الصين حاضرة.. كيف يظهر فتور العلاقات بين الرياض وواشنطن ملامح نظام عالمي جديد؟ 

12

طباعة

مشاركة

في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، كان أبرز تداعياتها فك الارتباط الأميركي التدريجي من الشرق الأوسط بعد أن لعب دورا كبيرا في توفير الأمن بالمنطقة.  

وفي هذا السياق تحدث معهد إيطالي عن ظهور بعض التصدعات في العلاقات الأميركية السعودية في العقد الأخير وذلك بعد شراكة إستراتيجية شبه كاملة طوال النصف الثاني من القرن العشرين.

كما أشار إلى نجاح الصين في استغلال هذه التصدعات وبناء علاقاتها في المنطقة مستغلة فك الارتباط الأميركي وتوتر العلاقات بين واشنطن والرياض.

وتساءل عن تفسير هذه الديناميكيات في ضوء اتفاق استعادة العلاقات بين إيران والسعودية بفضل الوساطة الصينية وكيف يمكن لهذه التطورات أن تؤثر على "الاعتراف السعودي المحتمل والوشيك بإسرائيل".

غروب شمس كوينسي

وألمح معهد "تحليل العلاقات الدولية" إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في فبراير/ شباط 1945 على متن الطراد كوينسي الذي نص على النفط مقابل توفير الأمن، قد مال إلى الغروب.

تحديدًا، يشرح بأن اتفاق 1945 شكل تحالفًا بين القوة الأميركية وأكبر منتج للنفط في العالم بالنظر  وكان الهدف من ورائه تأمين النفوذ الأساسي للتأثير على الأسواق العالمية.

وهكذا، في نهاية الثمانينيات، كان من السهل على إدارة  الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إقناع العائلة المالكة السعودية بزيادة إنتاج النفط والغاز بهدف المساهمة في خفض السعر وبالتالي توجيه ضربة قوية للاقتصاد السوفيتي.

لكن في السنوات الأخيرة، بحسب المصدر، تدهورت العلاقة بين البلدين نتيجة اتهامات بدعم التطرف والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وكذلك فك الارتباط الأميركي التدريجي من المنطقة بعد أن لعب دورا في توفير الأمن. 

فيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، أشار المعهد إلى الهجمات على آبار النفط التابعة لشركة أرامكو في بقيق وخريص  وما أعقبها "من رد فعل خجول من إدارة ترامب ومنذ تلك اللحظة، حاول نظام آل سعود تغيير سياسته الخارجية وموقفه من حليفه الغربي".

 وأضاف أن عاملا آخر أسهم أيضا في كل هذا، في إشارة إلى ما عده تطلع الصين بشكل متزايد إلى موارد الطاقة الخليجية من أجل دعم نموها الاقتصادي في حين باتت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا في تلبية احتياجاتها بفضل احتياطات النفط الصخري.

من جانبها، أرادت السعودية، في إطار خططها في تنفيذ مشاريعها في التنويع الاقتصادي في مرحلة ما بعد النفط، جذب المزيد والمزيد من الاستثمارات الصينية.

 واستنتج المعهد بذلك أن "منطقة الشرق الأوسط تبدو وكأنها الساحة التي تتشكل فيها هندسة عالم ما بعد القطب الواحد" على ضوء فتور في العلاقات بين الولايات المتحدة والنظام الملكي السعودي.

ويستشهد بما قاله الرئيس الحالي جو بايدن في حملته الانتخابية وذهابه إلى حد تعريف السعودية بأنها دولة منبوذة في السياسة العالمية.

تأثير حرب أوكرانيا

استدرك المعهد الإيطالي بأن اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما خلفه من عواقب كارثية على أسعار الوقود في الأسواق العالمية، كان سبباً في إعادة تعريف التوازنات.

وخلافاً لما حدث في سنوات الحرب الباردة، يذكر أن طلب الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط قوبل برفض سعودي. 

والتحليل السطحي، بحسب المعهد، "قد يرى في كل ذلك حقداً بسيطاً على إدارة بايدن وتصريحاتها غير الدبلوماسية خلال الحملة الانتخابية".

 ويشرح بأن الرياض انخرطت في عملية إزالة الكربون التدريجية التي يفرضها التحول البيئي في إطار رؤية 2030. 

لذلك، يفسر بأن الإبقاء على ارتفاع سعر برميل النفط يصبح وسيلة لتحقيق عائدات كبيرة وجمع الأموال الضرورية لعملية التنويع الاقتصادي التي تتطلب تكاليف كبيرة. 

الحدث الآخر الذي أثار ضجة خاصة، يشير المصدر ذاته إلى الاتفاق استئناف العلاقات السعودية الإيرانية الذي جرى التوصل إليه بفضل الوساطة الصينية. 

وبحسب تحليله، ما يسهل هذا التقارب حقيقة أن "الصين على عكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية، غير مبالية بقضايا مثل احترام حقوق الإنسان التي تخص السياسة الداخلية لشركائها". 

 كما يؤكد على دور الصين المذكور آنفاً كمستثمر في الخليج والمشتري الرئيس للنفط والغاز في المنطقة دون نسيان حضور بكين القوي في إيران.

 وبهذه الطريقة، يمكن للمملكة العربية السعودية، وفق افتراضه، في صورة قيام النظام الإيراني بخرق الاتفاقيات من خلال مهاجمة المصالح السعودية في المنطقة، أن تلجأ إلى الصين من خلال ابتزازها بالطاقة.

 والأخيرة، بدورها، سيكون لديها الفرصة لمعاقبة طهران، التي، من بين أمور أخرى، معزولة بسبب العقوبات الغربية وبالتالي أكثر "حساسية" للضغوط من بكين، على حد تحليله.

طموحات وتحديات

كذلك أشار المعهد الايطالي إلى رغبة السعودية في امتلاك محطات لإنتاج الطاقة النووية لاستخدامها في الأغراض المدنية.

وجزم بالقول إنه "إذا صح أن هذا الطموح جزء من طموحات رؤية 2030، فقد يخفي أيضاً الرغبة في الحصول على السلاح النووي عاجلا أم آجلا وهذا أيضا نتيجة لاحتمال تحقيق إيران لهذا الهدف".

ويضيف أنه إلى جانب "انفتاح الأميركيين من ناحية، على هذا الاحتمال في محاولة لإبقاء النظام الملكي في دائرة نفوذهم، يجب من ناحية أخرى الأخذ في  الاعتبار في هذا الصدد عدم الثقة في إسرائيل الحليف التاريخي للولايات المتحدة". 

وتابع أن "الانفتاح على مثل هذا السيناريو يعني في الواقع الانفصال نهائيًا عن عقيدة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحم بيغن، التي تشكل إحدى الركائز الأساسية للسياسة الأمنية الإسرائيلية".

وظهرت هذه العقيدة مع قرار بيغن بمهاجمة المفاعل العراقي “أوسيراك” عام 1981. ومنذ ذلك الحين يُنظر إلى هذه العقيدة على أنها المبدأ الأساسي لسياسة إسرائيل تجاه جهود جيرانها لتطوير أسلحة نووية. 

 وبهذا المعنى، يرجح المعهد الإيطالي أن تشترط إسرائيل مقابل توقيع اتفاقيات تطبيع علاقات مع الرياض، "التخلي عن طرح القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات مما يحبط محاولة أخرى للتوصل إلى حل سلام حقيقي في المنطقة". 

في هذا الإطار، يشير إلى أن عرض المساعدة المالية الذي قدمته الرياض أخيرا للسلطة الوطنية الفلسطينية قد يكون دليلا على هذا، خصوصا أنه قد يشكل محاولة لتشجيع التهدئة بين الجماعات الفلسطينية وإسرائيل أو أن يكون بمثابة تعويض ممنوح للشعب الفلسطيني.