"لم ترغب برلين في سماعها".. هذه تداعيات تصريحات أردوغان عن "الهولوكوست"؟
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تسببت في تداعيات واسعة في الصحافة العالمية، خاصة بسبب تصريحاته ضد إسرائيل وألمانيا.
ووصفت وسائل الإعلام الألمانية تصريحات أردوغان "الجريئة" خلال مؤتمر صحفي مع المستشار أولاف شولتس بأنها "فاضحة".
كما أظهرت وسائل الإعلام الرئيسة في الغرب أنها "غير مرتاحة" بشكل عام لتصريحات الرئيس التركي.
لوبي قوي
ونشرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية مقالا للكاتب، كمال إنات، لفت النظر فيه إلى أن تصريحات المستشار الألماني الذي دافع فيها عن إسرائيل التي قتلت أكثر من 14 ألف فلسطيني بينهم أكثر من 5 آلاف طفل "مرّت مرور الكرام".
واستدرك: "غير أن كلمات الرئيس أردوغان والتي تقول (لا تَدَعوا ماضيكم في المحرقة يجعلكم شركاء في جرائم إسرائيل اليوم) قوبِلَت بآراء غريبة".
وأضاف: "تسببت إشارة الرئيس أردوغان إلى ماضي المحرقة في ألمانيا في انزعاج كبير في وسائل الإعلام والسياسيين الألمان".
وتابع: "لكن أي شخص يعيش في ألمانيا يعرف أن موضوع المحرقة يجرى تغطيته على التلفزيون الألماني كل يوم، وأن السياسيين الألمان يجب أن يتذكروا ويشعروا بالندم في أوقات معينة من السنة".
وأشار الكاتب التركي إلى أنه "عند زيارة إسرائيل أو استقبال زوار من إسرائيل، يُذكِّر المتحدثون الألمان السياسيين بتاريخهم المتعلق بالهولوكوست، بهدف تسليط الضوء على مأساة الهولوكوست التي تعرض لها الشعب اليهودي وتذكير ألمانيا بالمسؤولية التاريخية لها".
لأنه كما قال الأكاديمي الأميركي اليهودي، نورمان فينكلشتاين، إن "هناك (صناعة الهولوكوست) التي تخدم الصهيونية، ومن المهم جدا ألا تنسى ألمانيا المحرقة من أجل مواصلة المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تجلبها هذه الصناعة".
وقال الكاتب إنات: "في هذه الحالة يُطرح السؤال الأهم: لماذا شعر السياسيون ووسائل الإعلام الألمانية، تحت التأثير القوي للوبي الإسرائيلي، بالإهانة من تركيز الرئيس أردوغان على المحرقة؟".
واستطرد: "الجواب هو لأن تركيز أردوغان على المحرقة لم يكن تأكيدا يخدم (صناعة الهولوكوست)، بل كان تأكيدا ضد مصالح الصهيونية، ودعوة لألمانيا إلى تحريرها من الأسر، وسيكون هذا سببا كافيا لاستهدافه أكثر من قبل الصهاينة في المستقبل".
واسترسل: "رغم ذلك، أظهر أردوغان مرة أخرى أنه على استعداد لتحمل هذه المخاطرة بكلماته: إذا ظلت أيدينا وأذرعنا وألسنتنا مقيدة ضد إطلاق النار على المستشفيات وقتل الأطفال، فلن نتمكن من تفسير ذلك في التاريخ".
لا غنى عنها
وأشار الكاتب التركي إلى أن "استضافة أردوغان في ألمانيا وتكرار خطابه الذي ينتقد إسرائيل من شأنه أن يزعج الأخيرة واللوبي الصهيوني في الدول الغربية".
وأضاف "مع ذلك فقد تمت الزيارة، لأن تركيا تُعد شريكا مهما في منع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وهي شريك تجاري لألمانيا أيضا".
بالإضافة إلى ذلك "من المهم أن يكون هناك تعاون بين ألمانيا وتركيا نظرا لكونها بلد عبور مهم لموارد الطاقة في الشرق الأوسط وحوض بحر قزوين وشرق البحر الأبيض المتوسط في تركيا والتي يتم نقلها من خلال تركيا إلى أوروبا خصوصا بعد مشكلة إمدادات الطاقة مع روسيا".
وذكر إنات أن "هناك عدة أسباب تجعل من الضروري على ألمانيا تطوير علاقة منطقية مع تركيا".
أولا، أظهرت آثار موجة اللاجئين والهجرة الكبيرة التي واجهتها ألمانيا عام 2015 أن عدم التعامل الصحيح مع هذه المسألة يمكن أن يؤدي إلى تعزيز اليمين المتطرف وتهديد الاستقرار السياسي في البلاد، لذلك تعتقد حكومة برلين أن التعاون مع أنقرة في منع الهجرة غير النظامية "ضروري للغاية".
ثانيا، بالنسبة لدولة تجارية مثل ألمانيا، من المهم جدا عدم فقدان أسواق مهمة مثل تركيا.
ثالثا، وبما أن ألمانيا تعد نفسها الزعيم الطبيعي للاتحاد الأوروبي، فإنها تحتاج إلى شركاء أمنيين للعب دور نشط في الصراع العالمي على السلطة، وينظر إلى دعم تركيا للاتحاد في صعود القوى الآسيوية مثل الصين والهند والصراع المتزايد على السلطة مع سياسات روسيا على أنه خيار منطقي لبرلين، يقول إنات.
ولذلك، ينبغي حل التوترات التي حدثت في السنوات الـ10 الماضية من خلال الدبلوماسية وينبغي تعزيز الشراكة الأمنية الطويلة الأجل مرة أخرى.
وأخيرا، بالنظر إلى أن تركيا في طريقها لتصبح مركزا مهما للطاقة، فإن أهمية أنقرة تزداد بالنسبة لبلد مثل ألمانيا يبحث عن مصادر بديلة للطاقة، يوضح الكاتب.
الخط العقلاني
وأشار إنات إلى أنه "مثلما تؤثر اللوبيات على سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا، هناك أيضا جهات تؤثر على سياسة ألمانيا تجاه تركيا وتحولها عن المسار الرشيد".
وأوضح أنه "من بين هذه الجهات، يبرز لوبي إسرائيل والجالية المعادية لتركيا والأطراف الأطلسية في السياسة الألمانية".
وأضاف: "ليس سرا أن لوبي إسرائيل له تأثير قوي على سياسات الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وألمانيا، في تشكيل سياسات الشرق الأوسط".
وتابع: "حيث يمكن للوبي ضمان اتباع هذه الدول لسياسة موالية لإسرائيل وتعريض القادة الذين تعدهم إسرائيل تهديدا للضغط والعقوبات من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا".
وقبل زيارة برلين، قام لوبي إسرائيل في ألمانيا بجهود كبيرة لمنع زيارة الرئيس أردوغان الذي انتقد بشدة العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأدى إلى استشهاد أكثر من 14 ألف فلسطيني.
وفي هذا الصدد، تلقى اللوبي الإسرائيلي دعما من كل من الشتات المناهض لتركيا في ألمانيا والدوائر الأطلسية في هذا البلد.
وتعمل كل هذه الجهات معا لمنع بيع طائرات القتال الأوروبية من نوع "يوروفايتر تايفون" التي تنتجها ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا إلى تركيا.
وتسعى هذه الجهات لمنع تركيا من الحصول على مقاتلات "إف-35" و"إف-16" وتكرار المشكلة التي واجهتها مع واشنطن.
بل وتسعى هذه الجهات، يؤكد إنات، لـ"منع تركيا من الحصول على طائرات حربية من حلف شمال الأطلسي، وإجبارها على البحث عن موردين بديلين، ثم تعريضها للعقوبات كما حدث في قضية (إس-400)".
ويرى الكاتب أن "تدهور العلاقات التركية الألمانية في الفترة الأخيرة يُظهِر أن لوبي إسرائيل والجهات المعادية لتركيا الأخرى نجحت في جهودها بشكل كبير".
واستدرك: "مع ذلك، يجب على برلين أن تدرك أن سياساتها تجاه أنقرة لا تضر فقط تركيا ولكن ألمانيا أيضا".