معركتنا مع الاستبداد

12

طباعة

مشاركة


منذ أكثر من مئة عام أكد عبدالرحمن الكواكبي على ان مكمن داء الأمة هو الاستبداد لأنه بمثابة الفيروس الذي يعطل عمل جميع مكوناتها ولاشك أن تاريخ المنطقة العربية منذ الاستقلال يؤكد ذلك حيث ان الأنظمة التي حكمت المنطقة سواء كانت وراثية أو جمهورية قد اخفقت في تحقيق التنمية والأمن لأن همها لم يكن تحرير شعوبها وتفعيل طاقاتها وانما كان جل همها السيطرة على هذه الشعوب وعدم السماح لها بممارسة دور الشريك، وقد جاءت احداث الربيع العربي وما تبعها من ثورات مضادة لتؤكد هذه الحقيقية.

وقد اشار الكواكبي الى ثلاثة منطلقات رئيسية لابد من فهمها وانزالها على أرض الواقع والتدرج في العمل عليها من اجل تفكيك هذا الداء ، وهذه المنطلقات التي اشار اليها هي ترسيخ الوعي بالواقع ، والعمل الجمعي لتغيير موازين القوى مع النظام الاستبدادي ، واخيرا بلورة نموذجا بديلا للنظام القائم ، وسنحاول في هذه الفقرات ان نتحدث عن كل من هذه المنطلقات على ضوء واقعنا المعارصر مع التطبيق على احداث الربيع العربي ، وسيكون حديثنا عاما ومختصرا .

الوعي شرط اساسي لنجاح التغيير والحفاظ عليه ، فالوعي المطلوب في ظل معطيات عالمنا العربي اليوم هو تحرير الشعوب من التضليل وتشويه الحقائق الذي يقوم به الأعلام الرسمي لأنظمة الاستبداد حتى ينكشف واقع هذه الأنظمة على حقيقته القبيحة من غير مساحيق تجمله ، اما النخب فان الوعي المطلوب منها يتعدى الوعي الشعبي الى الوعي في فقه التوافق وقبول الآخر وعدم الأقصاء، وقد ادى غياب الوعي لدى كل من عموم الناس والنخب خلال الربيع العربي الى ظهور الثورات المضادة واجهاض ثورات الربيع العربي لأن الحكومات العربية تمكنت من تفتيت جبهة الثوار عبر وصم المعارضين بالأرهاب واستخدام الورقة الطائفية وشراء الولاءات باموال النفط .

غير ان الوعي هو تمهيد لما بعده وهو العمل الجمعي الذي تحاول فيه مكونات المجتمع باطيافها ان توجد كتلة حرجة تمثل قوة ضاغطة على النظام القائم لأحداث تغيير في موازين القوى معه تكون نتيجتها تغيرات جذرية في هذا النظام او ترحيله . وهنا لابد من التأكيد على اهمية العمل السلمي لأن اي صورة من صور العنف يمارسها الأحرار خاصة في المراحل الأولى تكون مبررا للنظام لأستخدام العنف وكسب المعركة لأنه يملك قوة مادية وكذلك تأييد شعبي واسع نتيجة لنقص الوعي او الخوف او الحاجه ، وبالتالي فان المطلوب من الأحرار التزام العمل السلمي الذي تتفاوت ادواته من المنشور والمحاضرة الى الأعتصام والعصيان المدني، وهو كذلك اسلوب فاعل كذلك لبناء قاعدة شعبية واسعة ضد النظام.

ولكن تحقق كل من الوعي والعمل الجماعي ثم اسقاط او تفكيك النظام المستبد لا يكفيان عن وجود رؤية بين الأحرار بكل اطيافهم لطبيعة النظام الذي سيحل محل النظام السابق ، وهنا كان المطب الأكبر في ثورات الربيع العربي حيث ان الثوار تمكنوا في أكثر من دولة عربية من اسقاط رأس النظام ولكنهم اختلفوا بعد ذلك على خارطة الطريق للسير قدما فاوجدوا ثقرة في جبهتهم دخلت عبرها الثورة المضادة ثم اجهضت عملية التغيير .

فالثورات تعتمد على تعبئية الشعوب من قبل النخب ولكن الشعوب هي أشبه بالسيل الجارف الذي اذا لم توجد له قنوات للأستفادة منه فانه يتحول الى قوة مدمرة ، وهذا ما حصل في الربيع العربي حيث تمكنت النخب من تحريك الشارع واسقطت بعض الأنظمة ولكن خلافها بعد ذلك ضيع عليها فرصة بناء مؤسسسات بديله وكان الأجدر بها ان تحتكم على صناديق الأقتراع كآلية لحل خلافاتها ولبناء ثقافة التوافق وتعميقها مع مرور الوقت ، غير انها اختارت الطرق القصيرة فعادت الى التحلف مع الجيش او بقية القوى لضرب بعضها البعض فخسرت حراكها. باختصار اذن معركتنا هي ليست دينية او طائفية او مناطقية وانما هي معركة مع الأستبداد واستبداله بنظم حرة لأ تقصي احد وتعتمد صناديق الأقتراع كوسيلة لحل الخلافات وتعميق مسار النهضة.     

الكلمات المفتاحية