توغلات إسرائيلية في القنيطرة السورية وروسيا تشاهد في صمت.. ما الحكاية؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

مع توالي تأكيدات تقارير صحفية عن حدوث توغل لقوات إسرائيلية داخل الأراضي السورية وقيامها بأعمال تجريف للأراضي الزراعية، كثرت الأحاديث عن القوات الروسية الموجودة بالمنطقة ودورها هناك.

وقبل تدخلها عسكريا لمنع سقوط النظام السوري عام 2015، بسنوات، رغبت روسيا في إظهار حضورها العسكري قرب الجولان السوري الذي احتلته إسرائيل في حرب عام 1967.

وقد برزت هذه الرغبة الروسية عام 2013 حينما بدأت تتقلص أعداد قوات حفظ السلام الأممية "أندوف" عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011.

و"أندوف" وجدت بموجب اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 31 مايو 1974 بوساطة أميركية لوقف الاشتباكات بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

حيث هدفت الاتفاقية إلى خلق منطقة عازلة منزوعة السلاح بين الجانبين، وجرى تحديد مواقع القوات الإسرائيلية غرب الخط (أ) والسورية شرق الخط (ب).

"إستراتيجية المراقبة الروسية"

وحينما انسحب عشرون جنديا نمساويا تابعون للقوات الأممية في 12 يونيو/ حزيران 2013 من معبر محافظة القنيطرة السورية إلى الجانب الخاضع للسيطرة الإسرائيلية من الجولان بحثت الأمم المتحدة على الفور عن بلد يوافق على إرسال قوات لتحل محل العسكريين النمساويين.

وآنذاك قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقتراحا لنشر قوات روسية لحفظ السلام في الجولان بعد انسحاب البعثة النمساوية.

إلا أن الأمم المتحدة رفضت عرض موسكو، لأن الاتفاق المبرم مع إسرائيل وسوريا يستبعد مشاركة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي.

وعزت وزارة الدفاع النمساوية سحب قوات حفظ السلام التابعة لها من مرتفعات الجولان التابعة إداريا لمحافظة القنيطرة السورية، نظرا لامتداد الحرب بسوريا إلى المنطقة حيث كانت تجرى اشتباكات بين قوات الأسد والمعارضة إذ كانت تهدف الأخيرة لطرد الأولى من قرى وبلدات الجنوب السوري.

والنمسا هي إحدى الدول الثلاث (إضافة إلى الفلبين والهند) التي تؤلف قوة فض الاشتباك بالجولان المحتل (حوالي ألف جندي).

وقد شاركت بقوة قوامها 380 جنديا، ولجأت عدد من الدول عقب اندلاع الثورة السورية وهي كندا واليابان وكرواتيا لسحب جنودها من هذه القوة.

وقبل التدخل العسكري الروسي رسميا في سوريا نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما ألكسي بوشكوف في 8 يونيو 2013، إن "نشر قوات روسية لحفظ السلام في مرتفعات الجولان سيعني عودة إستراتيجية لروسيا إلى الشرق الأوسط كدولة عظمى".

وسمحت مساندة روسيا لقوات النظام السوري عام 2018 بإبعاد المعارضة السورية عن مواقع سيطرتها في محافظتي القنيطرة ودرعا جنوب سوريا. 

وبدأت حينها روسيا بتسيير دوريات بالقرب من "خط برافو" الفاصل بين القوات السورية والإسرائيلية والمعروف بمنطقة فض الاشتباك.

وحتى عام 2020 نشرت القوات الروسية 5 نقاط مراقبة للشرطة العسكرية الروسية على خط "برافو" في مرتفعات الجولان بمحافظتي القنيطرة ودرعا، ليس لهما علاقة بالقوة الأممية "أندوف".

وكان من بين مهام الشرطة العسكرية الروسية المعلنة وفق وزارة الدفاع الروسية هو "منع الاستفزازات في المنطقة بالتنسيق مع الجانب السوري".

وجهزت روسيا تلك المراكز بجميع وسائل المراقبة البصرية والتقنية اللازمة التي تتيح عملها المستقل على مدار الساعة، وفق وزارة الدفاع الروسية.

كما أنيط بكل نقطة مراقبة روسية الرقابة على نظام وقف إطلاق النار ليلا ونهارا، بالإضافة إلى رصد الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية ومنع التصعيد من قبل الجانبين السوري والإسرائيلي.

“إعادة تموضع”

وأمام تأكيد تقارير صحفية عن حدوث توغل جديد للقوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية وقيامها بأعمال تجريف للأراضي الزراعية خلال أكتوبر 2024، عمدت روسيا إلى إعادة تموضع تكتيكي ببعض نقاط المراقبة التابعة لها قرب الجولان السوري المحتل.

وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن القوات الروسية، ثبتت في 25 سبتمبر / أيلول 2024، نقطتي مراقبة جديدتين في محافظة القنيطرة على حدود الجولان السوري المحتل، لضبط التوتر على وقع التصعيد القائم بين "إسرائيل وحزب الله في لبنان؛ تحسبا لاتساع المواجهات التي قد تصل إلى الجبهة السورية.

وبينت المصادر أن النقاط الجديدة تركزت في منطقة السهول الغربية لبلدتي بير عجم وبريقة بريف القنيطرة الغربي قرب الحدود مع الجولان.

ليرتفع عدد النقاط الروسية المنتشرة في المناطق المحاذية للجولان المحتل إلى 17 نقطة معظمها أقيمت عقب السابع من أكتوبر 2023. 

وفي بداية سبتمبر 2024 كشفت مواقع روسية، عن نقل مركز مراقبة للشرطة العسكرية الروسية إلى تل الشعار على خط "برافو" في محافظة القنيطرة.

وفي الوقت الراهن، على خلفية تزايد وتيرة الاستفزازات في المنطقة منزوعة السلاح عند الجولان، نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية أن قوات إسرائيلية أزالت ألغاما أرضية وأقامت حواجز جديدة على الحدود مع سوريا، في إشارة إلى أن إسرائيل ربما توسع عملياتها البرية ضد حزب الله اللبناني.

وقالت الوكالة في 15 أكتوبر 2024 إن “إسرائيل حركت السياج الفاصل بين المنطقة منزوعة السلاح نحو الجانب السوري ونفذت أعمال حفر لإقامة المزيد من التحصينات في المنطقة”.

مشيرة إلى أن من بين المصادر التي نقلت عنها تلك المعلومات جندي سوري متمركز في جنوب سوريا ومسؤول أمني لبناني ومسؤول بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "أندوف".

وقالت المصادر الأمنية إن أعمال إزالة الألغام زادت مع بدء إسرائيل توغلها البري مطلع أكتوبر 2024 لجنوب لبنان، وذلك على امتداد المنطقة الجبلية التي تفصل شمال إسرائيل عن جنوب لبنان على بعد نحو 20 كيلومترا إلى الغرب.

وقال الجندي السوري المتمركز في الجنوب إن إسرائيل تحرك السياج الفاصل بين الجولان المحتل والمنطقة منزوعة السلاح لمسافة أبعد باتجاه سوريا، وتقيم تحصينات قربها.

وأضاف الجندي أن إسرائيل تقيم فيما يبدو "منطقة عازلة" في المنطقة منزوعة السلاح.

بينما قال مصدر أمني لبناني رفيع المستوى لرويترز إن القوات الإسرائيلية حفرت خندقا جديدا بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح.

من جانبه، قال مصدر أمني لبناني كبير إن عمليات إزالة الألغام قد تسمح للقوات الإسرائيلية "بتطويق" حزب الله من الشرق.

وضمن هذه الجزئية يرى العقيد السوري المنشق عبد الجبار العكيدي، أن "التحركات الإسرائيلية الأخيرة في القنيطرة والجولان ربما تهدف إلى تعزيز السيطرة العسكرية في تلك المنطقة والمناطق المحيطة بها". 

وأضاف في مقال رأي نشر في 19 أكتوبر “قد تكون جزءا من إستراتيجية لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله والضغط عليه من جهة الجولان، والالتفاف عليه من جهة مزارع شبعا وحصاره في الجنوب اللبناني”.

ما يعني قطع كل خطوط إمداده من جهة الشرق، وحرمانه من وصول المساعدات العسكرية واللوجستية من إيران مرورا بسوريا، وفق العكيدي.

 بالإضافة إلى "إنشاء منطقة آمنة تمكنها من التحرك بحرية وإجراء عمليات استطلاع ومراقبة واسعة"، بحسب العقيد.

"مهمة روسية"

وأمام هذه التحركات الإسرائيلية، ما تزال الشرطة الروسية ترصدها من نقاط المراقبة التابعة لها في قرى وبلدات القحطانية، وبئر عجم، وبريقة، وكودنا، والملعقة، والرفيد، وغدير البستان، بالريف الغربي لمحافظة القنيطرة.

إذ تؤكد مصادر صحفية، أن التحركات الإسرائيلية مستمرة بدءا من قرية حضر في المنطقة العازلة على السفح الشرقي لجبل الشيخ، وحتى جنوب القنيطرة، بالقرب من السياج الحدودي عند الجولان المحتل.

بالمقابل رصدت تمركزات للقوات الروسية في تل الحارة وهي نقطة مراقبة إستراتيجية في ريف درعا المطل على مناطق في الجولان السوري المحتل.

وقالت تقارير صحفية، إن القوات الروسية أجرت عمليات استطلاع ومراقبة في تل الحارة للتأكد من خلوها من المليشيات الإيرانية وحزب الله.

وضمن هذا السياق، رأى العقيد المنشق والمحلل العسكري أحمد حمادة، أن "هناك حرصا روسيا راهنا على عدم حدوث أي اشتباكات أو انتهاكات لاتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974 ".

وأضاف حمادة لـ "الاستقلال" قائلا: "ولهذا عمدت موسكو إلى إعادة اللواء 90 واللواء 61 إلى خط وقف إطلاق النار". 

وأشار إلى أن "روسيا أقامت 12 نقطة مراقبة حديثة عند الجولان لمنع اختراق وقف إطلاق النار وعمدت إلى تسيير دوريات عسكرية من بلدة حضر شمالا وحتى محافظة القنيطرة لمنع المليشيات الإيرانية وحزب الله من اجتياز وقف إطلاق النار والقيام بضربات ضد الجولان المحتل أو القوات الإسرائيلية هناك".

وادعى حمادة أن "روسيا تلعب دورا في عدم تدخل النظام السوري في حرب المحور الإيراني مع إسرائيل وتحاول الحفاظ على الهدوء على الجبهة السورية".