جاسم العميري.. رئيس أعلى محكمة عراقية يهدد ويقيل ويلغي قوانين بدوافع سياسية

العميري أثار الجدل في العديد من القوانين التي أحدثت أزمات سياسية
في كل قضية خلافية بين القوى السياسية يتصدر اسم القاضي جاسم العميري رئيس المحكمة الاتحادية العليا بالعراق وسائل الإعلام، حتى بات يحسب على طرف ضد أطراف أخرى، بزعمه أن وظيفته ليست تطبيق الدستور حرفيا فحسب، بل تحقيق المصلحة العليا للشعب والوطن.
العميري يشغل منصب أعلى سلطة قضائية في العراق منذ 12 أبريل/ نيسان 2021، بعد العديد من المناصب التي شغلها في مؤسسات الدولة، بدءا من تخرجه في المعهد العالي القضائي عام 2001، بعدما كان ضابطا بالجيش.
"بيدق المالكي"
آخر القضايا التي أثار العميري فيها الجدل، قراره في 4 فبراير/شباط 2025، بإيقاف تطبيق قانون العفو العام الذي أقره البرلمان العراقي نهاية يناير/كانون الثاني من العام نفسه بدفع من القوى السُنية، وذلك بعدما قدم عدد من النواب شكاوى تطعن في تمرير القانون.
وقبل صدور قرار العميري بيومين فقط، صرّح القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، نوري المالكي- الذي يعارض القانون بشدة ويتهم من أقروه بأنهم يريدون إخراج "الإرهابيين" من السجون- بأن المحكمة الاتحادية سترفض تطبيق "العفو العام".
قرار العميري بإيقاف قانون العفو العام، جاء بعد تصريحات المالكي بيومين؛ ولذلك فسره سياسيون بأنه جاء بضغط من الأخير، وأن رئيس المحكمة الاتحادية يتلقى الأوامر منه وينفذ أجندة سياسية.
وصرّح رئيس البرلمان العراقي السابق، محمد الحلبوسي، عبر منصة "إكس" في 4 فبراير، بالقول: لا نقبل أن "تُسيَّس" المحكمة الاتحادية، داعيا إلى "مظاهرات عارمة تهزُّ أركان الظلم وتعلن رفضها لولاية محكمة جاسم عبود العميري على السلطات".
لكن دخول مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي فائق زيدان على خط الأزمة، ونقضه قرار المحكمة الاتحادية، وذلك بإيعازه للمحاكم العراقية بتطبيق "العفو العام"، دفع العميري في 11 فبراير إلى التراجع عن قراره السابق، وردّ الطعون المقدمة ضد القانون.
ولم يكن قرار العميري الأخير هو الوحيد الذي أثار الجدل، فسبق أن أقال الحلبوسي من منصبه بتهمة التزوير، الأمر الذي عد الأخير أنه يقع خارج اختصاص المحكمة الاتحادية، وأنه جاء بدوافع سياسية ليست لها علاقة بتطبيق القانون.
ويبرر العميري قرارته الجدلية هذه، بأن مهمة المحكمة الاتحادية ليست فقط تطبيق الدستور حرفيا، بل تحقيق المصلحة العليا للشعب والوطن، حسب تصريح نقلته مواقع محلية في 6 مارس/ آذار 2024.
وفي 11 فبراير 2025، ذكرت وسائل إعلام محلية من بينها قناة "وان نيوز" أن قوى سياسية عراقية تقود حراكا سياسية بعد مشكلة قانون العفو العام، وذلك من أجل إقالة العميري من منصبه.

"إطاري التوجه"
قرارات العميري أثبتت بما لا يقبل الشك، أنها تخدم قوى الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يضم كل القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، فقد كان رئيس المحكمة الاتحادية سببا في إقصاء الأخير من تشكيل الحكومة بعد فوز كتلته بانتخابات عام 2021.
ففي 20 مارس/آذار 2024، قال السياسي العراقي، مشعان الجبوري، إنه تعرّض لتهديدٍ من العميري بإسقاط عضويته من البرلمان في حال عدم الانسحاب من التحالف الثلاثي.
الجبوري أكدّ خلال مقابلةٍ تلفزيونية أن العميري هدده بإسقاط عضويته من مجلس النواب حال عدم تركه مشروع التحالف الثلاثي الذي يجمع التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف "السيادة".
وكان التحالف الثلاثي بقيادة التيار الصدري، قد تشكل من القوى صاحبة أكبر المقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2021، وهدفه تشكيل حكومة أغلبية سياسية، لكنه لم يفلح في ذلك بعد انهيار هذا التحالف وانسحاب الصدريين من البرلمان في يونيو/حزيران 2022.
وأوضح الجبوري، أن العميري أبلغه، بالنص: "أنت داخل في تحالف ضد العراق، ويستهدف الدولة وهذا يعد انقلابا على النظام السياسي، وإن لم تتخلّ عما تفعل، فلدينا ما نفعله لإسقاط عضويتك".
وكانت المحكمة الاتحادية ألغت في مايو/ أيار 2022 عضوية مشعان الجبوري في مجلس النواب، بتهمة تزوير شهادته الثانوية "البكالوريا" في سوريا، في حين أكد الأخير أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تحقق شخصيا من صحتها بكتاب من وزارة الخارجية السورية.
وتزامنت تصريحات الجبوري مع أزمة متصاعدة بين حكومتي بغداد وأربيل عام 2022؛ إذ تتهم الأخيرة المحكمة الاتحادية بإصدار قرارات مخالفة للدستور "تقوض من صلاحيات إقليم كردستان".
وفي 26 فبراير 2024، فاجأ القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، وزعيم مليشيا بدر، هادي العامري، القوى السياسية العراقية، بترشيحه نجل رئيس المحكمة الاتحادية العليا محافظا لديالى ذات الغالبية السنية.
ورغم أن الدفع بمحمد جاسم العميري، البالغ من العمر 28 عاما، لم ينجح لتولي منصب المحافظ بسبب صغر سنه القانوني، فإن مراقبين أكدوا أن هذا الترشيح يحمل دلالة أن رئيس المحكمة الاتحادية ينتمي إلى جهة سياسية، وتحديدا مليشيا "بدر" بقيادة العامري.

ضابط سابق
جاسم محمد عبود حمادي العميري المولود في الأول من يوليو/ تموز 1964 بمحافظة ديالى شرق العراق، حاصل على البكالوريوس في القانون من جامعة بغداد عام 1990.
بعد ذلك التحق العميري بالكلية العسكرية الثانية في عام 1992، ليتخرج فيها ضابطا في الجيش العراقي، واستمر في عمله العسكري، حتى تخرجه في المعهد القضائي في يوليو 2001.
وعيّن بعدها قاضيا بموجب مرسوم جمهوري، ليباشر عمله في محكمة بداءة داقوق بمحافظة كركوك في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، واستمر في الترقية بالدرجة القضائية حتى أصبح ضمن الصنف الأول عام 2015.
وتنقل العميري بين نحو 30 منصبا ضمن المؤسسات القضائية في العراق، منذ تخرجه في المعهد القضائي، وحتى وصوله إلى رئاسة المحكمة الاتحادية.
ومن المناصب المهمة التي شغلها العميري، منصب نائب رئيس استئناف، ثم قائم بمهام رئيس محكمة استئناف ديالى الاتحادية، ورئيس محكمة استئناف الرصافة في العاصمة بغداد.

وكلف العميري أيضا بأداء مهام رئيس هيئة الإشراف القضائي، ثم عيّن بمنصب رئيس هيئة الإشراف القضائي، ليصل بعدها في عام 2021 إلى منصب رئيس المحكمة الاتحادية العليا.
العميري وبحسب موقع المحكمة الاتحادية، أصدر العديد من البحوث والدراسات، منها: "تصرف الشريك في المال الشائع، والجرائم الإرهابية في التشريع العراقي والتشريعات المقارنة، والسلطات الاتحادية واختصاصاتها في الدستور العراقي لسنة 2005".
وطبقا للعرف السائد في العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، فإن منصب رئيس المحكمة الاتحادية، التي تتركز مهامها في تفسير وتطبيق النصوص الدستورية، يذهب إلى المكوّن الشيعي.
وفي المقابل، فإن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، التي توكل إليها توجيه وإدارة المحاكم في البلاد، يسند إلى شخصية سنية، لكن هذا لم يطبّق؛ إذ يتولى الشيعة حاليا إدارة المنصبين.
المصادر
- المحكمة الاتحادية ترد الطعن المقدم بقوانين العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات
- رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم العميري: مهمة المحكمة حاليا ليس فقط تطبيق الدستور حرفيا بل تحقيق المصلحة العليا للشعب
- قاضي المحكمة الاتحادية جاسم العميري يواجه حراكا لإقالته من منصبه
- المحكمة الاتحادية تؤجل إصدار قرارها بشأن قانون العفو العام
- الجبوري يخرج عن صمته: رئيس المحكمة الاتحادية هددني بإسقاط عضويتي من البرلمان
- نائب عراقي يفجر مفاجأة: قاضي الاتحادية هددني بسبب الصدر
- رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود حمادي