قرار "العدل الدولية" بوقف العدوان على رفح.. يفيد أم يضر إسرائيل وأميركا؟

12

طباعة

مشاركة

قبل أن تصدر محكمة العدل الدولية حكمها في طلب جنوب إفريقيا إصدار أمر عاجل بوقف العدوان الإسرائيلي على مدينة رفح، لحين البت نهائيا في دعوى "الإبادة الجماعية"، كان متوقعا أن يصدر قرار إما بوقف العدوان على كامل غزة أو على رفح كحد أدنى.

أكد هذا مسؤول سياسي لصحيفة "إسرائيل اليوم" في 23 مايو/ أيار 2024، موضحا أن تل أبيب تنتظر سيناريوهين محتملين: أوامر بوقف العملية في رفح، أو أوامر بوقف الحرب في غزة بشكل عام.

المحكمة اختارت في حكمها يوم 24 مايو أن تطالب إسرائيل بإيقاف العدوان على رفح، وعلى طريقة الجنائية الدولية في إدانة حماس مع إسرائيل، أضافت لقرارها مطالبة حماس بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دون شروط.

وصدر القرار بموافقة لجنة من 15 قاضيا من جميع أنحاء العالم بأغلبية 13 صوتا مقابل صوتين. ولم يعارض الأمر سوى القاضية الأوغندية، جوليا سيبوتيندي ورئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق، أهارون باراك.

حكم إيقاف إسرائيل لكل عملياتها العسكرية في رفح فقط، وفتح معبر رفح لضمان وصول كل المساعدات الإنسانية لأهل غزة، هو خطوة مهمة لكنه يثير تساؤلات من قبيل: لماذا ليس وقفا كاملا لكل الحرب والاكتفاء برفح فقط؟ ولماذا تم حشر الرهائن في القرار؟

فمطالبة المحكمة بإيقاف الهجوم على رفح فقط يعني إعطاء الاحتلال ضوءا أخضر لاستكمال العدوان في بقية كامل قطاع غزة.

المطالبة بوقف القتال في رفح أيضا، لم تقترن بمطالبة إسرائيل بالانسحاب منها، لذا لا يعني انسحابها من المواقع التي احتلتها، واستمرار السيطرة على محور فيلادلفيا "الحدود المصرية الفلسطينية"، وبقاء الاحتلال وتعطيل حياة الفلسطينيين.

القرار أيضا لا يبدو أنه لإنصاف الفلسطينيين، بل لإخراج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المأزق الذي ورط نفسه فيه برفح.

وربما إعطاء نتنياهو أيضا مبررا للنزول من الشجرة، وحجة أمام متطرفي حكومته ليقول لهم إنه سيوقف الحرب بطلب المحكمة، بينما يستهدف حفظ ماء وجهه.

وقبل مطالبة العدل الدولية لنتنياهو بوقف العدوان على رفح، طالبته الصحف والقيادة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بوقف الحرب والاكتفاء بالخسائر التي حدثت، في ظل فشل العدوان في تحقيق أهدافه.

وكما كان متوقعا لم تمتثل إسرائيل للأمر، إلا أنه سيزيد الضغط على الدولة الصهيونية المعزولة بشكل متزايد، وفق مراقبين

عيوب القرار

قرار المحكمة تضمن ثلاثة نقاط أو أوامر موجهة لإسرائيل، الأول: أن توقف "على الفور" هجومها العسكري أو أي أعمال أخرى في رفح، بسبب "الخطر المباشر" على الشعب الفلسطيني.

والثاني: فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، إلى جانب ضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية.

والثالث: التزام إسرائيل أن تقدم للمحكمة خلال شهر تقريرا عن الخطوات التي ستتخذها.

لكن رئيس محكمة العدل الدولية، نواف سلامة، اللبناني الأصل، تبرع وأضاف أمرا رابعا للمقاومة في غزة بـ "إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة فورا ودون شروط"، وقال "من المقلق للغاية" أن الرهائن الإسرائيليين مازالوا محتجزين، مع أن القرار لا علاقة له بحماس.

والمفارقة أن المحكمة اعترفت في قراراها الجديد أن إسرائيل "لا تستجيب" لما تأمرها به، إذ أصدرت المحكمة ذاتها في مارس/آذار 2024، "إجراءات مؤقتة" وتجاهلتها إسرائيل، وفق تأكيد المحكمة، لكنها لم تقرر أي عقوبات أو شيء.

وقبل ذلك أمرت المحكمة إسرائيل، في يناير/ كانون الثاني 2024، ببذل كل ما في وسعها لمنع أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، لكنها لم تذهب إلى حد إصدار أمر بوقف إطلاق النار.

ورفضت المحكمة تصنيف ما يفعله الاحتلال بأنه "إبادة جماعية"، ما يشير ضمنا لأنها محكومة برؤية الدول الكبرى (أميركا) التي تدير مجلس الأمن المسؤول عن تنفيذ قراراتها. 

وفي قرارها الأخير، ذكرت محكمة العدل، أنها ليست "مقتنعة بأن عمليات الإجلاء والإجراءات الإسرائيلية الأخرى كافية لتخفيف معاناة الفلسطينيين"، مشيرة إلى أن "الوضع الإنساني في رفح مصنف الآن على أنه كارثي وتدهور أكثر منذ أمر المحكمة الأخير".

وأوامر المحكمة ملزمة لكل أعضاء الأمم المتحدة بما فيها إسرائيل بصفتها عضوا فيها، ومجلس الأمن الدولي هو الجهة الضامنة لتنفيذ أمر المحكمة.

لكن الإدارة الأميركية مستمرة في تعطيل تمرير قرار محكمة العدل الدولية عبر مجلس الأمن الدولي لمنحه الصبغة التنفيذية، وذلك باستخدام صلاحية النقض داخل المجلس.

ويعتقد أن المحكمة لم تأمر بوقف الحرب كلها، والاكتفاء برفح لضمان أن يقوم مجلس الأمن والولايات المتحدة تحديدا بعدم عرقلة القرار وتنفيذه، دون تفعيل الفيتو.

فقد عرقلت الولايات المتحدة 4 قرارات لمجلس الأمن لوقف الحرب في غزة ومنها أوامر لمحكمة العدل الدولية عبر استخدام الفيتو.

وتعد محكمة العدل الدولية أعلى سلطة تابعة للأمم المتحدة مختصة بالنظر في النزاعات بين الدول، وكذلك فإن الأحكام الصادرة عنها باتة وملزمة، لكن سبق تجاهلها في الماضي، كما أنها لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية.

على سبيل المثال كانت المحكمة العدل الدولية أصدرت قرارا في يوليو/ تموز 2004 قالت فيه إن جدار الفصل الإسرائيلي "مخالف للقانون الدولي".

وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية "بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار"، لكن ذلك لم يحصل لغاية الآن.

نص الحكم ذاته، يبدو غامضا، وفق "إلياف ليبليتش"، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، لشبكة "ٍسي إن إن" يوم 24 مايو 2024.

قال: "يمكن فهم الأمر بطريقتين: إما أن على إسرائيل أن توقف الهجوم في رفح، أو على وجه التحديد التصرفات التي قد تؤدي إلى ظروف معيشية قد تؤدي إلى الدمار المادي".

لكن ما هو واضح في نظر المحكمة أنه "لا يمكن أن تستمر العملية بنفس الطريقة، لأنها وجدت أن الوضع كما هو الآن يشكل خطرا على الحقوق التي تحميها اتفاقية الإبادة الجماعية". 

الضغط على مصر

من عيوب قرار العدل الدولية أيضا أنه قرار هلامي عام يطالب (لا يحدد يطالب من؟) بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات، ومعروف أن إسرائيل تزعم أنها لا تغلقه ولا تمنع المساعدات وتحمّل مصر المسؤولية لأنها ترفض إدخال المساعدات.

لذا يبدو القرار وكأنه موجه ضد مصر ويعطيها أمرا بفتح معبر رفح فورا وهو محتل من قبل الإسرائيليين ومن ثم تثبيت الأمر الواقع بأن يظل المعبر في يد الاحتلال لا الفلسطينيين، في حين تضغط مصر برفض فتح كي ينسحب الاحتلال.

فهل القرار لإجبار مصر على فتحه وهو محتل، ما يعني أن يصبح أمر العدل الدولية لصالح نتنياهو؟

ويبدو أن مصر، التي كشفت صحف أميركية في 22 مايو 2024 تعرضها لضغوط من كبار المسؤولين الأمريكيين، استجابت مبكرا لأمر العدل الدولية.

حيث أعلنت مصر، في نفس يوم صدور أوامر العدل الدولية، توصلها لاتفاق مع واشنطن بخصوص إدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل أيضا.

الرئاسة المصرية، قالت في بيان لها إن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي اتفق مع نظيره الأميركي جو بايدن في مكالمة هاتفية على إرسال المساعدات الإنسانية والوقود مؤقتا إلى الأمم المتحدة من خلال معبر كرم أبو سالم، لحين التوصل إلى آلية قانونية لإعادة تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني".

نازية ضد "الأغيار"

غالبا ما ترفض حكومة الاحتلال قرارات الأمم المتحدة ومنظماتها مثل محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، لأنها غير متوافقة مع طبيعة هذه الحكومة المتطرفة التي تحكم إسرائيل بمنظور ديني.

لكن رد إسرائيل هذه المرة فارق النازية بمراحل، ففي أول رد فعل وصف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أوامر المحكمة بأنها قرارات "الوثنيين" أو "الأغيار".

قال في تعليق عبر منصة إكس: "مستقبلنا لا يعتمد على ما سيقوله أمم الوثنيين (الأغيار)، ولكن على ما سيفعله اليهود".

أيضا قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية "آفي هيمان" للصحفيين، حول احتمال امتثال إسرائيل لحكم العدل الدولية: "لا توجد قوة على الأرض يمكنها أن تمنع إسرائيل من حماية مواطنيها وملاحقة حماس في غزة".

ونقلت "القناة 12" عن مسؤولين لم تذكر أسماءهم أن إسرائيل "لا تنوي الامتثال مثل هذه القرارات".

وقال الوزير بحكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس إن إسرائيل ستواصل ما أسماه "حربها العادلة والضرورية، بما في ذلك في رفح" على حركة حماس من أجل إعادة الرهائن وضمان أمن إسرائيل.

وحاول مستشار الأمن القومي تساحي هانغبي، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية التخفيف من الأمر في بيان مشترك.

قال فيه إن "إسرائيل لا تعتزم ولن تنفذ عمليات عسكرية في منطقة رفح تؤدي إلى ظروف معيشية يمكن أن تتسبب في تدمير السكان المدنيين الفلسطينيين، سواء في شكل كامل أو جزئي".

رد الفعل هذا يلخص حالة العنجهية والعنصرية الصهيونية في التعامل مع العالم بتقدير أن إسرائيل هي الطفل المدلل لأميركا المحمي من الخطأ والذي لا يمكن عقابه. 

لكنه يظهر أيضا العزلة التي تعيشها دولة الاحتلال بعدما أظهرت عنصريتها ومحاولة سموّها فوق الجميع، ولا يجوز محاسبتها على جرائم الحرب التي تقوم بها، رغم أنها اتهمت النازيين أنهم فعلوا بها الشيء ذاته.

وانتقد السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي سبق أن طالب عقاب القضاة الدوليين الذين يدينون إسرائيل، أمر محكمة العدل الدولية قائلا: "لتذهب المحكمة إلى الجحيم".

قال غراهام على منصة إكس: "كان علينا منذ زمن طويل الوقوف في وجه ما يسمى منظمات العدالة الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة، إن انحيازهم المناهض لإسرائيل كبير للغاية"، بحسب ادعائه.

وأضاف: "في رأيي، لتذهب محكمة العدل الدولية إلى الجحيم"، وفق تعبيره.

تداعيات القرار

المفترض في الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية أنها باتة وملزمة، لكن سبق تجاهلها في الماضي، كما أن المحكمة لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية ولا قوة تنفيذية تفرض القرار، ويترك الأمر لمجلس الأمن الذي يعرقله الفيتو الأميركي.

لكن صدور قرار ضد إسرائيل من أعلى جهة قانونية تابعة للأمم المتحدة يفترض أن يؤدي إلى زيادة الضغوط الدبلوماسية على حكومة نتنياهو. 

وبالرغم من التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين برفض الامتثال لقرار محكمة العدل، إلا أن تبعات هذا القرار ستترك أثرا كبيرا على موقف الاحتلال على عدة أصعدة.

فهذا الحكم يعد ورقة قانونية مهمة في ملف القضية الفلسطينية، وسيضاف إلى الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل لتقليص حربها في غزة أو إنهائها مع زيادة عزلة دولة الاحتلال عالميا.

ورغم توقع عدم التزام إسرائيل به، وهو ما أعلنته رسميا، إلا أن هذا لا يعني أن القرار ليس موجودا حيث بات أمرا واقعا في القانون الدولي وله تبعاته كما يرى خبراء قانون دولي.

"وإذا عصيت إسرائيل أمر المحكمة الدولية بوقف الحرب أو عمليتها العسكرية في رفح فإنها قد تواجه عقوبات دولية"، وفق صحيفة "هآرتس".

وقالت إنه حتى ولو دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في مثل هذا الوضع، فمن المرجح أن تلتزم معظم الحكومات الغربية بقرار المحكمة، خاصة بعدما أعلنت دور أوروبية، أنها ستلتزم بقرار الجنائية الدولية لو صدر باعتقال نتنياهو.

وحتى مع زيادة التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل ومساندتها، فإن السؤال الأكثر إلحاحا هو إلى أي مدى ستستمر واشنطن بالمضي قدما في هذا المسار وهي تواجه غضبا داخليا في صورة مظاهرات مستمرة ضد سياسة إدارة بايدن الداعمة للإبادة.

وقد يؤدي القرار أيضا لتصاعد الخلافات الداخلية في إسرائيل ومزيد من الانقسامات داخل إسرائيل بين ساستها، وخارجها أيضا، مع حلفاء إسرائيل وداعميها.

وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن قرار وقف الحرب سيدفع الدول الصديقة لإسرائيل، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وألمانيا، إلى الضغط على إسرائيل للامتثال للقرار.

ومن الممكن أن يؤثر القرار على شحنات الأسلحة المصدرة إلى الاحتلال من دول صديقة، وقد تقوم دول أخرى مثل الصين بتأخير الشحنات من السلع المدنية، كنوع من العقوبات، بحسب الصحيفة.

كما تخشى تل أبيب من اتساع رقعة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الدول الغربية مما قد يدفع حكومات هذه البلدان لاتخاذ مواقف أقل حماسا في دعم الاحتلال وحربه على قطاع غزة.

إلا أن الخطر السياسي الكبير الناجم عن صدور هذا الأمر من محكمة العدل الدولية يتلخص في تقديم مشروع قانون لمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن “الفيتو الأميركي في الوضع الحالي غير مضمون”، فيما قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن تل أبيب “تستعد للأسوأ”