اعتداء على المحجبات وخمر بالمساجد.. هكذا تطارد حملة الكراهية المتدينين الأتراك

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

وسط مزاج شعبي محتقن وحالة عنصرية تنتشر كالنار في الهشيم، دخل شاب قومي تركي أحد الجوامع، وشرب الخمر بداخله، متحديا مشاعر ملايين المسلمين الأتراك. 

ثم نشر في 15 سبتمبر/أيلول 2023، صورة زجاجة الخمر قبالة "القبلة والمنبر"، على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، وغرد "أتاتورك أكبر".

ودعا هذا الشاب السلطات للبحث في كاميرات 3200 مسجد في عموم البلاد، للقبض عليه إن استطاعوا، وفق تعبيره.

مرت ساعات قليلة وقبضت الشرطة على الناشط القومي، ونشرت صوره وهو مقيد في طريقه إلى السجن، وعم الغضب والاستهجان مواقع التواصل، التي عدت الحادثة مؤشرا خطيرا لموجة كراهية باتت تستهدف المتدينين الأتراك. 

خاصة وأن حوادث الهجوم والاعتداء على المحجبات لفظيا أو جسديا تتصاعد، مع دعوات لعودة تركيا لميراثها القديم، عند بداية تأسيس الجمهورية، عندما اتخذت نهج العلمانية المعادية لجميع مظاهر الدين، لاسيما تحت مظلة حكومات حزب الشعب الجمهوري المعارض.

وتطرح التساؤلات نفسها عن هذه الحالة المستشرية، التي تهدد نسيج المجتمع إضافة إلى كراهية الأجانب والاعتداء على اللاجئين والسياح، وكيف سيواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك التحدي في مستهل فترة ولايته الثالثة؟ 

السعودية واليونان 

في 20 أغسطس/آب 2023، كانت سيدة تركية محجبة تستقل حافلة عامة في ولاية كوجالي المتاخمة لإسطنبول، قبل أن تفاجأ بهجوم لفظي من سيدة عنصرية تقول لها: "من أين أنت؟ لا أحد يعيش بهذا الشكل هنا في جمهورية تركيا، اذهبي إلى مكان آخر".

لتتحول الرحلة إلى معركة سجال كلامية عندما تدخل أشخاص وطالبوا المعتدية بالصمت.

ووجه لها أحد الركاب حديثا لاذعا قائلا: هل تستطيعين ترك هذه الوقاحة؟ ما مشكلتك إذا كانت محجبة أم لا؟ هل أحضر الشرطة، اخرسي والزمي حدك". 

ثم تدخلت سيدة أخرى كانت شاهدة على الموقف، وقالت للمرأة العنصرية: "هنا تركيا، نرتدي فيها ما نريد، اذهبي إلى اليونان إن لم تكوني سعيدة". 

بعدها أعلن محافظ كوجايلي "سيدار يافوز"، أن السلطات تعرفت على هوية المرأة التي وجهت إهانات إلى أخرى عن طريق لباسها.

وأضاف أنه "سيجري اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدها"، ثم ختم عبر "إكس" بالقول "نحن ملتزمون بحماية الحقوق والحريات الفردية".

وذكرت "وكالة الأناضول" التركية الرسمية، أن الشرطة اعتقلت المتهمة بعد تداول الفيديو على نطاق واسع، للتحقيق معها. 

 

اعتداء في الشارع

هذه الحادثة التي انتشرت بقوة في وسائل الإعلام التركية لم تكن عابرة، فقبلها بيوم وتحديدا في 19 أغسطس، وداخل حافلة أيضا في حي "بيشكتاش" بمدينة إسطنبول تصدى شاب لامرأة عنصرية كانت تهاجم سيدة تركية محجبة. 

وقالت المرأة للمحجبة: "اذهبوا إلى السعودية واركبوا الجمال"، فرد عليها الشاب: "وأنت اذهبي إلى اليونان واركبي القوارب".

ثم اعتدت المرأة على الشاب ووصفته بأنه "عديم التربية" وضربت هاتفه فطرحته أرضا.

ووقعت حادثة مشابهة في 31 أغسطس عندما دافع شاب تركي عن سيدة محجبة في مترو الأنفاق بإسطنبول، وذلك بعد تعرضها لهجوم من قبل سيدة علمانية حاولت خلع حجابها.

ثم اشتبكت المرأة مع الشاب يدويا، لأنه أوقفها وقال لها "أمي أيضا ترتدي الحجاب، ولا تتدخلي في لباس الآخرين". 

وفي 14 سبتمبر 2023، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر امرأة وهي تتشاجر مع سيدة محجبة، ثم لاحقت أخرى كانت تسير مع طفلتها في الشارع، في محاولة منها لنزع حجابهما.

وأورد موقع "هابرلار" التركي أن الواقعة حدثت في منطقة "اسنيورت" بإسطنبول، واعتقلت قوات الشرطة المرأة المهاجمة وفتحت تحقيقا، وبدأت في إجراءات التقاضي. 

 

أردوغان يتدخل 

وعلى وقع تلك الحوادث التي بدت كظاهرة عامة، تدخل الرئيس أردوغان بتصريحات صارمة في 5 سبتمبر.

إذ هاجم من وصفهم بـ"أصحاب العقلية الفاشية" في استهداف المواطنين الأتراك على خلفية انتماءاتهم الدينية، متوعدا بتوقيفهم أمام القضاء.

ثم غرد عقب اجتماع للحكومة التركية: "للأسف، بدأنا نواجه المزيد من الغطرسة في الحافلات العامة والمترو، والمحلات التجارية، وفي الطرق، لمضايقات مواطنينا".

وأضاف: "كل شخص في تركيا، سواء كان مواطنا يحمل الجنسية، أو أجنبيا، يحق له العيش بسلام والتعبير عن رأيه".

وأتبع: "بعض الأشخاص لكونهم أجانب، أو يتكلمون لغة أخرى، أو ملتحين، أو المحجبات، يتعرضون للتضييق والضرب لهذه الأسباب في تركيا، لم ولن نقبل بهذا أبدا، وسنحاسبهم".

وأوضح "إنهم يحاولون حرف المجالات التي ينبغي أن توحدنا جميعا، حول قيمنا وأفراحنا، وفخرنا المشترك، مثل الثقافة والفنون والرياضة، إلى أدوات للانهزامية".

وشدد: "يبدو أنهم لم يتعملوا من الانتخابات الرئاسية، وأن عصر الظالمين الذين يرون هذا البلد ملكا لحفنة قليلة، وهذه الأمة عبيدا لهم، قد انتهى".

تاريخ مؤلم 

رغم أن 94 بالمئة من الأتراك يعدون أنفسهم متدينين ومؤمنين بالله وفق الدين الإسلامي، بحسب دراسة أعدتها جامعة مرمرة التركية في 21 مارس/ آذار 2023، تمتلك تركيا تاريخا مؤلما مع الحريات الدينية. 

ففي 28 فبراير/ شباط 1997، وقع انقلاب المذكرة العسكرية، أو ما يطلقون عليه "انقلاب ما بعد الحداثة"، الذي بدا كأنه إجراء احترازي لحماية العلمانية.

وقتها تمت الإطاحة برئيس حزب الرفاه والزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان، الذي كان يتولى رئاسة الوزراء في حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر.

أما سدنة ذلك الانقلاب من الجنرالات بقيادة الأدميرال سالم درفيس أوغلو، والجنرالات إلهان كليتش، وأحمد توركتشي فقد بلغوا من الكبر عتيا.

واقترف هؤلاء جرائم إسقاط السلطة المنتخبة، ووأد الحياة الديمقراطية، وتهديد السلم العام.

ومن القرارات التي أجبر أربكان على التوقيع عليها، وكانت تهدف إلى الحفاظ على علمانية الدولة وتحجيم المظاهر الدينية، أن يتم حظر صارم للحجاب في الجامعات.

هذا إضافة إلى إغلاق مدارس تحفيظ القرآن، وإلغاء مدارس الطرق الصوفية، وفصل جميع الضباط ذوي الاتجاهات الدينية.

متغيرات مهمة 

لكن ما هي إلا سنوات قليلة، حتى حل عام 2002 وانتفض "التيار الإصلاحي" محاولا استعادة زمام الأمور، وخرج من رحم الضربة السابقة، حزب ذو تركيبة محافظة فرض سطوته على الحياة التركية وحكم البلاد أكثر من عقدين من الزمن، وهو حزب "العدالة والتنمية" بقيادة أردوغان.

نجح حزب العدالة والتنمية في اختراق حصون العلمانية على شكلها القديم التي أقامتها الطبقة العسكرية.

وأنهى الحزب التغول على الحريات خاصة الدينية فيما يتعلق بمسألة الحجاب وحق المحجبات في التعليم والالتحاق بالوظائف الحكومية المختلفة.

 ثم أفسح المجال بشكل واسع أمام ممارسة المسلمين لشعائرهم بكل حرية من خلال التوسع في بناء المساجد وتدعيم دور رئاسة الشؤون الدينية في أداء مهمتها في الدعوة والتوجيه، والتصدي لأي استهداف للمقدسات الإسلامية والمحجبات.

وعلق الصحفي التركي عمر كزلجنار على تلك الحالة قائلا: "ما نراه اليوم هو جزء من تاريخ مؤسف عاشته الجمهورية التركية، كان لا يسمح فيه بالحجاب ولا حتى الصلاة والصوم، ولا أي مظهر من مظاهر الدين، كانوا ينظرون للفئة المتدينة تحديدا المحجبات بأنها فقيرة لا حق لها في التعليم ولا العمل". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "اليوم اجتازت تركيا بشكل كبير ذلك الماضي، وهذا ما يزعج العلمانيين وأصحاب الفكر المعادي للدين".

وبين أن أولئك "يستغلون هذه المسألة في صراعهم مع الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فهم يريدون دائما إشعال خلافات وصراعات على أساس الدين والهوية". 

وشدد الصحفي على أن "تركيا تتعرض لمؤامرة داخلية وخارجية تستهدف نسيجها المجتمعي، وتسعى إلى إحباط ما تم إنجازه في السنوات الماضية".

ومن هذا المنطلق "يجب على الحكومة التصدي بقوة لهذه السلوكيات، وعمل توعية في المدارس والجامعات"، وفق تقديره.

وتابع أنه "من الإيجابيات أيضا أن الذين يتصدون لمظاهر العنصرية ضد المتدينين والمحجبات هم المواطنون والناس العاديون، وهذا أمر لم يكن يحدث في الماضي".