رغم العقوبات الأميركية.. كيف أصبحت الإمارات ملاذا آمنا للأموال الروسية؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحاول الولايات المتحدة سد المزيد من الثغرات التجارية التي تمنحها الإمارات للتجار لمساندة روسيا في التزود بالبضائع عبر موانئ دبي في ظل العقوبات الغربية على موسكو جراء غزو أوكرانيا.

فمنذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، شكلت الإمارات الملاذ الآمن لرجال الأعمال والأموال الروسية، بما منح موسكو رئة إضافية تتنفس منها مع إيقانها بحجم التكاتف الغربي لشلها اقتصاديا.

لكن أبوظبي أبقت الباب مفتوحا لموسكو لتحقيق مزيد من الالتفاف على الدول الأوروبية، حتى لو أثار ذلك امتعاض الولايات المتحدة التي تربطها علاقة قوية بالإمارات.

إلا أن واشنطن يبدو أنها لم تعد قادرة على غض الظرف عن سياسة الإمارات الاقتصادية التي تمنح روسيا منفذا تجاريا لسد احتياجاتها من السلع والخدمات التي انقطعت عنها عقب الحرب الجديدة على جارتها أوكرانيا.

وأدى موقف الإمارات الداعي إلى إنهاء الحرب على أوكرانيا من دون انتقاد روسيا، إلى جذب عدد كبير من الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات المفروضة على بلادهم.

كما امتنعت الإمارات عن التصويت على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وألبانيا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، في 25 فبراير 2022.

غضب أميركي

وبحسب ما نشرته مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير لها بتاريخ 21 فبراير/شباط 2023، فإن وزارة الخزانة الأميركية "أبدت انزعاجها صراحة من تزايد عدد تجار القطاع الخاص في دبي الذين يبيعون البضائع إلى روسيا من المنطقة الحرة في جبل علي".

وأكدت المجلة، أن الوفد الأميركي برئاسة وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون، ونائب مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية برادلي سميث، سعى عند وصوله إلى دبي مطلع فبراير/شباط 2023، للحصول على التزام من جمارك دبي بوقف إصدار موافقات التصدير.

ويقوم التجار من دول مختلفة بشراء واستيراد البضائع من جميع أنحاء العالم وشحنها إلى دبي، ثم بيعها وتصديرها إلى المشترين الروس عبر ميناء جبل علي.

وتشرف شركة "موانئ دبي العالمية" المملوكة لشركة "دبي العالمية" الإماراتية الوطنية على تشغيل هذه المنطقة الحرة.

ولاحظت وحدة الجرائم المالية الأميركية أنه بمجرد وجود شركة شحن، تسمح جمارك دبي بإجراء عمليات التحقق على مرأى من الجميع.

وتشحن معظم البضائع قبل وصولها إلى روسيا، فيما يعد ميناء جدة السعودي أحد الموانئ المستخدمة لهذه العمليات.

وتعبر تلك الموانئ جميع أنواع البضائع سواء كانت إمدادات غذائية غير مدرجة في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنتجات الممنوع تصديرها إلى روسيا أم السلع الكمالية المدرجة في القائمة.

وتحقق الوفد الأميركي من عمليات استحواذ مواطنين روس على عقارات في دبي، وكذلك من صادرات النفط.

وفي يوليو/تموز 2022، نقلت شركة "Sovcomflot" لشحن النفط -والتي تمتلك الدولة الروسية 82.8 بالمئة من أسهمها- أعمالها إلى دبي، حيث أسهمت شركة "SCF Management Services" التابعة لها في دبي في إتمام هذه العملية عبر علاقاتها مع شركة "مجموعة شرف" الإماراتية.

ويوشك الاتحاد الأوروبي أن يصدر قائمته العاشرة للعقوبات الاقتصادية ضد روسيا منذ 24 فبراير 2022، ويبدي الآن اهتماما بشركة "SUN Ship Management".

ملاذ الروس

تقول شركة "صان شيب مناجمنت" التي يقع مقرها في المنطقة الحرة المالية في دبي على موقعها على الإنترنت إنها أنشأت في عام 2012 من قبل مواطنين روس وإماراتيين.

بينما يشتبه الاتحاد الأوروبي في أنها نسخة ثانية من شركة SCF، وقد تواجه عقوبات بسبب دورها المزعوم في الشحن البحري للنفط والغاز الروسي عبر أسطول مكون من 92 ناقلة كانت تابعة سابقا لشركة Sovcomflot.

ورغم محاولة الإمارات لأن تثبت لفريق العمل المالي أنها تعمل على تحسين تدابير مكافحة غسيل الأموال، إلا أنها لا تظهر أي نية لإغلاق مناطق التجارة الحرة الخاصة بها والتي يوجد منها أكثر من 50 منطقة في جميع أنحاء البلاد معظمها في دبي، وفق "إنتلجنس أونلاين".

وتتمتع العديد من الشركات الموجودة في هذه المناطق بموافقة رسمية من السلطات الإماراتية، كشركة "Streit Group" لتصنيع المركبات المدرعة التي يقع مقرها في المنطقة الاقتصادية برأس الخيمة.

وسمحت وزارتا الداخلية والخارجية في الإمارات عام 2016 لمؤسس "Streit Group" الألماني غوتوروف بتصدير المركبات المدرعة إلى البلدان الخاضعة لحظر الأمم المتحدة.

وفي فبراير 2023، أصبحت المنتجات الروسية تشاهد على رفوف إحدى أكبر سلاسل البيع بالتجزئة في الإمارات، وذلك بفضل مشاركة الشركات في برنامج الترويج للمنتجات الزراعية الروسية في أجنحة العرض كجزء من دعم المنتجات الزراعية الروسية.

وبرزت دبي، المركز المالي والتجاري في الخليج، كملاذ للثروة الروسية عقب الحرب الأوكرانية.

وأصبح اقتفاء أثر "اليخوت الفاخرة" التي تعد أكثر علامات التباهي بثروة "الأوليغارشيين" الروس، والتي رصدت في الإمارات، واجهة العقوبات الغربية المفروضة على أصحاب المليارات الروس المعروفين بقربهم من الكرملين.

وشهدت إمارة دبي طفرة عقارية منذ انتهاء جائحة كورونا، غذاها تدفق المستثمرين خصوصا الروس، مما تسبب بارتفاع كبير في الإيجارات.

وتجذب دبي المستثمرين بسبب بنيتها التحتية المتطورة وبيئتها المناسبة للأعمال وسياستها الضريبية، وتوفر خدمات مختلفة يقدمها مئات الآلاف من العمال القادمين من آسيا.

وبينما لا تنشر السلطات البيانات بحسب الجنسيات، تقول وكالة "بيتر هومز" العقارية الرائدة في دبي، إن الروس كانوا في مقدمة المشترين الدوليين عام 2022، وفي المركز الثالث بين السكان.

وقال الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، بول غريفيث، لوكالة "فرانس برس" في 21 فبراير 2023 "رأينا نموا هائلا في السوق الروسية منذ التوترات بين أوكرانيا وروسيا".

وقدم نحو 1,9 مليون مسافر روسي عبر دبي ما يشكل "أكثر من ضعف" العدد عام 2021، بحسب غريفيث.

وكان الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، زار موسكو في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والتقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليصبح واحدا من عدد قليل من قادة الدول الذين قاموا بزيارة مماثلة منذ غزو أوكرانيا.

وأعلن مصرف الإمارات المركزي في 24 فبراير 2023، أنه يدرس "الخيارات المتاحة" بعد إدراج البنك الروسي "إم اتي إس"، الذي منح ترخيصا لفتح فرع في العاصمة أبو ظبي عام 2022، على لائحة عقوبات أميركية جديدة.

وبحسب بيان للمصرف الإماراتي نشرته وكالة "أنباء الإمارات" فإن البنك الروسي حصل على ترخيص "حسب إجراءات الترخيص المعتمدة لديه بعد استيفاء البنك لمعايير ترخيص فروع البنوك الأجنبية"، مشيرا أن البنك "أسهم في دعم التجارة المشروعة بين البلدين وخدمة الجالية الروسية بالإمارات".

وكان الكثير من الروس غادروا بلادهم هربا من إجبارهم على الخدمة العسكرية، بيد أن العديد منهم اشتكى من صعوبة فتح حسابات مصرفية في الدول التي ذهبوا إليها، وكان الروس هم أكبر مشتري العقارات في دبي عام 2022.

ويعد بنك "إم تي إس" التابع لأكبر مشغل للهواتف المحمولة في روسيا، أول مصرف أجنبي يحصل على ترخيص في الإمارات منذ أعوام عدة.

وأعلنت الولايات المتحدة، بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب على أوكرانيا، فرض عقوبات على 22 شخصية روسية و83 كيانا، بينها بنك "إم تي إس" الروسي في أبوظبي.

مساعدة الروس

لكن قرار منح "إم تي إس" ترخيصا للعمل يعد وفق مراقبين علامة على النفوذ الاقتصادي المتنامي لروسيا في الإمارات، ولا سيما أن التجارة غير النفطية بين البلدين نمت بنسبة 57 بالمئة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، في خطوة غير مسبوقة، وفق ما ذكر تقرير لموقع "ميدل إيست آي" في 24 فبراير 2023.

ونقل "ميدل إيست آي" عن خبيرة العقوبات في مركز الأمن الأميركي الجديد، راشيل زيمبا، قولها إن البنك كان "في الطليعة" لترسيخ نفسه في الإمارات، للاستفادة من تدفق المهاجرين الروس وفرص الأعمال الجديدة.

وأضافت "بالنظر إلى الحجم الكاسح للعقوبات التي أعلن عنها واشنطن، لم تكن الولايات المتحدة تستهدف الإمارات على وجه التحديد، ولكنها تتطلع إلى إغلاق جميع القنوات المالية المحتملة للكرملين".

كما أن "رويترز" نقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة في 4 فبراير 2023، قولها إن شركات التكرير الهندية بدأت في دفع ثمن معظم النفط الروسي الذي تشتريه من خلال شركات تجارية تتخذ من دبي مقرا لها، بالدرهم الإماراتي بدلا من الدولار الأميركي.

وبينما لا تعترف الهند بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، كما أن مشترياتها من النفط الروسي قد لا تنتهكها على أي حال، فإن البنوك والمؤسسات المالية تتوخى الحذر حيال تسوية المدفوعات حتى لا تقع دون قصد تحت طائلة الإجراءات العديدة التي فُرضت على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، تعهد وزير التجارة الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي بدفع التجارة إلى مستويات أعلى.

ويزدحم ميناء الفجيرة الإماراتي بالمنتجات نتيجة الواردات الروسية، وتتوقع شركة "كبلر" التي تتعقب شحن النفط أن تستورد الإمارات 3 ملايين برميل من زيت الوقود الروسي في فبراير 2023، و 4.34 ملايين في مارس/آذار 2023، ارتفاعا من 750 ألف برميل في فبراير 2022.

وأعلنت الولايات المتحدة رزمة عقوبات جديدة على روسيا، بعد عام تماما على بدء غزوها أوكرانيا، علما بأنها استهدفت أيضا وسطاء أوروبيين، وخصوصا في سويسرا.

ضغوط على الإمارات

وكان وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، قد أثار مسألة ترخيص البنك الروسي خلال زيارته أبو ظبي في فبراير 2023.

وقال مصدر مطلع على المناقشات: "لقد نقل (نيلسون) مخاوف واسعة النطاق بشأن الارتباط المالي مع روسيا، حتى عبر البنوك غير الخاضعة للعقوبات".

والتقى نيلسون بنظرائه الحكوميين والمؤسسات المالية للتعبير عن تصميم الولايات المتحدة على فرض عقوباتها، وفقا لبيان وزارة الخزانة.

وأضاف البيان أن "السلطات القضائية المتساهلة" تخاطر بفقدان الوصول إلى الأسواق المتقدمة من خلال ممارسة الأعمال التجارية مع الكيانات الخاضعة للعقوبات أو الفشل في تنفيذ العناية الواجبة الفعالة.

في المقابل، رفض المسؤولون في أبوظبي هذه المخاوف، قائلين إن الإمارات تسعى لوقف التدفقات المالية من الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات مع رفض التمييز ضد الشركات والأفراد غير الخاضعين للعقوبات.

ويأتي كل ذلك، وسط تكثيف واشنطن ضغوطها على الإمارات.

وأطلق المسؤولون الأميركيون سلسلة تحذيرات لأبوظبي لضمان تطبيق القيود على روسيا، مع احتمال اتخاذ إجراءات جديدة ضد الشركات والمؤسسات الإماراتية التي تساعد موسكو على التهرب من العقوبات الغربية.

ووفقا لوكالة "بلومبيرغ" فإن وكيل وزارة الخزانة الأميركية نيلسون ناقش في الإمارات مطلع فبراير 2023، خطوات تضييق الخناق على التهرب من العقوبات، حيث أبلغت الولايات المتحدة المسؤولين في أبوظبي بأن العلاقات المالية العميقة للإمارات مع موسكو تعرقل جهودها لعزل روسيا.

وكانت سويسرا سجلت زيادة كبيرة في واردات الذهب من الإمارات، منذ فرض العقوبات على روسيا، ودعت "المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي" غير الحكومية إلى مزيد من الشفافية لتحديد ما إذا كان هذا الذهب قادما في الأصل من روسيا.

وقالت المؤسسة، حسبما نقلت "رويترز" في مايو/أيار 2022، إن هذا يثير تساؤلات حول إذا ما كان الذهب الروسي يدخل سويسرا عبر دبي، وبالتالي يتم التحايل على العقوبات المفروضة على روسيا.

وتعد الصين ودبي من بين أهم وجهات تصدير الذهب من روسيا، التي هي ثاني أكبر منتج للذهب على مستوى العالم.