زيارة كالين وفيدان واشنطن.. كيف تبشر ببداية حقبة جديدة بين تركيا وأميركا؟
تجنب الرئيس بايدن إقامة علاقة عمل وثيقة مع الرئيس أردوغان
شهد مطلع مارس/آذار 2024، تطورات مهمة تظهر الزخم الذي اكتسبته الديناميكية الأخيرة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.
إذ أجرى رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين زيارة إلى واشنطن، حيث التقى بنظيره الأميركي مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز في 5 مارس.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية قبلها بيوم أنه بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، تتصدر قضايا العراق وسوريا وجهود وقف إطلاق النار في غزة والحرب الروسية الأوكرانية جدول أعمال الزيارة.
وتأتي الزيارة العلنية الأولى لكالين إلى العاصمة الأميركية منذ توليه المنصب، في وقت حرج بسبب معركة تركيا ضد الجماعات المسلحة في العراق وسوريا.
وتَعُد أنقرة حزب العمال الكردستاني المحظور – وهو جماعة مسلحة تشن حملة مسلحة ضد تركيا من أجل الحكم الذاتي الكردي داخل البلاد منذ عام 1984 – تهديدا للأمن القومي، في وقت تتلقى هذه المنظمة بأفرعها دعما من واشنطن.
تطورات مهمة
وبعد انتهاء لقاءات كالين مباشرة، سافر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أيضا إلى واشنطن ضمن زيارة استمرت يومي 7 و8 مارس.
وتأتي هذه الاجتماعات المكثفة في أعقاب زيارة مهمة إلى سوريا، التي ترتبط بالحوار السياسي بين تركيا والولايات المتحدة، وفق ما قالت صحيفة "حرييت" التركية في مقال للكاتب "سيدات أرجين".
إذ زار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل إريك كوريلا، شمال سوريا كجزء من جولته الإقليمية.
وأشار الكاتب التركي إلى أن هذه المحادثات في واشنطن تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين في المستقبل، وتسليط الضوء على قضية التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني في سوريا، وهي قضية حساسة.
وأردف: لنلقِ نظرة على اجتماعات كالين وفيدان حيث تمت هذه الاتصالات بعد حدوث تطورين مهمين.
أولاً، أنهت تركيا إجراءات الموافقة النهائية على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي بعد مرور عام ونصف.
ثم ردت الإدارة الأميركية على هذه الخطوة من خلال تمرير طلب تركيا المعلق بشأن شراء طائرات إف-16 الجديدة وتحديث طائرات إف-16 الحالية من الكونغرس.
ويبدو أن هذه الخطوات المتبادلة أدت إلى ظهور حالة جديدة في العلاقات، وفق تقييم الكاتب.
إذ تشير جميع التقييمات التي أجريت في الأيام الأخيرة إلى أنه يمكن تحقيق تقدم على أساس جدول أعمال إيجابي في العلاقات على إثر هذه التطورات.
وقد يمتد هذا النشاط حتى زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض، وفق تقدير الكاتب.
ومن المرجح أن يكون أردوغان بالفعل في واشنطن مع قادة الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي خلال الفترة من 9 إلى 11 يوليو/تموز 2024، حيث تعقد قمة الحلف.
ومن المتوقع أن تكون هذه القمة، التي تصادف الذكرى السنوية الـ 75 لتأسيس حلف شمال الأطلسي، في أجواء حماسية تستضيفها الولايات المتحدة.
وعند النظر إلى المناخ الجديد الذي يظهر في العلاقات، فإن لقاء بين أردوغان مع نظيره الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض قبل أو بعد هذه القمة لن يكون مفاجئًا.
مشكلات جدية
وتابع الكاتب: تواجه العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا بعض المشكلات الجدية في الوقت الحالي.
وتهدف إدارة بايدن إلى تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من خلال تقييد التجارة معها عبر تركيا، وتتخذ بعض الإجراءات في هذا الصدد.
ويوضح الكاتب: "يبدو أن بعض التدابير التي اتخذتها تركيا أدت إلى مشاكل في عمليات البنوك بين البلدين، وأن هناك انخفاضا في صادرات أنقرة إلى موسكو".
وأشار السفير الروسي في أنقرة أليكسي إرخوف أخيرا إلى وجود "مشاكل كبيرة" في عمليات التحويل المصرفي بين البلدين وأنهم يعملون معا لحلها.
وأضاف الكاتب التركي: من المتوقع أن تكون أنقرة حذرة في التعامل مع العقوبات على موسكو، وكانت هذه واحدة من القضايا الرئيسة التي تمت مناقشتها خلال زيارة السيناتورين الأميركيين كريس ميرفي وجين شاهين إلى تركيا ولقائهما بالرئيس أردوغان.
في تصريحه بعد الاجتماع في 20 فبراير/شباط 2024، قال ميرفي: "يجب ألا تكون تركيا بلدا يمكن لروسيا تجاوز العقوبات من خلاله".
بشكل عام، تشكل قضية العقوبات على روسيا جانبًا معقدًا في حوار تركيا والولايات المتحدة.
واستدرك الكاتب: الآن دعنا نلقي نظرة على الموضوع في إطار أوسع قليلا. فخلال العام الأخير من رئاسة بايدن، كانت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة عموما في مسار مشوش.
إذ تجنب الرئيس بايدن إقامة علاقة عمل وثيقة مع الرئيس أردوغان، وكانت العلاقات مضطربة عموما.
ومع ذلك، في الوقت الذي يستعد فيه بايدن للدخول في انتخابات جديدة، ظهرت لأول مرة اتجاهات تحسن جوهرية في العلاقات.
وعلق الكاتب: نواجه هنا حالة مثيرة للاهتمام، لأنه بعد ثمانية أشهر من ذلك، ستجرى انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ويبدو أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتصدر الاستطلاعات العامة.
وإذا نجح بايدن في الانتصار فإن العلاقات مع الولايات المتحدة قد تستمر في التحسن بدءا من نوفمبر على طول المسار الإيجابي الذي بدأته.
على الجانب الآخر، في حالة خسارة بايدن وفوز ترامب، فمن المحتمل إعادة تشكيل اللعبة بشكل جديد تماما بين الأخير وأردوغان.
فخلال فترة رئاسة ترامب السابقة، كان هناك تواصل دبلوماسي عام بين أردوغان وترامب، "ونعلم أن الزعيمين يفهمان إلى حد ما لغة بعضهما البعض وأسلوبهما".
وتابع الكاتب: "إذا تم انتخاب ترامب، فإن العزلة بين القادة التي هيمنت على جزء كبير من عهد بايدن يمكن أن تفسح المجال لعلاقة عمل وثيقة كما كانت من قبل".
انسحاب محتمل
وتابع: سواء كان الفائز بايدن أو ترامب، فإن المسألة التي تعد أكثر أهمية في جدول أعمال الحوار بين تركيا والولايات المتحدة هي دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب/قوات سوريا الديمقراطية والتي تعد فرعا لحزب العمال الكردستاني (مصنفة إرهابية لدى أنقرة)، وهذه المسألة ستظل مجالا للضغط.
على الرغم من وجود بعض التقارب على المستوى السياسي حتى اليوم، إلا أن استمرار التحالف العسكري بين الولايات المتحدة والمجموعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا يؤثر سلباً على هذا المناخ.
ومع ذلك، هناك بعض الإشارات التي تشير إلى أنه يتم النظر في هذه المسألة بطريقة مختلفة الآن.
فمنذ فترة طويلة، جرى تداول بعض الأخبار في وسائل الإعلام حول الجهود التقنية المبذولة في وزارة الدفاع الأميركية للانسحاب من سوريا.
على أي حال، من المعروف أن إدارة بايدن تعمل على مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة في سوريا، ولا يمكن توقع ما ستؤدي إليه هذه العملية من تغييرات في المستقبل، وفق الكاتب.
ومع ذلك، فإن احتمالية ظهور خيار الانسحاب التدريجي في جدول أعمال الولايات المتحدة في المستقبل ليست مستبعدة.
وإذا فاز ترامب في الانتخابات، فسيكون من الضروري أن نكون مستعدين في أي وقت لخطوات مفاجئة.
أما بالنسبة لبايدن، فيجب أن يتذكر الجميع قراره المفاجئ والمبكر بسحب الولايات المتحدة من أفغانستان بشكل فوضوي، بحسب تعبير الكاتب.
في هذا السياق، يتوقع أن تكون المحادثات التي أجراها كالين وفيدان مع نظرائهم الأميركيين ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بالمساهمة في عملية مراجعة سياسة الولايات المتحدة في سوريا.
وأردف: "يجب أن تلعب هذه المحادثات دورا في تقديم المدخلات المهمة لهذه العملية".
بالطبع، ستثير عملية الانسحاب العديد من الأسئلة. على سبيل المثال، من سيضمن أمان المعتقلات التي تحتجز فيها عناصر تنظيم الدولة إذا انسحبت الولايات المتحدة؟
وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: إذا كان للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أن تدخل مرحلة جديدة وإيجابية في الفترة المقبلة، فمن الضروري وضع القضية السورية في إطار يكمل هذا التوجه.
فقد يؤدي تطور الأحداث إلى إجبار الإدارة الأميركية على اتخاذ اختيار بين مصالح تركيا من جهة وبين اختيار قائمة الإرهابيين المطلوبين التي يتزعمها مظلوم عبدي، القيادي في قوات سوريا الديمقراطية، من جهة أخرى، وفق تقديره.