رائد الصالح.. أدار "الخوذ البيضاء" بنزاهة فأصبح موثوقا لدى السوريين والغرب
على مدى عقد من الزمن حافظ، "رائد الصالح" رئيس منظمة الدفاع المدني السوري المعارضة الملقبة بـ"الخوذ البيضاء"، على نزاهة عملها الإنساني في إنقاذ أرواح المواطنين من القصف والكوارث الطبيعية وبقاء صورتها نقية وموثوقة للتبرع من قبل دول الغرب.
واستطاع الصالح (39 عاما) أن يذهب بعيدا بـ"الخوذ البيضاء" ويحضر باسمها مؤتمرات وندوات عالمية في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا، بوصفها منظمة تعمل في مناطق المعارضة لإنقاذ حياة الناس من قصف نظام بشار الأسد وروسيا على بيوت السوريين.
والخوذ البيضاء"، منظمة إنسانية يبلغ عدد أفرادها 3 آلاف متطوع معظمهم من الرجال، وبينهم أيضا نساء، وينتمون للانتماءات السورية كافة، حيث التقى هؤلاء وبدأوا عملهم عام 2013 للاستجابة للقصف الجوي والبري على المدن والبلدات السورية من قبل نظام الأسد.
وتطور عمل المنظمة، إلى سد الثغرات الحاصلة بسبب سحب الخدمات العمومية الأساسية مثل الإطفاء والرعاية الصحية من المناطق التي باتت خارجة عن سيطرة النظام السوري.
النشأة والدافع
ولد رائد الصالح في مدينة جسر الشغور بريف إدلب السورية عام 1984، وقبل اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، كان تاجرا يبيع المعدات الكهربائية في مدينته، قبل أن يضطر في العام المذكور إلى النزوح منها بعد اقتحامات لقوات الأسد للمدينة وملاحقة الناشطين.
بعدها عاد الصالح إلى إدلب عام 2012، وبدأ في دعم النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية بعدما اشتدت عمليات النزوح والقصف بعض المدن.
ومنذ تلك الفترة كرس الصالح وقته لجهود الإغاثة الإنسانية على الحدود السورية التركية، ثم بدأ تدريجيا العمل مرة أخرى داخل سوريا، حيث ساعد في تأمين مأوى للنازحين داخليا ونقل المدنيين المصابين لتلقي العلاج في تركيا.
كانت اللحظة الفارقة في حياة الصالح، حينما سمع عن التدريب الذي قدم في مجال الدفاع المدني، وحضر إحدى الدورات التدريبية الأولى المقدمة في تركيا عام 2013.
وفي التدريب، أظهر خبراء البحث والإنقاذ للصالح، الفرق الذي يمكن أن يحدثه هذا العمل في حياة المدنيين العالقين تحت أنقاض الغارات الجوية اليومية التي يشنها النظام على المدن لإخماد الثورة التي تفجرت في مارس/آذار 2011 ونادت بإسقاط رأس الأسد.
وإدراكا من الصالح بأهمية عمل الدفاع المدني، استعمل معارفه وخبراته لإنشاء مراكز الدفاع المدني في إدلب، وأنشئ أول مركز منها في اليعقوبية بريف جسر الشغور، ثم تلته المراكز في بنش ومعرة النعمان بريف إدلب.
وأسست مراكز الدفاع المدني في جميع أنحاء محافظة إدلب، وذلك من خلال العمل مع المجالس المحلية التي أقيمت لإدارة المناطق والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام؛ بهدف ضمان بقاء الخدمات سارية للمواطنين والعمل على إحلال سلطة تدير شؤون المناطق.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حضر الصالح الاجتماع التأسيسي الأول في مدينة أضنة التركية، إلى جانب نحو 70 من قادة فرق الدفاع المدني في سوريا.
وحينها وضع المجتمعون ميثاقا للمبادئ الخاصة بالمنظمة لتعمل تحت القانون الإنساني الدولي، وجرى الاتفاق على تأسيس مظلة وطنية لخدمة السوريين، وإطلاق اسم "الدفاع المدني السوري" عليها، تحت شعار مقتبس من القرآن الكريم "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
وحتى عام 2014، كان الصالح مسؤولا عن 600 متطوع في الدفاع المدني بإدلب، وانتخب فيما بعد رئيسا للدفاع المدني السوري، الذي باتت فرقه منتشرة لاحقا في جميع مناطق المعارضة التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد.
رجل مؤثر
جرى تكريم رائد دوليا بحصوله على العديد من الجوائز على المستوى الوطني والسلام الدولي والمساهمات الإنسانية.
كما سلم نهاية عام 2016 وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني آنذاك، الصالح جائزة "حقوق الإنسان ودولة القانون".
وصنف الصالح وفق مجلة "تايم" الأميركية، نهاية أبريل/نيسان 2017، كأحد أكثر 100 شخصية تأثيرا حول العالم.
وفي نسخة "صناع الأمل" عام 2017 برعاية محمد بن راشد حاكم دبي وحضوره، شاهد ابن راشد مأساة السوريين مع الأسد من خلال اختيار أبطال "الخوذ البيضاء" كنموذج لصناع الأمل، وتكريم رئيس المنظمة، الصالح.
نجح الصالح في استثمار تمثيله لمنظمة الدفاع المدني السوري في المحافل الدولية، في عرض معاناة السوريين في ظل القصف والتعرض الدائم للخطر، ومساهمات الدفاع المدني في إنقاذهم "بحيادية ودون تمييز على أساس الطائفة أو المنطقة".
ففي عام 2015، شارك الصالح في جلسة لمجلس الأمن، وتحدث عن عمل الدفاع المدني، قائلا "لست سياسيا ولا دبلوماسيا، وإنما أنا مجرد عامل بحث وإنقاذ، لذا أعذروني لصراحتي فيما أقوله فمأساة شعبي لا تحتمل مواربة في طرحها".
وفي تصريح صحفي عام 2019 قال الصالح، إن "أهداف الدفاع المدني قادرة على أن تخدم الإنسانية في أي مكان في العالم، حيث إن العالم اليوم يغرق في الكوارث الطبيعية والبشرية من فيضانات وحروب والتغير المناخي، بالإضافة إلى قمع الحريات حيث باستطاعتنا أن نكون موجودين في أي بلد لمواجهة هذه الأمور والتخفيف عن المدنيين".
وحينما حصل الدفاع المدني السوري، على جائزة "الإدارة العالمية للقيادة"، عن فئة "قيادة الخدمات المدنية" عام 2017، قال الصالح إن "الجائزة مهمة جدا بالنسبة لنا، وهي إثبات جديد من المجتمعات والدول المتحضرة التي تسعى للديمقراطية والحرية، على الدور الذي نقوم به في سوريا".
كما حضر الصالح فعاليات "مؤتمر بروكسل" بنسخته الثالثة، التي انعقدت في الفترة بين 12 و14 من مارس/آذار 2019.
وجه موثوق
وكثيرا ما اجتمع "الصالح" مع عدد من المسؤولين الأميركيين ومنظمات العمل الإنساني في مدينة نيويورك، عقب مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة كمندوب عن الدفاع المدني في سوريا، وذلك لتسليط الضوء على الوضع الإنساني في الشمال السوري.
وتقديرا لجهود عناصر "الخوذ البيضاء" التي يبذلونها لإنقاذ المدنيين في ظروف خطرة، حصل هؤلاء على إشادة عالمية بتضحياتهم.
وتتلقى المنظمة تمويلا من عدد من الحكومات بينها بريطانيا وهولندا والدنمارك وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات.
في كلمة لمدير الدفاع المدني، الصالح، خلال جلسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في 11 مارس/آذار 2020، لخص الحالة السورية.
وقال الصالح حينها: "أنا لم آت إلى هنا للحديث عن الاحتياجات الإنسانية، أريد أن أكون واضحا جدا، ما يحدث في سوريا ليس زلزالا أو إعصارا يمكن حله بتمويل من المساعدات الإنسانية، لا يمكن لأي مبلغ من المال وقف سقوط برميل واحد فوق سرير طفل، لا يمكن لأي مبلغ من المال أن يعيد عائلة نازحة واحدة إلى منزلها".
وكثيرا ما أقر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بدعم "الخوذ البيضاء"، ومنها عام 2019، حينما أعلن تقديم 4.5 ملايين دولار كدعم مباشر لهم، وذلك بهدف مواصلة دعم الولايات المتحدة لعمل المنظمة المهم والقيم جدا في سوريا.
وأعلنت الحكومة البريطانية تقديمها تمويلا إضافيا لمنظمة "الخوذ البيضاء" بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني (963 ألف دولار)، لمواجهة آثار الزلزال المدمر، حسبما ذكرت شبكة "بي بي سي" البريطانية في 10 فبراير 2023.
ومطلع فبراير/شباط 2019، تسلم الصالح من "صندوق قطر للتنمية" مبلغ مليوني دولار، من أجل القيام بمشاريع إغاثية وتنموية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وكثيرا ما تخلف الصالح عن دعوات وجهت إليه لحضور مؤتمرات دولية أو ندوات أو تسلم جوائز مثل فوز فيلم "الخوذ البيضاء" بجائزة "أوسكار" في الولايات المتحدة، بسبب انشغاله في تنسيق أعمال الإنقاذ جراء عمليات القصف التي تتعرض لها مناطق المعارضة من قبل قوات نظام الأسد وروسيا.
وأمام تقصير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في إغاثة متضرري الزلزال الذي ضرب مناطق المعارضة شمال غربي سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، اتهم الصالح الأمم المتحدة ومؤسساتها الإغاثية بالفشل الذريع في الاستجابة للكارثة التي خلفت آلاف القتلى والجرحى المدنيين بينهم نساء وأطفال وعائلات بأكملها.
حملة تحمل الوسم #محاسبة_الأمم_المتحدة لدعم الاخ رائد الصالح مدير #الدفاع_المدني_السوري لمحاسبة فريق الأمم المتحدة، لأنهم تسببوا بمقتل الآلاف من الشعب السوري.
— حيان أبو رشيد (@hayanhababa) February 17, 2023
"رائد الصالح" يكشف عن التهديد والابتزاز الذي صرح به وفد الأمم المتحدة قبل يومين أثناء زيارة #إدلب وشمال #حلب. pic.twitter.com/MDVAI4h9ps
وكتب الصالح على حسابه في تويتر قائلا: "بلغني أن وكالات الأمم المتحدة منزعجة من الاتهامات بتقصيرها في الاستجابة للكارثة الإنسانية بعد الزلزال في سوريا وتهدد المنظمات الإنسانية السورية وتطالبها بتحديد دورها، وذلك بدل العمل على تصحيح أخطائهم بعد الاعتراف بتقصيرهم".
وعقب الزلزال كتب الصالح مغردا في 9 فبراير: "أجمل كلمة سمعتها من ناجٍ من تحت الأنقاض: كنت مؤمنا أنكم ستأتون وتنقذوني… نحن نعمل لأننا نعلم بأن هناك من ينتظرنا بأمل".
يقول رائد عن نفسه إن "هدفي في الحياة هو إنقاذ المزيد من المدنيين وتدريب الناس على إنقاذ بعضهم البعض ونقل المعرفة والخبرة التي اكتسبتها من خلال عملي الميداني لجميع الناس في جميع أنحاء العالم.. نحن بدأنا عملنا عملا بالآية القرآنية (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)".