أثر مدمر.. لماذا يشترط نظام السيسي "دورة الكلية الحربية" للتوظيف الحكومي؟
جدل جديد في مصر، بعد إصدار رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في مايو/ أيار 2023 قرارا بإلزام إعطاء دورة عسكرية داخل الكلية الحربية، للراغبين في الالتحاق بالعمل الحكومي.
ويأتي الوضع استمرارا لسياسة النظام بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، عندما أصبح الاتجاه السائد "عسكرة الدولة شكلا ومضمونا".
والعسكرة في مفهومها الدارج تعني تحويل المؤسسة العسكرية من إحدى مؤسسات الدولة التي تقوم بدور ومهمة محددة مثل حماية الحدود والتجهيزات الدفاعية، إلى مؤسسة سياسية كحزب حاكم، تتداخل في شتى شؤون الحكم والتفاصيل الأخرى.
ودفعت مصر ثمن العسكرة أكثر من مرة، لا سيما في هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967، كأبرز حدث دل على عواقب ترك العسكر لثكناتهم، وصعودهم إلى سدة الحكم ومحاولاتهم صبغ المجتمع بصبغتهم.
الهزيمة حينها أفقدت قادة الجيش سطوتهم، وأدت إلى تغييرات واسعة في هيكليته وعقليته الإدارية، وانزوى الجنرالات إلى ميدان المعركة، وتحرر الاقتصاد رويدا رويدا من نفوذهم.
لكن بعد عام 2013 عادت الكرة مرة أخرى، وتعاظم نفوذ الضباط، وأجهزوا بضراوة على مقدرات الدولة، وحطموا المنافسين، ما ترك أثرا مدمرا على البلاد.
قرار السيسي
في 13 مايو 2023، كشف موقع "مدى مصر" المحلي، عن خطاب دوري أصدره أمين عام مجلس الوزراء، يتضمن أمرا رئاسيا لمجلس الوزراء بإصدار تعليمات لمؤسسات الدولة تلزم الراغبين في التعيين بالحكومة، ضرورة الحصول على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية لمدة 6 أشهر كشرط أساسي للتعيين.
وورد في الخطاب، مطالبة الأمين العام للمجلس اللواء أسامة سعد (عسكري)، الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة لاعتبار شهادة التأهيل الصادرة من مركز إصدار الوثائق المؤمنة بعد الحصول على دورة الكلية الحربية، ضمن مسوغات التعيين الأساسية في جميع الوزارات والجهات التابعة لها.
وكان وزير المالية محمد معيط قد أعلن في 9 مايو 2023، إستراتيجية الدولة لتعيين 70 ألف موظف في القطاع الحكومي خلال العام 2023/ 2024.
لكن يبدو أن شرط التعيين الأساسي سيكون النفاذ من باب الأكاديمية العسكرية، والكلية الحربية، وهو ما حدث خلال الأشهر السابقة.
وفي 27 فبراير/ شباط 2023، شهد السيسي بنفسه اختبارات المتقدمين للالتحاق بعدد من الوظائف في الهيئات التابعة لوزارة النقل، وهي الاختبارات التي تمت بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية لاختيار المتقدمين، وتعيينهم في الوزارة.
وفي تعليق على القرار، تساءل الأكاديمي حسام يوسف "لماذا يحتاج أى مواطن تقدم إلى وظيفة مدنية فى القطاع الحكومي المصري إلى دورة تدريب إجبارية لمدة 6 أشهر في الكلية الحربية؟".
لماذا يحتاج اى مواطن تقدم الى وظيفة مدنية فى القطاع الحكومى المصرى الى دورة تدريب اجبارية لمدة ٦ اشهر فى الكلية الحربية؟ هذا والله لم تفعله حتى حكومات الدول الشيوعية والاتحاد السوفيتى السابق، والواضح ان نموذج كيم يونج اون الكورى الشمالى الشيوعى الديكتاتورى يعجب السادة المسؤولين… pic.twitter.com/zwMSumNIhS
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) May 11, 2023
وأضاف يوسف مغردا عبر تويتر في 11 مايو 2023، "هذا والله لم تفعله حتى حكومات الدول الشيوعية والاتحاد السوفيتي السابق، والواضح أن نموذج كيم يونغ أون الكوري الشمالي الشيوعي الديكتاتوري يعجب السادة المسؤولين…".
تخريب متعمد
وأثار حضور السيسي وعدد من اللواءات للاختبارات حفيظة الكثيرين، ما دعا وزير النقل، الفريق كامل الوزير، في 1 مارس/آذار 2023، للتصريح في مداخلة هاتفية مع الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى، ردا على عسكرة الوظائف، قائلا: "أهلا وسهلا بنعسكرها، لو أنا هختار المهندسين بالمنظر ده، وأنتقيهم بعد الاختبارات دي يبقى بنعسكرها".
وأضاف غاضبا: "ملناش دعوة بقى بالناس التانيين لو عملنا عينة من ألف واحد سنجد 900 مقتنعين بالفكرة و100 هيقولك إشمعنى (لماذا) مهندسين وزارة النقل بيروحوا الكلية الحربية أصل علشان (لأن) وزير النقل كان ضابطا".
المثير أن السيسي عاد للمرة الثانية في 3 أبريل/ نيسان 2023، وحضر اختبارات المتقدمين للالتحاق بوظائف في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني.
وعقدت تلك الاختبارات بإشراف كامل من الأكاديمية العسكرية، لكن الملفت أن حضر مع السيسي هذه المرة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول محمد زكي.
ما طرح تساؤلات عن حضور وزير الدفاع وجمع من اللواءات في اختبار وظائف بوزارة التربية والتعليم.
وهو ما أعاد للأذهان المشهد الشهير في 22 سبتمبر/ أيلول 2013، بعد أسابيع من الانقلاب العسكري، عندما ألقى الضابط برتبة عميد (آنذاك) في الجيش، مصطفى حسان، خطبة لطالبات مدرسة "عبد العزيز جاويش" للتعليم الأساسي (الابتدائي)، عن بطولات الجيش واستقرار الأوضاع في البلاد.
ثم سلم حسان حديثه لأحد ضباط الجيش من القوات الخاصة، الذي استكمل الحديث مستلهما دور قائده.
وتحدث الضابط عن ما أسماه "الشرعية المسلحة"، كمصطلح لم تفهمه الطالبات الناشئات، ولكنه عبر عن استفحال خطير للمؤسسة العسكرية في تفاصيل الحياة المصرية، في مشاهد غير مفهومة، لقوات الجيش التي قررت أن تغادر ثكناتها، وتنساب في الميادين وقلاع التعليم المختلفة.
وتعد مسألة دورات الكلية الحربية المستحدثة كشرط للمتقدمين على الوظائف المدنية، ليست أول الإشكاليات في توغل المؤسسة العسكرية على القطاع المدني.
ففي 6 يوليو/ تموز 2022، نشرت "الجريدة الرسمية" قرارا للسيسي، يقضي بتحديد الدرجات العلمية التي تمنح لخريجي كليات الأكاديمية العسكرية ومنحهم درجات الليسانس والبكالوريوس التي تمنحها الجامعات.
وأثار ذلك القرار بمنح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية لم يدرسوها كاملة أو يتخصصوا بعلومها غضبا داخليا، وعده كثيرون غير عادل ويمنح امتيازات تضر بالواقع المصري العلمي والعملي في آن واحد، وفيه تخريب متعمد للتعليم الجامعي، وإلغاء للمعايير المعتمدة وتدمير للمؤسسية وتهميش للجامعات المدنية.
ورأى أن الأمر "استمرار لمنافسة كبيرة من العسكريين للمدنيين في جميع القطاعات، وخطوة لحرمان المدنيين من الفرص والوظائف وندب الضباط للوظائف المدنية، خاصة وأن الجيش يسيطر على قطاعات واسعة من اقتصاد الدولة".
ويسعى رئيس النظام لإقرار ذلك الواقع من خلال القرارات الجمهورية أو إصدار القوانين، كما حدث عام 2020، عندما أصدر القانون رقم 167، بإضافة الاختصاصات التالية للقوات المسلحة.
وهي "إبداء الرأي في طلب التعديلات الدستورية، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالحقوق السياسية، وانتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس النيابية والمحلية، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالأمن القومي".
نموذج كوريا الشمالية
ورصدت صفحة "الموقف المصري" على "فيسبوك" الواقع المؤسسي لهيمنة الضباط السابقين على الوظائف المدنية العليا في جهاز الدولة.
وذكرت في تقرير أصدرته يوم 15 مايو 2023، أنه "بداية من أمانة مجلس الوزراء التي يتولاها شخصية عسكرية (اللواء أسامة سعد)، مرورا بالمحافظين ومنهم 20 محافظا من خلفية عسكرية أو أمنية مقابل 6 مدنيين".
وأضاف: "علاوة على 56 بالمئة من المناصب القيادية يتولاها عسكريون، وذلك في 72 هيئة اقتصادية تابعة للدولة منذ عام 2018، وكذلك تتولى 128 قيادة عسكرية الأمور في شركات القطاع العام، البالغ عددها 374 شركة".
تلك الحالة من السيطرة العسكرية، واشتراط حصول المتقدمين للوظائف على دورات تأهيلية في الكلية الحربية دفعت للسؤال عن دور مؤسسات الدولة المدنية المعنية بتدريب وتأهيل الموظفين أو الكوادر المهنية.
ومنها على سبيل المثال، الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وهو تابع لمجلس الوزراء، ومن مهامه الرئيسة تدريب الموظفين وتأهيلهم وصقل مهاراتهم الوظيفية والتخصصية، وتأهيلهم لاستخدام التطبيقات الحديثة في دولاب العمل الحكومي.
وكذلك مركز إعداد القادة للقطاع الحكومي، الذي تم تأسيسه عام 1991، لتأهيل وإعداد القادة والموظفين لقيادة العمل الحكومي، وهو صرح ضخم يتواجد بداخله مجموعة من الأكاديميين والإداريين.
فلماذا لا تشرف هذه القطاعات والمراكز على اختيار الموظفين وإخضاعهم لدورات تأهيلية، بدلا من الذهاب للكلية الحربية، والأكاديمية العسكرية.
وفي تعليق على إخضاع المتقدمين لوظائف مدنية لدورات في الكلية الحربية، قال الأكاديمي المصري بجامعة "نيو هامبشاير" الأميركية، كريم محمد، إن "لم تكن هذه عسكرة، فما تكون العسكرة إذا؟!".وأضاف محمد لـ"الاستقلال": "نريد أن نعرف دولة واحدة في العالم الحديث متقدمة أو غير متقدمة تفعل هذا الأمر؟ بالطبع لا يوجد في حد معلوماتنا حتى مع أكثر الأنظمة العسكرية توحشا في باكستان والصين".
واستطرد ساخرا: "يمكن أن يحدث هذا فقط في كوريا الشمالية، ذلك المجتمع العسكري الخالص، وربما يرى السيسي في نموذج زعيمهم (كيم جونغ أون) المثل الأعلى، فيسعى لتتبعه".
وعقب الأكاديمي المصري: "نظم الإدارة الحديثة تبدأ في تهيئة الموظفين والكوادر البشرية بإخضاعهم لدورات في مراكز صناعة ودعم اتخاذ القرار، وفي مقرات منفصلة داخل كل وزارة وهيئة ومؤسسة حكومية، يقوم عليها متخصصون مدنيون".
وشدد على أن "الإدارة الناجحة لا يمكن أن تكون وليدة الحالة العسكرية، وإنما ناجمة عن معايير الكفاءة والمعطيات العلمية، التي تفرز المهنية الاحترافية في كل مجال بما يناسبه".
واختتم محمد حديثه بالقول إن "الضابط العسكري غير مؤهل لإدارة مؤسسات مدنية وحكومية واقتصادية، تحتاج إلى متخصصين مدنيين أكفاء ومهنيين ومتعلمين بشكل جيد، درسوا في كلياتهم أو معاهدهم ما يناسب تخصصهم، ومخالفة هذا الحال هو ما أودى بمصر إلى هذه الحالة المزرية على جميع الأصعدة".
المصادر
- مجلس الوزراء يقصر التعيين في الحكومة على الحاصلين على دورة تأهيل من الكلية الحربية
- السيسي يمنح العسكريين شهادات علمية.. ما توابع القرار؟
- شاهد| كامل الوزير ردا على رصد: أهلا وسهلا بـ«عسكرة» وزارة النقل
- أهم 5 معلومات عن مركز إعداد القادة للقطاع الحكومى
- الرئيس السيسي يشهد اختبارات المتقدمين للالتحاق بوظائف بوزارة التربية والتعليم المنعقدة بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية المصرية
- الرئيس السيسي يشهد اختبارات المتقدمين للالتحاق بعدد من الوظائف بوزارة النقل