نقل روسيا قواعدها من سوريا إلى ليبيا.. كيف يشعل صراعا جديدا بالمنطقة؟

"لا شك أن قاعدتي طبرق و معطن السارّة في جنوب ليبيا توفران فرصة لروسيا لتعويض خسائرها الإستراتيجية"
منذ أسابيع، تنشر تقارير استخباراتية في وسائل إعلام أميركية عن مواصلة الجيش الروسي نقل معداته من سوريا إلى ليبيا بعد التطورات الميدانية والسياسية في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وفي السياق، نشر مركز دراسات الشرق الأوسط التركي "أورسام" مقالا للكاتب "كان ديفيجي أوغلو"، ذكر فيه أن تقليص روسيا لوجودها العسكري في سوريا وتحويل اهتمامها نحو ليبيا يدل على بداية صراع جديد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إعادة تموضع
وقال الكاتب: إن تقدم هيئة تحرير الشام في سوريا وسقوط نظام الأسد دفعا موسكو لإعادة تقييم مواقفها في المنطقة.
ويمكن تفسير إنهاء روسيا لوجودها العسكري في طرطوس، ونقل بعض عناصرها البحرية إلى ليبيا على أنها خطوة إستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على مصالحها في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل، فضلا عن توسيع نفوذها في تلك المناطق.
وأشار الكاتب إلى أن الدافع الرئيس لروسيا في تقليص وجودها في سوريا هو الحفاظ على تأثيرها في البحر المتوسط، الذي يعد حيويا للنقل البحري وأمن الطاقة.
وتشير الزيارات الروسية الأخيرة إلى دمشق وبورتسودان، في إطار إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، إلى أن الأجندة الجيوسياسية الروسية تمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر ومنه إلى منطقة الهندي والهادئ.
وتحمل التحركات الروسية الأخيرة في ليبيا رسالة واضحة عن تطور إستراتيجيات موسكو في المنطقة، حيث يعد نقل وجودها العسكري إلى ليبيا امتداداً لمصالحها الإستراتيجية في البحر المتوسط.

ولا شك أن قاعدتي طبرق ومعطن السارّة في جنوب ليبيا توفران فرصة لروسيا لتعويض الخسائر الإستراتيجية التي تكبدتها في سوريا.
فقاعدة طبرق، الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، قد تسمح لروسيا بالتحكم في طرق النقل البحري والطاقة. بينما قاعدة معطن السارّة فإنها تقع في موقع إستراتيجي على حدود ليبيا مع السودان وتشاد، مما يجعلها مركزا لوجستيا مهماً للعمليات في منطقة الساحل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقل روسيا لمجموعة فاغنر (التي أصبحت تُعرف بـ "الفرقة الإفريقية") إلى ليبيا والساحل يعكس جهود موسكو لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
حيث تتعاون مجموعة فاغنر مع الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، بهدف حماية وتوسيع مصالح روسيا في منطقة برقة. وهذه الخطوات تُظهر أن روسيا تعد ليبيا قاعدة إستراتيجية عسكرية وجيوسياسية.
مركز حيوي
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن بناء قاعدة بحرية في طبرق قد يعزز قدرة البحرية الروسية على العمل بمرونة أكبر في البحر المتوسط، كما يمكن أن يسهم في زيادة الضغط الإستراتيجي على الناتو وأوروبا.
وهذه الخطوة يمكن أن تكون جزءا من إستراتيجية موسكو لزيادة وجودها كقوة بحرية عالمية.
وتعد ليبيا من أهم المناطق التي تضم أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، مما يجعلها مركزا حيويا في صراع الطاقة.
ولذلك فإن روسيا تسعى للسيطرة على المصادر النفطية في ليبيا لتوسيع مصالحها الاقتصادية وتعزيز قدرتها على الضغط على الدول الأوروبية؛ وذلك نظرا لأن ليبيا تصبح بديلا مهما لتنويع مصادر الطاقة.

وتتمثل إستراتيجية روسيا في التحكم في البنية التحتية للطاقة بليبيا، بما يتيح لها تقويض خطط أوروبا لتنويع مصادرها.
ولذلك تهتم موسكو بالمناطق النفطية الواقعة تحت سيطرة خليفة حفتر في شرق ليبيا، والذي بدوره يتعاون مع مجموعة فاغنر لتأمين تلك الموارد.
وبهذا الشكل، تعزز روسيا من وجودها العسكري في المنطقة وتدعم إستراتيجيتها للهيمنة على سلسلة الإمدادات الطاقية لأوروبا.
ويعد توسيع روسيا لوجودها العسكري في الساحل جزءا من إستراتيجيتها طويلة المدى لتعزيز نفوذها في إفريقيا.
فقاعدة معطن السارّة في جنوب ليبيا، القريبة من تشاد والسودان، تعد مركزا لوجستيا مهما لدعم العمليات في منطقة الساحل.
ودعم روسيا للأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والسودان يُظهر أن موسكو تستفيد من تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة.
قلق أوروبي
وأوضح الكاتب التركي أن تركيز روسيا على ليبيا بعد انسحابها من سوريا يشكل تهديدا كبيرا للمصالح الجيوسياسية، خاصة لإيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي.
فتعد ليبيا من الدول الحيوية بالنسبة لإيطاليا، كونها تشكل أهمية إستراتيجية في مجالات أمن الطاقة، والهجرة، والاستقرار الإقليمي.
ومع زيادة تأثير روسيا في ليبيا عبر تمركزها في قواعد إستراتيجية مثل طبرق ومعطن السارّة، يزداد القلق في إيطاليا من تهديد سيطرتها على البنية التحتية للطاقة، إضافة إلى خطر تعميق عدم الاستقرار في ليبيا وبالتالي زيادة تدفقات الهجرة نحو أوروبا.
وهذا الوجود الروسي لا يهدد إيطاليا فقط، بل يؤثر بشكل مباشر على أمن الطاقة والهجرة في الاتحاد الأوروبي بشكل عام.
ففي ظل سعي أوروبا لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، يمثل نفوذ موسكو في ليبيا عقبة رئيسة أمام هذه الجهود، خاصة أن روسيا أصبحت تمتلك الوصول إلى البنية التحتية للطاقة الليبية.
ورغم محاولات الاتحاد الأوروبي لدعم استقرار ليبيا عبر مبادرات دبلوماسية واقتصادية، إلا أن التنسيق بين دول الاتحاد في هذا المجال لا يزال محدودا.
وتعد إيطاليا من أبرز الدول الأوروبية التي تتابع الوضع في ليبيا عن كثب، ويعود ذلك جزئيا إلى قربها الجغرافي من البلاد.
ووجود شركات الطاقة الإيطالية الكبيرة مثل "إيني" في ليبيا يزيد من حساسيتها تجاه أي تغييرات في الوضع السياسي أو العسكري في المنطقة.

ومع تصاعد تأثير روسيا في ليبيا من خلال قواتها العسكرية والمليشيات، فإن مصالح إيطاليا في المنطقة باتت مهددة.
في هذا السياق، تسعى إيطاليا لتعزيز سياستها تجاه ليبيا، وتحقيق تنسيق أكبر ضمن الاتحاد الأوروبي والناتو لضمان استقرار المنطقة.
وذكر الكاتب أن نجاح الجهود الإيطالية في هذا المجال يعتمد على قدرة الدول الأوروبية على العمل معا وتطوير إستراتيجية مشتركة.
فإذا لم يتم اتخاذ خطوات فعالة للتصدي للوجود الروسي في ليبيا، فإن تأثير ذلك سينال ليس فقط إيطاليا بل عموم أوروبا، مما سيزيد من تعقيد التحديات الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
وختم مقاله قائلا: إن فشل الاتحاد الأوروبي والناتو في تطوير إستراتيجية مشتركة تجاه هذه التطورات قد يسهم في زيادة تأثير روسيا في المنطقة. لذلك، من المهم أن تلعب إيطاليا دور القيادة لتعزيز جهود أوروبا من أجل حماية مصالحها في ليبيا.
ويعتمد نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الدول الأوروبية على العمل معا، وتطوير رؤية سياسية شاملة تدعم السلام والاستقرار في ليبيا. وإلّا فإن التنافس القائم في ليبيا قد يسبب مشاكل أكبر لأمن أوروبا ومصالحها الاقتصادية.