"البرازيل عادت".. هل يحقق الرئيس لولا دا سيلفا حلم شعبه بعد قمة "بريكس"؟
تتجه الأنظار نحو الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الذي ستكون جنوب إفريقيا الوجهة الدولية الـ17 له خلال نحو 8 أشهر من وصوله للرئاسة.
ويشارك دا سيلفا، في القمة الخامسة عشرة لبلدان مجموعة "بريكس" في الفترة بين 22 إلى 24 أغسطس/آب 2023.
وبريكس هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتينية (BRICS)، وهي بادئات حروف كل من دول روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وكذلك البرازيل.
توسيع النفوذ
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في نسختها البرتغالية: "خلف الكواليس، ينظر إلى الزيارة على أنها خطوة أخرى في مشروع طموح تتشارك في بنائه العديد من الأيدي البرازيلية؛ وهو توسيع نفوذ البرازيل في الساحة العالمية".
واعتبرت "بي بي سي برازيل" -النسخة البرتغالية- أن "العبارة التي قالها دا سيلفا في ديسمبر/ كانون الأول 2022، قبل توليه الحكم لفترة رئاسية ثالثة، على أنها التدشين الرسمي لهذا المشروع".
وخلال مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين للمناخ (COP27) في مصر، قال دا سيلفا: "أريد أن أقول إن البرازيل عادت".
ويبدو أن ركائز هذا المشروع قد حددت إجراءاتها ووسائلها خلال الأشهر القليلة الماضية، وفقا لما صرح به الخبراء الذين حاورتهم "بي بي سي برازيل".
وحسب رأيهم، فلا تزال جداول الأعمال التقليدية للدبلوماسية البرازيلية ذات الصلة في هذا الصدد قائمة، مثل إعادة صياغة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتغييرات في نظام الحوكمة العالمي.
لكنهم، مع ذلك، يشيرون إلى موضوعات أخرى أكثر حداثة، وباتت حاليا جزءا لا يتجزأ من خطة حكومة دا سيلفا لتوسيع نفوذ البرازيل في مسرح السياسة الدولية.
ولتحقيق هذا الهدف، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية بأن رهانات البرازيل الرئيسة هي، تقليل الاعتماد العالمي على عملة الدولار، وقيادة المناقشات التي تتعلق بالتغيرات المناخية، والقيام بدور الوسيط في الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا.
وفي هذا السياق، أشار الخبراء والمتخصصون والدبلوماسيون الذين قابلتهم الصحيفة، إلى أن المشهد الدولي الحالي "يضع أمام البرازيل عقبات متعددة، لكنه يمنحها فرصا كذلك".
ومن بين العقبات التي أوردها التقرير كمثال، تعقد الأزمة التي تورط فيها الروس والأوكرانيون بدرجة كبيرة.
لكن من بين الفرص المتاحة، هو أنه خلال فترة ولاية دا سيلفا، ستتاح للبرازيل فرصة رئاسة مجموعة دول "بريكس" ومجموعة العشرين ومجموعة "ميركوسور"، وهو ما يوفر للبلاد منصات متعددة تسمح لها بدفع أجندتها قدما للأمام.
ومجموعة ميركوسور هي اختصار لما يسمى بـ"السوق المشتركة الجنوبية"، وهو تكتل اقتصادي يجمع دول المخروط الجنوبي بأميركا اللاتينية.
ويتألف هذا التكلف بشكل رئيس من الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وباراغواي.
تحجيم الدولار
وفي هذا الإطار، قال أوليفر ستوينكيل، الأستاذ في مؤسسة جيتوليو فارجاس (FGV)، إن "هناك جهدا واضحا ينبئ عن الرغبة في توسيع دور البرازيل ونفوذها وتأثيرها في الساحة الدولية".
كذلك أكدت منسقة الدراسات البرازيلية "برنامج" في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، لورا ويسبيتش، على ذات المفهوم.
وأوضحت أن "هناك اندماجا أكبر للبرازيل في السياسة الخارجية، فهذه سمية مميزة بالنسبة للرئيس، وكذلك بالنسبة للأشخاص المرتبطين به".
ومن وجهة نظرها، يدرك الرئيس ودائرته المقربة أنه ستكون هناك حاجة لتغيير معايير الحوكمة العالمية.
وعزت ذلك إلى أن "نظرة هذه الدائرة مدركة أن قواعد الحوكمة العالمية التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية تستبعد دولا مثل البرازيل من أدوار أكثر صلة بالسياسة الدولية".
وأتبعت: "لذا، تُبذل جهود حاليا من أجل أن تكون هناك إصلاحات على جبهات مختلفة في هذا الصدد".
وشددت على أن "البرازيل بحاجة إلى اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه".
كما ذكر سابقا، فإن إحدى ركائز خطة الحكومة الحالية لتوسيع نفوذها الدولي سيكون من خلال العمل على تقليل الاعتماد العالمي على الدولار في المعاملات التجارية.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، أصبح الدولار العملة الأكثر استخداما في التجارة العالمية.
وهو ما يعني، عمليا، إلزام الدول والشركات بشراء الدولارات لتنفيذ معاملاتها.
وعقبت الهيئة البريطانية: "لكن في السنوات الأخيرة، بدأت دول مثل الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم حاليا، في قيادة حركة نحو استخدام عملات أخرى، بما في ذلك اليوان الصيني".
ولفتت إلى أن ذات القضية باتت موضوعا متكررا في خطابات الرئيس البرازيلي منذ بداية ولايته الجديدة.
وقال دا سيلفا في أحد خطاباته: "كل ليلة، أسأل نفسي لماذا تلتزم جميع الدول بالقيام بتجارتهم عبر الدولار؟ لماذا لا نقوم بتجارتنا عبر عملاتنا المحلية؟".
كان ذلك في شنغهاي، خلال زيارته إلى بنك التنمية الجديد (NDB)، المعروف أيضا باسم "بنك بريكس".
المناخ والوساطة
موضوع آخر أصبح جزءا من منصة توسيع النفوذ البرازيلي في العالم، هو جدول أعمال المناخ والبيئة.
وذكر التقرير أن دا سيلفا تحدث عن هذا الأمر بشكل واضح في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ المصرية، خلال ديسمبر/ كانون الأول 2022.
ووعد بالقضاء على عمليات إزالة الغابات في الأمازون بحلول عام 2030.
وقال إن حكومته "ستحاول التوفيق بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية".
الرهان الثالث الذي استشهد به الخبراء كجزء من مشروع البرازيل لتوسيع نفوذها العالمي هو الوساطة في اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
وقالت الهيئة البريطانية: "وراء الكواليس، السبب هو أن النفوذ الدولي للبرازيل سيزداد إذا تمكنت البلاد من لعب دور مهم في اتفاقية سلام نهائية بين أوكرانيا وروسيا".
وأتبعت: "بمجرد توليه الرئاسة، بدأ دا سيلفا في الدفاع عن إنشاء ناد للدول غير المتورطة في الصراع بهدف التوسط في عملية السلام".
وأردفت: "لكن في نفس الوقت الذي كان يدافع فيه عن الفكرة، أدلى دا سيلفا بتصريحات أثارت ردود فعل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة".
فخلال زيارته للصين في أبريل/ نيسان 2023، قال دا سيلفا إنه "من الضروري أن تتوقف الدول عن تشجيع الحرب والبدء في الحديث عن السلام".
وحسب تقييم البروفيسور دايسون لوبيز، فإن فرص نجاح البرازيل في هذا الرهان "محدودة للغاية".
وفصل: "في هذا الجانب، تكون اللعبة أكثر صعوبة بالنسبة للبرازيل. على عكس جدول الأعمال البيئي، فيما يتعلق بالنزاع، هناك العديد من الجهات الفاعلة المؤهلة أو التي تحاول تأهيل نفسها للتوسط في اتفاق سلام. ولذا، فإن هذا المسار مزدحم أكثر بالنسبة للبرازيل".
من زاوية أخرى، يرى البروفيسور أوليفر ستوينكل، أنه بقدر تصميم حكومة دا سيلفا على توسيع نفوذ بلادها عالميا، يوجد كذلك قيود من شأنها التأثير على هذا المشروع.
وقال: "القيد الرئيس لهذه الجهود هو الاستقرار السياسي في الداخل، إذا ساء الوضع في الداخل، فسيضع ذلك حدا كبيرا لما يمكن أن تفعله الحكومة في الخارج".
وأضاف: "وقد يزداد الوضع سوءا إذا لم ينم الاقتصاد أو إذا لم تتحسن العلاقة مع الكونغرس".
وأخيرا، ترى منسقة الدراسات البرازيلية "برنامج" في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، لورا ويسبيتش، أنه "لا يزال من السابق لأوانه معرفة إذا ما كانت الحكومة الحالية ستحقق أهدافها".