زلزال كهرمان مرعش.. ما مدى مسؤولية المقاولين ومفتشي البناء؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد شهور قليلة على وقوع الزلزال المدمر في تركيا، سلطت وكالة الأناضول الضوء على التطورات الأخيرة في قضايا التعويض المرفوعة ضد المقاولين ومفتشي البناء.

وفي 6 فبراير/ شباط 2023، وقع زلزال كان مركزه ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا، ودمر منشآت في عدة مدن قريبة وتجاوز عدد ضحاياه 50 ألفا.

وتطرقت الوكالة التركية في مقال للخبير القانوني أومت يني أوجاك إلى أبرز السيناريوهات البديلة التي قد يجرى تنفيذها ضد المقاولين.

وفي المجتمع القانوني حالياً، تجري استعدادات محمومة لرفع دعاوى التعويض أمام المحاكم للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي سببتها الزلازل. 

وضمن هذه الحالات، التي تتعلق بالأضرار الناجمة عن الزلازل، تبرز مجموعتان من ذوي أصحاب المسؤولية: المقاولون ومفتشو البناء، وفق الوكالة.

تشترط التشريعات على المقاولين توخي الحذر، أي التصرف بحكمة في أنشطة البناء الخاصة بهم؛ حيث يجب أن يحذروا صاحب العمل من مدى ملاءمة الأرضية التي جرى البناء عليها، وإعلامه بتقنية البناء والمواد المستخدمة، وما هي المخاطر التي تنطوي عليها؛ وإلا فإنه سيعتبر مسؤولاً عن أي أضرار قد تنشأ.

وبالمثل، فإن الموظفين المشاركين في عمليات التفتيش على المباني مسؤولون بشكل مباشر عن الأضرار التي قد تتكبدها الأبنية في حال لم يؤدوا واجباتهم وفقًا للقواعد الفنية والتشريعات المعتمدة.

وبين الخبير أن الحقيقة التي كشفت عنها الزلازل، التي ضربت مدينة كهرمان مرعش هي أن جزءا كبيرا من قطاع البناء في تركيا لا ينفذ أنشطته وفقًا للتشريعات المعتمدة والمتطلبات الفنية؛ كما كشفت حقيقة أن النظام القانوني الحالي والعقوبات ليست كافية.

التطورات التشريعية

أحد التطورات التشريعية المهمة في هذا المجال هو قانون فحص المباني الذي صدر عام 2001. ووفقًا لهذا القانون، فإن جميع المباني الواقعة في نطاق القانون تخضع لفحص هيئات تفتيش المباني.

لذا، يتحمل المديرون والشركاء والمفتشون المعماريون والمهندسون وصانعو المشروع وموظفو المختبرات ومقاولو البناء التابعون لمنظمات تفتيش المباني التي لا تفي بواجباتها المسؤولية كما يجب.

هناك جانبان للمسؤولية القانونية للمقاولين ومفتشي البناء، وهما: المسؤولية الجنائية والمسؤولية عن التعويض، وفق الوكالة التركية.

بمعنى آخر، سيحاكم هؤلاء الأشخاص أمام المحاكم الجنائية، بتهمة التسبب في إصابة أو وفاة أشخاص بسبب عدم أداء واجباتهم ووظائفهم بشكل صحيح من ناحية؛ كما سيجرى رفع دعاوى التعويض ضدهم من المتضررين في الزلازل من ناحية أخرى.

وأردف الكاتب: "اعتمادًا على العلاقة بين المصاب والمقاول أو مفتش البناء، يُظهر أساس الدعوى المراد رفعها اختلافاً".

فعلى سبيل المثال، يجوز للشخص الذي اشترى منزله أو مكان عمله المدمر في الزلزال من المقاول، أو بنى المقاول منزله مقابل المال أن يرفع دعوى قضائية ضده على أساس أن البناء لم يتم وفقا المتطلبات الفنية والتشريعات.

كما أن شركة فحص البناء، التي عملت في التفتيش على نفس البناء، مسؤولة أيضًا كما المقاول لأنها لم تفِ بواجب التفتيش كما يجب. لهذا السبب، فإن دعوى التعويض ترفع ضد كليهما في آن واحد.

سيناريوهات مختلفة

تابع الكاتب؛ ومع ذلك، فإن السيناريو ليس دائمًا بهذه البساطة. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك سيارة مصطفّة من باب الصدفة أمام المبنى المهدم أصبحت غير صالحة للاستعمال بسبب المبنى المنهار، فيمكن لمالكها رفع دعوى تعويض ضد مقاول وشركة فحص بناء وإن لم يعرفهم من قبل وليس له علاقة بهم. 

وذلك لأن المقاول ومفتش البناء الذي سبق وارتكب عملاً غير قانوني سيكون قد أخلّ بحق الملكية لمالك السيارة المتوقفة أمام المبنى المدمر وقت وقوع الزلزال.

هنا، سيتمكن مالك السيارة، الذي جرى إخلال حق ملكيته بشكل غير قانوني، من رفع دعوى تعويض ضد المقاول وشركة فحص المباني، بناءً على السبب القانوني الذي نسميه "الفعل بدون وجه حق".

وإذا كانت السيارة مؤمنة وكانت شركة التأمين قد غطت الضرر، فيمكن لشركة التأمين رفع دعوى التعويض (استناداً لحق الرجوع) ضد الأشخاص المسؤولين، يقول الكاتب.

وفي مثال آخر؛ إذا حدث وأصيب العملاء الذين مكثوا في أحد الفنادق ليلة الزلزال أو فقدوا حياتهم بسبب انهيار الفندق، فإن المقاول وشركة فحص المباني سيكونون مسؤولين، كما سيكون الشخص الذي يدير الفندق ومالك المبنى مسؤولين أيضا.

وهكذا سيجرى رفع دعوى التعويض ضد جميع هؤلاء الأشخاص معا وسيكون المسؤولون عن قرار التعويض الذي ستتخذه المحكمة مسؤولين "بشكل متسلسل".

تعني المسؤولية "التسلسلية" ببساطة أن جميع هؤلاء الأفراد سيكونون مسؤولين عن كامل مبلغ التعويض.

إذ لن يتمكن أحدهم من التهرب من المسؤولية بقوله؛ "أنا مسؤول بنسبة 10 بالمئة" من إجمالي مبلغ التعويض، وسيظلون جميعًا مسؤولين حتى يجرى دفع التعويض الكامل. 

قانون التقادم

أحد الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن في هذه الحالات هو ما إذا كان قانون التقادم قد انتهت صلاحيته بخصوص المباني التي جرى بناؤها منذ سنوات طويلة. 

ويتساءل المرء عما إذا كان من الممكن للمقاول أو مفتش البناء الإفلات من المسؤولية في حال كان البناء منذ فترة طويلة.

فبعد زلزال مرمرة عام 1999، نوقشت هذه القضية على نطاق واسع في المجتمع القانوني والقرارات القضائية. 

ونتيجة لتلك النقاشات، طورت المحكمة العليا، في قراراتها بشأن هذه المسألة، سوابق قضائية مفادها أن قانون التقادم سيبدأ بالعمل من تاريخ وقوع الزلزال، وليس في تاريخ إنشاء المبنى.

واستطرد الكاتب: "لكن، بعد هذه القرارات التي اتخذت في عام 2000، حدث تطور تشريعي مهم، حيث دخل قانون الالتزامات التركي الجديد حيز التنفيذ في عام 2012".

 وينص هذا القانون بوضوح على أن فترة التقادم في قضايا الضرر محدودة بمدة أقصاها 10 سنوات من تاريخ ارتكاب الفعل.

وفي جريمة التقصير في البناء، يكون تاريخ ارتكاب الفعل هو التاريخ الذي جرى فيه الانتهاء من البناء. لذلك، عندما نقرأ المادة ذات الصلة من القانون، نفهم أن الحد الأقصى للتقادم لمدة 10 سنوات يجب أن يبدأ من هذا التاريخ.

وبالتالي؛ فقد انتهت صلاحية قانون التقادم للمباني التي جرى تشييدها قبل أكثر من 10 سنوات من الزلزال.

الدعاوى القضائية

من المهم معرفة متى لهذه الدعاوى القضائية أن تنتهي وما إذا كان بالإمكان تحصيل تعويضات من المسؤولين حتى في حالة الفوز بالدعاوى القضائية.

وقال الكاتب متأسفاً: "لسوء الحظ، سيستغرق الأمر سنوات عديدة للحصول على نتائج من هذه القضايا بسبب البيروقراطية البطيئة لنظامنا القضائي (التركي)".

علاوة على ذلك، فحتى لو جرى كسب القضية، فمن المشكوك فيه أن هذه التعويضات يمكن تحصيلها من المقاولين ومفتشي البناء المسؤولين، وفق تقديره.

وواصل أنه "في حال لم يجر اتخاذ أمر قضائي فوري لمنع الأشخاص المسؤولين من حق التصرف في أملاكهم، في حال لو حُكم على هؤلاء الأشخاص بالتعويض، فقد يكون من الصعب للغاية تحصيل التعويض في حال تخلصوا أو تجردوا من أملاكهم للغير".

وتابع الكاتب: "لهذا السبب، ومن أجل ضمان ألا يصبح ضحايا الزلزال ضحايا مرة أخرى، يجب أن تكون الوحدات الإدارية منظمة بشكل جيد، ويجب زيادة عدد القضاة والموظفين".

ويجب دعم المقاولين وشركات التفتيش على المباني؛ كما ينبغي اتخاذ بعض الإجراءات دون تأخير، مثل منع المقاولين وشركات تفتيش البناء من نقل أملاكهم وأصولهم إلى آخرين، بحسب الكاتب. 

واختتم المقال بعبارة؛ "حتى لو فاز ضحايا الزلزال بالدعاوى القضائية المقدمة، فإن العدالة التي تأتي متأخرة لن تكون ذات فائدة لأي شخص".