بعد التطبيع مع إيران.. هل تنجح السعودية في الاستثمار بالقطاع الزراعي العراقي؟
تسعى السعودية مجددا إلى الاستثمار الزراعي في العراق، بعد محاولات عديدة للدخول إلى هذا القطاع المهم في البلاد، لكن القوى الحليفة لإيران كانت تقف بقوة ضد ذلك الأمر الذي أدى إلى تراجع الرياض عن مشاريع أرادت تنفيذها هناك.
ولعل من أبرز تلك المشاريع، محاولة السعودية الاستثمار الزراعي في بادية السماوة العراقية المحاذية لحدودها عام 2020، التي لم تحصل نتيجة ضغوط من حلفاء إيران في العراق، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى نجاح المحاولات الجديدة، والتي جاءت في ظروف مختلفة نسبيا.
وتأتي محاولة السعودية الحالية للاستثمار الزراعي في العراق إثر عودة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران في 10 مارس/آذار 2023، بعد قطيعة بين البلدين منذ عام 2016 على خلفية حرق سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، ردا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.
محادثات جديدة
وفي محاولة جديدة للرياض، أجرى وفد من وزارة الاستثمار السعودية والصندوق السعودي للتنمية زيارة إلى العراق والتقى بوزير الزراعة العراقي، عباس جبر العلياوي، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، في 3 أبريل/نيسان 2023.
ونقلت الوكالة عن العلياوي قوله إن "اللقاء دار حول آفاق التعاون بين العراق والسعودية في المجال الزراعي ودخول شركات المملكة للاستثمار في البلاد".
وأكد الوزير أن "حاجة العراق إلى الاستثمار لا تتوقف على الزراعة فقط، إنما تتعداها إلى المكننة الحديثة وأنظمة الرش بالتنقيط والطاقة النظيفة وغيرها، ما يفتح الباب أمام مشاركة مختلف الدول والشركات في العملية التنموية التي تشهدها البلاد".
من جانبه، أعرب الوفد السعودي عن رغبة الشركات السعودية في الدخول إلى السوق العراقية للاستثمار فيها، ومشاركة الجانب العراقي في كثير من المشاريع التي نوقشت.
وأعرب رئيس الوفد السعودي مشعل بن خالد الهذال ممثل وزارة الاستثمار، عن استعداد بلاده للتعاون الفعال مع الجانب العراقي في إنجاح ملف الاستثمار بين الدولتين، وفقا للوكالة.
وخلال مشاركتها في الاجتماع المشترك، ناقشت الهيئة العراقية للاستثمار طبيعة المشاريع الاستثمارية الزراعية، ومدى إمكانية عقد الاتفاقات الثنائية مع الشركات السعودية المتخصصة بالاستثمار الزراعي.
واستعرض الاجتماع جوانب من الملف الاستثماري الذي أعدته مديرية الاستثمارات الزراعية في وزارة الزراعة العراقية، وجرى شرح بعض الفرص المهيأة من ناحية الأراضي والحصص المائية.
تأتي هذه المباحثات بعد أيام من إعلان وزارة التجارة العراقية عن تلقي مقترحات سعودية بشأن تطوير آفاق الاستثمار الزراعي في العراق.
وأكد المتحدث باسم التجارة العراقية، محمد حنون، لوكالة الأنباء العراقية في 30 مارس 2023، تسلّم العراق حزمة من المقترحات السعودية الهادفة إلى تطوير الزراعة العراقية.
وكشف المتحدث الرسمي عن مناقشات تجري حاليا بين بغداد والرياض، لزراعة مساحات شاسعة للأراضي القريبة من الحدود السعودية.
وخصصت المملكة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، نحو 24 مليار دولار، للاستثمار في 5 عواصم من بينها بغداد، حيث تعد المشاريع الزراعية في مقدمة الاستثمارات السعودية المرتقبة في العراق.
دوامة رملية
وعن مدى نجاح المحاولة السعودية هذه المرة، ولاسيما بعد التسوية مع إيران، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي حامد العبيدي إن "الإصلاح الزراعي يعني توقف عملية غسيل الأموال المتمثلة بتجريد الأراضي وشرائها في العراق".
وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "الحكومة تابعة للإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران، ومهما كان هناك حسن ظن بخطوات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لإنجاح حكومته سياسيا، فإن الملف الاقتصادي والأمني وليس السيادي هو الحاكم".
ورأى الباحث أن "القوى الموالية لإيران في العراق تخشى العقوبات الأميركية، لكن مجلس التعاون الخليجي ليس أداة فاعلة حتى تفرض عقوبات عليه إذا ما جرى تخريب المصالح السعودية".
ولفت العبيدي إلى أن "(القوى الشيعية في) العراق هو دوامة رملية لإفشال أي تحرك دولي سياسي اقتصادي عسكري ناجح سواء من دول الخليج أو غيرها، وأن أهم وأنجح الأوراق هي بعهدة قم وليس طهران، بمعنى أنها لدى الفاعل الديني العقائدي الشيعي الإيراني، لذلك لن تؤثر التسوية مع السعودية بشيء".
وبناء على ذلك، توقع العبيدي أن "تفشل محاولة الاستثمار السعودي في المجال الزراعي بالعراق، ذلك لأن القوى الموالية لإيران لن تسمح بفقدان حليفتها للخط التجاري للمنتجات الزراعية حتى لو كان على حساب بلدهم، وهذا ما يحصل منذ عام 2003 وحتى اليوم".
من جهته، قال السياسي العراقي عائد الهلالي في 17 مارس 2023 إن "أول إسقاطات التسوية بين السعودية وإيران هو الحد من حالة التوتر الموجودة في المنطقة".
ولفت إلى أن "عملية خفض التوتر في المنطقة تحتاج إلى أن يكون هناك اتفاق، لذلك فإنه رغم حدوث التفاهمات بين الجانبين في العراق، لكن الضامن الصيني كان هو المتحكم في التوصل إلى التسوية بين الرياض وطهران"، وفق ما نقل موقع "عربي 21" .
وأكد الهلالي أن "الانعكاسات ستكون إيجابية وكبيرة جدا في العراق على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، فهناك أحاديث صدرت من أطراف سعودية للاستثمار في إيران، والأخيرة أيضا لديها إمكانيات مشابهة، لذلك فإن هذا التقارب سيخفف من حدة التوتر بالمنطقة".
وأشار السياسي العراقي إلى أن "التسوية السعودية الإيرانية ستفضي إلى الاستقرار الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا ليس على العراق فحسب، وإنما على بلدان كثيرة بالازدهار وزيادة التنمية، خصوصا أن منطقة الشرق الأوسط غنية بالطاقة وبالكثير من الثروات".
محاولات سابقة
التحركات السعودية لدخول الاستثمارات الزراعية في العراق بدأت منذ عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2015، إذ جرى توقيع مذكرات تفاهم وتعاون في قطاعات الزراعة وغيرها.
وفي عام 2018، وتحديدا في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي جرى التباحث بين البلدين حول استنساخ تجارب سعودية ناجحة في دول عديدة.
وأبدت المملكة استعدادها لاستثمار البادية العراقية المتاخمة للحدود السعودية، لكن هذه الأفكار لم تجد طريقها إلى أرض الواقع.
وفي عام 2019 عرضت شركة "المراعي" السعودية على العراق إنشاء مشاريع استثمارية على مساحة 1.7 مليون دونم في البادية العراقية، تشمل مشاريع الزراعة وتربية الحيوانات والصناعات الغذائية، لكنها كذلك لم ترَ النور.
ومع تنامي علاقات البلدين خلال حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، عام 2020، ظهر المشروع الزراعي الأبرز الذي اعتزمت السعودية تنفيذه، من خلال استثمار بادية العراق عبر صحراء الأنبار والنجف وكربلاء والمثنى (بادية السماوة)، بمساحة مليون هكتار، مع توفير أكثر من 60 ألف فرصة عمل.
ويشمل المشروع الذي خطط له حينها، إقامة مصدات خضراء على امتداد مساحات شاسعة عبر زراعة أكثر من 10 ملايين نخلة، وتأسيس مدن سكنية وصناعية ومزارع أبقار.
لكن الشركات السعودية أعلنت، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن إلغاء خططها للاستثمار الزراعي، بعد حملة شنتها جهات عراقية مقربة من طهران، بذريعة شح المياه في العراق.
وفي خطوة أشارت إلى رفض هذه الجهات للاستثمارات السعودية الزراعية في العراق، أعلنت هيئة "الحشد الشعبي"- التي تضم العديد من المليشيات الموالية لإيران- مشروع زراعة مليون نخلة في بادية السماوة في محافظة المثنى الجنوبية المحاذية للمملكة.
وتتولى هذا المشروع شركة "المهندس" العامة التابعة للحشد الشعبي. وبدأت المرحلة الأولى منه في 21 مارس 2021 بزراعة 20 ألف نخلة، باعتماد طرق الري الحديثة واستخدام الطاقة النظيفة.
وبحسب بيان هيئة الحشد الشعبي، فإن المشروع الذي ينفذ في بادية السماوة الجنوبية يهدف للاستفادة من المساحات الواسعة فيها من الأراضي الصالحة للزراعة وتحويل البادية إلى سلة غذائية للعراق، إلى جانب توفير الكثير من فرص العمل لتشغيل العاطلين.
المصادر
- تتبناه شركة المهندس العامة الحشد الشعبي يباشر بزراعة مليون نخلة في بادية المثنى
- بعد ضغوط حلفاء إيران.. هل تراجع العراق عن منح استثمارات للسعودية في بادية السماوة؟
- كيف ينعكس الاتفاق بين السعودية وإيران على الوضع في العراق؟
- وزير الزراعة يبحث مع وفد سعودي التعاون في مجال الاستثمار
- هيئة الاستثمار تحث على عقد الشراكات النوعية
- السعودية وإيران تتفقان على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة