لبنان يغرق في ظلام دامس.. وناشطون: فتش عن ثالوث الفساد والاستقطاب والطائفية
انقطاع التيار الكهربائي عن جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية
موجة غضب واسعة أثارها انقطاع التيار الكهربائي عن جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية وبينها مطار رفيق الحريري الدولي، ومرفأ بيروت، والسجون، ومرافق الصرف الصحي، وضخ مياه الشرب.
مؤسسة كهرباء لبنان أعلنت في 17 أغسطس/آب 2024، أن آخر مجموعة وحدات إنتاجية بمعمل الزهراني، الذي يزود البلاد بالكهرباء ويقع في جنوب لبنان، خرجت عن الخدمة جراء نفاد الوقود المشغل لها.
وأوضحت أن توقف جميع الوحدات الإنتاجية بهذه المحطة التي تعد أحد أهم محطات توليد الطاقة الكهربائية في البلاد، جاء بعد استنفاد جميع الإجراءات الاحترازية الممكن اتخاذها (من قبلها) من أجل إطالة فترة إنتاج الطاقة بأقصى حدودها الدنيا الممكنة.
وأكدت المؤسسة أنها ستعيد تشغيل الوحدات الإنتاجية بمعمل الزهراني التي خرجت عن الخدمة قسرا، بما يتجانس مع التخزين الذي سيتوفر لديها بعد تأمين وقود "الغاز أويل" لصالحها، ليتم إعادة التيار الكهربائي واستئناف التغذية تدريجيا إلى ما كانت عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن اللبنانيين لا يعتمدون على كهرباء الدولة التي تتوفر بضع ساعات في اليوم بسبب سوء إدارة قطاع الكهرباء، ويعتمدون على المولدات الكهربائية مرتفعة التكاليف.
وارتفعت وتيرة انقطاع كهرباء لبنان بشكل كبير منذ عامين، بسبب معاناة الحكومة من ضائقة مالية نتج عنها عدم قدرتها على توفير النقد الأجنبي لاستيراد الوقود، ونتيجة لذلك تم خفض الانتاج تدريجيا إلى مستويات متدنية بعدما كان يتراوح بين 1,600 و2,000 ميغاوات يوميا.
وفي يوليو/تموز 2024، تفاقمت أزمة انقطاع الكهرباء بقوة، وسرعان ما روجت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية إلى حلحلتها، إذ أعلن رئيسها نجيب ميقاتي، أنّ نظيره العراقي محمد شياع السوداني "أوعز باستمرار تزويد لبنان بالفيول العراقي".
كما أعلن وزير الطاقة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، وليد فياض، موافقة رئيس الحكومة العراقية على إعطاء الإذن بتحميل باخرة الفيول "ما سيمكّن من إفراغ شاحنتي الغاز أويل في معامل الزهراني ودير عمار".
ويعاني لبنان من أزمات اقتصادية مستمر منذ 2019، وأخرى سياسية في ظل فراغ في رئاسة الجمهورية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحكومة عاجزة، زادت عليه تبعات الحرب المستمرة على حدوده الجنوبية.
وبحسب التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لبنان مستمر بالتخبط في أزمة اقتصادية حادة أفقرت معظم سكانه منذ 2019، ولم يحاسَب أي مسؤول على انفجار مرفأ بيروت الكارثي في أغسطس/آب 2020، ونجح المسؤولون المتورطون فيه في تعطيل التحقيق المحلي منذ ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتقاعست السلطات عن إقرار إصلاحات اقتصادية ومالية ضرورية لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية ومعالجة جذورها، بينما زادت مضايقة المحامين، والنشطاء، والصحفيين، وفناني الكوميديا ردا على انتقاداتهم العلنية للحكومة والمسؤولين.
وأشارت المنظمة إلى أن مجلس النواب تقاعس مرارا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار إصلاحات تشريعية يطلبها "صندوق النقد الدولي" من شأنها أن تفرج عن مساعدات بمليارات الدولارات.
ولفتت إلى تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وتستمر الهجمات الصاروخية والاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومختلف المجموعات المسلحة اللبنانية والفلسطينية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول.
وحمل ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها كهرباء_لبنان، #تيار_العتمة، #حزب_الله، وغيرها مسؤولية انقطاع التيار الكهربائي إلى حزب الله، فيما حملها آخرون إلى التيار الوطني الحر "التيار العوني" الذي يرأسه جبران باسيل، وهاجموا أفراده.
غضب واستياء
وإعرابا عن الغضب من انقطاع الكهرباء عن لبنان، قال الكاتب مصطفى عبدالسلام، إن العتمة تعم لبنان بالكامل، حيث انقطعت الكهرباء كليا عن جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية والحيوية بسبب نفاد الوقود. وأشار إلى أن الانقطاع امتد إلى المطارات والموانئ والمستشفيات والسجون ومضخات المياه والصرف للصحي، وغيرها، لافتا إلى أن لبنان بلا رئيس دولة منذ ما يقرب من عامين منذ أن غادر الرئيس السابق العماد ميشال عون قصر الحكم في بعبدا، وبها حكومة تصريف أعمال منذ ذلك الوقت يقودها نجيب ميقاتي.
وأضاف أن لبنان يشهد أيضا منذ ما يزيد عن 4 سنوات أسوأ أزمة مالية حيث أعلن إفلاسه، ووضعت البنوك يدها على أموال المودعين، وتعاني الحكومة ندرة شديدة في النقد الأجنبي تحول دون استيراد المواد الأساسية ومنها الوقود، وكذا تعاني من فساد منظم بسبب تهريب النخبة الحاكمة ورؤساء الطوائف مليارات الدولارات للخارج.
وسخرت إيمان العربي من إعلان مدير مطار بيروت تأمين الكهرباء عبر مولدات وإعرابه عن الأكل ألا تطول الأزمة، قائلة: دولة بترفع الرأس".
واستنكر الإعلامي رياض القبيسي أن لبنان أصبح خارج التغطية الكهربائية، بينما مديرها مسافر يحتفل بمرور أكثر من عامين على انتخابه لنفس الطقم الذي أوصل لبنان لهذا الحال.
وعد فوزي العشماوي، انقطاع الكهرباء عن عموم لبنان حدثا كاشفا للآثار الكارثية للفساد والاستقطاب والطائفية وسوء الإدارة.
واستهجن الطبيب هادي مراد أن مطار رفيق الحريري الذي كان منارة للشرق، أصبح مطار ميشال عون المعتم المظلم، قائلا: "والله لو في الصومال لكان استحى وزير الطاقة على هكذا صورة".
وأضاف أن وليد فياض، ندى البستاني، ريمون غجر، سيزار أبي خليل وعلي بابا جبران باسيل وحدهم من أطفأوا لبناننا ووحدهم من يتحمّلون مسخرة هذه العتمة القاتمة في مرفق لبنان الأول وصلة وصل الشرق والغرب.
دور أميركي
وسلط ناشطون الضوء على عروض قدمتها دول عدة لحل أزمة الكهرباء بلبنان وأعيق تمريرها.
وعدد الخبير الاقتصادي حسن مقلد، عروض تأمين الكهرباء التي عرضت على لبنان خلال السنوات الماضية، ومنها العرض الإيراني لبناء محطتين بقدرة ألف ميغاواط، والعرض الروسي لبناء مصفاة نفط تؤمن المحروقات والغاز لمحطتي الكهرباء، وعرض الطاقة الشمسية بقدرة ٧٠٠ ميغاواط.
وأشار إلى أن كل هذه العروض دون أن تدفع الدولة اللبنانية فلسا واحدا ولكن جميع هذه العروض رفضت وكذبت الطبقة السياسية بمعظمها على العارضين ورفضتها لأسباب متعددة
ولفت إلى أن القاسم الوحيد المشترك هو الرفض الأميركي لأي إمكانية لإخراج لبنان من أزمته لإبقاء البلد رهينة ولابتزاز معارضي الهيمنة كما انصياع هذه الطبقة بأغلبيتها للضغط الأميركي لأسباب شتى لا سيما أموالها المهربة إلى الخارج.
وأشار الأكاديمي أسعد أبو خليل، إلى أن لبنان سبق وعانى من أزمة انقطاع شامل للكهرباء، وتمنى لو أن لبنان يبحث جديّا في عرض إيران للكهرباء.
واتهم السفيرة الأميركيّة بالكذب على الشعب اللبناني بأن أميركا ستسمح بجلب الكهرباء والغاز إلى لبنان وأنها ستسمح بخرق قانون قيصر، مستنكرا شكر الكتاب والمثقّفين والإعلاميّين لأميركا، وعندما يزول شبح العرض الإيراني تتضح الكذبة.
وكتب الباحث بدر الحاج: "لا للاحتلال الأميركي.. أعلنت إيران أنها على استعداد لتزويد لبنان بالنفط لإنتاج الطاقة الكهربائية، استنفرت السفيرة الأميركية ووعدت أن الكهرباء ستصل من مصر.. أذعنت السلطة للأمر وتبين أنه كذب بكذب.. تفضل السلطة الأميركية في لبنان العتمة على النور الآتي من إيران.. انشرحوا يا سياديين".
مصرف لبنان
ويواجه لبنان أزمة إمدادات للوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، بسبب مشكلات لوجستية مرتبطة بفحص شحنات الوقود، ومشكلات مالية بين المورّد والمستورد.
ويتقاذف المسؤولون في لبنان، مسؤولية الأزمة الراهنة. فبينما يُحمّل وزير الطاقة وليد فياض، مصرف لبنان المركزي مسؤولية ما آل إليه الوضع نتيجة عدم تسديد المستحقات لدولة العراق، يطالب "المركزي" بتشريع من مجلس النواب يجيز له ذلك.
وبرزت تساؤلات عن أسباب تأخر بيروت في إجراء التحويلات المالية لشركات الوقود العراقية التي تمد لبنان بالوقود اللازم لتشغل محطة الكهرباء، والتي يرجعها مصرف لبنان لحاجته إلى غطاء قانوني من البرلمان لإجراء التحويلات المالية المطلوبة.
وأشارت رئيسة اللجنة السياسية في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية غادة شريم عطا، إلى أن الصحف اللبنانية أفادت بأن لبنان وقع في المحظور ودخل في العتمة الشاملة، وأن لدى وزارة الطاقة حلولا ولكن العرقلة في مصرف لبنان وقد ذكر الوزير حرفيا أن "الأموال المطلوبة هي أموال كهرباء لبنان وليست سلف خزينة".
ولفتت إلى أن الوزير أعرب عن خشيته أن يرفض المصرف صرف الأموال بالدولار، متسائلة: “ما المغزى من محاصرة أموال الكهرباء في مصرف لبنان؟ لماذا تحجب الكهرباء عن مواطنين يدفعون فواتيرهم بالدولار وبأسعار مرتفعة؟”
وواصلت عطا، تساؤلاتها: "أين تذهب هذه الأموال وما معنى كل هذه العرقلة؟"، داعية مصرف لبنان بالكشف عن حساب شركة الكهرباء وكيفية صرف أموال هذا الحساب ليبنى على الشيء مقتضاه.
واستنكر الباحث في مجال تطوير حقول النفط والغاز قاسم غريب، تقاذف المسؤولين في لبنان التهم في بلد بلا كهرباء، مؤكدا أن حال الكهرباء هو عار على وزارة الطاقة، مجلس الوزراء، مجلس النواب ومصرف لبنان.
وأعرب عن غضبه من عجز الطاقم السياسي عن ساعات من الكهرباء يدفع ثمنها المواطن، واستجمام مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك في إجازة صيفيّة.
وقال المحامي بيتر جيرمانوس: "٤٠ مليار دولار تم صرفها على الكهرباء من أموال المودعين لينتهي لبنان بالعتمة."
وسخرت الصحفية رولا خالد: "خطة ناجحة لوزارة الطاقة ولوزير الفشل مبروك 24/24 عتمة بدل الكهرباء، وين عم بتروح أموال الفواتير الملغومة يللي صرلك أشهر عم تجبيها؟ عنجد تيار الفساد".
وتساءلت سهيلة صافي: "أين ذهبت أموال الفيول؟"، محملة الميقاتي وفياض المسؤولية الكاملة لأن هناك أموالا جامدة، ودون أن يدفعوا ثمن الفيول فإن لبنان على أبواب العتمة الشاملة.
تيار العتمة
وحمل ناشطون التيار العوني مسؤولية أزمة الكهرباء ووصفوه بتيار العتمة، واتهموه بالفساد وسوء الإدارة، حيث يتولى وزارة الطاقة منذ سنوات، وذكروه بوعوده الفارغة التي لم يحقق منها شيء.
وأكد الخبير ومستشار في شؤون الإدارة والمالية العامة غسان بيضون، أن سوء الإدارة والاستهتار بالقانون والاستئثار بالسلطة والطمع بالمنافع ثبت أنه أشد فتكا وتدميرا من الحروب والاعتداءات الخارجية!
وأكد الناشط أنطوني الهيبي، أن الكهرباء مقطوعة بكل لبنان، بسبب معروف وهو عدم كفاءة الوزراء المتعاقبين وسوء الإدارة والفساد المستشري منذ سنوات.
وقال إن الوزير الحالي دون جدوى والمدير العام بإجازة ومسكر خطة والنتيجة "بلد غارق بالعتمة ومافيا المولدات شغالة.. مهزلة عمرها سنين بسبب مسؤولين غير مؤهلين".
وقال مارون غانم: “الله يلعنكم ويلعن اللي جمعكم وسلمكم مسؤوليات وعلمكم على الفساد والسرقة يا تيار النحس والذمّية والعتمة.. إن شاء الله بتبقو عا درب الانفراط والانحلال من داخل تياركم”
وأشار المغرد بولا، إلى أنهم زادوا التعرفة لتأمين إنتاج الكهرباء، والناس دفعت فواتيرها أملا بكهرباء ٢٤/٢٤، مستنكرا أن النتيجة عتمة شاملة بسبب الاستمرار في هدرهم وفسادهم.
وهاجم ماريو مالكون، التيار العوني، قائلا: "إدارة فاشلة.. تنفيعات وزبائنية.. توظيفات غير قانونية.. رفض عرض شركة سيمنز.. مماطلة في تعيين الهيئة الناظمة.. تجريد الهيئة الناظمة من صلاحياتها.. مماطلة في تعيين مجلس إدارة القطاع.. تعيين المجلس دون مراعاة آلية التعيينات.. التذرع بالتعرفة وعند رفعها لم يتبدل شيء".
وأكد بشارة جرجس، أن الطبقة الحاكمة، وحزب الله من ورائها، تضرب البلد كل يوم وتهدد سبل عيش اللبنانيين في كل لحظة وعند كل نفس، قائلا إن إسرائيل باتت تشكل تهديدا أقل بالمقارنة، فلم تعد بحاجة أن تقصف معامل الكهرباء لأن حكومة حزب الله صنعت معروفا لإسرائيل وقصفت عمر الكهرباء وعمر اللبنانيين.
دعوات للإنقاذ
وأطلق ناشطون دعوات للدول العربية والإسلامية لدعم لبنان بالوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وانتشاله من أزمته وإعادة إنارته، فيما أعرب آخرون عن استيائهم من خذلان بعض الدول للبنان وتجاهل معاناته.
وخلصت ورقة بحثية لمركز الجزيرة للدراسات حول "مآل الاقتصاد اللبناني بين الأزمة المالية وأعباء المواجهات جنوبًا"، إلى أن مسار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي خاصة بعد غزة، بات مرهونا أكثر بالتسويات والاتفاقيات الخارجية، إضافة إلى اتفاق الأطراف اللبنانية على خارطة طريق للمستقبل، وعندها ستحدث الانعطافة في مسار الأزمة الانحداري لتتجه صعودا نحو تعاف مالي وانتعاش اقتصادي.
ووجه الأكاديمي العماني حمود النوفلي، دعوة لدعم لبنان، راجيا من سلطنة عمان أولا ومن جميع الدول العربية والإسلامية الحرة والشريفة ثانيا بدعم لبنان بالغاز والمشتقات النفطية حتى لا تنطفي الكهرباء في لبنان.
وقال إن لبنان المقاوم الذي أسند غزة ويقف في وجه التهديد الصهيوني يجب ألا يخذل وأن يجعل قويا اقتصاديا.
وقال الإعلامي الجزائري أحمد حفصي: "انقطاع كلي للكهرباء في الشقيقة لبنان وسط حصار اقتصادي من عواصم الذل والانبطاح في الخليج".
وأكد أن الجزائر لن تخذل الشعب اللبناني المقاوم في محنته، والوقود الجزائري المشغّل لمحطات الكهرباء في لبنان سيصل تباعا بالإضافة إلى المحطات الكهرومائية وأي دعم فني أو لوجيستي.
ورأى الخضر يعقوب، أن على الدول العربية جميعا أن تساعد ليس فقط لبنان ولكن أي بلد عربي آخر يمر بمشكلة كهذه تهم كل أفراد مواطنيه.