خشية انهيار النظام.. هل تدخل إسرائيل على خط دعم اقتصاد مصر؟

12

طباعة

مشاركة

بعد اجتماع العقبة الأمني الخماسي، سربت تل أبيب معلومات عن سعيها لدعم اقتصاد مصر المنهار، لتفادي انهيار النظام وكمكافأة له في المشاركة بمحاربة المقاومة الفلسطينية بدعوى "التهدئة".

وفي 26 فبراير/شباط، عقد اجتماع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأردن ومصر، في مدينة العقبة جنوبي الأردن.

واتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في اجتماع العقبة، على وقف الإجراءات أحادية الجانب لأشهر محددة.

وجاء الاجتماع في ظل تصاعد التوتر بفعل انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه وتصاعد عمليات المقاومة الفردية بالقدس والضفة الغربية خلال الشهور الأخيرة.

كما اتفقا على عقد اجتماع مجددا في مدينة شرم الشيخ المصرية في مارس/آذار 2023 لتحقيق الأهداف التي جرى نقاشها في قمة العقبة.

نتائج القمة

مراسل القناة العبرية 11 (حكومية)، ذكر خلال تغطية عن أوضاع مصر وقمة العقبة، أنهم في إسرائيل، يعتزمون تعزيز تحركات من شأنها تعزيز الاقتصاد المصري في إطار العلاقات بين الطرفين.

أعطى المراسل "روعي كايس" مثالا على ذلك بأن وفودا اقتصادية إسرائيلية ستزور مصر لإنعاش اقتصادها المنهار، على غرار زيارة سبق أن أجراها وفد من رجال الأعمال الإسرائيليين بقيادة مدير المخابرات وقتها (وزير الخارجية الحالي) إيلي كوهين لشرم الشيخ عام 2021.

وأكد أن الموضوع قيد الدراسة، وأنه سيشمل "توسيع التجارة مع مصر وزيادة عدد الرحلات الجوية على خط شرم الشيخ للسياح الإسرائيليين"، بغية دعم اقتصاد القاهرة.

وفي 9 مارس 2021، زار وزير الاستخبارات الإسرائيلي وقتها إيلي كوهين مدينة شرم الشيخ في مصر، لأول مرة منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بصحبة وفد أمني واقتصادي ضخم.

ورغم الحديث عن أهداف اقتصادية، وحضور 20 رجل أعمال إسرائيلي بالمجالات الزراعية والصناعية والتجارية كافة وعقد قرابة 60 من رجال الأعمال المصريين والإسرائيليين لقاءات مشتركة، تردد أن الهدف دعم النظام عبر مشاريع اقتصادية.

وخلال نفس الزيارة تفقد "كوهين" سور شرم الشيخ الذي أنهت السلطات المصرية بناءه لحماية السياح الإسرائيليين، ومنعت دخول أهالي سيناء سوى من 4 أبواب أمنية محصنة منه بعد تفتيش دقيق.

وعبر حسابه على تويتر عاد "كايس" ليقول إنه علم من المسؤولين الإسرائيليين أن تدهور الوضع الاقتصادي في مصر كان ضمن مناقشاتهم مع نظرائهم الأميركيين، وهناك قلق من تفاقم الأزمة هناك بشكل أكبر.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية "سعيد بشارات" عقًب في تغريدة بموقع تويتر، على هذا التحرك بالقول إنه "أحد نتائج قمة العقبة".

"الاستقلال" سألت خبيرا سياسيا مصريا عن دلالات ذلك التحرك الإسرائيلي فرجح أن يكون نوعا من "النتائج الجانبية الأخرى لقمة العقبة".

إذ يجري مكافأة نظام عبد الفتاح السيسي على "خدماته" وهي لجم والضغط على المقاومة، خاصة في غزة، وتدريب قوات السلطة الفلسطينية التي ستواجه المقاومين داخل الضفة الغربية في مصر، مقابل دعم اقتصادي لا تعرف ماهيته بدقة".

الخبير رجح أن يكون الدعم الاقتصادي الإسرائيلي، والذي يصل بالفعل جزء منه لمصر في صورة عوائد من تصديرها الغاز الإسرائيلي عبر مصافيها وموانيها لأوروبا، بموجب "صفقة" جانبية غير معلنة، جرت في قمة العقبة.

ونشرت القناة 14 العبرية في 22 فبراير 2023 تفاصيل خطة وضعها الجنرال الأميركي مايك فنزل، منسق الشؤون الأمنية في السفارة الأميركية في تل أبيب، تهدف إلى تصفية المقاومة الفلسطينية في جنين ونابلس عبر عمليات قتل واغتيال ممنهج.

وقالت مصادر فلسطينية إنه سيجري تفعيلها عقب اجتماع العقبة، بالتعاون مع مصر والأردن.

وقد أشار الصحفي الإسرائيلي باراك ريفيد لهذه الخطة في موقع "أكسيوس" الأميركي مطلع فبراير 2023، مؤكدا أن دور مصر فيها هو تدريب قوات فلسطينية على قمع المقاومين الجدد في الضفة الغربية وفق خطة الجنرال "فنزل".

وأحد البنود الخمسة التي تتكون منها خطة "مايك فنزل" وفق "أكسيوس: هي: تدريب مصر والأردن قوات خاصة فلسطينية تضم 5 آلاف عنصر أمني، يعملون حاليًا في جهاز الأمن الوطني، بإشراف أميركي.

وشارك في الاجتماع الأمني بالعقبة، مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل ومسؤولو مخابرات الأردن وأميركا والسلطة الفلسطينية، لهذا الغرض.

وكان لافتا صدور بيان من البيت الأبيض عقب اجتماع العقبة الأمني في 26 فبراير 2023 يشكر فيه الرئيس جو بايدن، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على "دوره في تهيئة الظروف لنجاح اللقاء". وضمن هذا الدور، جاء الاتفاق على عقد الجتماع الأمني الثاني في شرم الشيخ.

سر القلق الإسرائيلي

ويقول المحلل السياسي "أنطوان شلحت" إن "ثمة مؤشرات قوية إلى ما يمكن اعتباره قلقا إسرائيليا من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، في الفترة الأخيرة، إلى عدم استقرار سياسي من شأنه أن يلحق أضرارًا بـ "معاهدة السلام" مع إسرائيل.

أوضح في تحليل نشره بموقع "عرب 48" الفلسطيني في 22 فبراير 2023 أنه إلى جانب هذا القلق، ظهرت مؤشرات ضمنية تشي بأن هناك تململا إسرائيليا من الموقف الذي صدر عن السيسي في أثناء مؤتمر "القدس صمود وتنمية".

وعقد هذا المؤتمر في جامعة الدول العربية في القاهرة 12 فبراير 2023. وفي كلمته، كرر السيسي الموقف الرسمي المعلن بشأن القدس ورفض أي تغييرات إسرائيلية فيها وأهمية الوصاية الهاشمية على الحرم القدسي، لكن ذلك أزعج تل أبيب.

عبر عن الانزعاج يوئيل غوجانسكي السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، ورئيس "المحور الإقليمي" في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب.

ولفت المحلل "أنطوان شلحت" إلى أنه "يمكن ملاحظة أن القلق الإسرائيلي من عامل الأزمة الاقتصادية ممزوج في العمق بإبداء التململ حيال موقف مصر عمومًا من القضية الفلسطينية".

وأرجع "شلحت" هذا التململ لثلاثة توجهات متعلقة بالقضية الفلسطينية، والصراع في الشرق الأوسط عمومًا، تكلم عنها السيسي، "وشُبّه للإسرائيليين أن مصر تخلّت عنها أو على الأقل نحتها جانبا"، وفق قوله.

التوجه الأول، كان تأكيد السيسي، في سياق كلمته أمام المؤتمر، أن ما تفعله إسرائيل في الوقت الحالي وسابقًا يعوق حل الدولتين، ويضع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والشرق الأوسط بأكمله أمام خيارات صعبة وخطرة.

ويسحب هذا التوجه البساط من تحت قدمي المقاربة التي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ عدة أعوام فرضها، وتقوم على قاعدة عكسية، من خلال اعتبار التطبيع الإقليمي الطريق لحل أو الأصح لإملاء حل للمسألة الفلسطينية يتساوق مع الرؤية الإسرائيلية.

التوجه الثاني يتمثل بتشديد السيسي على استمرار الجهود التي يبذلها النظام في دعم إعادة إعمار قطاع غزة، ودعوته لتخفيف معاناة الفلسطينيين هناك.

التوجه الثالث كان معاودة السيسي الحديث عن المبادرة العربية للسلام وضرورة تنفيذها، رغم رفض إسرائيل لها منذ إطلاقها عام 2002 وسعيها لإهالة التراب عليها مستعينة بتنكر دول عربية لها من خلال "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية. 

وقد تحدث سفير إسرائيل السابق بمصر إسحق ليفانون في مقال نشره بصحيفة "معاريف" 21 فبراير 2023 عما أسماه "تململا" إسرائيليا تجاه القاهرة بسبب انتقادها ممارسات الاحتلال في القدس وألمح لحاجتها لدعم اقتصادي.

وأشار ضمنا إلى أن حديث السيسي الذي أغضب إسرائيل جاء للضغط عليها لدعم نظامه اقتصاديا، مبينا أن "مصر تجتاز هذه الأيام أزمة اقتصادية حادة، ورئيس النظام تواق لمعونة مالية من الخارج".

ألمح إلى أن السيسي أطلق تصريحات دعم الفلسطينيين وأكثر منها في مؤتمر القدس بالجامعة العربية بالقاهرة، "ليضمن مزيدا من الدعم المالي وتجنيد التبرعات المالية، لنظامه".

ووجه السفير الإسرائيلي السابق رسالة للسيسي ملخصها: "لا تبحث عن دعم سياسي بتصريحات أن إسرائيل تقتحم الأقصى، وأنت تجتاز هذه الأيام أزمة اقتصادية حادة".

وبالتزامن مع هذه التطورات كتب "تسفي برئيل" المحلل السياسي بصحيفة "هآرتس" العبرية 2 مارس 2023 يسخر من حكومة السيسي لاستيرادها الطعام وعدم قدرتها على الانتاج ومعاناة المصريين مع الغلاء.

قال إن المصريين "يضطرون مع الجوع لملء بطونهم بطبق الكشري الذي ارتفع سعره أيضا والسيطرة على الجوع حتى المساء".

قال في هآرتس: "مصر تستورد الدجاج من البرازيل والأسماك من روسيا لكن من أين تستورد الدولارات؟!"، في إشارة لحاجتها لدعم إسرائيلي.

أشار إلى تخلي دول الخليج عن دعم مصر، مستندا إلى تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي قال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يناير، إنه من الآن فصاعدًا، ستتوقف السعودية عن تقديم مساعدات غير مشروطة.

وتحتاج مصر، إلى تدفق سريع وكبير من الدولارات، لكن مشاريع الجيش وهيمنته على الاقتصاد تطفش المستثمرين، وفق تقديره. 

قال إنه "يمكن للسيسي أن يدعي بشكل مبرر أنه وحكومته ليسا مسؤولين عن الأزمة التي هزت الاقتصاد المصري، ولكن هو مسؤول لأنه يوجه مبالغ ضخمة لمشروعات باهظة مثل العاصمة الإدارية التي تقدر تكلفتها بنحو 85 مليار دولار، والقطارات الكهربائية، لذا يهرب المستثمرون ويشكك الجميع في قدرة مصر على سداد ديونها".

"مصلحة إسرائيلية"

وفي 2 مارس 2023 نشر "معهد القدس للإستراتيجية والأمن" الإسرائيلي، دراسة عن تداعيات الأزمة المالية المصرية على المنطقة، محذرا من أن "انهيار نظام السيسي خطر على إسرائيل لذا يجب علينا إنقاذه".

الدراسة التي كتبها العقيد (احتياط) عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، أشار إلى أهمية أدوار مصر في حماية مصالح إسرائيل وآخرها دورها في اجتماع العقبة الأمني.

شدد على "أهمية سعي إسرائيل للحفاظ على استقرار النظام في مصر لأنه يواجه أزمة اقتصادية عنيفة بدأت دوائر تنظر إلى تداعياتها الاجتماعية المحتملة بقلق".

أكد بوضوح أن "استقرار نظام عبد الفتاح السيسي مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى لأن بديل انهيار نظام لدولة يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة على حدودنا، واستيلاء الإسلاميين على سيناء بالكامل أو جزئيًا وعلى مصر نفسها تشكل تهديداً خطيراً لأمن الدولة الإسرائيلية".

وشدد على أن "نظام السيسي، وعلى الرغم من قيامه بتصرفات خاطئة من وقت لآخر، يتخذ خطاً إيجابياً جوهرياً تجاه تحركات التطبيع في الدول العربية".

إذ شارك في منتدى النقب، إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، بناءً على طلب تل أبيب.

كما يعمل النظام من خلال القنوات الاستخبارية ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة، ويتحرك في قضية الأسرى والمفقودين، وفق الدراسة.

ولخص عيران ليرمان الأمر بقوله إن "العلاقات مع السيسي أكثر قرباً من أي وقتٍ مضى حتى ولو كانت مواقف مصر في الأمم المتحدة ضد إسرائيل".

لذا أقترح على صناع القرار في إسرائيل "السعي لاستخدام نفوذ تل أبيب على تشجيع دول الخليج نحو المساعدة في استقرار الاقتصاد المصري من خلال الاستثمار بالصناعة والبنية التحتية".

وكذا حشد المساعي لتوفير دعم دولي لمساندة اقتصاد السيسي، والتحذير من مخاطر ما قد يحدث لمصر حال انهيارها بفعل الاقتصاد، خلال المحادثات مع الولايات المتحدة وأوروبا.

أما عن كيفية دعم إسرائيل للاقتصاد المصري فلخصها تقرير "معهد القدس للإستراتيجية والأمن" في طريقتين "يمكن لإسرائيل المساعدة عبرهما بشكل مباشر للإسهام في إنعاش الخزانة المصرية التي تعاني من تدهور العملات الأجنبية".

الأولى تتمثل بزيادة توريد الغاز من الحقول الإسرائيلية، ما يسمح لمصر بتصدير الغاز الطبيعي المسال من المنشآت القائمة (التي جرى إغلاقها وعدم استخدامها لفترة طويلة) على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

"الثانية" توسيع اتفاقية "الكويز" QIZ (اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة)، والتي تسمح للصادرات المصرية بالوصول إلى الولايات المتحدة طالما أن هناك نسبة معينة من الخامات الإسرائيلية في المنتج المصري.

"علاوة على ذلك، يمكن لإسرائيل استخدام الأدوات الدبلوماسية المتاحة لها، سواء في إطار منتدى غاز شرق المتوسط EMGF، وكذلك في منتدى النقب الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية في مارس 2023 بالمغرب"، للترويج لحلول لمشاكل مصر".

مثل "تشجيع دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية على دعم خطة صندوق النقد الدولي لمصر عبر استثمار مبالغ كبيرة في الاقتصاد المصري، في إطار الخصخصة بعيدة المدى التي أُمليت على السيسي، ويشمل ذلك أصول الجيش".

و"العمل مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية لتقديم الدعم السياسي (والائتمان المالي) لخطوات إنقاذ النظام".

ومنذ ظهور المشكلات في الاقتصاد، سعت تل أبيب لاستغلال ذلك في توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع مصر التي كانت في السابق تقع في دائرة السلام البارد.

ففي 29 مايو/أيار 2022 صادقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع القاهرة، ضمن توجه مصري للاستفادة من التطبيع مع إسرائيل في توفير موارد للاقتصاد المصري المتدهور الذي يئن من وطأة الديون وفوائدها.

وذكرت وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، في بيان، أن "الخطة تهدف إلى توسيع التعاون الاقتصادي وفتح مشاريع البنى التحتية المصرية أمام الشركات الإسرائيلية.

وتنوعت التحليلات عن الأهداف الحقيقية وراء هذا التطبيع الاقتصادي، ومدى جدواه في إنقاذ الاقتصاد المصري من الأزمة الكبيرة التي يعاني منها حاليا، بينما يؤكد خبراء أن هذه التطورات في أصلها سياسية أكثر منها اقتصادية، لدعم نظام السيسي.

وتزامنت هذه الخطة مع إعلان دائرة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، في 29 مايو 2022 أن حجم التجارة السنوية بين إسرائيل ومصر (لا يشمل السياحة وصادرات الغاز الطبيعي) بلغ عام 2021 حوالي 330 مليون دولار بزيادة بنحو 60 بالمئة مقارنة بعام 2020.