من قمع السياسيين إلى طحن الفقراء.. هذا ما آل إليه جهاز الأمن الوطني بعهد السيسي

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

لطالما عرف جهاز أمن الدولة في مصر وعقب تغيير اسمه إلى الأمن الوطني، بكونه مسالخ للمواطنين، حيث القمع والتعذيب حتى الموت.

وكان مقتل المواطن سيد بلال داخل أروقة الجهاز تحت وطأة التعذيب، من الأسباب المباشرة لاندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 سنة من حكمه. 

وقبل سقوط مبارك كان يطلق على أمن الدولة "البعبع" وهو لفظ يحمل دلالة على مدى الخوف والرعب الذي يسببه الجهاز للمواطنين، واشتهرت مقاره بأنها سراديب مظلمة للتعذيب والانتهاكات. 

ليس هذا فحسب بل لعب الجهاز أدوارا سياسية مُحْكَمة، شملت تحكُّمه في مجالات الصحافة والإعلام، فكان يكثر إطلاق اسم "مخبر أمن دولة" على صحفي بعينه. 

كما كان يسهم "أمن الدولة" في تعيينات الموظفين في القطاعات الحكومية والمناصب المهمة بناء على التقارير التي يقدمها بالقبول أو الرفض.

ومر الوقت وحدثت متغيرات وتم حل أمن الدولة واستُبدِل به "الأمن الوطني" حاليا، الذي يعد الوريث الشرعي للجهاز المنحل. 

تبدل الأسماء حمل شيئا من تحجيم الأدوار، خاصة في عهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وفق مراقبين.

إذ أفرد السيسي لمؤسسات بعينها مهام كبرى ومعقدة، مثل جهاز المخابرات العامة برئاسة عباس كامل، رجل السيسي المقرب، أو المخابرات الحربية، أو هيئة الرقابة الإدارية. 

وجميعها أخذت من سطوة وقوة الأمن الوطني، الذي صب جل اهتمامه على قضايا أخرى محددة، ومع ذلك لم يتوقف عن القمع والانتهاكات وترويع المواطنين.

أوقفوا القمع 

وعن أحدث جرائم هذا الجهاز، نشرت منظمة العفو الدولية “أمنستي” في 13 مايو/ أيار 2024 تقريرا بعنوان "مصر: أوقفوا حملة القمع ضد من يعبرون عن همومهم بشأن الأزمة الاقتصادية". 

وقالت في التقرير إن السلطات المصرية كثفت حملتها القمعية ضد المحتجين، والعمال المضربين، والأشخاص الذين يعبرون عن انتقاداتهم على الإنترنت إزاء كيفية تعامل السلطات مع الأزمة الاقتصادية".

وخصت المنظمة بالذكر جهاز الأمن الوطني، واتهمته باللجوء إلى الأساليب القمعية لسحق أدنى شكل من أشكال المعارضة، سواء كانت احتجاجا سلميا أو إضرابات عمالية أو مجرد تنفيس الناس عن إحباطهم في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ومضت تقول: : بدلا من اعتقال الأمن الوطني للأفراد بسبب التحدث علنا عن تدهور الأوضاع المعيشية، يجب على السلطات اتخاذ خطوات فعالة للإيفاء بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، بمن فيهم أولئك الذين يعانون من وطأة الأزمة الاقتصادية.

ورصدت المنظمة أنه ما بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار 2024، اعتقل الأمن الوطني، 4 مواطنين بسبب محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتقد تعامل الحكومة مع الأزمة الاقتصادية. 

وجاء تقرير "أمنستي" عقب الأنشطة الأخيرة للجهاز، وقمعه للعمال والموظفين، ومن قبلهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين تناولوا الأزمة الاقتصادية. 

ففي 9 مايو 2024، استدعى 5 عمال بعد وقفة احتجاجية لمحصلي "مياه الشرب" بأسيوط، وقبلها اعتقل 4 مواطنين واحتجز تعسفيا أفرادا في 3 محافظات اشتكوا من ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء، في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي 22 أبريل 2024، استجوب ضباط الأمن الوطني، عشرات العمال من شركات تابعة للقطاع العام والخاص مثل (غزل المحلة- مجموعة هشام طلعت مصطفى) شاركوا في إضرابات للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور.

ماكينة قمعية 

وشملت الماكينة القمعية لقطاع الأمن الوطني، مواطنين كادحين في 15 مارس 2024، إذ فرقت الشرطة عشرات المحتجين السلميين الذين تظاهروا في حي الدخيلة بمحافظة الإسكندرية.

فبعدها اعتقل الأمن الوطني عددا كبيرا من أفراد المظاهرة (غير معلوم)، منهم مواطن رفع لافتة (جوعتنا يا سيسي). 

أما أصحاب التوجهات السياسية أيا كانت فلا يرحمهم الجهاز، مثلما حدث يوم 24 أبريل 2024، عندما اعتقل 18 ناشطة تظاهرن في القاهرة تضامنا مع غزة، قبل أن يتم الإفراج عنهن لاحقا.

وقد أودعن في مقر خاص من مقرات الأمن الوطني، ووجه النشطاء اتهامات للجهاز بإخفائهن قسرا. 

ومع ذلك يواجه الجهاز أخيرا أخطر قضية في تاريخه، والخاصة بتورطه في مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016. 

ففي 20 فبراير 2024 بدأت إيطاليا محاكمة 4 ضباط في الأمن الوطني المصري (غيابيا) وهم اللواء طارق صابر، والعقيدان آسر إبراهيم وحسام حلمي، والرائد إبراهيم شريف. 

وهم المسؤولون المباشرون عن اختطاف ريجيني وتعذيبه حتى الموت والتمثيل بجثته، وبسبب هذه القضية تحديدا، واجهت مصر حملة عالمية تختص بانتهاكات حقوق الإنسان فيها، وقتل وحبس آلاف السياسيين على مدار سنوات. 

ويقود الجهاز حاليا مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني اللواء عادل جعفر،  وقد تم إنشاء قطاع الأمن الوطني رسميا في 15 مارس/ آذار 2011، على خلفية حل جهاز أمن الدولة سيئ السمعة عقب ثورة 25 يناير. 

وفى 4 مارس 2011، وبعد أقل من شهر على سقوط مبارك، كانت أعمدة الدخان تتصاعد من مقار ومكاتب جهاز أمن الدولة بالعاصمة وفى المحافظات، في آن واحد.

وقتها هرع الناس ليتبين أن الدخان صادر عن حرق أوراق ومستندات وملفات أمن الدولة.

ومع فتح القضية ظهرت الحقيقة بأن اللواء حسن عبدالرحمن (مساعد وزير الداخلية حبيب العادلي آنذاك لقطاع أمن الدولة) أمر بإحراق المستندات والأوراق بعد تسريب ونشر خطابه، الذي يحتوي أمرا لجميع رؤساء فروع الجهاز، بحرق الملفات تحت بند "سرى جدا" خوفا من الكشف عن جرائم الجهاز بحق المواطنين على مدار 3 عقود من حكم مبارك. 

نيابة أمن الدولة 

ويقترن بجهاز الأمن الوطني، ما يعرف بـ "نيابات أمن الدولة" وهي واحدة من أقسى أدوات القمع القضائية في مصر، إذ يحال عليها المتهم المقبوض عليه من قبل الأمن الوطني. 

وتتسم معاملتها للمتهمين وذويهم ومحاميهم بانتهاكات متعددة منها: توجه لكل من يمثل أمامها تهمة الانضمام لتنظيم إرهابي الغرض منه تعطيل الدستور القائم.

كما ترفض إطلاع المتهم أو محاميه على أوراق القضية أو معرفة أي تفاصيل عن أية وقائع أو أحراز، وترفض عمل استئناف على أمر الحبس الصادر منها أو من دائرة التجديد.

كذلك تغض الطرف عن أي انتهاكات حدثت للمتهم من اختفاء قسري أو تعذيب أو خطف ذويه، وتشتهر بأنها تتخطى حاجز السنتين المنصوص عليهما كحد أقصى للحبس الاحتياطي، وتمنع حضور محام مع المتهم في التحقيق الأولى، حتى لا يعترض على أية انتهاكات.

ووفقا لتقرير مركز "دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان" الصادر في يناير/ كانون الثاني 2021، تقوم نيابات أمن الدولة عادة بإدراج المتهمين في قضايا جديدة ليستمروا في محبسهم.

وذكر أنها تعد "مقبرة" لكل من يدخلها، فلا يعرف اتهام محدد له أو أدلة ضده أو يسمح له بتمثيل قانوني، ومن أكبر الوقائع الفادحة في تاريخ تلك النيابة، مثول طفلة كانت تبلغ من العمر 14 شهرا فقط أمامها، بعد أن ظلت مختفية قسريا لمدة 9 أيام.

 قبل أن تظهر في نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، بحضور والدتها وغياب والدها وخالها، حيث كانت الطفلة عالية مضر قد تم إخفاؤها قسرا، مع والدتها فاطمة محمد ضياء الدين موسى ووالدها عبدالله مضر وخالها عمر محمد ضياء الدين، في 24 مارس عام 2018.

التعلم من الدرس 

وتعليقا على المشهد، قال الباحث السياسي المصري محمد ماهر  لـ"الاستقلال"، إن “نظام السيسي تعلم الدرس كثيرا من نظام مبارك، فلا يلقي البيض كله في سلة واحدة”.

وأضاف: "من المعروف أن جهاز أمن الدولة كان أداة القمع الرئيسة خلال عهد مبارك، ووصل تطرفه إلى المساس بالجيش نفسه أحيانا، وكان حبيب العادلي (وزير داخلية مبارك) يعد نفسه الرجل الأقوى في مصر". 

وأتبع: “هجوم المواطنين على أقسام الشرطة ومداهمة مقار أمن الدولة، كان في حد ذاته إشارة إلى نهاية عهد، وقيام الجيش بافتعال حادثة يوم 4 مارس بحرق الملفات وأخذ المعلومات المهمة من أمن الدولة، دلالة على أن الجهاز القديم (مات) وهناك جهاز جديد سوف يؤسس سيكون أقل فاعلية وأكثر طواعية”.

ومضى ماهر يقول: "ومن المعلوم أن جميع ملفات أمن الدولة ذهبت لجهاز المخابرات الحربية الذي كان عبد الفتاح السيسي يديره آنذاك".

وأكمل الباحث المصري: "جهاز الأمن الوطني حاليا يرتكز دوره على تتبع المواطنين ورقابتهم على وسائل التواصل فيما يخص الأزمات الاقتصادية أو الأنشطة السياسية المحددة (كالمظاهرات والوقفات والأحاديث الجانبية)، ومضايقة بعض السياسيين مثل المرشحين السابقين للرئاسة وأبرزهم أحمد الطنطاوي".

واستدرك قائلا: "لكنه محتفظ بسطوته فيما يخص التعذيب والتنكيل والمقرات سيئة السمعة، وإحالة أي شخص له أو لنيابة أمن الدولة معناه الدخول في مسار مظلم صعب الخروج منه، لكننا عندما نتحدث عن دور في بنية النظام، فهناك أجهزة قطعا أهم وأكثر نفوذا منه حاليا على رأسها المخابرات العامة".