على السلطة سيكون من الصعب استبدالها في المستقبل القريب، على حد تعبير المعهد الإيطالي.
ويرى أن الوضع يتجه على الأرجح إلى تفاقم الانقسامات بشكل أكبر في ظل غياب كل احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية.
وحذر المعهد من أن هذا السيناريو يعد الأكثر خطرا نظرا لتأثيراته المحتملة على الاقتصاد الوطني الذي مايزال يعاني من حالة من الهشاشة.
وأضاف أن تصور احتمال تدهور الظروف المعيشية "سيكون الفتيل الذي من شأنه إشعال دوامة من العنف لا يمكن السيطرة عليها كما حدث في السابق".
بينما يرى المعهد الإيطالي أن "فكرة إجراء انتخابات غير ديمقراطية أخرى قد لا تكون كافية في حد ذاتها لإثارة احتجاجات كبيرة".