ضغط مقصود.. ما أهداف إيران الحقيقية من توسيع نفوذها بالقارة الإفريقية؟
احتل شرق إفريقيا مكانة مركزية في جولة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الإفريقية في يوليو/ تموز 2023، حيث حطت طائرته في كينيا وأوغندا قبل أن تتوجه نحو محطتها الأخيرة في زيمبابوي، في أول جولة من نوعها لرئيس إيراني منذ أكثر من 10 سنوات.
وفي هذا السياق، نشر مركز الدراسات الإيرانية "إيرام" مقالا للكاتب التركي "أورال توغا" ذكر فيه أن اهتمام إيران بإفريقيا مستمر ولم ينقطع منذ الثورة الإسلامية رغم كل التحديات.
السياسة تجاه إفريقيا
وقال المركز التركي إنه خلال الـ45 سنة الماضية بعد الثورة، تغير العديد من الأمور سواء في السياق العالمي أو في السياق الخاص بالقارة الإفريقية أو في السياق الداخلي لإيران، ومع ذلك استمرت المبادئ الأساسية للسياسة الإيرانية دون أن تفقد وجودها.
وأضاف: تتميز سياسات إيران في إفريقيا بتعدد الأبعاد، وتهدف بشكل عام إلى تعزيز الموقف الجيوسياسي للبلاد وإنشاء وجود يدعم أهداف سياستها الخارجية.
حيث تهدف إيران إلى إخراج نفسها من العزلة من خلال إظهار قوتها وتأثيرها كقوة لا تقتصر على المستوى الإقليمي، بل تمتد إلى مجالات أخرى.
وتسعى إيران أيضا لتحقيق مكاسب سياسية من خلال ممارسة الضغط على منافسيها، خاصة الولايات المتحدة، في مناطق جغرافية أخرى.
بالإضافة إلى كسر تأثير العقوبات المفروضة عليها من خلال تحقيق مكاسب اقتصادية، وتشكيل تحالفات لتحييد سياسة العزلة السياسية التي تستهدفها.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية تطبق إيران بعض السياسات على المستوى التكتيكي. فغالباً ما تحدد إيران المشاكل التي يعاني منها البلد المستهدف وتقدم مقترحات ملموسة وفقا لذلك.
وبالإضافة إلى مقترحات البنية التحتية ونقل التكنولوجيا، تحاول أيضا بناء علاقات من خلال التبادلات الدبلوماسية والسياسية والأمنية والبحرية والصحية والتعليمية والتجارية والثقافية المتكررة.
وبدأت إيران، التي تستخدم عموما أدوات القوة الصلبة والناعمة معا، في اتخاذ خطوات أكثر جدية وكثافة نحو توسيع الهيكل الذي تصورته على أنه "محور المقاومة" خاصةً بعد اغتيال قاسم سليماني.
وقد دفع ذلك إيران إلى اللجوء إلى إفريقيا لتأسيس وجود أقوى مع القوى الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في إفريقيا.
ومن هنا تهدف سياسة "التوجه نحو إفريقيا" التي تنتهجها إيران إلى توسيع مجال النفوذ الجغرافي للبلاد في جميع أنحاء القارة.
وتحقيقا لهذه الغاية تولى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مهمة القيام بعمليات عبر الحدود. وقد حدد فيلق القدس حوالي ست نقاط جديدة في إفريقيا حيث يدور القتال فيها.
وفي وقت لاحق قام إسماعيل قاآني، الذي تولى منصبه بعد سليماني وتلقى تعليمات من المرشد الأعلى علي خامنئي "بنقل العمق الاستراتيجي للبلاد إلى ما وراء الشرق الأوسط وإلى إفريقيا"، بتعبئة هذه القوات والشروع في أنشطة لتوسيع محور المقاومة.
والوحدات العاملة تحت لواء فيلق القدس تسهم في تعزيز النفوذ الاستراتيجي الإيراني في إفريقيا، وذلك من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة التي تشمل كلا من تهريب الأسلحة وتهريب النفط وتزويد الجماعات الإرهابية بالأسلحة.
وتعود أنشطة القوة الناعمة الإيرانية في القارة إلى أبعد من ذلك بكثير. فمنذ الثورة تقوم إيران بهذه الأنشطة من خلال مؤسسات رئيسة مثل الهلال الأحمر الإيراني ووزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية وهيئة الثقافة والاتصال الإسلامي وجامعة المصطفى.
وبالإضافة إلى هذه المؤسسات هناك مجموعات برلمانية دولية ورابطات صداقة وغرف تجارية ومنظمات خيرية ومدارس دينية وجامعات.
مستويات المقاربة
وشدد المركز التركي على أن جمهورية إيران الإسلامية هي دولة تقوم على أسس أيديولوجية وتبني سياساتها ومؤسساتها على هذه الأسس.
ويُنظر إلى الدستور الإيراني على أنه يقوم على مبدأ التمييز بين المُستَضعَفين والمستكبرين. وتزعم إيران بأنها تساند المستضعفين في مواجهة المستكبرين.
ويتم التأكيد على هذا الموضوع في الدستور الإيراني، حيث يتم الاعتراف بحقوق الإنسان والعدالة والحرية على مستوى البشرية جمعاء.
وترى إيران أن الثورة هي الحل للمجموعات الأخرى، بل وتقدّم ثورتها كنموذج للتغيير في المجتمعات الأخرى.
وأشار المركز إلى أنه عندما ننظر إلى القضية في إفريقيا نرى أن إيران قد عززت اتصالاتها مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على ثلاثة مستويات.
في المستوى الأول، إذا كانت الجهة المعنية غير مسلمة أو إذا كانت هذه الجماعات هي الأكثرية في البلد، فإن إيران تقدم مساعدات إنسانية وتقدم عروضًا تلبي احتياجات هذه الجهة وتستهدف جذبها.
ويشمل ذلك نقل التكنولوجيا والاتفاقيات الاقتصادية وإنشاء المستشفيات ودور الأيتام والأنشطة التعليمية وبرامج تبادل الطلاب وتجارة الأسلحة وما إلى ذلك.
وفي المستوى الثاني، إذا كانت الجهة المعنية مسلمة ولكن ليست شيعية فيتم التركيز على تعزيز الوحدة.
وبناء على ذلك، يتم التأكيد على أن "الاختلافات المذهبية ليس لها أهمية" وأنه يجب "محاربة أعداء الإسلام معًا" وأن "جمهورية إيران الإسلامية ستكون إلى جانب المسلمين وتقدم المساعدة لهم في جميع أنحاء العالم".
أما في المستوى الثالث يتم النظر إلى أنه إذا كانت الجهة المعنية شيعية، فإنها تسعى لبناء قوة نائبة ضمن محور المقاومة.
فإذا كانت هذه الجماعات تتمتع ببنية مركزية قوية في إطار دولة، فإنها تقوم بأنشطة الدعاية وتسعى لكسب المجال.
وإذا كانت المجموعات الشيعية تحت مظلة دولة ضعيفة، يتم اتباع منهج يعمل على تعزيزها بالأسلحة والمعدات العسكرية.
القضية الفلسطينية
وأوضح المركز التركي أن قضية فلسطين تلعب دورًا مهمًا في أنشطة الدعاية لإيران. فاختيار اسم "فيلق القدس" للوحدة التي تقوم بالعمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني بالطبع ليس محض صدفة.
حيث يخلق ما يحدث في فلسطين أرضية خصبة لتأكيد وجود هيكل "محور المقاومة" وتأسيس دور إيران على أساس شرعي.
لذلك، فإن هذه الجماعات الإيرانية لا ترغب بوجود أطراف أخرى مثل تركيا تتدخل في قضية فلسطين وتسرق منها الأضواء.
ووفقا لهذه الدعاية تُعِد إيران الدولةَ الوحيدة التي تتخذ خطوات ملموسة في قضية فلسطين.
حيث إنها تتحرك بردة الفعل المسلمة وليست تحت سيطرة الغرب مثل قادة وحكومات الدول "المسلمة المزعومة" الأخرى التي لا يمكنها اتخاذ قراراتها بحرية.
حيث إنه لا يمكن لهذه الدول المسلمة التي تخضع للغرب أن تكون أكثر فعالية من إيران في قضية فلسطين، وما يظهر هو مجرد عرض كلامي.
فمن خلال هذا الخطاب تهدف إيران إلى التأثير على السكان المسلمين وتوسيع قاعدتها ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضا في إفريقيا.
وذكر أن تصرفات إيران اجتذبت ردود فعل سلبية بقدر ما وجدت مؤيدين في القارة.
وتابع: تشهد إيران توترات دبلوماسية مع العديد من الدول، خاصة بسبب العلاقات التي طورتها مع الجهات الفاعلة غير الحكومية.
حيث كانت لديها مشاكل خطيرة مع بلدان مثل المغرب والسودان وغامبيا في هذه العملية، لكنها تمكّنت من إعادة العلاقات مع بعضها. ومع ذلك وكما هو الحال في المغرب، لا تزال العلاقات مع بعض البلدان مقطوعة.
وختم المركز التركي بالقول: لم تتخل إيران عن أهدافها الإستراتيجية لمدة 45 عاماً على الرغم من التغيرات الدورية المختلفة.
وتماشيا مع هذه الأهداف ترغب إيران في توسيع الحدود الجغرافية لما تسميه "محور المقاومة" وزيادة إبراز قوتها من خلال نشرها في إفريقيا وأميركا الجنوبية.