كامل الوزير.. جنرال مصري "ينحل وبر" الشعب لتحقيق أحلام العسكر

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يرى كثير من المصريين أن وزير النقل الجنرال كامل الوزير، صاحب النفوذ الأقوى في حكومة مصطفى مدبولي وأقربهم إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي. 

كما يعد الوزير من القلائل الذين يوليهم السيسي ثقة مطلقة في كثير من الأمور داخل الدائرة الضيقة المقربة منه، نظرا لتمتعه بخصلتين أساسيتين، وفق مراقبين، هما الولاء الكامل والقدرة الكبيرة على تنفيذ الأوامر.

وفي في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ما وصفوه بزلة لسان السيسي، خلال حديثه بأحد المؤتمرات مع كامل الوزير.

وقال السيسي خلال حديثه عن مشروعات النقل موجها كلامه للوزير: "أنت نحلت وبرنا (أخذت كل شيء) بالفلوس التي أخذتها"، ما أكد الأحاديث عن انتشار الفساد بوزارة النقل وإنفاق الأموال على مشاريع طرق وجسور بلا جدوى.

صعود سريع

ولد كامل عبد الهادي فرج الوزير، بمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية عام 1959، وهو خريج الدفعة 17 في الكلية الفنية العسكرية مطلع يوليو/ تموز 1980.

وكان تخصص كامل الوزير في مجال الإنشاءات، حيث حصل على عدد من الشهادات كان أبرزها ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان وزمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا.

بعد ذلك تدرج في التراتيب الإدارية داخل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المنوط لها بتنفيذ مشاريع ضخمة عسركية ومدنية.

والتحق بوظائف مختلفة في سلاح المهندسين بالجيش، حتى وصل إلى رتبة مدير سلاح المهندسين واستمر في العمل به 3 سنوات.

وعندما قامت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كان كامل الوزير من قيادات الوسط في الجيش، ومن المجموعة التي تم تصعيدها لاستلام زمام الأمور، خلال عهد المجلس العسكري. 

لذلك كان الوزير من الذين شهدوا وأسهموا في الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو 2013، بصفته من الجنرالات المقربين لوزير الدفاع آنذاك السيسي.

وفي يوليو 2014، بعد أشهر من تسلم السيسي مقاليد الحكم، تم تكليفه رئيسا لأركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

 وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 ترقى إلى منصب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وهو تسلسل سريع ومتوقع في ذلك الوقت، وشهدت تلك الفترة بزوغ نجم كامل الوزير بقوة. 

بعدها أشرف الوزير على عدد من مشاريع السيسي المثيرة للجدل، في مقدمتها حفر تفريعة غير مجدية لقناة السويس، صُرف عليها مليارات الدولارات، مع خداع الشعب أنها "قناة جديدة وستضاعف العائدات".

السطو على الوزارة

وطوال سنوات ما بعد الانقلاب، اعتاد الوزير الظهور بالقرب من السيسي في المناسبات العامة والمشاريع القومية المشكوك في نجاعتها وأهميتها مثل العاصمة الإدارية الجديدة.

وهو مشروع عمراني ضخم ينفذ في الصحراء شرقي القاهرة ويضم مقرا للحكومة وآخر للبرلمان وثالثا للجيش، فضلا عن حي للمال والأعمال ومنشآت أخرى مختلفة، بتكلفة إجمالية تتجاوز 60 مليار دولار.

ويعد كامل الوزير من المنفذين الأوائل والأساسيين للمشروع الذي أثقل خزينة الدولة بالديون. 

لكن في 10 مارس/ آذار 2019 أسند السيسي على الهواء مباشرة مهمة وزارة النقل إلى كامل الوزير بعد ترقيته إلى رتبة فريق، مبشرا المصريين بزوال عصر حوادث القطارات وصون دماء المواطنين.

وبرر السيسي حينها سطو جنرالات الجيش على الوزارات المدنية في مؤتمر مباشر بالقول: "أنا أعطي هذه الوزارة واحد من أحسن ضباط الجيش".

وجاء إسناد وزارة النقل إلى الوزير، جاء عقب حادثة قطار محطة مصر، يوم 27 فبراير/ شباط 2019، عندما اصطدم جرار القطار بالحاجز الخرساني لمحطة رمسيس، متسببا في انفجار وحريق كبير أودى بحياة 21 وإصابة 52 آخرين.

وقتها تمت الإطاحة بوزير النقل هشام عرفات، وجاء الجنرال الوزير مكانه وسط ترويج من أذرع إعلام السيسي بأن مشاكل قطاع النقل في مصر لن يقدر عليها إلا رجل عسكري على شاكلة الوزير، الذي وعده السيسي آنذاك بتقديم كل ما يحتاجه المرفق من دعم.

لكن وكما توقع الكثيرون، وبعد مرور أعوام من تسلم الوزير قطاع النقل، ومنحه ميزانية ضخمة لم تتح لوزير من قبله، لم يتوقف بعد نزيف المصريين على الطرق خاصة قضبان قطارات السكك الحديدية.

وفي 4 أبريل/ نيسان 2019، تداول ناشطون مقطعا مصورا للوزير أثناء جولة تفقدية بإحدى محطات القطارات، وهو يلقي أوامر مباشرة إلى "الكمسري" (بائع التذاكر) قائلا: "لو بتسيب الناس تزوغ (لا تدفع ثمن التذكرة) يبقى أمشيك وأوفر مرتبك".

الوزير تحدث مع العاملين في "هيئة سكك حديد مصر"، وحثهم على ضرورة تحصيل التذاكر من الركاب، وفي نفس الوقت قال: "بعد أن يزيد الإيراد نقعد نقسم الغنائم، لكن لن نقسم الغنائم واحنا خسرانين".

وهذه الحادثة تسببت في غضب من أسلوب الجنرال القاسي مع العاملين وكأنه لم يغادر الجيش بعد.

وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أثار الوزير، غضبا كبيرا، عندما رفض طلب سيدة بتخفيض ثمن تذكرتها نظرا لكونها مرافقة فقط لابنها المصاب بمرض التوحد.

ورفض الوزير بشكل قاطع تقديم أي مساعدة للمواطنة المصرية، قائلا: "الإعفاء يشمل ابنها فقط، وعليها دفع ثمن التذكرة كاملا، كأي مواطن".

وشدد الوزير في حديثه للسيدة إلى أن "عدم امتلاكها ثمن التذكرة، يعني عدم قدرتها على الركوب مجانا، وبالتالي عليها عدم الطلب من أي جهة تخفيض ثمن التذكرة أو إعفائها منها".

بعدها جاءت واقعة مقتل الشاب محمد عيد في 30 أكتوبر 2019، بعد أن قفز مع زميل له من قطار مسرع في مصر، بناء على طلب من مشرف القطار، لأنهما لا يملكان ثمن التذكرة.

حوادث مميتة 

الغريب في مسيرة كامل الوزير داخل وزارة النقل المصرية، أنه جاء على وقع حادثة قطار مميتة راح ضحيتها عشرات المواطنين، وبشر الإعلام أن قدومه سيكون إيذانا بانتهاء ذلك العهد.

لكن على العكس تصاعدت الحوادث في عهده، وخضبت قضبان السكك الحديد بدماء مئات الأفراد، وبقي الجنرال على رأس الوزارة رغم ذلك.

ففي أبريل/ نيسان 2020، انحرف القطار المتجه من محافظة كفر الشيخ إلى مدينة "بيلا" عن مساره عند قرية "أبو تمادة"، ما تسبب في وقوع عشرات الإصابات.

بعدها في سبتمبر/ أيلول 2020، اندلع حريق كبير في أحد القطارات بمحطة قطار المنيا، كاد أن يودي بحياة المئات.

وبدأت الحوادث المميتة فعليا في 26 مارس/ آذار 2021، وهي حادثة اصطدام قطاري سوهاج بصعيد مصر، التي راح ضحيتها 32 شخصا حسب ما أعلنته وزارة الصحة، بينما قال شهود عيان من موقع الحادث إن عدد القتلى يصل إلى المئات.

وكانت الواقعة من أفدح حوادث القطارات في السنوات الأخيرة، وأكثرها مأساوية خلال ولاية الوزير.

وبعدها بأقل من شهر في 18 أبريل/ نيسان 2021، أعلنت وزارة الصحة المصرية أن 11 شخصا لقوا مصرعهم و98 آخرين أصيبوا بجروح خطيرة عندما انحرف قطار عن قضبان السكة الحديد بالقرب من مدينة طوخ شمال القاهرة.

وفي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أُصيب 27 طالبا في حادث تصادم بين قطار وحافلة تابعة لإحدى الجامعات الخاصة، بمزلقان في منطقة الحسينية بمدينة الزقازيق في الشرقية، ما جدد أحزان حوادث القطارات في مصر.

وسبق أن أعلنت الحكومة المصرية أن الهيئة القومية لسكك الحديد شرعت في تنفيذ خطة شاملة لتحديث وتطوير منظومتها الأساسية بكلفة إجمالية تصل إلى 200 مليار جنيه (نحو 8 مليارات دولار)، بهدف الحد من حوادث القطارات. 

فساد الوزير 

ولم تخل مسيرة الوزير من فساد وإشكاليات مالية، ففي 30 سبتمبر/ أيلول 2020، كشف موقع "عربي 21" الإلكتروني عن وثائق رسمية، تثبت تورط الوزير، في التستر على وقائع فساد وإضرار بالمال العام.

وأظهرت الوثائق تورط رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري (تابعة لوزارة النقل)، اللواء إسماعيل عبدالغفار، في الاستيلاء على المال العام، والتربح من أعمال الوظيفة العامة، وتهديد الأمن القومي والاقتصاد المصري.

وذكرت الوثائق المحالة إلى النائب العام المصري، بقيام عبدالغفار تحت أعين الوزير، بإنشاء أكاديمية بحرية خاصة قائم عليها، تتضمن مخالفات كثيرة تضر باسم وكيان الأكاديمية العربية كمنظمة تابعة للجامعة العربية.

واتهم البلاغ اللواء إسماعيل عبد الغفار، والفريق كامل الوزير، باستخدام أصول الأكاديمية، المملوكة للدولة، بغرض التربح والثراء، من شراكة الأكاديمية مع "الأكاديمية البحرية اليونانية العربية الخاصة".

وتضمنت الوقائع، التصريح بإصدار شهادات إلى الدارسين بالأكاديمية الخاصة، رغم عدم انتظامهم بالأكاديمية.

وتحتل مصر المركز 117 في مؤشر مدركات الفساد من بين 176 دولة، وفق مؤشر عام 2021 الذي أعلنته منظمة الشفافية الدولية.

ورغم ذلك، لا تستطيع أي جهة في مصر محاسبة كامل الوزير، أو أي من جنرالات الجيش، حيث يخضعون لحصانة تجعلهم فوق القانون والدولة. 

ففي 20 يوليو 2022، قام السيسي بإصدار قرار عسكري يمنح ضباط الجيش وعائلاتهم حصانة وامتيازات غير مسبوقة.

وجرى تعميم القرار على جميع مؤسسات وأجهزة الدولة للعمل طبقا لما جاء فيه بشأن أسلوب التعامل مع ضباط الجيش وذويهم.

ونص القرار على أن "وزارة الدفاع هي الوزارة السيادية رقم (1) في البلاد، ويتمتع السادة الضباط والأفراد فيها بحصانة تمنع أي جهة مدنية من مساءلتهم، ومن يمس بهذه الحصانة يخضع للتحقيق الفوري والمساءلة أيا من كان من المؤسسات المدنية".

وأضاف: "بما في ذلك أي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني، إذ يتم القبض على المخالفين عن طريق الشرطة العسكرية".