بعد عقود من التجاهل.. إلى ماذا تفضي الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين؟
" ملفات الاعتراف ظلت متراكمة على رفوف القنصليات لسنوات طويلة"
في 22 مايو/ أيار 2024، أعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، في خطوة ستدخل حيز التنفيذ يوم 28 من الشهر ذاته وسط ترحيب فلسطيني وغضب إسرائيلي كبير.
وتعليقا على هذا الحدث، قالت صحيفة “إلباييس” الإسبانية إن إسرائيل كانت تقرأ منذ فترة ليست ببعيدة عبارة "الاعتراف بدولة فلسطين" فقط في الصحف. لكن الآن، تغير الوضع كثيرا.
حملة مثمرة
فخلال العقد الأخير، أدت حملة دبلوماسية مثمرة إلى حشد سلسلة من الاعترافات بفلسطين. وعلى وجه الخصوص، ولدت هذه المبادرة نوعا من الحماس واليقين بأن هذه الفكرة هي الرد المثالي على الشلل الذي عرفته عملية السلام في الشرق الأوسط.
نتيجة لذلك، اعترف حوالي 20 دولة من أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا بدولة فلسطين سنة 2011. وبعد سنة من هذا التاريخ، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة.
خلال هذه المناسبة، كان الطعم حلوا ومرا، حيث تخلت فلسطين عن المطالبة بالعضوية الكاملة في مجلس الأمن بسبب يقينها بأن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض، الفيتو، ضد ذلك الطلب.
قبل عقد من الزمن، كانت قبرص الرومية الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعترفت بدولة فلسطين. كانت الفكرة في ذلك الوقت متمثلة في أن يؤدي زخم الجنوب العالمي في نهاية المطاف إلى المرور نحو أوروبا.
وبعد أن وافقت عدة برلمانات أوروبية على مبادرات في هذا الصدد، على غرار إسبانيا، لم تلاق المبادرة صدى ملموسا على أرض الواقع.
وفي نهاية المطاف، مثل الأصدقاء الذين وعدوا بالقفز جميعا في بركة من الماء البارد في نفس الوقت ثم ترك الأول بمفرده، اعترفت السويد بدولة فلسطين سنة 2014. لكن، لم يكن لخطوتها تأثير مثل تأثير الدومينو.
وفي الوقت الراهن، هناك من يلقي باللوم على إسبانيا بسبب عدم اعترافها سابقا بفلسطين، وإقدامها على هذه الخطوة إلا بعد أن تحوّلت غزة إلى حطام.
وأشارت الصحيفة إلى أن ملفات الاعتراف ظلت متراكمة على رفوف القنصليات لسنوات طويلة. ففي السنوات التسع التي فصلت بين قرار السويد والهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والذي أدى إلى غزو غزة، لم تنضم إليها سوى ثلاث دول.
وكان القرار الوحيد الذي له وزنه في هذا الصدد، هو اعتراف كولومبيا. أما الدولتان الأخريان، سانت لوسيا وسانت كيتس ونيفيس، فيبلغ عدد سكانهما ما يزيد قليلا عن 200 ألف نسمة.
في هذا المعنى، ذكر المحلل السياسي عكيفا إلدار، في أبريل/نيسان 2024 في صحيفة هآرتس، أنه "كانت هناك فترة من الزمن تميزت بتعبير إسرائيل عن غضبها الشديد في كل مرة تهدد فيها دولة صغيرة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية".
انتكاسة كبيرة
وأفادت إلباييس بأن اليوم، تعدّ إسرائيل نفسها - مع مقتل أكثر من 35 ألف شخص في غزة، بالإضافة إلى استخدام الجوع بمثابة سلاح حرب ومشاهد الدمار في القطاع - الجهة التي أحيت الاعتراف بدولة فلسطين من جديد، في واحدة من أكبر انتكاساتها الدبلوماسية في وقت تدهورت فيه سمعتها بشكل متزايد.
وأشارت الصحيفة إلى أن طلب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من القضاة اعتقال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت، له رمزيته، كما أنه يضع إسرائيل في نفس مكانة الدكتاتوريين في القارة الإفريقية وإلى جانب فلاديمير بوتين.
وتدرس محكمة أخرى في نفس المدينة، لاهاي، وهي محكمة العدل الدولية، دعوى قضائية ضد الكيان بتهمة الإبادة الجماعية في غزة.
ويضاف إلى ذلك المظاهرات المناهضة للحرب في حرم الجامعات في الولايات المتحدة، والتي لم يسبق لها مثيل منذ عقود، وتراكم الخلافات مع البيت الأبيض، الذي يحافظ على دعمه العسكري والدبلوماسي لإسرائيل.
وأوردت الصحيفة أن آخر خدش في صورة الكيان جاء يوم الثلاثاء، مع مصادرة معدات التسجيل لوكالة الأنباء الأميركية أسوشيتد برس، والتي تم التراجع عنها بعد ساعات قليلة، بسبب شكاوى من البيت الأبيض.
وأضافت الصحيفة أن إسبانيا وإيرلندا والنرويج بادروا بكسر الجليد في الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء من خلال تحديد موعد، يوم الثلاثاء المقبل، للاعتراف بفلسطين.
كما كسرت هذه الخطوة الانقسام التقليدي بين الغرب، الذي لم يعترف عموما بفلسطين، وبقية العالم.
عموما، هناك 143 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة اتخذت هذه الخطوة؛ الأربع الأخيرة منذ أبريل/نيسان: جزر البهاما، وترينيداد وتوباغو، وجامايكا، وبربادوس.
حل الدولتين
ونقلت الصحيفة عن نور عودة، وهي محللة سياسية فلسطينية، أن "البلدان الأوروبية لم تكن مستعدة للاعتراف بأن سياستها خلال العقود الثلاثة الأخيرة فيما يتعلق بما يسمى عملية السلام كانت بمثابة نوع من الفشل".
وبحسب رأيها، هذا ما كشف عنه "الإعلان المنسق بين إسبانيا وإيرلندا والنرويج".
وفي محادثة هاتفية مع الصحيفة، أوضحت المحللة أن "فهم إذا ما كانت دولة ما جادة فيما يتعلق بحل الدولتين، وهو الحل الوحيد المطروح على الطاولة، فيجب أن تكون قراراتها متسقة معه وأن توضح لإسرائيل أن الحدود ليست مرنة".
وتصرّ عودة على أن الاعتراف بدولة فلسطين ليس مجرد خطوة رمزية، بل يتطلب تحركات تنطوي على "التزام قانوني وسياسي".
وتعتقد أن "أوروبا انتهى بها الأمر بالشعور بالحاجة إلى موازنة المعيار الذي تطبقه على روسيا في غزو أوكرانيا، حتى لا تفقد مصداقيتها أمام بقية العالم".
من جانبها، أشارت صحيفة لافانغوارديا الإسبانية إلى أن اعتراف أي دولة بالدولة الفلسطينية يظل بمثابة لفتة رمزية في المقام الأول.
ومن الناحية العملية، فإن مجرد الاعتراف بالسيادة الفلسطينية لا يضمن حصول الفلسطينيين على مثل هذه السيادة في الأراضي التي يطالبون بها.
وتستمر إسرائيل في الحفاظ على سيطرتها على الحدود والأمن ومعظم الموارد في غزة والضفة الغربية.
وفي هذا المعنى، أورد مدير مركز برشلونة للشؤون الدولية، بول موريلاس، لصحيفة لافانغوارديا أن "إرادة النرويج وإيرلندا وإسبانيا تتمثل في وضع إسرائيل وفلسطين على قدم المساواة ضمن منطق الدولتين كحل للصراع".
ويضيف: "هناك أيضا إرادة لتغيير موقف الاتحاد الأوروبي تجاه هذا الاعتراف".