هل يدخل أوجلان البرلمان التركي لإعلان تصفية "بي كا كا" الإرهابي؟
"كل عملية تفاوضية مع تنظيم بي كا كا لم تكن سوى فرصة جديدة لتحقيق مكاسب”
في خطوة مثيرة للجدل، دعا رئيس حزب "الحركة القومية" في تركيا، دولت بهتشلي، زعيم تنظيم “حزب العمال الكردستاني” (بي كا كا)، عبد الله أوجلان، للإعلان عن تصفية التنظيم رسميا.
وفاجأ الجميع باقتراح جريء، حيث ذكر بهتشلي أن بإمكان أوجلان حضور البرلمان بعد إنهاء عزله في سجن جزيرة إيمرالي ببحر مرمرة غرب تركيا، ليُلقي خطابا أمام الكتلة البرلمانية لحزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” (ديم)، ويعلن إنهاء "الإرهاب" في تركيا مع حل “بي كا كا” وتسليم السلاح.
كل ذلك، مقابل إجراءات تمنحه "حق الأمل" ضمن إطار تسوية سياسية.
و"حق الأمل" هو مصطلح يشير إلى إعطاء المحكوم عليه بالسجن المؤبد المشدد، كبديل لعقوبة الإعدام، فرصةً للعودة إلى المجتمع بعد قضاء فترة معينة مع الحفاظ على الأمل في استعادة حريته.
جولة جديدة
وفي الوقت الذي كان بهتشلي يقدم فيه هذه الاقتراحات أكد أنه "لن يتم التفاوض مع الإرهاب"، كما شدد على أن "تعديل المواد الأربعة الأولى من الدستور غير قابل للنقاش".
ونشرت صحيفة “حرييت” التركية مقالا للكاتب، نديم شينير، قال فيه: إن “هذا التصريح قد وضع إطارا محددا لسياسة الحزب تجاه أي مفاوضات مع الجماعات الإرهابية، وأكّد على موقفه الثابت ضد أي مساعٍ لتغيير الأسس الدستورية”.
واستدرك شينير: "لم يكن طرح بهتشلي لهذه الاقتراحات نهاية للأزمة، بل بداية لجولة جديدة من المفاوضات، فقد أشار إلى أن بي كا كا الذي يرفض تسليم السلاح، وزعيم حزب الشعوب الديمقراطي المعتقل في أدرنة، صلاح الدين دميرتاش، لن يكونوا جزءا من أي عملية تفاوض".
وذكر الكاتب التركي أن "بهتشلي كان ينتظر من أوجلان إصدار إعلان رسمي من خلال لقائه مع حزب العمال الكردستاني/حزب الشعوب الديموقراطي بشأن تسليم السلاح وتصفية التنظيم".
لكن بدلا من ذلك، قام أوجلان في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بدعوة البرلمان التركي مباشرة للمساهمة في “عملية السلام”، داعيا الأطراف السياسية كافة إلى التخلي عن الحسابات الضيقة والتحرك بشكل بناء.
أشار أوجلان في رسالته إلى ضرورة أن تكون العملية مدعومة من جميع الأوساط السياسية في تركيا، خصوصا البرلمان الذي يعد ساحة حاسمة للمساهمات الإيجابية.
كما شدد على أن الوضع في غزة وسوريا قد أظهر أن التدخلات الخارجية لم تعد قادرة على تأجيل حل الأزمة الداخلية التركية، ويرى أن العملية لن تنجح دون مساهمة المعارضة وأفكارها.
واستدرك الكاتب التركي بأن “خطاب أوجلان، زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، لم يتضمن أي دعوة لترك السلاح أو لإعلان تصفية التنظيم كما يروج البعض”.
وأضاف “مع ذلك، فإن زعيم التنظيم الإرهابي، الذي اعتاد على المساومة في كل مرحلة من مراحل المفاوضات، يبدو مستعدا للمشاركة مجددا في عملية تفاوضية”.
ولفت إلى أنه “في كل مرة كانت هذه المفاوضات تخرج لصالح تنظيمه، ليحقق مكاسب سياسية وإستراتيجية على حساب الأمن والاستقرار في تركيا”.
وقال شينير: إن “البيان القصير الذي أصدره الوفد المكون من أعضاء حزب العمال الكردستاني/ حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الذين زاروا جزيرة إيمرالي ليس كافيا لفهم تفاصيل اللقاء الذي استمر لساعات”.
واستطرد: "لكن بيان أوجلان يشير بوضوح إلى أنه يسعى إلى اتخاذ خطوات تتعلق بتعديلات دستورية قد تشمل مطالب انفصالية تعود إلى مطالبات قديمة لطالما سمعناها على مدار سنوات".
تداعيات المساومات
وذكر شينير أن “تركيا شهدت فترة التراخي في مكافحة الإرهاب بين عامي 2013 و2015”.
وأشار إلى أن “هذه الفترة أدت إلى نتائج كارثية، حيث أعلن تنظيم حزب العمال الكردستاني /اتحاد المجتمعات الكردستانية عن الحكم الذاتي في خمس مدن و21 منطقة تابعة لـ11 محافظة بين 8 أغسطس/ آب و10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015”.
وأوضح شينير أنه “خلال تلك الفترة ارتقى حوالي 800 من الشهداء في العمليات التي نُفذت بين 14 ديسمبر 2015 و2 مارس/ آذار 2016 ضد الأنفاق والحفر التي قام الإرهابيون بإنشائها في عدة مدن مثل ديار بكر، وماردين، و موش وحتى إيلازيغ”.
كما انضم حوالي 10 آلاف شخص إلى صفوف تنظيم حزب العمال الكردستاني خلال ثلاث سنوات فقط، مما أسهم في تعزيز قوة التنظيم الإرهابي.
وقال شينير: “اليوم يسعى زعيم حزب العمال الكردستاني مجددا إلى مفاوضات جديدة، رغم الدعوات التي وجهها عامي 2013 و2014 لقيادة التنظيم”.
واستدرك: “مع ذلك لم يُبدِ التنظيم أي رغبة في التوقف عن العنف، بل على العكس فقد استمر في تعزيز قدراته العسكرية من خلال التعاون مع الولايات المتحدة، مما أضاف مزيدا من الأسلحة بدلا من التفكير في تسليم السلاح”.
وعلق الكاتب التركي: “بينما يعتقد البعض أن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى تسوية، فإن تجربة السنوات السابقة تظهر أن كل عملية تفاوضية مع تنظيم حزب العمال الكردستاني لم تكن سوى فرصة جديدة له لتحقيق مكاسب”.
وأكد أنه “في حال استمر التراخي في مكافحة الإرهاب، قد تجد تركيا نفسها أمام تكرار نفس السيناريو الذي شهدته في الماضي، حيث تعود المساومات لتُكسِبَ التنظيم الإرهابي المزيد من النفوذ”.
نداءات أوجلان
في عام 2013، أرسل أوجلان رسالة في عيد النيروز أعلن فيها بدء مرحلة جديدة، حيث قال: “اليوم، أمام ملايين الشهود سأبدأ مرحلة جديدة.. السياسة لا السلاح.. يجب على قواتنا المسلحة أن تنسحب إلى خارج الحدود.. يجب أن يصمت السلاح الآن، وتتكلم الأفكار والسياسات”.
وقال شينير: “قد كانت هذه دعوة لوقف العنف وبدء مرحلة الحوار، مع تعليمات بالانسحاب إلى خارج الحدود”.
ولاحقا في رسالته الثانية عام 2014، اقترح أوجلان إطارا قانونيا لتنظيم المرحلة القادمة.
وفي عام 2015 دعا إلى تنظيم مؤتمر لإنهاء الصراع المسلح الذي استمر لأربعين عاما بين حزب العمال الكردستاني والجمهورية التركية، وأشار إلى ضرورة تحديد إستراتيجيات سياسية واجتماعية تتناسب مع روح المرحلة الجديدة.
ورغم هذه الدعوات والجهود التي بذلها أوجلان، لم يستجب تنظيم “بي كا كا” لندائه، بل استمر في تلقي التعليمات من قوى دولية مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، الأمر الذي مكنه من الاستمرار في تهديد تركيا من الأراضي التي سيطر عليها في سوريا.
وحتى اليوم، لم يتغيّر هدف التنظيم، الذي أصبح أداة في يد قوى دولية مثل الولايات المتحدة وإيران وروسيا، مما يجعل دعوات أوجلان تذهب أدراج الرياح ولا تجد أي صدى لدى التنظيم، يؤكد شينير.
ومنذ عام 2016، وبفضل عملية "درع الفرات" استطاعت تركيا تأمين حدودها ومكافحة الإرهاب بشكل فعال، مما منحها القدرة على استعادة زمام المبادرة في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
فبفضل هذه العمليات تم إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، كما تم إضعاف التنظيم في العراق وسوريا.
وأضاف الكاتب التركي: “في بيانه اليوم يظهر أوجلان في موقف متأخر مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، حيث يصف مشكلة الإرهاب بأنها محاولة من بعض القوى الأجنبية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا، لجعلها قضية مزمنة”.
وأكد أن “تركيا يجب أن تحافظ على المبادرة ولا تسمح لهذه القوى، أو لتنظيم حزب العمال الكردستاني أو أوجلان نفسه بالتسلل في هذا المجال”.