بخلاف بقية الدول.. لماذا ترفض فرنسا إفطار المسلمين أثناء مباريات كرة القدم؟

12

طباعة

مشاركة

لم تعد العنصرية الفرنسية ضد المسلمين تحتاج إلى رصد وإثبات، إذ تكفي تصرفات وتصريحات قادتها ورموزها لكشف الكراهية والإسلاموفوبيا هناك، والتي تشير لحالة عداء شديدة لكل ما هو إسلامي.

آخر هذه التوجهات العنصرية المعادية، تمثلت بمنع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم إيقاف المباريات، ثواني معدودة، للسماح للاعبين المسلمين بالإفطار خلال رمضان، ما أثار انتقادات واسعة، لأن اتحادات دول أوروبية أخرى تسمح بذلك.

ولم يكتف الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بذلك بل أرسل رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الحكام أخبرهم فيها بعدم إيقاف المباريات للسماح للاعبين المسلمين بالإفطار خلال شهر رمضان، بعدما لاحظ أن بعضهم يفعل ذلك، وحذرهم من "عقوبات انضباطية".

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وهدد بعض مدربي الفرق الفرنسية اللاعبين المسلمين بأنهم حال صيامهم في رمضان، سيتم استبعادهم.

ويضم الدوري الفرنسي بدرجاته المختلفة مئات اللاعبين المسلمين، خاصة من العرب والأفارقة، ويحرص الكثير منهم على صيام رمضان.

وعقب هذه القرارات، جرى منع لاعبين مسلمين من اللعب سواء لأنهم أعلنوا تمسكهم بدينهم وعدم الإفطار خلال التدريب أو المباريات، فجرى وقفهم، أو عقابهم داخل الملاعب بمنع إيقاف المباريات لحظة الإفطار، كي ينصاعوا لأوامر مدربيهم. 

ضد العلمانية!

برر الاتحاد الفرنسي هذه العنصرية "بالتطبيق الدقيق للمادة الأولى من النظام الأساسي للاتحاد بشأن المطالبة باحترام مبدأ العلمانية في كرة القدم"، وفق وكالة الأنباء الفرنسية 3 أبريل/نيسان 2023.

وهو ما أثار تساؤلات حول علاقة الهوية العلمانية الفرنسية، بحرية ممارسة الشعائر الدينية، التي تسمح بها باريس لمختلف أتباع الديانات في فرنسا.

رئيس اللجنة الاتحادية للحكام في الاتحاد الفرنسي إيريك بورغيني قال: إن "هناك وقتا لكل شيء، وقت لممارسة الرياضة ولممارسة المرء دينه".

"بورغيني" زعم أن مطالبة الاتحاد عدم إيقاف أي مباريات "للسماح للاعبين الصائمين بالترطيب" غير مسموح به في اللوائح.

أكد بالقول: طلبنا عدم إيقاف المباريات لأن ذلك "يضمن الاحترام الصارم لمبدأ العلمانية في كرة القدم"، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مطلع أبريل 2023.

وسبق لنفس الاتحاد الفرنسي أن أصدر قرارا في مارس/آذار 2021 بحظر ارتداء الحجاب في المباريات للفتيات بدعوى "احترام العلمانية وتمسك الاتحاد بتشريعات البلاد".

وذلك رغم أن اللجنة الأولمبية الدولية تسمح بارتداء الحجاب في المنافسات منذ عام 1996، وكذلك الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) منذ عام 2014.

ولا يذكر القانون الفرنسي لعام 1905 الذي أرسى الفصل بين الكنيسة والدولة في البلاد كلمة "العلمانية" ومع ذلك، فإن هذا المبدأ هو جزء أساسي من النسيج السياسي للبلاد.

لكنه اتخذ طابع العداء للإسلام خصوصا، رغم أن العلمانية نفسها تشترط أن تكون الدولة الفرنسية "محايدة" في الأمور الدينية.

وقد اتهم الكاتب الفرنسي "آلان جريش" في مقال نشره بموقع "أوريان 21" في 7 ديسمبر 2020، فرنسا بـ تحريف العلمانية لاستهداف الاسلام".

وفرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المسلمين ما يُسمى "ميثاق القيم الجمهورية العلمانية" في 18 نوفمبر/تشرين ثان 2020.

كما فرض تشريع مكافحة ما أسماه "الانفصالية الإسلامية" التي أغلق بموجبه مساجد وجمعيات للمسلمين.

وضمن هذه القيم العلمانية: "المساواة بين الرجال والنساء، ورضوخ الشريعة الإسلامية لمبادئ الجمهورية الفرنسية العلمانية، ورفض تدخل الإسلام في السياسة".

وجعلت سياسات ماكرون غالبية الفرنسيين يرون في الإسلام تهديداً وجودياً لـ "حضارتهم"، و"تقاليدهم"، و"قيمهم"، بحسب "ألين غابون" أستاذ الدراسات الفرنسية في جامعة "فرجينيا ويسليان" الأميركية، وفق مقاله بموقع" ميدل إيست آي" 29 مارس 2022.

"سنتمسك بهويتنا"

تطبيقا لقرارات الاتحاد الفرنسي، استبعد أنطوان كومباريه، مدرب فريق "نانت" الفرنسي، اللاعب الجزائري جوان حجام، من قائمة الفريق لرفض اللاعب الإفطار في رمضان ما تسبب بانتقادات للمدرب.

وطالب كومباريه لاعبه المسلم "حجام" بالإفطار يوم المباراة، لكن الجزائري رفض ذلك، وأصر على الالتزام بفريضة الصوم، لتتم معاقبته بالحرمان من اللعب مع فريقه وفق ما ذكر موقع ouest-france الفرنسي في الثاني من أبريل 2023.

برر كومباريه استبعاده للاعب بقوله: "في أيام المباريات يجب ألا يصوم.. إنها ليست عقوبة ولكن أنا من أضع القوانين، وهو اختار معتقده الديني وأنا احترم ذلك".

ودفع هذا اللاعب السنغالي المسلم المعتزل ديمبا با، لتوجيه انتقاد لاذع للمدرب الفرنسي لإصراره على منع لاعبين مسلمين من الصيام في رمضان، قائلا له: "هل علينا التخلي عن هويتنا من أجل الكرة؟".

تساءل "ديمبا" مستهجناً عبر موقع 365Scores عمن طلب إيقاف المباريات؟! أنا لا أعرف أي لاعب يحتاج لتوقف المباراة كي يُفطر ويكسر صيامه".

وتابع: "اللاعبون على الأرجح سيشربون ويأكلون بعد انتهاء المباراة، هذه ليست مشكلة بالنسبة لنا"، لكنه انتقد سياسات الاتحاد الفرنسي بالمقارنة مع البريطاني والألماني في هذا الشأن.

وسبق أن كشفت صحيفة "ليكيب" الفرنسية 27 مارس 2023 أن لاعبين مسلمين في المنتخب الفرنسي لم يلتزما بتوصيات مدربهم ديدييه ديشامب الذي حذرهم من الصيام وتأجيله 5 أيام حتى الانتهاء من مباراتي المنتخب أمام هولندا وأيرلندا.

قالت الصحيفة إن نجمي وسط المنتخب نغولو كانتي وديدييه دروغبا لم يلتزما بتعليمات ديشامب، وأصرا على الصيام رغم ما أثاره هذا القرار من جدل داخل الفريق.

ووفقًا للصحيفة الفرنسية، طلب الجهاز الفني للمنتخب من اللاعبين المسلمين تأجيل صيامهم خوفًا من انخفاض أدائهم، كما أوصى مسؤولو الاختبارات البدنية لاعبيهم بعدم الصيام طوال فترة تجمّع الفريق.

وقالت الصحيفة إنه خلال بطولة الأمم الأوربية عام 2016، فرض اللاعبان الفرنسيان المسلمان رغبتهما في الصيام رغم دعوات الجهاز الفني، وأصر كانتي وبوغبا على رأيهما.

ولم يجرؤ فريقهما على عقابهما بحسب وسائل إعلام فرنسية بسبب "ثقل هذين اللاعبين وما يقدمانه من أداء بدني جيد على مستوى وسط ميدان الفريق الفرنسي، وقدرتهما على تحقيق نتائج أفضل رغم الصوم".

بين التعقيد والتبسيط

ولأن قرار منع صيام لاعبي كرة القدم أو السماح بإفطار من يصوم خلال المباريات تصرف عنصري، فقد عارضه مشجعو وبعض لاعبي الفرق الفرنسية.

ورفعت مجموعة "ألتراس" جماهير باريس سان جيرمان في 2 أبريل 2023 في ملعب "بارك دي برانس"، لافتة انتقدت فيها الاتحاد الفرنسي للعبة الذي يتناقض موقفه بشأن رمضان مع قرارات دول مجاورة تتعاطف مع الصائمين.

وخلال مباراة باريس سان جيرمان وليون الدوري الفرنسي، رفع مشجعو نادي العاصمة لافتة ساخرة ضد قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، كتبوا عليها: "تمر، كوب ماء، كابوس الاتحادية الفرنسية"، ليبينوا عنصرية اتحاد بلادهم.

وانتقد الدولي الفرنسي لوكا دين، لاعب أستون فيلا الإنجليزي، قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بخلاف الاتحاد الانجليزي الذي سمح بإفطار اللاعبين.

استغرب لوكا دين، عبر حسابه الشخصي على "إنستغرام"، إيقاف المباريات من أجل بعض القرارات في مقابل عدم السماح بإيقافها لدقيقة فقط من أجل شرب الماء.

كما طالب "ديدييه ديجار" مدرب فريق "نيس" بإيقاف المباريات في الدوري الفرنسي في وقت آذان المغرب للسماح للاعبين المسلمين بالإفطار خلال شهر رمضان.

وقال ديجار خلال مؤتمر صحفي في 2 أبريل 2023: "الإنجليز أكثر تفتحا منا في هذا الشأن، ولطالما كانوا كذلك".

وبخلاف الجدل الحاصل في فرنسا، اتخذ الاتحاد الانجليزي لكرة القدم قرار وقف المباريات لفترة وجيزة للسماح للاعبين المسلمين بالإفطار خلال شهر رمضان.

ففي مارس 2023 أصدرت هيئات تحكيم مباريات كرة القدم في بريطانيا توجيهات للحكام بالسماح للاعبين بتناول السوائل أو المكملات الغذائية في مباريات رمضان.

وذكرت شبكة "سكاي سبورتس" الرياضية 21 مارس 2023 أن هيئات تحكيم مباريات كرة القدم في بريطانيا أصدرت توجيهات لحكام المباريات للسماح بوقف المباريات بشكل طبيعي لتمكين اللاعبين المسلمين من تناول الإفطار.

أيضا اتخذ الدوري الهولندي ذات الخطوات للمرة الأولى، في حين أعلن رئيس الحكام في الدوري الألماني أنه يدعم الحكام الذين يقررون منح مثل هذا النوع من الاستراحة.

وفي الدوري البريطاني، يوجد حوالي خمسين لاعبا مسلما من كبار اللاعبين الدوليين في ثمانية عشرة ناديا، ويوقف الحكام المقابلات لتمكين أولئك اللاعبين من الإفطار.

وقال الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، في قرار يصب في صالح اللاعبين المسلمين، خلال شهر رمضان، إنه ستكون هناك استراحة صغيرة في المباريات من أجل السماح للصائمين بالإفطار، عندما يحين موعد آذان المغرب.

أيضا أعلن الاتحاد الألماني لكرة القدم دعمه لقرار حكم ألماني استجاب لطلب لاعب مسلم بإيقاف المباراة ليسمح له بالإفطار، مشيرا إلى أنه سيمنح اللاعبين المسلمين فترات راحة خلال المباريات المقبلة لكسر صيامهم.

ولا يقر الدوري الإيطالي إيقاف المباريات للسماح للاعبين المسلمين الصائمين بالإفطار الذي يحين وقته أحياناً في أثناء المباريات.

لكن، في 2 أبريل 2023، تعمد لاعب فريق "فيورنتينا" الإيطالي لوكا رانييري السقوط مدعياً الإصابة في المباراة التي جمعت فريقه بنادي إنتر ميلان وطلب تدخل الطاقم الطبي.

وجاء هذا الفعل لمنح زميله الصائم اللاعب "سفيان امرابط" فرصة الإفطار بعدما حل وقت أذان المغرب.

واستغل امرابط الفرصة وتوجه إلى الخط، و"كسر صيامه" بشرب الماء، وتناول موزة بسرعة، حسبما التقطت الكاميرات.