إسقاط الأسد وتدمير حزب الله.. كيف ينعكس على تجارة المخدرات بالمنطقة؟
المعارضة السورية أتلفت كميات كبيرة من المخدرات في معامل تعود للأسد
رئيس النظام السوري بشار الأسد، والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، لم يكونا شخصيتين سياسيتين فقط، وإنما اسمان لامعان في مجال تجارة المواد المخدرة.
فخلال العقد الأخير كانا أكبر منتجين ومُصدرين في العالم، حتى أطلق على الأول لقب "إمبراطور المخدرات في الشرق الأوسط"، والثاني "زعيم الكبتاغون".
وبات مصير تجارة المخدرات في الشرق الأوسط محل تساؤل، بعد الإطاحة بالأسد، وتدمير حزب الله اللبناني، ومقتل نصر الله، اللذين شهد عهدهما تدفقا غير مسبوق للحبوب المخدرة إلى العالم العربي.
ويصل دخل "حزب الله" اللبناني من المخدرات إلى مليار دولار سنويا، بينما كان نظام الأسد يجني نحو 1.8 مليار دولار سنويا، حتى أصبحت سوريا في عهد الأخير، موطنا ومنتجا ومصدرا رئيسا للكبتاغون حول العالم، حسب وصف البنك الدولي.
محور الكبتاغون
تشكل تحالف تصدير الحبوب المخدرة في المنطقة بين حزب الله اللبناني والنظام السوري، بعد تدخل الأول إلى جانب الثاني في عام 2012 من أجل قمع الثورة السورية، وباشرا العمل على إنتاج وتهريب المخدرات بعدما استُنزفا ماليا خلال الحرب في سوريا.
في عام 2012، شرع حزب الله اللبناني ببناء وحدات إنتاج ومعامل سرية في سوريا لصناعة مخدر الكبتاغون، بعدما كان يكتفي بفرض ضريبة على الموردين والموزعين، وحماية كبار المنتجين والمهربين، لقاء مبالغ مالية معينة من العائدات.
الكبتاغون هو الاسم التجاري لمادة "فينثيلين"، وهي منبهة من عائلة الأمفيتامينات، جرى حظر بيعه في الصيدليات منذ 1986، وغالبا ما يتم تصنيعه في شكل أقراص بيضاء (كحبوب الدواء) تحتوي على مواد كيميائية تسبب تأثيرات قوية على الجهاز العصبي المركزي.
وخلال سنوات، وبتعاون مع النظام السوري السابق، والفرقة الرابعة بقيادة ماهر شقيق بشار الأسد، والمليشيات الإيرانية، حوّل حزب الله سوريا إلى أكبر مصدر لمخدر الكبتاغون في العالم.
وبحسب بيانات الحكومة البريطانية في عام 2023، تنتج سوريا قرابة 80 بالمئة من الإنتاج العالمي من الكبتاغون، مبينة أن ماهر الأسد (كان) يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج، وقد بلغت القيمة المصدرة منه عام 2021 حوالي 5.7 مليارات دولار.
وانضم إلى حزب الله اللبناني والنظام السوري، المليشيات الإيرانية لتشكل شبكات تهريب امتدت خيوطها إلى جمع أرجاء الشرق الأوسط، كونهم كانوا ينقلون المخدرات من القصير بريف حمص، والمناطق الحدودية مع لبنان بمحافظة ريف دمشق إلى مدن شرق سوريا، لا سيما محافظة دير الزور.
وبعد ذلك يجرى تهريبها إلى العراق ومنه إلى دول أخرى. لكن حزب الله اللبناني في السنتين الأخيرتين أنشأ وحدات تصنيع بدائية في دير الزور لزيادة الإنتاج وتقليل نفقات النقل وحماية الشحنات التي تقطع مسالك خطيرة وطويلة قبل أن تصل إلى الحدود مع العراق.
وبحسب بيان للمرصد السوري لحقوق الإنسان في مارس/آذار 2024، جرى إنشاء 7 مصانع في المنطقة، إضافة إلى بدء المليشيات التابعة لإيران بزراعة مادة قنب الحشيش ضمن أراضٍ تعود ملكيتها لمهجرين في كل من "سعلو" و"الزباري" شرقي دير الزور.
أكد المرصد حينها، أن مليشيات إيران المشرفة على إنتاج وترويج وتهريب المخدرات هي كل من حزب الله اللبناني، حزب الله العراقي، الحرس الثوري الإيراني، عصائب أهل الحق، مليشيا الأبدال التابعة للحشد الشعبي العراقي؛ مليشيا الدفاع الوطني، الفرقة الرابعة.
وأوضح أن "خبراء من الجنسية اللبنانية والإيرانية هم من يشرفون على تصنيع المخدرات وزراعة الحشيش ضمن مناطق نفوذ المليشيات التابعة لإيران في مدينة دير الزور وريفها".
بينما تولى حزب الله مسؤولية استقدام "مكابس" الإنتاج من مناطق سيطرته على الحدود اللبنانية السورية إلى محافظة دير الزور.
وتتوزع أدوار المليشيات الأخرى بين تأمين المواد الأولية وتوفير الحماية والنقل اللوجستي والترويج وغيرها، وفقا للمرصد.
كسر الهلال
وبخصوص واقع تجارة المخدرات بالمنطقة، فإن الأمر بات يختلف تماما في كلا البلدين، على اعتبار أن الحدود من الأراضي اللبنانية والسورية وصولا إلى العراق وإيران، جرى قطعها، بعد إسقاط نظام بشار الأسد، وبالتالي لم يعد الأمر كما كان في السابق.
على الصعيد السوري، بث ناشطون سوريون بعد سقوط النظام السوري، مقاطع فيديو على مواقع التوصل الاجتماعي، تظهر العثور على معامل لإنتاج الكبتاغون كان يشرف عليها ماهر الأسد، تضم كميات هائلة من الحبوب المخدرة.
وبعد إمساكها بزمام الأمور في البلاد، أتلفت قوات المعارضة السورية ما تحتويه معامل، ماهر الأسد، في سوريا من حبوب الكبتاغون وموادها الأولية، في مؤشر على الاتجاه لوأد هذه الصناعة وقطع طريق التهريب الرابط بين لبنان والأراضي السورية والعراق.
وفي أحدث تصريح عن المخدرات، قال أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد العمليات العسكرية في المعارضة السورية التي أطاحت بالنظام السوري السابق، إنه "في عهد بشار الأسد أصبحت سوريا مصنعا للكبتاغون"، وذلك خلال خطاب له من المسجد الأموي في 8 ديسمبر 2024.
لكن على صعيد حزب الله اللبناني، فإن الأمر يبدو مختلفا، فقد نقلت إذاعة "صوت أميركا" في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن مسؤولين أميركيين سابقين، أن مصادرهم في أوروبا أفادت بزيادة أنشطة الحزب المتعلقة بتهريب المخدرات في القارة العجوز.
وذكروا أن "حزب الله اللبناني الذي أنهكته الحرب يسعى إلى تعزيز عمليات التهريب بسرعة في ظل أزمته المالية المتفاقمة".
ونقلت الإذاعة عن توماس سيندريك، المسؤول السابق في إدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة العدل الأميركية، قوله إن أشخاصا ذوي علاقة بهذه التجارة أبلغوه عن ارتفاع في نشاط الاتجار بالمخدرات المرتبط بحزب الله في أوروبا خلال الأيام العشرة الماضية (3 إلى 23 أكتوبر).
وأضاف سيندريك: "عندما تتعرض للضرب بالطريقة التي يتعرض بها حزب الله للضرب الآن من الإسرائيليين، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها كسب المال بشكل كبير وسريع هي المخدرات".
وبحسب تقرير نشره موقع قناة "الحرة" الأميركية في 15 نوفمبر، فإن "أنشطة حزب الله المتعلقة بتجارة المخدرات ستشهد طفرة في المرحلة القادمة، ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة التهريب سواء من لبنان أو عبر شبكاته في أميركا اللاتينية، لإنعاش خزينته المتدهورة".
ويتوقع مراقبون أن يتراجع تدفق المخدرات إلى الأردن والعراق ودول الخليج، بعد توقف الإنتاج من الأراضي السورية، وقطع الطريق البري أو كسر ما يعرف بـ"الهلال الشيعي"، الرابط بين لبنان وسوريا والعراق وصولا إلى إيران، وبالتالي المنطقة ستشهد انحسارا مؤكدا لهذه التجارة.
إغراق العالم
وكانت شبكة حزب الله اللبناني والنظام السوري السابق، مسؤولة عن تهريب الحبوب المخدرة إلى العديد من دول العالم، لكن تعد أسواق الخليج المستهدف الأول بهذا العقار، لا سيما السعودية التي صادرت منذ عام 2014 أكثر من 700 مليون حبة كبتاغون.
وفي عام 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عشرات الكيانات والشركات والأفراد الضالعين في إنتاج وتهريب المخدرات انطلاقا من سوريا ولبنان بينهم حسن محمد دقّو، الملقب بـ"ملك" أو "إمبراطور" الكبتاغون، ونوح زعيتر الذين تربطهم صلات وطيدة بحزب الله اللبناني.
كما فرضت الولايات المتحدة على عدد من الشخصيات السورية الحليفة لعائلة الأسد، وأخرى تنتمي لها، عقوبات.
ومنهم وسيم وسامر الأسد، إضافة إلى خالد قدور وعمار أبو زريق، وهؤلاء كلهم كانوا من كبار المنتجين للمخدرات في سوريا.
وتُهرّب المخدرات التي تُصنع في سوريا إلى دول عدة مجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق، إضافة إلى أسواق ضخمة في دول الخليج.
وقد أصبحت هذه المنتجات في السنوات الأخيرة تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار في هذه البلدان، وفق موقع "سي إن بي سي" الأميركي في 9 ديسمبر 2024.
وأشار الموقع إلى أنه غالبا ما يجرى تهريب الكبتاغون عبر أوروبا قبل أن إعادة توجيهه إلى دول الخليج، إذ تتخذ السعودية خطوات صارمة لمكافحة تجارة الحبوب المخدرة على أراضيها.
كما أن الأردن أحد أبرز اللاعبين في مكافحة تجارة الكبتاغون، حيث يُعَد من أكثر البلدان التي تأثرت بهذه الظاهرة.
فعلى مدار السنوات الأخيرة، أبلغت السلطات الأردنية عن ضبط ملايين الحبوب المهربة عبر الحدود مع سوريا.
وبدأ الاتحاد الأوروبي توجيه أنظاره إلى تجارة الكبتاغون، حيث أفاد تقرير صادر عن "مركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان" بأن دول كتلة بروكسل أصبحت بوابة رئيسة لعبور كميات كبيرة من الحبوب المخدرة إلى منطقة الشرق الأوسط.
وفي أوروبا، حيث جرى مصادرة كميات ضخمة من الحبوب في مناسبات مختلفة، لا يحظى الكبتاغون بشعبية كبيرة.
ويقول محققو المخدرات الإيطاليون والألمان إنهم فوجئوا إلى حد ما بالكميات التي عثر عليها في وقت مبكر، وتساءلوا عن وجهتها، بحسب الموقع الأميركي.
وأشار إلى أن التحقيقات كشفت أن تحويل مسار المخدرات عبر أوروبا يشكل جزءا من الخطة التي تهدف إلى خداع مسؤولي الجمارك في السعودية ودبي الإماراتية. وبمجرد وصولها إلى أوروبا، يجرى إعادة تعبئتها وإرسالها جنوبا إلى دول الخليج.
يُظهر ذلك أن صناعة الكبتاغون في سوريا لا تعد مجرد تجارة مخدرات، بل جزءا من منظومة اقتصادية سرية شاملة، كانت تعد أحد المصادر المهمة للتمويل غير الرسمي، ويثير انهيار النظام وتزعزع حزب الله اليوم تساؤلات عن مصيرها.
المصادر
- كيف تحوّلت سوريا إلى مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون؟
- بين "الحزب" و"نظام الأسد"... تجارة الكبتاغون تستمرّ "بالّلوج"
- شراكة قديمة مع "الكارتيلات".. هل يسعى حزب الله لإعادة تأهيل قدراته بأموال المخدرات؟
- تستخدمها لزراعة “الحشيش” وتصنيع “المخدرات”.. الميليشيات الإيرانية تفرض طوقاً أمنياً كبيراً على أراضي تعود ملكيتها لمدنيين في بادية التبني بريف ديرالزور
- وزارة الخزانة تفرض عقوبات على النظام السوري وجهات فاعلة لبنانية متورطة بإنتاج المخدرات والإتجار بها بصورة غير مشروعة
- مصادر لـ"صوت أميركا": حزب الله يواجه "الضغوط" بالمخدرات