اتفاقيات عسكرية شرقا وغربا.. سر تحركات الجيش المصري في إفريقيا

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

دبلوماسية الاتفاقيات العسكرية والدفاعية في مصر تظهر للمراقبين أنها تحاول إصلاح ما أخفقت فيه دبلوماسية وزارة خارجية النظام عبر سنوات طويلة في القارة الإفريقية. 

وكانت آخر هذه الاتفاقيات تلك التي وقعت بين وزارتي الدفاع المصرية والنيجيرية بالعاصمة أبوجا في 29 أغسطس/ آب 2024.

وبحسب وزارة الدفاع النيجيرية، تهدف مذكرة التفاهم إلى تعزيز التعاون الثنائي والدفاعي الأعمق بين البلدين، ومن أبرز بنودها تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية. 

ومن المفارقات أنه في نفس يوم توقيع الاتفاقية الدفاعية مع نيجيريا، وصلت معدات عسكرية وقوات مصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو. 

كأولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية الصومالية التي عقدت بالقاهرة في 14 أغسطس/ آب 2024، وشهدت توقيع اتفاق دفاعي إستراتيجي بين مصر والصومال.

دبلوماسية مرتبكة

تحركات المؤسسة العسكرية المصرية والتكثيف من اتفاقياتها الدفاعية مع دول القارة الإفريقية أثار العديد من التساؤلات حول سر هذا التوغل في هذا التوقيت وما إذا كانت القاهرة قد تحركت من قبل لزيادة تعاونها العسكري.

لعل الدافع الأول لحراك وزارة الدفاع المصرية، هو اختراق الدرع الإثيوبي المهدد لأخطر قضايا الأمن القومي المصري وهو النيل. 

فعبر سنوات انتهج نظام عبدالفتاح السيسي ووزارة خارجيته “دبلوماسية مرتبكة” في علاج أزمة سد النهضة، التي تهدد شريان حياة المصريين المتمثل في نهر النيل. 

وبالنظر لسنوات حكم السيسي الأولى، سنجد أن التسلسل الزمني تضمن أحداثا فاصلة في هذا الملف، على رأسها توقيعه وثيقة إعلان المبادئ في 23 مارس/ آذار 2015، التي كانت بين مصر والسودان وإثيوبيا.

بذلك التوقيع أعطى السيسي المسوغ القانوني الدولي لإثيوبيا لإتمام عملية بناء السد، وفي ذلك اليوم أعلن أيضا أن المشكلة "انتهت" وتم حلها.

لكن في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عاد السيسي وأشار إلى أن الأزمة مستمرة، عندما قال في أحد الخطابات: "محدش (لا أحد) يقدر يمس مياه مصر.. وعلى البرلمان والحكومة يشوفوا يعملوا إيه .. كده خلصت"، والكلمة الأخيرة تحمل تهديدا مبطنا لإثيوبيا. 

لكن في 11 يونيو/ حزيران 2018، وقعت حادثة القسم الشهيرة، وهي واقعة حملت في ظاهرها طابعا كوميديا، لكنها أيضا دللت على مدى الاستخفاف في التعامل مع قضية مصيرية بهذا الحجم. 

وقتها خاطب السيسي ضيفه رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي كان في زيارة إلى القاهرة، وطلب منه أن يقول: "أقسم بالله العظيم أنكم لن تضروا مصر"، وهو ما فعله آبي أحمد بالفعل، وتسببت الواقعة في سخرية كبيرة للرأي العام المصري.

وفي 14 سبتمبر/ أيلول 2019، سئل السيسي عن موقف مصر من سد النهضة، فرد قائلا: "العفي محدش بياكل لقمته"، في إشارة جديدة حملت تهديدا آخر بأن مصر على استعداد للدفاع عن مياه النيل بأي طريقة كانت. 

صعود وهبوط 

على الجانب الآخر في أديس أبابا، كانت الأمور تتطور، خاصة منذ تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء عام 2018. 

وقتها تبنى الرجل سياسات ارتكزت على بناء دائرة واسعة من الحلفاء الإقليميين، والعودة لأدوار القيادة التي تمتعت بها إثيوبيا في القرن الماضي.

ثم رفع إستراتيجية "السيطرة على النيل" كجزء أساسي من رؤيته القيادية، وكقضية أمن قومي رئيسة لبلاده. 

في تلك السنوات كانت مكانة مصر الإفريقية تتضاءل بقوة، وهو ما عبر عنه بعض المواقف، مثل زيارة عبدالفتاح السيسي عام 2016 إلى رواندا.

وقتها فوجئ بأن أحدا لم يكن في استقباله سوى وزير الداخلية الرواندي، وهو الاستقبال الذي عد مهينا ومخالفا للبروتوكولات الرسمية. 

بعدها في 2017 وصل السيسي لحضور القمة الإفريقية في أديس أبابا، وخلال التقاط الصورة التذكارية للزعماء، ظهر رئيس النظام المصري واقفا في الصفوف الخلفية أقصى اليمين، ما عبر عن مدى الاستخفاف بصورة مصر على الصعيد القاري. 

تلك الأمور استدعت الدولة المصرية على رأسها المؤسسة العسكرية للانتباه لحجم المعضلة، خاصة مسألة سد النهضة. 

 ومن هنا شرعت القاهرة في محاولة استعادة نفوذها المتضائل منذ عقود، ورأب الصدع الذي خلفته سنوات الابتعاد الطويلة عن إفريقيا. 

خاصة أنه بحلول عام 2020، كانت مصر بلا حلفاء حقيقيين لها في إفريقيا قادرين على الضغط على إثيوبيا، وإجبارها على توقيع اتفاق ملزم حول تشغيل السد، والحفاظ على الأمن المائي والغذائي لأكثر من 100 مليون مواطن مصري. 

اتفاقية ومناورة 

بداية من العام 2021 بدا الصعود المصري عن طريق القوات المسلحة في القرن الإفريقي وحوض النيل.

وتبنت المؤسسة العسكرية المصرية إستراتيجية الشراكات ومذكرات التفاهم الدفاعي مع دول القارة، تحديدا القريبة من بؤرة النزاع مع إثيوبيا. 

على رأس تلك الدول السودان، بصفتها الشريك الأهم لمصر في الأزمة، وفي 4 أبريل/ نيسان 2021، قال رئيس الأركان المصري (آنذاك) الفريق محمد فريد حجازي، في ختام التدريب المشترك "نسور النيل 2" بقاعدة “مروى” السودانية إن الجيشين المصري والسوداني "في خندق واحد".

يذكر أن جيشي مصر والسودان بينهما اتفاقيات عسكرية من ضمنها إجراء مناورات بين قوات البلدين.

بعدها في 8 أبريل 2021، أعلنت أوغندا عبر قوات الدفاع  توقيع اتفاقية لتبادل المعلومات العسكرية مع مصر.

ثلاثية إفريقية

وفي 10 أبريل 2021، وقعت القاهرة اتفاق تعاون عسكري مع بوروندي، وسط تعثر مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا.

وبذلك نجحت القاهرة في اجتذاب بوروندي ومن قبلها أوغندا والسودان، وجميعهم من بين دول حوض نهر النيل البالغ عددها 11 دولة.

ووقع على البروتوكول مع أوغندا أيضا رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد، ورئيس قوات الدفاع الوطني البورندي بريم نيونجابو.

وكان ذلك على هامش الاجتماع الأول للجنة العسكرية للبلدين، وقد قال المتحدث باسم الجيش المصري، العقيد تامر الرفاعي، إن "البرتوكول يهدف إلى التعاون في مجالات التدريب والتأهيل والعمليات المشتركة".

كذلك وقعت مصر وكينيا في 26 مايو/ آيار 2021، اتفاقية للتعاون الدفاعي في حضور كل من رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، ووزير الدفاع الكيني، ورئيس أركان الدفاع.

وفي 18 يونيو 2023، أصدر المتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبد الحافظ، بيانا يؤكد فيه توقيع وزير الدفاع (آنذاك) محمد زكي، مع نظيره الزامبي، مذكرة تفاهم في مجال التعاون والتدريب العسكري.

ووصف الأمر بأنه جاء وسط تعاظم الشراكات المصرية الإفريقية في السنوات الأخيرة.

حينها أكد وزير الدفاع المصري "حرص القوات المسلحة على زيادة أوجه التعاون والشراكة في مختلف المجالات العسكرية مع زامبيا".

بدوره، أعرب وزير دفاع زامبيا، عن تطلع بلاده إلى "تعزيز آفاق التعاون العسكري بين البلدين".

وجاءت تلك التحركات المكثفة لإثقال الدور المصري المتنامي، والذي يتخذ طابعا عسكريا وأمنيا ضمن إستراتيجية متقدمة ضد إثيوبيا من جهة، ولعودة مصر إلى محيطها الإفريقي من جهة أخرى. 

تنافس جيوسياسي 

وعلق الباحث المصري محمد ماهر عن دور المؤسسة العسكرية المتصاعد في إفريقيا، قائلا: "مصر تدرك جيدا أنها دفعت ثمن سنوات من الإخفاق غالية، وليس في عهدة السيسي فحسب، بل منذ عام 1995 عندما وقعت محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في إثيوبيا". 

وأضاف ماهر لـ"الاستقلال" أن "وقتها أدار مبارك ظهره لإفريقيا بكاملها سنوات طويلة، وساءت علاقته بالسودان، حتى مؤتمرات القمة الإفريقية لم يكن يفضل حضورها، وركز فقط على الامتداد العربي، وبالتالي خلقت فجوة قوية وكبيرة بين مصر وإفريقيا، عكس سنوات جمال عبد الناصر، أو حتى محمد أنور السادات الذي استمر إلى حد ما على نفس النهج". 

ولفت إلى أن "الدور العسكري المتنامي لمصر، جاء لأن الدولة تعيش تهديدا قويا غير مسبوق يمس أمنها المائي، وهو أمر يتجاوز جميع الخطوط الحمراء، وجعل المؤسسة العسكرية ترمي بثقلها، لأن التأخير سيفاقم الأمور". 

وأفاد ماهر بأن "الجيش المصري لم يكن بعيدا عن الأحداث، وأسهم في تمويل وتسليح جماعات مسلحة إثيوبية من جبهة تيغراي المعارضة، وهو ما نوه إليه آبي أحمد صراحة، بقوله إن جهات خارجية ساعدت على إشعال الحرب الأهلية في البلاد". 

واستطرد: "الوضع حاليا يشير إلى أن المنطقة وشرق إفريقيا بحوض النيل سيسقط في ظلال تنافس مصري إثيوبي لوقت طويل".

وتابع ماهر: "حتى سد النهضة، على أهميته الضاربة للأمن القومي المصري، فليس وحده الورقة الإستراتيجية العالقة بين مصر وإثيوبيا، بل هو نقطة مفصلية، ضمن محاور متعددة لتنافس جيوسياسي من الواضح أنه سيستمر طويلا، ويشمل ملفات منها الوصول إلى القرن الإفريقي ومحاولة تحجيم قناة السويس".