تؤججها المعارضة ويحذر منها أردوغان.. كيف تهدد العنصرية ضد العرب اقتصاد تركيا؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

على اختلاف جنسياتهم، يعاني كثير من العرب في تركيا من موجة عنصرية لافتة، تستهدف وجودهم، بغض النظر إن كانوا نازحين قسرا أو سياحة أو مقيمين لأسباب سياسية أو اقتصادية.

حيث أصبحت ظاهرة استهداف العرب ملحوظة، وفي بعض الأحيان مخططا لها من قبل المعارضة التركية، خاصة في مدن الجذب السياحي مثل إسطنبول وطرابزون.

وذلك الأمر دفع رئيس البلاد رجب طيب أردوغان ووسائل إعلام تركية محلية للتحذير من استهداف الأجانب لا سيما العرب، لافتين إلى تداعيات تلك الموجة على اقتصاد البلاد، في ظل أزماته الراهنة.

اعتداءات مسيئة

فخلال الأشهر الأخيرة انتشرت مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي توثق مضايقات يتعرض لها سائحون عرب وخليجيون، وصفها البعض بالعنصرية.

وبدأت تظهر ملامح الأزمة قبيل الانتخابات التركية، التي انتهت في 28 مايو/ أيار 2023، بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان.

حينها تبنت المعارضة ووسائل الإعلام التابعة لها خطابا معاديا للأجانب والمهاجرين تحديدا السوريين.

وكانت الدعاية الأولى لعدد من مرشحي المعارضة، والورقة التي لوحوا بها لكسب الأصوات، ترتكز على التحريض ضد السوريين خاصة، والعرب عامة.

ورغم انتهاء الانتخابات لكن وقائع العنصرية والكراهية لم تنته، بل زادت حدتها، ووصلت إلى مرحلة خطيرة.

ومن أبرز وقائعها ما حدث لقاصر يمني عمره 14 عاما، بأحد المجمعات السكنية، في إسطنبول مطلع أغسطس/ آب 2023، عندما دخل في مشاجرة مع فتى تركي قريب من عمره.

لتتحول المشاجرة إلى اشتباك واسع تجمع فيه عدد من الأتراك أوسعوا القاصر اليمني ضربا، ما دفع أخاه إلى محاولة الدفاع عنه، فانهالوا عليه أيضا ضربا.

وأخذت الحادثة انتشارا واسعا في الأوساط العربية، وتدخلت الدولة التركية لاحتوائها لكنها لم تكن مجرد حادثة عابرة بل جاءت في سياق ظاهرة متفشية. 

بعدها في 10 أغسطس، انتشر مقطع لاشتباك لفظي بين سيدة خليجية وأخرى تركية داخل أحد مطاعم إسطنبول.

إذ قالت السيدة الخليجية: "إذا كنتم لا تريدوننا أغلقوا السياحة، إذا كان لديكم مشكلة اذهبوا للتحدث مع أردوغان، لا تتحدثوا معنا". 

وعبرت هذه التصريحات عن غضب السائحة من المضايقات التي تعرضت لها داخل المطعم.

لكن الحادثة الأكثر صعوبة بين تلك الوقائع هي التي وقعت يوم 20 أغسطس، عندما لفظ المغربي جمال دومان (57 عاما) أنفاسه الأخيرة بعد نقله إلى المستشفى في حالة حرجة.

وذلك إثر مشاجرة مع سائق تركي في إسطنبول، حيث لكمه الأخير ليسقط ويرتطم رأسه بالأرض، وهو ما أثار تفاعلا بمواقع التواصل الاجتماعي، وجدد الحديث عن تنامي العنصرية في تركيا تجاه العرب.

تدخل رسمي

وتدخلت عدة جهات تمثل العرب في تركيا لدى السلطات، لكبح جماح هذه الحالة المستشرية.

وفي 9 أغسطس، التقى المجلس الإسلامي السوري بالرئيس أردوغان، في المجمع الرئاسي بأنقرة، وتطرقوا إلى موضوع العنصرية والتجاوزات التي مورست خلال الفترة الماضية بحق اللاجئين السوريين.

وبحسب ما نشر المجلس على صفحته الرسمية بـ"فيسبوك"، فإن مفتي الجمهورية السورية ورئيس المجلس الشيخ أسامة الرفاعي إضافة إلى وفد من علماء طالبوا الرئيس باستخدام صلاحياته للحفاظ على الرصيد الأخلاقي لتركيا لدى العرب والمسلمين.

وبالفعل صرح أردوغان، خلال حفل تخريج ضباط أكاديمية الدرك وخفر السواحل التركية، في العاصمة أنقرة يوم 22 أغسطس، قائلا: "لا يمكننا أن نسمح للعنصرية وكراهية الأجانب، التي ليس لها مكان في تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا، بالانتشار في مجتمعنا". 

وشدد على أن "تركيا لن تسمح لعدد قليل من الجهلاء بتلطيخ السجل النظيف لتركيا التي كانت ملجأ للمضطهدين والمظلومين لعدة قرون".

من جانبه، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، في حديث متلفز لقناة "الجزيرة" القطرية في 25 أغسطس، أن حكومة بلاده لا يمكن أن تسمح بانتشار العنصرية وكراهية الأجانب في المجتمع".

وأضاف عند سؤاله عن الإجراءات المتبعة لوقف تلك الحالة ضد العرب سواء كانوا مقيمين أم سياحا أم لاجئين، فقال إن "المدعين العامين يتابعون الخطاب العنصري في إطار القانون".

وشدد على أنه لا مكان للعنصرية والكراهية في تاريخ وثقافة ومعتقدات الأتراك.

وأبدى يرلي كايا أسفه لوجود "بعض الأشخاص الهامشيين من أصحاب الأفكار الهامشية ممن يعلنون عداوتهم للأجانب".

وأوضح أن "هذه مشكلة، ومن غير الممكن أن نجعل الجميع يفكرون بالطريقة المثلى والجميلة".

وأكد وزير الداخلية التركي أن السلطات تراقب هؤلاء الأشخاص الهامشيين وتتابعهم، مستدركا بالقول: "لكن الأهم من ذلك أن المجتمع التركي لا يوليهم أهمية أو قيمة".

استثمارات كبيرة

وعلى مدار العقد الأخير مثلت تركيا الحاضنة الاجتماعية والسياسية لملايين العرب الذين توافدوا إليها عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، والاضطرابات التي حلت بأوطانهم. 

وفتحت بلاد الأناضول أبوابها للدراسة لعشرات الآلاف من الباحثين العراب داخل جامعاتها المتعددة، إضافة إلى هجرات طوعية لمستثمرين وآخرين توجهوا نحو شراء عقارات وعقد استثمارات، وقد أقاموا في البلاد بدافع الاستقرار أو الهجرة الدائمة. 

وبحسب تقدير الجمعية العربية في إسطنبول، بلغ عدد العرب المقيمين داخل تركيا حتى مارس/ آذار 2022 نحو 5 ملايين.

وعن حجم الاستثمارات العربية في تركيا، أوضح موقع "ترك برس" المحلي في 2 فبراير/ شباط 2020، أن قيمتها تُقدر بـ52 مليار دولار في الفترة من عام 2003 إلى 2020 بمتوسط 3 مليارات دولار في السنة المالية الواحدة.

وبالنسبة للاستثمارات المباشرة والاستحواذ على الشركات، قدر البنك المركزي التركي حصة دول الخليج باستثناء البحرين بنحو 9 بالمئة، من إجمالي الاستثمارات المباشرة في تركيا والبالغة 133 مليار دولار اعتبارا من عام 2018.

وتشير المعطيات إلى أن مساهمة الاستثمار العربي ارتفعت من 8 بالمئة من قيمة الاستثمارات الأجنبية الكلية عام 2016 إلى 16 بالمئة مع نهاية عام 2019.

وعلى صعيد السياحة، كشفت وزارة الثقافة والسياحة التركية في 18 يوليو/ تموز 2023، أن أكثر من 15 مليون شخص زاروا البلاد خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام.

وذكرت أن أكثر جنسية عربية وفدت إلى البلاد هم السعوديون الذين تجاوزوا عتبة النصف مليون سائح. 

وكان وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري أرصوي، أعلن في 27 يونيو/ حزيران 2023، أن السياحة هي "نفط" تركيا، موضحا أن هدفهم للعام الحالي تحقيق 56 مليار دولار من عائدات السياحة. 

تداعيات مكلفة

لكن الهدف الذي أعلنه الوزير في خطر بسبب المضايقات التي يتعرض لها السائح العربي، وحذرت صحيفة "تركيا" المحلية في 23 أغسطس من مغبة ما يحدث.

وأفادت بأن تصاعد العداء ضد العرب والتحريض العنصري، تسبب بخسائر بلغت نحو ملياري دولار للاقتصاد التركي.

وأرجعت أن نقل العديد من رجال الأعمال العرب أعمالهم إلى خارج البلاد أسهم بقوة في هذه الخسارة.

وأشارت إلى أن آثار معاداة العرب في تركيا أصبحت واضحة وقوية خلال الشهرين الأخيرين، حيث تأثرت القطاعات الاقتصادية المحلية المرتبطة بالشركات العربية، بشكل سلبي نتيجة للتوترات العنصرية والعدائية.

من جانبه، طالب الباحث بمركز "سيتا" التركي للدراسات إمرة كيغلي، الحكومة والبرلمان بإصدار تشريعات تردع الممارسات العنصرية عموما، وضد الأجانب خصوصا، لأنها تجاوزت الحد وتضر باقتصاد وسمعة تركيا على المستوى العالمي". 

وأضاف: "بعد فترة الاضطرابات والأزمات الاقتصادية في عقد التسعينيات خلال حكومات تانسو تشيلر وأحمد مسعود يلماز والانقلاب العسكري عام 1997، بدأت تركيا تفتح أفقها على العالم وتسعى لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان".

وقال: "من هنا تحولت إسطنبول وتركيا إلى قبلة للسائحين تحديدا العرب الذين يأتون بأعداد كبيرة، ويستثمرون بالمليارات في قطاعات مهمة كالأراضي والعقارات، وبالتالي فإن استهدافهم سيكبد البلاد خسائر فادحة، ويقضي على ما تحقق خلال 20 سنة وأكثر". 

ومضى كيغلي يقول: "ذلك لأن إستراتيجية الدولة منذ ذلك الوقت قامت على التواصل مع محيطها الإقليمي ومد الجسور للعالم العربي والإسلامي، وتبني سياسة (صفر مشكلات)، لتجاوز أخطاء الماضي، والقطيعة الطويلة التي تمت بين الأتراك والعرب".

إضافة أن تركيا ليست دولة عادية فهي من أهم وأكبر دول العالم الإسلامي، وهي صاحبة فكرة إنشاء مجموعة الثمانية في عهد رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، الذي أراد أن يحقق قوة واستقرارا اقتصاديا للدول الإسلامية، يوضح الباحث التركي.

وعلى هذا الأساس، يضيف كيغلي، تعد قضية التقارب مع المحيط المركزي الإقليمي والتاريخي لتركيا من مسائل الأمن القومي، وتبدأ تلك النقطة بتعضيد العلاقات مع الشعوب العربية والمسلمة، وهو ما يحدث بالسياحة والتعليم والتبادل الثقافي.

وتابع: "لذلك يجب أن تكون هناك إجراءات لحماية المجتمع التركي وحماية الوافد من هؤلاء الذين يثيرون النزعات العنصرية، ويعرضون الغير للمضايقات، فالسائح بسهولة يأخذ قراره ألا يأتي إلى تركيا مرة أخرى، ويتحول إلى وجهات أكثر راحة واستقرارا".