"قضت على المعارضة".. لماذا تتهم أحزاب موريتانية السلطات بإفساد العملية الانتخابية؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

انتقدت أحزاب سياسية وناشطون سياسيون وإعلاميون بموريتانيا، مخرجات الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية، وكذا الأجواء العامة التي مرت فيها الاستحقاقات التي أجريت في 13 مايو/أيار 2023.

وطالبت أحزاب معارضة بإلغاء نتائج الانتخابات في العاصمة نواكشوط و"في كل مكاتب عموم البلاد التي تم التلاعب فيها بعملية الاقتراع".

ووصفت الأحزاب الموقعة على البيان في 15 مايو 2023، الانتخابات بـ"المهزلة"، مؤكدة أنه طبعها تزوير وخروقات ممنهجة عمّت أغلب مناطق الوطن في الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية".

وأعلن البيان "فشل اللجنة المستقلة للانتخابات وطواقمها بمختلف مستوياتها في مهمتها الوطنية فشلا كاملا".

كما أعلنت "تشكل لجنة أزمة رفيعة المستوى ستبقى في حالة اجتماع دائم لمتابعة التطورات واتخاذ ما يلزم من قرارات".

وحمل الموقعون على البيان "السلطات واللجنة الوطنية للانتخابات ما حصل من خروقات وتلاعب سيكون لها الأثر البالغ على مسار الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد، وما قد يترتب عليها من تداعيات".

والأحزاب الموقعة على البيان ضمت كلا من "تكتل القوى الديمقراطية" و"التحالف الشعبي التقدمي" و"اتحاد قوى التقدم" و"الصواب"، و"التحالف من أجل العدالة والديمقراطية"، و"الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية"، و"التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)".

تفاعل ونتائج

وردا على ما صرحت به هذه الأحزاب، أعلن الناطق باسم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد تقي الله الأدهم، أن اللجنة "توصلت بملاحظات من طرف أحزاب موالية ومعارضة".

وأوضح تقي الله الأدهم، خلال مؤتمر صحفي في 18 مايو 2023، أن "اللجنة من حيث المبدأ ترحب بكل الملاحظات الواردة لها، ومستعدة لتصويب أي أخطاء قد تتخلل العملية الانتخابية".

وبين أن الأحزاب المعنية "خاطبت اللجنة بأنها لاتزال عاكفة على تلك الملاحظات، وحالما تتجسد على شكل حالات ملموسة، بإمكان اللجنة المستقلة أن تنظر فيها كشكايات موثقة".

وشدد تقي الله الأدهم على أن "اللجان القانونية مستعدة للتعاطي مع كل الملاحظات فورا، ومن ذلك حالة تم تسجيلها في بعض مكاتب لكصر (منطقة تابعة لمدينة نواكشوط) وفور التثبت من تلك الحالة تمت تسويتها على مستوى اللجنة فورا".

وأوضح أن ملاحظات المراقبين الدوليين على الانتخابات البلدية والتشريعية والجهوية الراهنة "بدأت تصل تباعا وبشكل أولي".

وأشار في هذا الإطار إلى مضمون رسالة بعثها المدير الإقليمي للمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دانیال روتین، والذي أشاد بالعملية الانتخابية بموريتانيا.

وبخصوص نتائج الانتخابات الأولية غير الرسمية، ذكرت وكالة "الوئام الوطني للأنباء" المحلية في 18 مايو 2023، أن "حزب الإنصاف الحاكم فاز بـ80 مقعدا في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وينافس على مقاعد أخرى في جولة الإعادة المقرر لها في 28 من الشهر ذاته".

وفي يناير/كانون الثاني 2023، قررت الحكومة الموريتانية زيادة عدد مقاعد البرلمان ليصبح 176 عضوا، ويطلق على البرلمان في موريتانيا اسم "الجمعية الوطنية".

وأوضحت وكالة "الوئام"، وفق ما أعلنت عنه اللجنة العليا للانتخابات، أن أحزاب المعارضة حسمت 24 مقعدا برلمانيا خلال الجولة الأولى من الانتخابات.

وذكرت أن "حزب تواصل المعارض فاز بـ9 مقاعد، تلاه الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية بستة مقاعد، وحزب الصواب بخمسة مقاعد، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية بأربعة مقاعد".

كما فازت أحزاب الموالاة الداعمة للرئيس محمد الغزوانى بـ36 مقعدا برلمانيا خلال الجولة الأولى من الانتخابات، وتصدر "الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم" الموالاة بست مقاعد.

يليها حزبا الإصلاح والتحالف الوطني الديمقراطي الذي فاز كل منهما بست مقاعد في الجولة الأولى وفاز حزبا نداء الوطن والكرامة بأربعة نواب.

وفى المرتبة الثالثة جاء حزبا الاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم" وحزب "حوار"، حيث حسم كل واحد منهما ثلاثة نواب.

وحلت أخيرا، أحزاب الفضيلة، والكتل الموريتانية، والحراك الشبابي، والتخطيط من أجل البناء، بمقعد واحد لكل واحد منه.

وحتى 20 مايو 2023، لم تعلن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بموريتانيا، عن النتائج النهائية الرسمية للانتخابات النيابية والمحلية والجهوية التي جرت في 13 من الشهر ذاته.

اختلالات متعددة

يرى الباحث الأكاديمي الموريتاني، عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، أن "أبرز ملمح سلبي شهدته هذه الاستحقاقات، تجسد في الأموال الكبيرة التي استعملها عديد المرشحين، لشراء رؤوس اللوائح والقوائم، سواء لوائح الشباب أو النساء"، مشيرا إلى أن "هذا أصبح معروفا لدى العامة".

وأوضح الشنقيطي لـ"الاستقلال"، أن "هؤلاء الذين يبذلون المال في الانتخابات هم في الغالب من التجار أو الأمنيين السابقين، كما أنهم في العموم ليسوا بسياسيين ولا أكاديميين".

وبخصوص نتائج البرلمان، قال المتحدث ذاته إن "الانتخابات قضت على ما يسمى بالمعارضة، حيث بقيت لها نسبة ضئيلة جدا في البرلمان، بشكل لا يتوافق مع العهد الحالي الذي يوصف بأنه عهد الانفتاح". 

وأردف الشنقيطي "رأينا بعض الأحزاب العريقة التي كانت تعاني من موت بطيء، ثم جاءت هذه الانتخابات لتضع لها نقطة النهاية، كحزب تكتل القوى الديمقراطية، وحزب اتحاد قوى التقدم، وغيرها".

وأضاف "كما شهدت هذه الانتخابات بروز أحزاب أخرى مثل "الإصلاح"، والاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم"، والاتحاد للديمقراطية والتقدم، الذي ترأسه وزيرة الخارجية السابقة الناهة منت مكناس، والذي احتل المرتبة الثالثة بعد حزب "تواصل".

وبخصوص سير العملية الانتخابية، قال الشنقيطي "كانت فيها ضغوطات كبيرة، وأولها أن اللجنة المستقلة للانتخابات هي نفسها ذرع من أذرع النظام، وشَكلت بعدد من الممارسات ضغطا كبيرا على المعارضة".

ومن هذه الممارسات، يوضح الأكاديمي الموريتاني، أنها "أغلقت أبواب مكاتب تصويت قبل وقتها، وضيقت على العديد من المواطنين في أداء واجبهم الانتخابي ببعض ولايات المعارضة".

ورأى الشنقيطي أننا "سنكون أمام برلمان استثنائي، تأخذ فيه الأغلبية من حظ المعارضة، كما أن الاستثناء سيكون أيضا في البلديات، التي حصل فيها الحزب الحاكم على الأغلبية".

ومن ذلك، يضيف الشنقيطي، أننا "شاهدنا ظاهرة غير مسبوقة في موريتانيا، وهي أن المعارضة لم تنل أي بلدية من بلديات العاصمة نواكشوط الثلاث، إذ صارت الأخيرة كلها موالية". 

ونبه إلى أن "هذا الواقع سيخلق قلة تنافس في تسيير البلديات، وسيؤثر سلبا على الوجه العام للمدينة، حيث سيعطي أريحية للمنتخبين الجدد، في عدم أداء مهامهم على ما يطلبه المواطن، نظرا لضعف دافع التنافس المشار إليه، وهو ما سيشكل نقطة سلبية للبلد ولإدارة الشأن المحلي".

وخلص الشنقيطي إلى الإشارة أن "رجال الأعمال لهم سطوة كبيرة في نتائج هذه الانتخابات".

وتابع: "غير أني لا أدري هل هذا الأمر جاء صدفة أم أنه أمر مُبيت، علما أنه في الحالين، سيؤثر هذا الحضور الكبير لرجال الأعمال والتجارة على الأداء البرلماني بشكل عام، من حيث الأداء والفاعلية".

وهناك عامل قانوني آخر مؤثر في نتائج الانتخابات، وهو الذي أشار إليه السياسي والرئيس السابق للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، محمد فال بلال، ويرتبط باعتماد "النسبية" في احتساب الفائزين.

وقال بلال إن هذه النسبية تجعل انتصار حزب الإنصاف يبقى "انتصارا خادعا"، بحسبه.

وشدد بلال في تدوينة نشرها عبر صفحته على "فيسبوك" في 19 ماي 2023، أنه "لولا النسبية لانجرّ حزب الإنصاف إلى شوط ثان، غالبا ما ينتهي بخسارته".

وعلى الصعيد الإجرائي، يردف الكاتب، شكل قرار التسجيل عن بُعد رافعة مهمة لأصحاب المال والأعمال، وتسبب في ما حصل من تهجير ونقل ونزوح وتغيير للمعطيات الديموغرافية في أكثر من دائرة انتخابية.

وتابع: "هذا بالإضافة إلى ما قام به بعض المسؤولين من تهديد وترهيب للمواطنين في (غزوة لأنصفة الدولة)، وتحويل مؤسساتها إلى تشكيلات (إنصافية) تعمل لخدمة الحزب وفرض التصويت لصالحه".

نتائج معبرة

في مقابل ما ذهبت إليه المعارضة ومراقبون، يرى موالون للحكومة وللحزب الحاكم، أن النتائج الانتخابية كانت دالة، وعبرت عن إرادة الناخبين بحرية.

وفي هذا الصدد، قال مستشار رئيس الجمهورية، أحمد سالم ولد محمد فاضل، في مقال نشره عبر موقع "مراسلون" المحلي في 15 مايو 2023، إن "هذه الانتخابات كانت محل سجال سياسيين وسباق برامج عكس ما كان سائدا من ممارسات في وقت سابق".

وأفاد بأن "الانتخابات بُنيت على التوافق والتشاور المثمر، حيث سهلت الدولة العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، إداريا وماليا وبشريا".

وذكر ولد محمد فاضل أن "الرئيس تعامل مع جميع الأحزاب بتساوي، بصرف النظر إن كانت في الأغلبية أو المعارضة"، واصفا الأمر بـ"السابقة في تعاطي الأنظمة مع الملف الانتخابي".

ورد الكاتب نتائج المعارضة إلى فقدانها لركنين أساسيين كانت تعتمد عليهما، حيث انهارا بشكل كامل منذ وصول ولد الغزواني، وهما "خطاب المظلومية ودعوى الحيف"، و"استغلال الفئات الهشة".

من جانبه، يعتقد الباحث الأكاديمي عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، أن ما وقع للمعارضة في هذه الانتخابات، يعود في جزء منه، إضافة إلى اختلالات اللجنة المستقلة وأجواء الاستحقاق، إلى حصيلة أدائها السياسي في السنوات الأخيرة.

وأوضح أن "المعارضة بشكل عام، منذ مجيء الرئيس ولد الغزواني توافدت جماعات ووفدانا على القصر الرئاسي، زائرين ومادحين".

ولهذا، يضيف الشنقيطي لـ"الاستقلال"، ضعفت المعارضة عن أداء دورها الرئيس في الانتقاد وإظهار الخلل أو مكامن الضعف.

واسترسل، "مما جعلها لا تظهر بشكل متمايز عن الأغلبية، فاختلط الأمر على المواطنين، ولم يلمسوا للمعارضة بصمة خاصة وأداء مميزا، ولذلك عاقبها المواطن انتخابيا".

أما الكاتب الصحفي محمد عبد الله لحبيب، فقال إن "الشعب كسب هذه التجربة التي جرت في ظروف طبيعية لم تشبها أي حوادث أمنية، ولم تكدر صفوها أي مشادات".

وأوضح لحبيب في مقال رأي نشره عبر "الوكالة الموريتانية للصحافة" في 15 مايو 2023، أن الجميع مارس حقه في التعبير والدعاية بالطرق القانونية، مارسوا حقهم في النقد، ومارس البعض "حقه في التحريض"، وفق تعبيره.

وقال إن هذه أول انتخابات يحصل "إجماع اختياري" على المشاركة فيها، وتأتي بعد حوار سياسي مهد لها باتفاق سياسي بين الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية، والقوى السياسية بجميع طيفها الوطني.

ورأى لحبيب أن الشعب "أعطى من استحق ثقته الصوت الذي يؤهله ليكون في موقع خدمة المواطن، وتحت رقابته اليومية ليقدم حسابا بعد خمس سنوات".

وذكر لحبيب أن من حق الأحزاب والمرشحين أن يناضلوا من أجل تحسين شروط العمل السياسي، والتنافس الانتخابي، ومن حقهم أن يضخموا بعض الأخطاء، سعيا للفت الانتباه، أو التقليل من فرص حدوثها مستقبلا.

لكن، يستدرك الكاتب الصحفي، "لا أحد من حقه التشكيك في مصداقية العملية التي أهلته في بعض الأماكن للفوز، وحكمت عليه في أماكن أخرى بالفشل".

انتخابات فاشلة

هذا النفسُ المتفائل والمادح للعملية الانتخابية لا يوافق عليه القيادي الإسلامي، محمد جميل منصور، والذي وصف هذه الانتخابات بـ"الأكثر فشلا في العقدين الأخيرين".

وقال منصور في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 18 مايو 2023، إن وصفه هو نتاج ما عرفته هذه الانتخابات من مخالفات وخروقات، ومن ذلك "تهجير انتخابي أفقد التمثيل كل معانيه".

وأضاف، ثم "توظيف العناوين العامة للدولة في معركة انتخابية المفروض أنها بين أحزاب، مع التهديد والوعيد بأن من لم ينضبط أو يعود عن مغاضبته وتمرده لن يكون لهم بصاحب وسيحل به ما يناسب مشاقته للحزب الحاكم".

وسجل القيادي الحزبي تكرار "مظاهر العجز والارتباك والفوضى مع بداية يوم الاقتراع، والتي أبانت عن ضعف غير مسبوق للجنة الانتخابات، مما أفقد العملية المصداقية التنظيمية اللازمة".

وتوقف منصور عند اقتحام بعض الولاة أو مساعديهم مكاتب معروفة معلومة بعد انتهاء الفترة القانونية للاقتراع، وفرض فتحها رغم شروع بعضها في الفرز في مخالفة صارخة للقانون وقواعد الشفافية وحياد السلطة العمومية.

ومن المخالفات أيضا، يقول منصور، وجود أخطاء وتغييرات في عدة محاضر وضياع أخرى والاعتراف بتزوير أخرى، مما أكد وجود تدخلات أو حتى هندسة مسبقة للتحكم في نتائج الانتخابات

وقال إنه من الأنسب أن تجتمع لجنة الانتخابات وقادة مختلف الأحزاب على صعيد واحد، وأن يناقشوا المخرج المناسب من هذه الورطة.

مؤكدا أن "مؤسسات مبنية على انتخابات وقع فيها ما وقع لن تنعم بالمصداقية الكافية، ولا المشروعية التمثيلية المطلوبة".

وهنا، يقول منصور، "على السلطات العمومية أن تدعم هذا التوجه وتدرك أن مصلحة البلاد وديمقراطيتها ومصداقيتها أولى من نصر حزبي مطعون فيه".