ميزة إستراتيجية.. هل تنجح تركيا في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا؟

منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

تسعى تركيا لإبرام اتفاق مع الحكومة الانتقالية في سوريا لترسيم الحدود البحرية بالمتوسط وفقا للقانون الدولي، وسط حديث عن تأثير ذلك على الأمن والاقتصاد الإقليمي.

ونشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب التركي، جهاد إسلام يلماز، قال فيه إن “سوريا دخلت في فترة حكم استبدادي استمرت حوالي 60 عاما بعد انقلاب حزب البعث عام 1963”.

وأضاف أنه "خلال هذه الحقبة عانت البلاد من سياسات القمع وانتهاكات حقوق الإنسان والظلم الاجتماعي، ولم يكن للشعب السوري مجال للتعبير عن مطالبه الديمقراطية بسبب القبضة الحديدية والسياسات الاستبدادية التي فرضها النظام". 

إعادة البناء

ولفت يلماز إلى أن "نظام البعث اعتمد على آليات قمعية شملت إسكات المعارضة وقمع الحركات الاجتماعية بالقوة، مما أدى إلى حالة من الركود السياسي والاجتماعي”. 

لاحقا، وفي أعقاب اندلاع الربيع العربي أواخر عام 2010، شهدت سوريا موجة من الحركات الشعبية التي هزت أساسات النظام القائم. 

وقد أسهمت هذه الحركات في زعزعة الوضع الراهن وأضعفت أركان "نظام البعث"، مما مهد الطريق للتغيير، بحسب يلماز.

واستطرد: “في هذه الفترة الحرجة، برزت تركيا كلاعب رئيس بفضل سياساتها الخارجية الحازمة والمبدئية، فمنذ الأيام الأولى للأزمة السورية، وقفت أنقرة إلى جانب الشعب السوري وأثارت سياسات النظام القمعية بشكل مستمر على الساحة الدولية”. 

واستدرك يلماز: “غير أنه مع عدم كفاية الجهود الدبلوماسية لإيجاد الحل، لجأت تركيا إلى سياسات المساعدة الإنسانية والأمنية، واليوم بعد انهيار نظام البعث دخلت سوريا مرحلة إعادة الإعمار”. 

وأكد أنه “خلال هذه المرحلة تصرفت تركيا بروح المسؤولية التي تفرضها العلاقات الثقافية والتاريخية، إضافة إلى علاقات الجوار”.

وتابع الكاتب: "تلعب تركيا دورا رائدا في إعادة بناء سوريا من خلال مؤسسات مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، حيث إن هذه الشراكة لا تستهدف إعادة بناء البنية التحتية فحسب، بل تهدف أيضا إلى إعادة بناء النظام الاجتماعي".

واسترسل: “من خلال سياساتها الإقليمية والدولية أظهرت تركيا التزاما بمبادئ المسؤولية والريادة، ونجحت في تقديم نموذج لقوة إقليمية تعمل بروح المبادرة والتعاون لتحقيق الاستقرار والعدالة”.

القيادة والقوة

وقال يلماز إن "اتفاقيات تحديد المناطق البحرية هي أطر قانونية أساسية في القانون الدولي البحري، حيث تهدف إلى تحديد السيادة والحقوق الاقتصادية للدول، وتضمن توضيح الحدود البحرية وتقاسم الموارد بشكل عادل لتعزيز الاستقرار الإقليمي". 

وتعد اتفاقيات الولاية البحرية وثائق إستراتيجية تشكل أساس العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدان خاصة في المناطق الغنية بموارد الطاقة.

ومن بين المفاهيم الرئيسة في هذا السياق، هو مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهي منطقة تمتد حتى 200 ميل بحري من سواحل الدولة، وتمنحها حقوقا اقتصادية لاستغلال موارد قاع البحر وعموده المائي. 

وتشمل هذه الحقوق أنشطة مثل الصيد واستكشاف موارد الطاقة واستغلالها. 

وتساعد المنطقة الاقتصادية الخالصة على إدارة الفوائد الاقتصادية المستمدة من البحر بشكل مستدام، مع احترام حق المرور الحر للدول الأخرى وفقا للقانون الدولي.

وأردف الكاتب التركي: “لطالما كان شرق البحر المتوسط محورا لصراعات إقليمية ودولية بسبب ثرائه بمصادر الهيدروكربونات”. 

وقد زادت هذه التوترات مع المطالبات البحرية القصوى التي طرحتها اليونان والإدارة القبرصية اليونانية، ما دفع تركيا إلى تبني موقف قوي وحازم. 

ففي إطار عقيدة "الوطن الأزرق" (المياه التركية)، أكدت تركيا التزامها بحماية الجرف القاري الخاص بها وحقوق جمهورية شمال قبرص التركية، بحسب يلماز.

وأضاف أن "تركيا أبرمت اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية عام 2019، حيث غيّرت هذه الاتفاقية موازين القوى في المنطقة بشكل جذري، وعززت مكانة تركيا كقوة إقليمية". 

وأدى الاتفاق إلى إنشاء ممر بحري تركي-ليبي، مما سهل الوصول إلى موارد الطاقة في المنطقة وعزز القوة الاقتصادية والإستراتيجية لتركيا.

قوة إقليمية

ولفت الكاتب النظر إلى أن "تركيا لا تتحرك في شرق البحر المتوسط كدولة ساحلية فقط، بل كقوة إقليمية تقود التوازنات". 

وذكر أنه “بعد توقيع الاتفاقية مع ليبيا، أصبحت حقوق تركيا في موارد الطاقة أكثر وضوحا على الساحة الدولية، ومن خلال هذه الاتفاقية وجهت رسالة قوية إلى الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة”.

وشدد على أن “تركيا أثبتت أنها لاعب رئيس يسهم في تشكيل ديناميكيات شرق البحر المتوسط”.

وقال يلماز إن "الاتفاقية المرتقبة لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا تشكل خطوة تاريخية قد تعيد رسم العلاقات بين البلدين وتغير موازين القوى في شرق البحر المتوسط لصالح تركيا". 

وأوضح أن "هذه الخطوة ليست مجرد إجراء دبلوماسي، بل هي تحرك إستراتيجي يهدف إلى تعزيز المكانة الجيوسياسية لتركيا في المنطقة وتقديم فرص اقتصادية هامة".

ورأى أن "الاتفاقية تتيح لتركيا فرصة توسيع حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، ما يفتح المجال لاستكشاف واستغلال موارد الطاقة مثل الغاز الطبيعي والنفط، ويُتوقع أن يسهم الاستغلال الفعّال لهذه الموارد في تعزيز الاقتصاد التركي بشكل كبير على المدى البعيد". 

علاوة على ذلك، يمكن للاتفاقية أن تجعل تركيا مركزا محوريا لطرق نقل الطاقة في المنطقة، مما يعزز دورها كدولة رئيسة في تأمين الطاقة ونقلها.

إلى جانب الفوائد الاقتصادية، يحمل الاتفاق بعدا دبلوماسيا مهما؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الثقة بين تركيا وسوريا وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي. 

كما سيعزز أيضا القوة التفاوضية لتركيا على الساحة الدولية، ويمنحها ميزة إستراتيجية في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى.

وختم الكاتب مقاله قائلا إن "الاتفاقية المرتقبة بين تركيا وسوريا ليست مجرد ترسيم حدود بحرية، بل هي نقطة تحول قد تعزز الأمن والاستقرار الإقليمي، وتمنح تركيا دورا رياديا في مجال الطاقة والاقتصاد والدبلوماسية في شرق البحر المتوسط".