أسامة الأزهري.. مستشار ديني للسيسي وداعم للثورة المضادة ويسعى لإزاحة "الطيب"

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في "العاصمة الإدارية" القابعة في قلب صحراء مترامية الأطراف على بعد 45 كم شرقي القاهرة، افتتح رئيس النظام عبد الفتاح السيسي مركز مصر الإسلامي الثقافي مع نسمات فجر أول أيام شهر رمضان، الموافق 23 مارس/ آذار 2023. 

"مسجد مصر" الذي احتفت به دولة السيسي ووصلت تكلفته إلى 800 مليون جنيه (الدولار= 30,93 جنيها مصريا) بحسب ما أعلن سابقا، وضم أكبر "نجفة" و"منبر" أثار الجدل في ظل أزمة اقتصادية حادة تمر بها البلاد. 

لكن هناك جدلا آخر اندلع أثناء حفل الافتتاح الذي شهدته قيادات الحكومة، حيث اصطحب السيسي إلى جواره مستشاره الديني أسامة الأزهري، وقدمه على جميع علماء الدين بما فيهم شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب. 

والأزهري من المقربين بشدة للرئيس النظام المصري، ويعد عقله الديني الذي يسوغ له أمور الشريعة، ويؤطر أفكاره وتصوراته في صورة فتاوى دينية. 

واقعة تقديم الأزهري أثارت الرأي العام، فرغم وجود خلافات متعددة بين السيسي والطيب، بسبب قضايا كالطلاق الشفهي ورفض تكفير الجماعات الإسلامية، فإن البروتوكول يمنع تقديم أي مرجعية دينية في مصر على شيخ الأزهر بصفته المرجعية الأولى، وأكبر رأس لمؤسسة دينية رسمية في مصر والعالم الإسلامي. 

من الأزهري؟ 

اسمه بالكامل أسامة السيد محمود محمد، ولقبه "أسامة الأزهري"، ولد في محافظة الإسكندرية في 16 يوليو/تموز 1976. 

لكنه نشأ وترعرع في سوهاج بـ"صعيد مصر" وهي بلدة أبيه وعائلته، حيث عادت الأسرة من الإسكندرية إلى سوهاج، والأزهري في طفولته. 

وهناك التحق بالتعليم الأزهري في كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، وتخرج فيها عام 1999. 

وحصل على الماجستير في علوم الحديث عام 2005، ثم الدكتوراه عام 2011، وكلاهما يتبعان كلية أصول الدين. 

انطلق إلى العمل العام مطلع الألفينيات عندما كان يدرس في رواق الأتراك بالأزهر الشريف، وكونه كان مقربا بشدة من مفتي الجمهورية آنذاك "علي جمعة".

عرفه الجمهور بشكل فعلي عام 2005 عندما كان ينوب عن "علي جمعة" بإلقاء خطبة الجمعة بجامع "السلطان حسن" في القاهرة. 

ثم أصبح يدرس بالتدريس أسبوعيا في نفس الجامع، وقدم سلسلة شروح "الأربعين النووية"، ما جعل له أتباعا ومريدين. 

والملاحظ في تلك الحقبة التي تمثل أواخر عهد النظام الأسبق برئاسة حسني مبارك، أن كثيرا من الدعاة والعلماء كان مضيقا عليهم من قبل أجهزة الأمن ولا يسمح لهم بإعطاء الدروس الدينية إلا بتصريح من أمن الدولة. 

لكن أسامة الأزهري لكونه من تلاميذ علي جمعة، ومن الدعاة المعروفين بتبعيتهم للسلطة، فتحت له الأبواب والقنوات الإعلامية. 

محرض على الدماء 

بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وخلال المرحلة الانتقالية ثم انتخاب الرئيس الراحل محمد مرسي وصعوده سدة الحكم عام 2012، حمل الأزهري لواء المعارضة بقوة ضد الأخير وجماعة الإخوان المسلمين.

وفي يناير 2012 كتب مقالة بعنوان "وامرساه" هاجم فيه مرسي بشدة على وقع اصطدام قطار بضائع بقطار مجندين، وحمله "مسؤولية الإخفاق والإهمال الجسيم، الذي بات يحصد أرواح الشعب حصدا"، على حد زعمه. 

المثير أنه بعد ذلك ورغم تكرار حوادث قطارات وطرق وغيرها بطريقة أكثر فداحة وقسوة خلال حكم السيسي، لم ينطق الأزهري ببنت شفة ويوجه أي نقد أو هجوم على النظام. 

ومع وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، كان أسامة الأزهري في طليعة المؤيدين والداعمين، في موقف تطابق أيضا مع مؤسسة الأزهر الرسمية.

إذ كان الشيخ أحمد الطيب حاضرا أثناء خطاب الانقلاب العسكري الذي ألقاه السيسي في قصر الاتحادية. 

لكن المختلف أن أسامة الأزهري دعم وحرض على فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/ آب 2013 الذي راح ضحيتهما مئات المعتصمين السلميين.

بينما أعلن شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء، في البيان الصوتي الذي بثه بصوت يملؤه الحزن عقب ساعات قليلة من فض قوات الشرطة والجيش الاعتصامات.

وقال وقتها: "إيضاحا للحقائق وإبراء للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام".

وكان هذا الموقف بداية الخلاف القوي بين الشيخ الطيب ورئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الذي سعى إلى الإطاحة به مرارا، وتصعيد شخصيات أخرى بديلة، أبرزهم أسامة الأزهري. 

مستشار السيسي

وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014، أصدر السيسي قرارا جمهوريا بتعيين أسامة الأزهري مستشارا دينيا ليكون ضمن الهيئة الاستشارية العليا لرئاسة الجمهورية للسيسي. 

حينها وصفته صحيفة المصري اليوم أنه "رأس حربة" السيسي فيما بعرف بتجديد الخطاب الديني وأن رئيس النظام يوليه ثقة مطلقة.

إذ لم يكتف بتعيينه في منصب المستشار الديني له، وعينه أيضا في مجلس النواب المصري، وجعله وكيلا للجنة الدينية بالبرلمان، لتتحدث وسائل الإعلام أنه بات مرشحا بقوة لخلافة شيخ الأزهر.

عزز من ذلك أن أسامة الأزهري ألقى خلال عامي 2017 و2018 على التوالي خطبتي عيد الأضحى أمام السيسي وفي حضرة شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومفتي الجمهورية شوقي علام. 

وكذلك أسندت السلطة بأمر من السيسي وعن طريق وزارة الداخلية المصرية، الأزهري مهمة إجراء مراجعات فقهية وفكرية للمعتقلين من أبناء التيارات الإسلامية.

وألقى بالفعل محاضرات على نزلاء سجن العقرب "سيئ السمعة" المخصص للمعتقلين السياسيين.

وللمفارقة فإن الأزهري شارك بافتتاح سجون جديدة في 21 مارس 2023، وهي سجون "15 مايو" و"العاشر من رمضان" و"أخميم"، وكان يسير خلف وزير الداخلية محمود توفيق.

الأمر الآخر أنه جرى تكليفه بإدارة ملف "تجديد الخطاب الديني"، منذ عام 2015، ما عُدّ حينها تمهيدا لخلافة "الأزهري" لـ "الطيب"، الذي يتعرض لحملة هجوم شرسة بين الحين والآخر من وسائل إعلام موالية لأجهزة الأمن والمخابرات. 

الصدام مع الإمام 

الخلاف بين السلطة أو تحديدا السيسي وشيخ الأزهر، استفحل واشتد واستخدم رئيس النظام أدواته للنيل من الشيخ وتحجيمه، منها أسامة الأزهري نفسه، الذي خرج للعلن في مناسبتين وهاجم أحمد الطيب. 

الأولى في يناير 2017 حينما رفض شيخ الأزهر، تدخل أعضاء لجنة الشؤون الدينية فى البرلمان، والتى يشغل الأزهرى عضويتها، بعدم مشاركتها في الإشراف على تنقية كتب التراث، وخطباء الجامع الأزهر. 

ورفض الطيب أن يضع الأزهري برنامج تدريب الوعاظ فى المشيخة، وتحفظ على دور وأداء اللجنة برمتها.

وهو ما وضع أسامة الأزهري في حرج وغضب بالغ، وصل إلى بعض أعضاء اللجنة بتقبيل رأسه خلال إحدى الجلسات.

لكن الأزهري أسرها في نفسه وحملها لشيخ الأزهر، وما هي إلا أيام قليلة، وتحديدا في فبراير/شباط 2017، حتى كتب مقالا لاذعا بعنوان "أمر يدع اللبيب حائرا"، على صفحات "الأهرام" الحكومية اليومية، صب فيه جام غضبه على الإمام أحمد الطيب. 

ومما قاله: "شهدنا في الفترة الحالية أمرا عجيبا، وهو أن الوطن يستنجد بالأزهر، ويلح عليه، ويطالبه، ويلمح ويصرح، ويستنهض ويشير، ويتألم ويستغيث، فيبقى الأمر ثابتا عند مستوى واحد من تسيير أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، دون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن".

وتابع مستشار السيسي معاتبا الطيب:"أيها الأزهر الشريف! ما الذي تريده حتى تنهض ونحن جميعا مسخرون لخدمتك، هل هي الرؤى والخطط والإستراتيجيات فنوفرها، أو هي عراقيل إدارية وتشريعية فنذللها، أو هي تمويل وإنفاق فنعتصر أنفسنا ونجمعه، أم ماذا؟!"

تطلعات الأزهري

وجاء خطاب الأزهري متزامنا مع مطالب أذرع إعلامية وسياسية مثل الإعلاميين "عمرو أديب" و"محمد الباز"، للسيسي، بالضغط على شيخ الأزهر للتنحي، أو إيجاد مخرج للإطاحة به. 

ووفقا لقانون الأزهر الذي أقر في يناير  2012 ونص على انتخاب شيخ الأزهر وانتهاء خدمته ببلوغه سن الثمانين، يكتسب متقلد هذا المنصب حصانة تجعله غير قابل للعزل.

وهي المعضلة التي تقف في وجه السيسي ولا يجد منها مخرجا إلا تصعيد رموز دينية أخرى مثل أسامة الأزهري الذي يعد فعليا أقرب رجل دين في البلاد لرئيس النظام. 

ومع ذلك فإن للأزهري دورا إقليميا يتجاوز تطلعاته الداخلية، ومعروف أنه على علاقة وطيدة بحكام دولة الإمارات، وهو ما تسبب له في مشكلات مختلفة. 

آخرها ما كان في 10 يناير 2023، عندما انضم إلى وفد إماراتي برئاسة رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة علي النعيمي، وأجروا زيارة إلى الصين. 

وكانت الزيارة تحديدا إلى إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية) ذي الأغلبية المسلمة الذي يضم عرقية الإيغور، المضطهدة من قبل الحكومة الشيوعية الصينية. 

تغافل الأزهري عن حقوق المسلمين، وأغفل الدفاع عن المسلمين الإيغور، وزاد بأن دعم الحكومة الصينية، وأشاد بمكافحتها ما أسماه "الإرهاب والتطرف". 

وقال في تصريحات صحفية "هذه الزيارة بمثابة مد وبناء الجسور بين الدول العربية والإسلامية والصين في مواجهة ظاهرة الإرهاب". 

الأمر الذي دفع رئيس المؤتمر العالمي للإيغور، دولكون عيسى، للرد عليه وعلى زيارة الوفد الإماراتي قائلا: "إن الصين تستخدم ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير تجريم الأشكال اليومية والقانونية للممارسات الدينية الإسلامية، مثل اللحية والحجاب وحيازة المصاحف".

واتهمت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الصين باحتجاز نحو مليون من مسلمي الإيغور في ما يشبه "معسكر احتجاز ضخم محاط بالسرية".

وقد علق على الزيارة أيضا رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، قائلا: "أسامة  الأزهري المستشار الديني لرئيس الجمهورية، زار إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة، وأثنى على جهود الصين في مكافحة التطرف". 

وأضاف الحقوقي المصري: "الأمم المتحدة اتهمت الصين بجرائم محتملة ضد الإنسانية ضد الإيغور وباقي مسلمي الإقليم". 

بينما غرد الصحفي المصري عبد الناصر سلامة: "عرفتوا قيمة الدكتور أحمد الطيب، الأزهري ده عايز يبقى شيخ الأزهر!".