بيني غانتس.. وزير إسرائيلي سابق ومجرم حرب غزة الذي يهدد عرش نتنياهو

a year ago

12

طباعة

مشاركة

أحدثت مفاجأة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تغيرات مفصلية في البنية العسكرية والسياسية لإسرائيل التي تكبدت خسائر فادحة بفعل عملية حركة المقاومة الإسلامية حماس في مستوطنات غلاف غزة. 

أبرز الخسائر كانت تلك التي مُنِي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتمثلت بترسيخ قدم معارضه البارز وخصمه اللدود "بيني غانتس"، الاسم الأبرز لقيادة الحكومة في مرحلة ما بعد الحرب. 

ففي 8 ديسمبر/كانون الأول 2023، أظهرت صحيفة "معاريف" العبرية، نتائج استطلاع رأي أفاد أن 51 بالمئة من الإسرائيليين، يرون أن "غانتس" هو الأنسب لرئاسة الوزراء، بينما اختار 31 بالمئة نتنياهو.

وأضاف أن أحزاب الائتلاف الحاكم ستحصل مجتمعة على 44 مقعدا فقط فيما لو جرت الانتخابات اليوم. كما أن معسكر بيني غانتس سيعزز قوته الانتخابية من 12 إلى 38 مقعدا.

وقد علق الكاتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ويليام أيه غلاستون، على الاستطلاع قائلا: "بلا شك هجمات حماس تمثل بداية النهاية بالنسبة لبنيامين نتنياهو، بينما يحظى غانتس بشعبية كبيرة ومتصاعدة".

نسل المستوطنين

اسمه بنيامين غانتس، وشهرته "بيني" ولد في 9 يونيو/حزيران 1959 في بلدة "كفر أحيم" المحتلة، التي تقع في السهول الساحلية الفلسطينية على بعد 40 كيلومترا غرب القدس.

وتلك البلدة التي ولد ونشأ فيها "غانتس" هي مستوطنة إسرائيلية زراعية تعاونية استولى عليها اليهود. وكان والداه جزءا من المجموعة التي اقتحمت وأسست تلك المغتصبة.

والد غانتس اسمه "ناحوم" من رومانيا، أما أمه "مالكا" فمن المجر، وجاء كلاهما إلى الأراضي الفلسطينية على متن السفينة "حاييم الروزروف". 

عمل ناحوم فور وصوله كنائب رئيس للوكالة اليهودية التي دعت يهود العالم للقدوم إلى "أرض الميعاد" أي فلسطين، بحسب المعتقد الصهيوني. 

أسهم ناحوم في ترسيخ أقدام المستوطنين الأوائل، وتسهيل استيلائهم على الأراضي والقرى وإنشاء المستوطنات عليها. 

أما "بيني غانتس" فالتحق بمدرسة "شافير" الثانوية المحلية في مركز شابيرا، ثم انضم إلى مدرسة داخلية في قرية "هكفار هيروك" في "رمات هشارون" بالقرب من مدينة تل أبيب.

وفي عام 1979 تخرج في كلية القيادة والأركان التابعة لجيش الاحتلال، ثم حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة تل أبيب، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا.

وفي عام 1997 غادر إلى الولايات المتحدة لدراسة الماجستير في إدارة الموارد الوطنية في جامعة الدفاع الوطني الأميركية.



حياته العسكرية 

لقب "غانتس" بـ "الأمير" داخل جيش الاحتلال، وذلك لدوره الفاعل في النزاعات والحروب التي خاضها في الأربعة عقود الأخيرة. 

إذ انضم إلى الجيش عام 1977، وبدأ مسيرته العسكرية كجندي في لواء المظليين، وتضمنت مهمته الأولى أن يكون جزءا من الفريق الأمني المسؤول عن زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات لإسرائيل، إبان معاهدة التطبيع المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد 1978).

وتمكن غانتس من تسلم مناصب قيادية رفيعة والارتقاء في صفوف الجيش بسرعة، حيث شارك بعمليات عسكرية كبرى.

أبرزها عملية "الليطاني" في 14 مارس/آذار 1978، حيث اجتاح 25 ألف جندي إسرائيلي جنوب لبنان.

وأدى ذلك إلى سقوط ما بين 200 و400 شهيد لبناني، ونزوح حوالي 400 ألف إلى بيروت وضواحيها. وكذلك شارك غانتس في حرب لبنان الأولى عام 1982.

وفي عام 1987 أصبح قائدا لكتيبة "الأفعى" في لواء المظليين، بعدها جرى تعيينه قائدا لوحدة النخبة "شالداغ" في سلاح الجو الإسرائيلي عام 1989.

وخلال تلك الفترة قاد عملية "سليمان" في أديس أبابا عام 1991، والتي تضمنت النقل الجوي لـ14 ألف يهودي إثيوبي إلى إسرائيل، وكذلك شارك بالتصدي للانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 إلى 1993).

في عام 1994 شغل منصب قائد فرقة "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، حيث كلف باستعادة الأمن في مدينة الخليل بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي (راح ضحيتها 29 فلسطينيا على يد يهودي متطرف يدعى باروخ غولدشتاين).

وفي عام 1995 تولى رسميا قيادة لواء المظليين، الذي بدأ حياته فيه كجندي صغير، وبعد الماجستير جرت ترقيته إلى رتبة عميد، ثم عين قائدا لفرقة احتياط في قيادة المنطقة الشمالية.

شغل عام 1999 منصب قائد وحدة الارتباط مع لبنان، ثم أشرف على الانسحاب من المنطقة، وكان آخر قائد للجيش الإسرائيلي فيها.

وقال غانتس في تلك الفترة إنه كان آخر جندي عبر الحدود وأغلق البوابة بنفسه عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان عام 2000.

لذلك في عام 2005 عين قائدا للقوات البرية وخاض بعدها بعام الحرب ضد حزب الله، ولم يحقق جيش الاحتلال النتائج المنتظرة بسحق الحزب وغزو الجنوب اللبناني.

حروب غزة الأولى 

عام 2009 أصبح "بيني غانتس" نائب رئيس الأركان العامة لجيش الاحتلال، وبدأ بعدها تنفيذ "خطة تيفن" لتطوير القوات المسلحة، بالإضافة إلى عمليات أخرى في قوات الاحتياط والموارد البشرية وميزانية الجيش.

وفي 2011 وعقب ترشيح وزير الجيش آنذاك إيهود باراك، جرت الموافقة بالإجماع من قبل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، على أن يكون غانتس، رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش، وتمت ترقيته إلى رتبة فريق.

وسرعان ما انخرط في مواجهة حركة حماس، وشن عدوانا متسلسلا على قطاع غزة المحاصر، مقدرا أن هذه مهمته الأولى والأكثر أهمية. 

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، شن عملية "عمود السحاب"، والتي بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين فيها 168 من بينهم 34 طفلا.

كما دمر الاحتلال 2153 منزلا خلالها، ووصل عدد المهجرين قسرا جراء هدم وتدمير المنازل نحو 20925 من بينهم 9259 طفلا وفقا لتقرير مركز الميزان لحقوق الإنسان.

ثم تولى غانتس القيادة والتخطيط لعملية "الجرف الصامد" على غزة عام 2014، والتي استمرت 51 يوما.

وقتها شنت إسرائيل أكثر من 6 آلاف غارة جوية وأطلقت حوالي 50 ألف قذيفة مدفعية، وأسفرت عن استشهاد 1462 مدنيا فلسطينيا ثلثهم من الأطفال.

حينها تباهى غانتس في تسجيلات مصورة بعدد القتلى الفلسطينيين والأهداف التي جرى تدميرها تحت قيادته.

وقال وقتها إنه جرى قتل "1364 إرهابيا" في القطاع الذي "أعيد إلى العصر الحجري"، وفق تعبيره.

تجربته السياسية 

في 16 فبراير/ شباط 2015، انتهت فترة ولاية غانتس كرئيس للأركان العامة بعد مسيرة عسكرية استمرت قرابة 40 عاما.

وبعد تقاعده، دخل غانتس فترة انتظار إلزامية مدتها 3 سنوات لا يمكن أن يترشح خلالها للكنيست.

لكن في ديسمبر 2018، أسس حزبه الذي أطلق عليه اسم "المرونة" أو "الصمود لأجل إسرائيل"، لخوض انتخابات عام 2019.

في يناير/كانون الثاني 2019، أعلن عن تحالف انتخابي مع وزير الجيش السابق ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون وحزبه.

وفي فبراير من نفس العام اندمج الطرفان مع حزب "هناك مستقبل" وأقام الثلاثة حزبا واحدا عرف باسم الحزب "أزرق أبيض" وجرى انتخاب غانتس كعضو داخل الكنيست.

وسرعان ما بدأ الصدام بين غانتس ونتنياهو الملقب بـ "الملك بيبي"، حيث زاحمه بيني على رأس السلطة.

ووقتها أشار استطلاع للرأي أجرته القناة 12 العبرية مطلع عام 2019، إلى أن غانتس نال تأييد 35 بالمئة من الإسرائيليين مقابل 36 بالمئة لنتنياهو، وهو ما اضطر الأخير للتحالف معه حينها بعد شوط طويل من الصدامات والمفاوضات. 

والسبب الرئيس في الإجبار على التحالف بين الرجلين أن نتنياهو فشل في تشكيل ائتلاف حاكم، لتتم الدعوة لانتخابات جديدة في سبتمبر/أيلول 2019، وفاز فيها حزب "أزرق أبيض" بـ33 مقعدا مقابل 32 مقعدا لليكود، لكن الحزبين فشلا مرة أخرى في التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة.

ومع الوصول إلى طريق مسدود لتشكيل الحكومة، أصبح من الواضح أنه من دون الانضمام إلى حكومة وحدة بين الليكود وأزرق أبيض، فمن المرجح الذهاب إلى انتخابات أخرى، وهي النتيجة التي أراد غانتس تجنبها.

 لذلك تراجع في 26 مارس 2020 عن تعهده "بعدم العمل تحت قيادة رئيس وزراء متهم بالفساد"، معلنا أنه "سيدرس تشكيل حكومة طوارئ وطنية" بالاتفاق مع نتنياهو.

وبالفعل في 20 أبريل/ نيسان 2020 وقع نتنياهو وغانتس اتفاقا لتشكيل "حكومة طوارئ وطنية".

وبموجب الاتفاق، تولى نتنياهو رئاسة الوزراء لمدة 18 شهرا، وكان غانتس نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للجيش، بالإضافة إلى منصب "رئيس الحكومة البديل".

في تلك الفترة كان غانتس يريد العمل على زيادة ميزانية الجيش، ووضع خطة لإجراءات تطويره، لكنه اصطدم ببقية أفراد حكومة نتنياهو المعارضين لتوجهاته، ووجد أنه ينقصه كثير من الصلاحيات.

لا سيما أنه لم يكن متوافقا مع نتنياهو من الأساس، وبدأ في الحصاد المر لتحالفه بانشقاقات داخل حزبه.

وهو ما دعا غانتس للعودة والانضمام إلى صفوف المعارضة عقب حل الكنيست والحكومة في يونيو 2022.

وقتها أعلن غانتس عن اندماج أحزاب "أزرق أبيض" و"الأمل الجديد" (يمين الوسط)، وعزما الترشح بقائمة مشتركة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وقد انضم لهما رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت، وسمي التكتل الجديد باسم "حزب الوحدة الوطنية". 

لكن الفوز كان من نصيب نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف في هذه الانتخابات التي أفرزت أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ الكيان.



جزار غزة 

بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، أعلن نتنياهو تشكيل حكومة طوارئ، وانضم غانتس إلى "المجلس الأمني المصغر" أو "كابينت الحرب" الذي يدير العدوان. 

وفي 26 أكتوبر تحدث لقناة "فرانس 24" الفرنسية، عن خطة الحرب الإسرائيلية في غزة قائلا: "إن العملية العسكرية طويلة وعلينا جميعا أن نكون صبورين".

وأضاف: "إن واشنطن شريك إستراتيجي في هذه العملية ونبحث في كل الإمكانيات". 

ويعد غانتس ضمن مجموعة القيادة الإسرائيلية المتهمة بارتكاب جرائم حرب مروعة في غزة خلال العدوان القائم. 

وأشارت تقديرات للأمم المتحدة، في 15 ديسمبر 2023، إلى أن نحو 40 ألفا من مباني غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل اندلاع الحرب، قد تضررت بشكل كلي أو جزئي.

وأجبر العدوان الإسرائيلي قرابة 1.9 مليون شخص، ما يعادل نحو 85 بالمئة من سكان غزة على النزوح عن منازلهم.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وصل عدد الشهداء في قطاع غزة إلى أكثر من 19 ألفا على الأقل، 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء. 

وأضافت الوزارة أن عدد الإصابات تجاوز 48 ألفا، فضلا عن أعداد كبيرة من المفقودين وتحت أنقاض المنازل.

وبذلك تكون غزة أكبر وأقسى جرائمه على الإطلاق، لكن الرجل الذي يستعد لحكم إسرائيل مستقبلا له كثير من الآراء والإستراتيجيات المتطرفة. 

فهو يرى أن غور الأردن "جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، وهو الحاجز الدفاعي الشرقي للبلاد في أي صراع مستقبلي.

كما يعارض الانسحاب من هضبة الجولان السورية، ويظهر صرامة شديدة في ما يتعلق بشأن أمن إسرائيل الخارجي، ويدعو لمواجهة خطر إيران وحزب الله وحركة حماس.

وقد توعد بـ "إزالة حزب الله اللبناني" من الحدود مع الأراضي المحتلة "إذا لم يعمل العالم على ذلك".