إيران تتجاوز خط أميركا الأحمر وتقترب من القنبلة النووية.. ماذا بجعبة إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 28 فبراير/ شباط 2023 رصدها جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7 بالمئة في إيران، أي أقل بقليل من نسبة الـ90 بالمئة الضرورية لإنتاج قنبلة نووية، برز حديث عن قرب مواجهة مسلحة مباشرة مع إسرائيل.

وأكدت أوساط إعلامية وأمنية إسرائيلية أن تل أبيب ربما اتخذت قرارا بضرب منشآت إيران النووية بالتعاون مع أميركا أو بدونها، ولكن بتنسيق مشترك.

ورجحت أن يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لهذا الخيار بشدة؛ للخروج من أزمة انقسام المجتمع اليهودي بسبب سعيه لتقليص صلاحيات القضاء، خاصة بعد تجربة قصف منشآت المجمع الصناعي العسكري بمدينة أصفهان الإيرانية في 29 يناير/كانون الثاني 2023.

قنبلة نووية

وقال وكيل وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، كولن كال، مطلع مارس/آذار 2023، إن "إيران قادرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة في غضون 12 يوما، بعدما كان يمكنها ذلك خلال عام، حين كان الاتفاق النووي لعام 2015 ساريا"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

ويعتقد محللون إسرائيليون أن طهران استغلت انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي لتخلق عامل توازن مع تل أبيب وواشنطن عبر زيادة تخصيب اليورانيوم بما يصل إلى مرحلة إنتاج سلاح نووي.

ومنذ شهور، يتفاوض دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة و5 دول أخرى، في العاصمة النمساوية فيينا حول صفقة لإعادة فرض قيود على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق في مايو/ أيار 2018.

ويرى المحللون أن طهران مستمرة في استغلال الصراع الإسرائيلي الداخلي الحالي، حول صلاحيات القضاة، لتنفيذ مخططها، غير عابئة بالضربات الإسرائيلية لها في سوريا وداخل إيران طالما تسير في تنفيذ هدفها.

وتصر حكومة نتنياهو على اعتماد مشاريع قوانين من شأنها الحد من سلطة القضاء لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو ما تعده المعارضة انقلابا على الديمقراطية.

فيما يتخوف خبراء دوليون من أن أي ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية قد تعني صراعا عسكريا مفتوحا مع إيران، يمكن أن يؤدي إلى مواجهة إقليمية غير مسبوقة، من شأنها أن يؤثر على إمدادات النفط العالمية.

وحذروا من أن روسيا قد تشكل تحالفا مع إيران التي دعمتها في أوكرانيا، وقد تمدها بصواريخ إس-400، ما يعني تضييق فرص إسرائيل لضرب إيران بعد "دخول الرئيس فلاديمير بوتين المعادلة"، حسبما ذكر موقع "بلومبرغ" في 2 مارس 2023.

مؤشرات الضربة

وأكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 22 فبراير 2023 أن "نتنياهو عقد اجتماعات سرية مع قادة الجيش والمخابرات بهدف رفع درجة الاستعداد للمواجهة المحتملة مع إيران، وأن إسرائيل قد تتحرك وحدها ضد إيران".

وشرح المحلل العسكري نير دفوري على القناة الإسرائيلية "N12" في 22 فبراير 2023 تفاصيل أكثر مؤكدا أن نتنياهو أجرى 5 اجتماعات لمناقشة الاستعداد لمهاجمة المنشآت النووية في إيران.

وفقا لما أوردته القناة، شاركت في هذه النقاشات "النخبة الأمنية في إسرائيل"، والتي شملت وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش، الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس الموساد، دافيد برنياع.

بجانب رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" اللواء أهارون حليوة، ورئيس قسم العمليات اللواء عوديد بسيوك، وقادة وحدات الجيش، وأنهم "قرروا رفع التأهب والجهوزية لعملية ضد المنشآت النووية في إيران".

تزامن هذا مع تأكيد رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، ورئيس معهد دراسات الأمن القومي، تامير هايمان، أن "إستراتيجية تل أبيب في مواجهة البرنامج النووي الإيراني فشلت، ولا بد من الحل العسكري".

وقال هايمان في تحليل نشره موقع القناة العبرية "N12" في 21 فبراير 2023 إن التقرير الأخير لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية "يمثل جرس إنذار للجميع".

وأوضح أنه "لا فرق كبير بين التخصيب الذي تُجرِيه إيران على درجة 60 بالمئة والتخصيب الذي جرى الحديث عنه على درجة 84 بالمئة، لأن درجة التخصيب العسكري 90 بالمئة وإيران تقترب من ذلك".

ودعا إلى الاستعداد لخيار عسكري بالتعاون مع الولايات المتحدة، قائلا إنه يجب إعداد وتطوير تهديد عسكري موثوق به، من خلال التعاون الوثيق مع جيش الولايات المتحدة".

واعترف أن الإيرانيين لم يصلوا إلى القنبلة النووية بعد، وأنهم حتى لو قرروا التخصيب على درجة 90 بالمئة فإن هذا لا يعني الوصول إلى قنبلة، "لكن كلما وصلوا إلى هذا المستوى، فإن خيار شن هجوم عسكري فعال يأخذ في التضاؤل".

أيضا دعا رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، مئير بن شبات، كبير باحثي معهد دراسات الأمن القومي في تحليل بصحيفة "إسرائيل هيوم" في 21 فبراير 2023 لضرب إيران، داعيا الغرب لتعلم الدرس الأوكراني.

وقال بن شبات، إن رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي دعا زعماء الناتو والغرب قبل عام كامل للانتباه إلى أصوات الحرب القادمة من موسكو، ولكنهم تخاذلوا، "لذا يجب على الغرب الاستماع لتحذيرات إسرائيل حول النووي الإيراني وسرعة التحرك".

وتحدث عن "التآكل الذي طرأ على مكانة أميركا وأوروبا"، ما دفع إيران للوصول إلى إمكانية التخصيب على درجة 84 بالمئة والقدرة على الانتقال إلى 90 بالمئة في إنتاج اليورانيوم المخصّب.

وزعم بن شبات، أن "أمام زعماء الغرب فرصة لتطبيق دروس لحرب في أوكرانيا الآن، وتغيير مقاربتهم حيال طهران، وإدراك أن ما يفعله النظام الإيراني اليوم لا شيء، مقارنة بما سيسمح لنفسه بالقيام به إذا حصل على ترسانة سلاح نووي".

ووصف تقرير لموقع "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" الأميركي في 20 فبراير 2023 المستوى الجديد لتخصيب اليورانيوم في إيران بأنه تجاوز بكثير "الخطوط الحمراء" المعروفة على المستوى العالمي.

وأشار إلى أن "إيران حققت تقدما جديدا ومثيرا للقلق في برنامجها النووي بالنسبة لخصومها ودول الجوار".

رهان على روسيا

ونقلت "بلومبرغ" عن مصادر إسرائيلية وأميركية أن هناك مخاوف من حصول إيران على أنظمة "إس-400" الصاروخية الروسية، مشيرا إلى أن هذا "سيسرع القرار بشن هجوم محتمل على مواقع نووية إيرانية".

وقالت مصادر إسرائيلية وأميركية لوكالة "بلومبرغ" إن "احتمال حصول طهران على أنظمة إس-400 سيسرع القرار بشن هجوم محتمل على مواقع نووية إيرانية".

وأكد المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، أن نظام الدفاع الجوي الروسي (صواريخ إس-400)، الذي يمكنه إصابة أهداف جوية على مسافة تصل إلى 155 ميلا، سيخلق "منطقة حمراء للطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات عالية". 

وتابع: "كلما زادت دفاعاتهم الجوية، زادت صعوبة ضربهم، لذلك نحن نحلل أنسب وقت لاتخاذ الإجراءات".

وفي 21 فبراير 2023، شدد نتنياهو خلال كلمة في مؤتمر للأمن القومي على أن يجب "إحباط طموحات إيران النووية بتهديدات خطيرة بالقيام بعمل عسكري أو بوضع قاذفات في الجو".

وقال نتنياهو: "الشيء الوحيد الذي يمنع الدول المارقة من تطوير أسلحة نووية هو تهديد عسكري موثوق به أو عمل عسكري ذو مصداقية"، محذرا من أنه "كلما طال انتظارك (عن ضرب إيران) أصبح ذلك أصعب، لقد انتظرنا طويلا".

والمفارقة أن المحلل السياسي الإماراتي، سالم الكتبي، الذي يكتب في صحيفة "إسرائيل هيوم" اليمينية المتطرفة، حذر الغرب وإسرائيل في مقال بالصحيفة في 23 فبراير 2023 من أن "طهران تراهن على روسيا".

وقال الكتبي إن "إيران في سباق مع الزمن للحصول على القوة العسكرية بأشكالها كافة، في ظل حاجة موسكو إليها ودعم طهران لها بالمسيرات الجوية في حرب أوكرانيا".

وحذر من إن إيران "على وشك امتلاك قوة عسكرية نووية وترسانة صواريخ باليستية تصل إلى حدود أوروبا، وهذه كلها مشاكل وتطورات خطيرة يجب معالجتها على الصعيدين الإقليمي والدولي".

واستطرد الكتبي: "لكن لا أحد يريد حروبا جديدة في منطقة أمنها واستقرارها من رهاناتها المستقبلية".

وكان رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، إيهود باراك، قال إن "نتنياهو أجهض خططا في كل من 2010 و2011 لضرب إيران، بعد أن أقنعه رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت وزملاوه الوزاريون بعدم القيام بذلك"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 21 أغسطس/آب 2015.

وقال باراك أيضا إنه كانت هناك خطط في عام 2012 لتوجيه ضربة مماثلة، لكن العملية أُلغيت لأن إسرائيل كانت تجري تدريبات عسكرية مع الولايات المتحدة في ذلك الوقت، ولم يرغب نتنياهو في جر الجيش الأميركي إلى حرب مع إيران.

وفي 2 فبراير 2023، اتهمت إيران إسرائيل بشن هجوم بطائرات مسيرة على منشأة أسلحة في أصفهان، ولم تعلق إسرائيل على ذلك، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولين في المخابرات الأميركية في 29 يناير 2023 قولهم إن "الضربة كانت من عمل الموساد".

وقال مبعوث طهران بالأمم المتحدة، أمير سعيد إرافاني، إن "إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم، وإيران تحتفظ بحقها المشروع في الدفاع عن أمنها القومي والرد بحزم على أي تهديد أو مخالفة للنظام الصهيوني أينما ومتى رأت ذلك ضروريا".

الدور الأميركي

كان ملفتا، كشف موقع "إنترسبت" الأميركي في 2 مارس 2023 أن الجيش الأميركي "وضع خطة طوارئ للحرب مع إيران"، ما قد يشير ضمنا لتنسيق أميركي إسرائيلي حول ضربات محتملة.

الموقع أكد أن الجيش خصص ميزانية للإنفاق على عمليات طوارئ سرية تتعلق بخطة للحرب مع إيران، أطلق عليها اسم "دعم الحارس" وفق دليل ميزانية البنتاغون السري الذي أكد "إنترسبت" أنه اطلع عليه.

وأشار إلى أن الخطة مُولت منذ عامي 2018 و2019 وفقا للدليل الذي تم إصداره للسنة المالية 2019، وهي خطة طوارئ واسعة للحرب وضعها البنتاغون تحسبا لأزمة محتملة.

 

ونقل "إنترسبت" عن المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الرائد جون مور، قوله إن "إيران تظل المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في المنطقة وتشكل تهديدا للولايات المتحدة وشركائها".

ورأى أن "خطة الطوارئ تلك تعد مثالا على الدعم الأميركي لموقف إسرائيل تجاه إيران".

وأشار تقرير "إنترسبت" إلى أن الجيشين الأميركي والإسرائيلي أجريا مناورة عسكرية مشتركة في يناير 2023 هي الأكبر في تاريخهما، أطلق عليها "سنديان البازلت" (Juniper Oak) وشارك فيها 6 آلاف و400 جندي أميركي و1500 جندي إسرائيلي، وأكثر من 140 طائرة حربية و180 ألف رطل من الذخيرة الحية.

وقال "إنترسبت" إنه رغم تأكيد الناطق باسم البنتاغون، الجنرال بات رايدر، أن تلك المناورات لا يقصد منها التركيز على أي خصم أو تهديد معين، أوضح مسؤولون إسرائيليون أن "التدريبات وضعت لمحاكاة حرب مع إيران".

وأجرت الولايات المتحدة وإسرائيل العديد من التدريبات العسكرية المشتركة خلال الشهور الأخيرة، وأكد القادة الإسرائيليون إن "الهدف منها اختبار خطط هجوم محتملة على إيران"، وفق "إنترسبت".

مع هذا، أكد موقع "فورين أفيرز" الأميركي في 27 فبراير/شباط 2023 أن "الرهان في واشنطن هو أن المواجهة مع إيران يمكن أن تظل منخفضة المستوى وأنه يمكن تجنب صراع ثنائي أو إقليمي أوسع".

وتابع: "لكن الحكومة الأميركية تعتقد أن الردع ضروري لمنع وإبطاء تقدم طهران العسكري والنووي في غياب الدبلوماسية، والحسابات الإسرائيلية ترى أن نقاط الضعف الداخلية والعزلة الإقليمية لإيران، بالإضافة إلى إجراءات الردع العسكرية الإسرائيلية والأميركية المنسقة، هي التي ستحد من طموح إيران".

وتشكك واشنطن في وقوف دول الخليج مع إسرائيل وأميركا ضد البرنامج النووي الإيراني، بعد التطبيع الدبلوماسي الأخير بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربي، لأن تلك الدول خاصة الإمارات ليست متحمسة للضغط العسكري المتزايد على إيران.

ويرجع ذلك إلى خشية إغضاب إيران والقلق من الهجمات الإيرانية السابقة على منشآت النفط في دول الخليج العربي.

عبور الخطوط الحمراء

لم يكن التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 28 فبراير 2023 هو الأول الذي يؤكد رصد مفتشي الوكالة جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7 بالمئة، في موقع فوردو النووي السري الإيراني، فقد صدرت تقارير أخري مشابهة.

ففي 30 يناير 2023 حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، أيضا من أن "إيران لديها الآن ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج عدة قنابل نووية إذا اختارت ذلك".

فيما يرى محللون أن تقارير الوكالة الدولية تمثل خطرا على طهران، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل ستستغلانها لضرب إيران على غرار ما فعله الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بقصف بغداد بدعوى أن تقارير الوكالة الذرية تحذر ضمنا، بعكس حالة إيران، من إمكانيات نووية عراقية حينئذ.

لكن طهران نفت أن تكون وصلت إلى نسبة تخصيب 84 بالمئة، ونفت نيتها الحصول على سلاح نووي، وبررت ما كشفته الوكالة الدولية بأنه "تراكم غير مقصود" بسبب صعوبات تقنية في أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب.

الناطق باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أوضح أن "وجود ذرة أو ذرات يورانيوم أعلى من 60 بالمئة في عملية التخصيب لا يعني التخصيب فوق 60 بالمئة".

لكن التقرير التفصيلي السري الذي وزعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الدول الأعضاء أجج التوترات بين إيران والغرب حيال برنامج طهران النووي.

ووفق وكالة "أسوشيتد برس" مطلع مارس 2023 فإن حديث التقرير عن "جزيئات" فقط يشير إلى أن إيران لا تبني مخزونا من اليورانيوم المخصب بنسبة تزيد على 60 بالمئة، وهو المستوى الذي وصلت إليه منذ بعض الوقت.

وأفادت بأن إيران تكون قد أوشكت على التمكن من صنع قنبلة نووية، إذا صحت التقارير التي تفيد بأنها استطاعت تخصيب اليورانيوم بنسبة 84 بالمئة، ولكن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالقدرة على استخدام هذه القنبلة، أو إيصالها لأهدافها، وتوظيفها كسلاح ردع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

وترى الوكالة أن ما يثار عن وصول إيران للقدرة على صناعة قنبلة نووية بسبب زيادة التخصيب "قد يأتي بنتيجة عكسية عليها".