في خضم العدوان الإسرائيلي.. ما أهداف الحديث الأميركي عن "حل الدولتين"؟
في خضم العدوان المتواصل على قطاع غزة، ازداد الحديث الأميركي عن حل الدولتين كسبيل لإنهاء "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، رغم صعوبة تنفيذ هذا الخيار ورفضه من قبل تل أبيب.
وبرزت تحذيرات عديدة من أن الولايات المتحدة تسوق "أوهاما سياسية" وتضلل الشعب الفلسطيني من جديد؛ لأهداف انتخابية وخدمة لحكومة بنيامين نتنياهو ولتوسيع التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي.
ويأتي هذا الطرح بدلا من التوجه الأميركي نحو إنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي خلف أكثر من 25 ألف شهيد وعشرات آلاف الإصابات ودمارا هائلا في البنية التحتية.
وتقوم رؤية حل الدولتين، على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.
لعبة مضللة
وقال الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إن الحديث عن دولة فلسطينية قد يكون له 3 أهداف، أولها أنه ذر للرماد في العيون من أجل السكوت عن الإجرام ضد شعبنا في غزة والدليل أن الولايات المتحدة ما زالت مصممة على رفض وقف إطلاق النار.
وتساءل في مقابلة على قناة "الجزيرة" القطرية في 20 يناير/كانون الثاني 2024، "كيف يمكن الحديث عن حل ودولة فلسطينية مستقلة تشمل غزة والضفة الغربية، والولايات المتحدة ترفض أن تضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار".
مصطفى البرغوثي: الحديث عن إقامة دولة فلسطينية من أمريكا الآن قد يكون لعبة منافقة لتضليل الناس وإشغالهم بشيء لن يحدث، وأنا أخشى أن هذا لفتح مسار التطبيع مع المحيط العربي على حساب القضية بحجة أنه في نهاية المطاف ستكون هناك دولة#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/zWLY87fbZw
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 20, 2024
وأضاف أن الاحتمال الثاني يتمثل في أن نتنياهو يخدع الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي هذه النقطة، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن يكون قد أبلغ بايدن بإمكانية قيام دولة فلسطينية.
جاء ذلك في بيان نادر لمكتب رئيس الوزراء، الذي عادة ما يتجنب التصريح في عطلة السبت المقدسة لدى اليهود المتدينين، ردا على تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأميركية في 20 يناير.
وفي أول اتصال هاتفي بينهما منذ نحو شهر، أكد بايدن لنتنياهو في 19 يناير، أن "الحل السياسي الدائم بين إسرائيل وفلسطين لن يكون ممكنا إلا من خلال حل الدولتين"، وفق بيان للبيت الأبيض، وهو ما نفاه رئيس وزراء الاحتلال لاحقا.
وواصل في البيان التوضيحي الصادر عن مكتبه: "تعهد نتنياهو (خلال حديثه مع بايدن) بالمضي قدما في الهجوم على غزة حتى تحقق إسرائيل انتصارا حاسما على (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، رافضا فكرة الدولة الفلسطينية، وقال إنه "نقل مواقفه إلى الأميركيين".
وأضاف نتنياهو: "في أي ترتيب مستقبلي تحتاج إسرائيل إلى السيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن".
وأردف: "يجب أن يكون رئيس الوزراء قادرا على قول (لا) لأصدقائنا"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
ووفق البرغوثي، فإن الاحتمال الثالث والأكبر أن "ما يجري لعبة منافقة لتضليل الناس وإشغالهم بأمر لن يحدث بالحديث عن اسم وليس مضمون دولة من أجل فتح الطريق وتبرير التطبيع مع المحيط العربي على حساب القضية الفلسطينية بحجة أنه في نهاية المطاف ستكون هناك دولة".
محاولات تخديرية
بدورها، تضيف الكاتبة الأردنية لميس أندوني، سببا آخر يتمثل في أن "إعادة طرح الموضوع على الطاولة ضروري جدا لواشنطن، في ضوء ردود الفعل العالمية والغربية والأميركية على العدوان الإسرائيلي على غزة، التي تتطور إلى إدانة لتاريخ إسرائيل، وفضح المشروع الكولونيالي الاستيطاني في فلسطين".
وبينت في مقال نشره موقع "العربي الجديد" في 21 يناير، أن "التحوّل الجذري الذي نشهده، أخيرا، وبخاصة بين جيل الشباب في أميركا والغرب، يثير قلق واشنطن، التي تعده خطرا على إسرائيل، فيما يتعامل نتنياهو باستهتار مع هذه التحولات".
وتابعت: "جاء إطلاق واشنطن مبادرة الدولة الفلسطينية المستقلة محاولة لتخدير العرب مرة جديدة، وقبل ذلك مرات عديدة، علما أن دولا عربية تختبئ وراء ذلك لتبرير تواطُئها وتعاونها مع تل أبيب".
ويتفق رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني صادق أبو عامر، جزئيا مع هذا الرأي بالقول إنه يمكن أن يكون الحديث عن حل الدولتين حاليا "ضمن مسار يهدف لإقناع السعودية (بالتطبيع) وأيضا استيعاب النتائج المترتبة على الحرب في غزة".
وأوضح أبو عامر لـ"الاستقلال" أن واشنطن "ربما تكون بحاجة لاستقطاب بعض بلدان المنطقة ضمن مشروع للعمل ضد إيران ومحورها، ثم الذهاب نحو حل الدولتين كجائزة ترضية للدول العربية".
وبدأ الحديث مجددا عن حل الدولتين في ظل عدم تحقيق إسرائيل الأهداف الرئيسة من العدوان، وهي استعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة والقضاء على حركة "حماس".
وصرح المسؤولون والمخابرات المركزية في أميركا أخيرا وبشكل متكرر عن أن هدف القضاء على حماس وتدمير أنفاق غزة، "يبدو مستحيلا".
ومن خلال إعطاء زخم للحديث عن حل الدولتين، يريد بايدن كذلك أن يثبت حسن نواياه تجاه الفلسطينيين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مع توقعات واستطلاعات رأي تؤكد إمكانية تأثر حظوظه بسبب دعمه العدوان على غزة.
وعلق الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة في تغريدة على منصة "إكس" في 20 يناير، على ما وصفه بـ"فخ بايدن الجديد".
وقال الزعاترة إن "هذه اللعبة الجديدة تستحق التوقف، هدفها الأهم هو التطبيع السعودي واستئناف مسار السلام الاقتصادي، وطبعا عبر إطلاق عملية تفاوضية عنوانها الوصول إلى حل الدولتين، لكن الكل يدرك أن ذلك لن يحدث، وأنها لعبة استدراج جديدة".
عن "فخ" بايدن الجديد.. ماذا وراء حديثه عن "حل الدولتين" بعد اتصاله بنتنياهو؟
بعد اتصاله مع نتنياهو قال إن الأخير "لا يعارض حل الدولتين، وناقشنا الأمر اليوم (أمس الجمعة)". وأضاف أن "هناك عددا من أنماط حل الدولتين، فبعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليس لديها جيوش".
نتنياهو كان…— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) January 20, 2024
بيع الوهم
ووفق ما تقول الكاتبة الأردنية أندوني: "يجب فهم طرح حلّ الدولتين بوصفه مشروع إنقاذ لإسرائيل، خصوصا أن إدارة بايدن لم تحاول أن تطرح تصوّرا للحل، وعملت على احتواء الصراع، لأنها اعتمدَت على إمكان نجاح مشروع التطبيع الشامل في إنهاء وطيّ ملف القضية الفلسطينية".
وتابعت أنه "رغم الصراع الحاد بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها بنت على ما حقّقه الأخير من خرق إستراتيجي بتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل والإمارات، وبعدها البحرين والمغرب، للتمهيد لحل نهائي يتجاوز الفلسطينيين بعد تهميشهم وعزلهم".
لذا، ركّزت على السعي الحثيث لتحقيق اتفاقية بين إسرائيل والسعودية ينهي أي معارضة أو تلكّؤ عربي، ليس للانخراط في التطبيع مع إسرائيل فحسب، بل بتبني الرواية الإسرائيلية بنفي حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في فلسطين ونسفها.
واستدركت: "لكن عملية طوفان الأقصى جاءت لتقلب الطاولة وتُبعثر الأوراق، لذا نرى واشنطن قلقة جدّاً، خصوصاً أن معظم الدول العربية لم تدعم عدوان إسرائيل على غزّة، أكان لفداحة الجرائم الإسرائيلية، أم لخوفها من أن تصبح لحركة حماس شرعية فعلية في مخطّط ما بعد الحرب".
وعن ما يبدو فيما أنه تناقض وخلاف، كتب الكاتب "بن درور يميني" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية شارحا: "الولايات المتحدة لا تحتاج إلى دولة فلسطينية، بل تريد موافقة إسرائيلية على قيامها".
ولكن لماذا يريدون الموافقة؟ يجيب الكاتب الإسرائيلي: "لأنهم أولا يحتاجون لصفقة ضخمة مع السعودية، ستشمل اتفاقية دفاع بين واشنطن والرياض وتطبيعا بين الأخيرة وإسرائيل".
وتابع: "تحقق هذا الأمر يعني تغييرا إستراتيجيا، يضعف إيران وروسيا والصين، ويجعل من الولايات المتحدة الجهة الأكثر تأثيرا في المنطقة".
ولفت إلى أن "مثل هذا الاتفاق له أهمية اقتصادية بالتريليونات، لأنه سيمكّن عمل الممر الاقتصادي من الهند، مرورا بالسعودية والأردن وإسرائيل وحتى أوروبا".
وعلق الكاتب ياسر الزعاترة على المقال بالقول: "ما لم يقله الكاتب يميني هو أن بايدن ومعه صهاينة واشنطن، ما زالوا يؤمنون بسياسة الاستدراج التي تمرّر تصفية القضية الفلسطينية بنعومة (عبر تطبيع شامل يصل إلى التصفية والتهجير وليس إلى الدولة)، بدل ضجيج نتنياهو (ترامب قبله) الذي لا يمكن أن يمر".
وتابع: "يريدون شراء وهْم الدولة ثم بيعه للجمهور، لأن البديل هو اعترافهم بالفشل، وصولا إلى تزكية المقاومة كخيار وحيد ناجع لدحر الاحتلال".
عن جدل بايدن ونتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية.
كاتب إسرائيلي يشرح القصة!
كتب "بن درور يميني" في "يديعوت" عن الجدل الذي دار خلال الأيام الماضية بين بايدن ونتنياهو حول قصة الدولة الفلسطينية (هنا عدة تغريدات سابقة عن الأمر لمن أحب).
الخميس أكد نتنياهو أن لا دولة، وأن كيانه سيسطر…— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) January 21, 2024
مدى الجدية
وعن مدى جدية واشنطن، يقول مصطفى البرغوثي إنه "على مدار 3 سنوات قبل الحرب وبايدن يقول (نعم) لحل الدولتين ولكن ليس الآن، الوقت غير مناسب".
وتابع في المقابلة المذكورة آنفا أنه "إذا كانت واشنطن تعترف أن الاستيطان يدمر إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، فلماذا لا تضغط على إسرائيل لإيقافه؟".
وأردف: "منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاق أوسلو ويعترف بها العالم ممثلا للشعب الفلسطيني، تنتظر منذ 30 سنة (حل الدولتين)، ولكن منذ عام 2014 لم يقبل مسؤول سياسي إسرائيلي أن يجتمع مع آخر فلسطيني".
ومنذ أبريل/نيسان 2014، توقفت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جراء رفض كيان الاحتلال وقف الاستيطان وإطلاق أسرى قدامى، بالإضافة إلى تنصلها من مبدأ حل الدولتين.
وتساءل البرغوثي: "لماذا اعترضوا على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت عام 2007 وقاطعوها وحاصروها واحتجزوا أموالها حتى سقطت، ولماذا رفضوا حق الشعب الفلسطيني في انتخابات عام 2021".
ورأى أن واشنطن وتل أبيب تريدان "جهازا أمنيا يعمل مع إسرائيل لا سلطة تمثل الشعب الفلسطيني ومصالحه بشكل كامل".
وختم البرغوثي بالقول: "إذا كانت واشنطن صادقة في نواياها، فلتعلن ضرورة وقف العدوان وأن على إسرائيل إيقاف الاستيطان ولتقل لنا ما حدود الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها".
بدوره، يقول رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني، أبو عامر، إن الولايات المتحدة "قد تكون تطرح موضوع حل الدولتين كمبدأ ولكن ليس بالضرورة أنها تريد الوصول إليه".
وتابع: "ربما هناك تعريف خاص فيما يخص الدولة الفلسطينية بالنسبة لها لا يتفق مع نظرتنا، لأنها لم تذكر تفاصيل أو خصائص هذه الدولة، وهذا يطرح علامات استفهام حول مدى جدية الطرح".
لكنه خلص إلى أن الطرح "يعد مؤشرا قويا على أن الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط حقيقية، خاصة أن كل الدول الأساسية الفاعلة بما فيها مصر والسعودية وتركيا وحتى أوروبيا وعالميا وصلت إلى قناعة راسخة أنه لا يمكن فصل الأمن الإقليمي عن فكرة إيجاد حل للقضية الفلسطينية بما يرضي الفلسطينيين".