يبحثون عن مُسكن والسوق السوداء لا ترحمهم.. نظام الأسد يتربح من آلام السوريين

12

طباعة

مشاركة

تزداد الأحوال الصحية للعديد من السوريين القاطنين بمناطق نظام بشار الأسد سوءا يوم بعد آخر، لعدم قدرة المرضى على دفع ثمن الدواء نتيجة ارتفاعه بشكل متصاعد في السوق السوداء التي يتربح منها النظام وشبيحته.

العجز في تأمين الدواء أو الإضراب عن شرائه رغم الخطورة الصحية لهذه الحالة، جعل المرضى ضحية لسياسات حكومة النظام السوري، التي تركت ثمن الأدوية متعلقا بارتفاع أسعار الدولار وانخفاض الليرة الجنوني دون تثبيت سعره حفاظا على الصحة العامة.

عجز بتأمين الدواء

إذ لم يعد كثير من المرضى وأصحاب الأمراض المزمنة قادرين على تأمين الدواء اللازم للعلاج بالمناطق الخاضعة لسيطرة الأسد والتي يوجد فيها 70 معملا قيد الإنتاج والعمل في عدد من المحافظات.

وتؤمن معامل الأدوية الحالية نحو 93 بالمئة من حاجة السوق المحلية، بواقع تصنيع نحو ثمانية آلاف صنف دوائي.

وفي ظل انهيار الليرة السورية وبلوغها 7500 ليرة للدولار الواحد، وبقاء الرواتب والمدخول الشهري ثابتا، كشف نقيب صيادلة "دمشق" حسن ديروان، عن تراجع الطلب على الأدوية بسبب ارتفاع سعرها.

إذ انخفضت المبيعات منها بنسبة نحو 40 بالمئة، وفق ما قال ديروان لإذاعة "ميلودي إف إم" المحلية، في 5 أبريل/نيسان 2023.

وقد طرأت أخيرا على الأدوية الوطنية زيادات جعلتها ذات أسعار باهظة، في ظل انخفاض مستوى المعيشة والقدرة الشرائية لغالبية السوريين، للدرجة التي تمنع البعض حتى من الحصول على الأدوية التي لا تعد من الكماليات.

ويضطر الكثيرون للاختيار بين "الدواء أو الغذاء" جراء ارتفاع أسعار الأولى وعجز حكومة الأسد عن ضبط الأثمان وإبقائها ضمن معدلات متناسبة مع الدخول الشهرية للمواطنين وأن تكون غير متأثرة ببورصة صعود الدولار.

ويبلغ راتب الموظف في مناطق نظام الأسد 25 دولارا شهريا، وقد بلغت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022، أكثر من 130 بالمئة، واحتلت مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخما، حيث جاءت بعد فنزويلا والسودان ولبنان، بحسب موقع "تريندينغ إيكونوميك" الاقتصادي.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية في مناطق النظام السوري عام 2022 لأكثر من 150 بالمئة، وبات الأهالي يعترفون عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي.

فخلال عام 2023، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من أربعة أفراد وتعيش في منزل تملكه في دمشق، لمليوني ليرة سورية (270 دولارا) لتستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية في الشهر الواحد.

قفزة بالأسعار

بالمقابل، قفزت أسعار الأدوية في مناطق النظام السوري منذ عام 2021 من مئات إلى آلاف الليرات؛ مما سبب عجزا كبيرا في تأمين الدواء عند المصابين سواء بأمراض مزمنة (الضغط- السكري- البروتستات).

أو الحصول على الأدوية الطارئة للأمراض الدورية مثل الإسهالات، والإقياءات، والالتهابات المتنوعة، والحساسية والكريب، والصادات الحيوية، وقطرات العين والمراهم الجلدية والفيتامينات.

فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر علبة الأوغمانتين 19 ألف ليرة سورية في حين يفترض أن تباع وفق تسعيرتها المحددة بـ11 ألف ليرة بالصيدليات.

كما تشهد مناطق النظام السوري نقصا كبيرا في علب حليب الأطفال التي يصل سعر الواحدة منها إلى 15 ألف ليرة (2 دولار) والتي قد تكفي الطفل لأسبوع، وهو ما يفوق قدرة المواطن على تأمينها أصلا.

ويشير الواقع إلى وجود شح في أدوية الأمراض المزمنة، بشكل خاص في المراكز الصحية والمستشفيات العامة الحكومية، وكذلك باقي أصناف الأدوية الأخرى؛ مما يجعل الطبابة مكلفة على جيوب المرضى وتدفعهم للإهمال في تأمينها بسبب الغلاء في الأسعار.

وبحسب رئيسة رابطة الغدد الصم في نقابة الأطباء التابعة للنظام السوري، ريم مراد، فإن نسبة انتشار داء السكري تجاوزت أكثر من 18 بالمئة.

 ورأت مراد أن علاجهم يشكل عبئا على الدولة، وفق ما قال في تصريحات لصحيفة "الوطن" الموالية بتاريخ 4 أبريل 2023.

"موت جماعي"

وعلقت صفحة "فساد سوري" على غلاء الدواء الذي يتراوح بين 70 و500 بالمئة لبعض الأدوية بالقول: "هو موت جماعي يهدد فقراء سوريا.. الهوة باتت كبيرة بين الدخل والأسعار".

وأضافت الصفحة التي تعلق على الواقع السوري بمنشور لها في 18 يناير/كانون الثاني 2023: "سيتوقف الكثيرون عن تناول الدواء خاصتهم لفترة طويلة لعدم قدرتهم على تأمينه وهذا سينعكس سلبا على صحتهم.. سنشهد وفيات بالجملة وأوضاعا صحية خارج السيطرة".

وبحسب نقيب صيادلة سوريا، محمود الحسن، فإن الدواء المحلي يصدر حاليا إلى نحو 16 دولة حدد منها العراق فقط، بينما يؤكد مطلعون أنه يصدر كذلك إلى روسيا والأردن ولبنان والسودان وموريتانيا واليمن.

وأمام ترك حكومة الأسد المواطنين يواجهون مصيرهم الصحي، لم تعد مقولة "لا صحة من دون دواء" تلقى صدى لدى تلك الحكومة في ظل غياب الرقابة الدوائية على الصيدليات، وضغط شركات الأدوية ومستودعات الدواء التي تفرض السعر الذي يناسبها بذريعة غلاء أسعار المواد الفعالة الداخلة في تركيبة الأدوية.

وتشكل الهند والصين الدولتان الأكثر اعتمادا عليهما من قبل شركات الدواء السورية لتأمين المواد الأولية.

بينما ما تزال الشركات الأوروبية تمتنع عن بيع أدويتها خشية خرق قانون قيصر الأميركي المفروض على النظام السوري منذ يونيو/حزيران 2020.

والعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد منذ عام 2011، تهدف لإجباره على الانخراط الفعلي في الحل السياسي وفق القرارات الأممية، مما دفع تعنته لأن يصبح مكبلا وعاجزا عن تحقيق أي انتعاش اقتصادي جديد بمناطق سيطرته.

وحققت سوريا قبل عام 2011 اكتفاء ذاتيا من الإنتاج الدوائي تجاوز 90 بالمئة من حاجة السوق المحلية، كما احتلت المركز الثالث حينها عربيا في تصدير الأدوية إلى أكثر من 50 دولة حول العالم، حيث بلغت صادراتها في العام المذكور 305 ملايين دولار.

وتعد الصناعات الدوائية بسوريا مملوكة بغالبيتها الكاسحة للقطاع الخاص، فحتى عام 2010 كان يوجد إلى جانب شركتي "تاميكو" و"الديماس" التابعتين للقطاع العام، نحو 64 شركة خاصة.

ولهذا فقد أثر فرض عقوبات أوروبية وغربية على نظام الأسد، على قدرة تلك الشركات في استيراد المواد الأولية للتصنيع ومواد التعبئة والتغليف والمعدات وأجهزة الرقابة لدى دول المنشأ وارتفاع أجور الشحن وحوامل الطاقة.

وكذلك ارتفاع الرسوم الجمركية والمرفئية، فضلا عن تدمير معظم تلك المصانع جراء القصف والمعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة.

وتنتج المعامل الحالية الواقعة في مناطق سيطرة الأسد، كل المستحضرات الطبية، باستثناء أدوية السرطان والهرمونات، إضافة إلى مستحضرات الحقن والكريمات والمعقمات والكبسولات والمحافظ والأقراص الملبسة والمحاليل والقطرات.

وكذلك المعلقات الجافة والأدوية السائلة التي تعالج الأمراض المزمنة كالسكري والضغط والقلب ومضادات الحساسية والالتهابات والكورتازون وأدوية التخدير.

ذرائع حكومية

وبموازاة ذلك، يلقى رفع حكومة الأسد أسعار المحروقات تبريرا لأصحاب معامل الأدوية لزيادة أسعارها بحجة ارتفاع التكاليف.

وهو ما يجعل بعض الأصناف منها مفقودا أو متوفر بكميات محدودة في الصيدليات تفوق قدرة المريض حتى لو كان من النوع الذي يتناوله أصحاب الأمراض المزمنة المضطرون لأخذ العلاج بشكل مستمر.

كما تعاني معامل الأدوية في سوريا من نقص في الإمداد واللوجستيات الدوائية والأولية كونها تستوردها من الخارج.

وكانت حكومة الأسد رفعت في ديسمبر/كانون الأول 2022، أسعار 1277 صنفا دوائيا بنسبة 30 بالمئة، ما خلق معاناة إضافية لمن يشكو من أمراض مزمنة تلزمه على استمرارية تناول الدواء.

وتولي حكومة الأسد أهمية لتصدير الأدوية المحلية للخارج كون الدواء السوري معروف بجودته عالميا، إضافة إلى أن تصديره يوفر العملة الأجنبية لخزينة النظام الخاوية، دون مراعاة أن أي قرار بزيادة أسعار الدواء المنتج محليا يعني ارتفاع فاتورة العلاج والنفقات الصحية للمواطن.

ولذلك فإن البنك المركزي السوري يقف عاجزا عن تمويل شراء احتياجات المعامل الدوائية من المواد الأولية بالقطع الأجنبي.

وهو ما دفع معامل القطاع الخاص لزيادة تصدير إنتاجها لتوفير القطع الأجنبي اللازم لتمويل المستوردات وترك المواطن الحلقة الأضعف يصارع أمراضه لوحدة، وفق مراقبين.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن عدد الدول المستوردة للدواء السوري تراجعت من 44 دولة في عام 2010 إلى 10 دول عام 2019.

ثقافة شرائية جديدة

وضمن هذا السياق يؤكد الصيدلي عمر نحاس، لـ "الاستقلال" أن "هناك ثقافة شرائية جديدة للدواء بدأت تظهر لدى أصحاب الأمراض المزمنة بسوريا، وهي ادخار ثمن الدواء بالدولار من الحوالات المالية القادمة لأقرباء المرضى من الخارج؛ وذلك لمواجهة تغير سعر صرف الليرة السورية وارتفاع الدواء معها بشكل متتالي".

وأضاف نحاس: "أن الحكومة تتذرع برفع أسعار الدواء كي لا يجرى تهريبه إلى الخارج للبنان والعراق أو لمناطق الشمال السوري".

إلا أن هذا التبرير غير صحيح فمافيات تهريب الدواء باتت مفضوحة، إضافة إلى أن خطوات الحكومة المتكررة للتضييق على مصانع الأدوية تخلق أزمة دواء وارتفاع في سعره، مثل "سعي حكومة الأسد للربط الضريبي لمستودعات الأدوية بوزارة المالية".

وهو ما أدى لاختفاء الأدوية من المستودعات خشية زيادة الضرائب، الأمر الذي لم يكن معمولا به في السابق، ما سيفتح بابا لتوسيع السوق السوداء أكثر، وفق الصيدلي.

ولم ينكر نحاس، أن "السوق السوداء هي الطاغية حاليا والمتحكمة بالقطاع الدوائي في دمشق نظرا لارتفاع الأسعار وتفاوت سعر الصنف من شركة إلى أخرى ومن مورد لآخر، فضلا عن تصريف الدواء عبر التهريب كونه يباع بالعملة الصعبة للدول المجاورة".

ولفت نحاس بالقول: "الحكومة غير مهتمة لمرض المواطن فهي بالأساس متخلية عن وضعه المعيشي، ما يهمها هو إبقاء مصانع الأدوية الخاصة تعمل بكامل طاقتها لتحقيق عوائد ربحية منها بالقطع الأجنبي جراء عمليات التصدير للأدوية".

وختم بالقول: "المواطن فقد الأمل من الحلول الحكومية وأصبح يتكل على جيبه في تحصيل الدواء من السوق السوداء بأسعار مقبولة كونها باتت تجارة رائجة في مناطق النظام".