علي محمود عباس.. عسكري سني اختاره الأسد وزير دفاع لشراء رضا الخليج
عاد وزير دفاع النظام السوري، علي محمود عباس المنحدر من الطائفة السنية، إلى دائرة الضوء مجددا، بعدما التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في العاصمة الروسية موسكو.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، شهدت موسكو، اجتماعا لأول مرة منذ عام 2011، بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة.
وذكرت وزارة الدفاع التركية في بيان أن الاجتماع الثلاثي ناقش الملف السوري ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا.
والدفع بعلي عباس لحضور اجتماع كهذا غير مسبوق بعد قطيعة سياسية لأكثر من عقد بين نظام الأسد وأنقرة، لم يأت من فراغ.
بل كان ضمن إستراتيجية رأس النظام بشار الأسد الجديدة لعام 2022، القائمة على الانفتاح على دول الجوار والدول العربية بشكل خاص، وفق مراقبين.
ولا سيما أن تعيين الأسد لعلي عباس بمنصب وزير للدفاع كانت مفاجأة لأقوى أجنحة النظام العسكرية التي كانت تدفع باسم اللواء سليم حربا نائب رئيس هيئة الأركان العامة والمنحدر من مدينة القرداحة مسقط رأس الأسد لتولي هذا المنصب.
وفي 28 أبريل/نيسان 2022، أصدر الأسد مرسوما حمل رقم "115" عين فيه اللواء "علي محمود عباس" وزيرا للدفاع، خلفا للعماد علي عبد الله أيوب.
وبعد يومين، أصدر الأسد مرسوما حمل رقم "121"، رفع فيه وزير دفاعه الجديد عباس من رتبة لواء إلى عماد.
النشأة العسكرية
ولد عباس عام 1964 في بلدة إفرة بريف دمشق من أسرة سنية وهو متزوج وله أربعة أولاد، وانتسب إلى الكلية الحربية عام 1983 اختصاص مدرعات، وتخرج برتبة ملازم عام 1985 وتدرج بالرتب حتى رقي إلى رتبة لواء مطلع عام 2018.
عمل في اختصاص مدرعات وكان وفق ما أكد زملاؤه الضباط العسكريون لـ "الاستقلال" من الطلاب الأوائل في كلية المدرعات بحي الوعر في حمص، يعرف بشار الأسد شخصيا كونه كان مدربا بكلية المدرعات.
قبل أن يتولى منصبه الجديد كوزير للدفاع في حكومة الأسد، شغل علي عباس العديد من الوظائف القيادية كان آخرها نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة منذ مارس/آذار 2021.
أجرى علي عباس دورات عسكرية داخل سوريا وخارجها، أبرزها، دورة قيادة أركان في باكستان عام 1997، ودورة دفاع وطني في الكلية الملكية لدراسات الدفاع في بريطانيا عام 2000- 2001، ودورة إدارة أزمات دولية في الكلية الملكية السويدية بالسود عام 2003.
وكذلك دورة في توجيه دفاع الدولة في الكلية الملكية لهولندا عام 2004، ودورة في إصلاح القطاع الأمني في الدول الخارجة من الصراعات في بريطانيا عام 2006.
ويعد عباس أول عسكري برتبة لواء يجرى تعيينه في منصب وزير الدفاع، في ظل حكم الأسدين، إذ إن كل الوزراء الذين سبقوه للمنصب الحساس كانوا برتبة عماد.
وجرى ترفيع عباس لرتبة عماد، على الرغم من أنه لم يسبق له أن تولى قيادة فرقة عسكرية أو فيلق أسوة ببقية وزراء الدفاع منذ عهد العماد أول مصطفى طلاس، وهو أول وزير دفاع يحمل رتبة لواء منذ عام 1972.
وحصل علي عباس على أوسمة عدة مثل "وسام الشجاعة من الدرجة الممتازة"، و"وسام الإخلاص من الدرجة الممتازة".
ويعد عباس خامس وزير للدفاع في حكومة نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/آذار عام 2011، وذلك بعد أيوب المولود عام 1952 في مدينة اللاذقية من أسرة علوية وشغل منصب وزير الدفاع منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2018.
ويتولى وزير الدفاع بسوريا، عادة مسؤولية قيادة المؤسسات والعمل على تعزيز جهوزيتها للتصدي للتحديات كافة التي تواجه الدولة خارجيا وداخليا. كما يتولى إدارة والتخطيط للمعارك العسكرية التي قد يواجهها الجيش.
دور شكلي
اللافت أن الأسد، عين علي محمود عباس في وقت تشهد فيه جبهات المعارك مع فصائل المعارضة جمودا منذ عام 2020، بمعنى أنه لا يواجه ضغوطا كأسلافه.
ولا توجد سوى بعض المناوشات العسكرية عند نقاط التماس بين قوات الأسد والمعارضة في ريف حلب وإدلب، فضلا عن شن طيران النظام الحربي قصفا جويا متقطعا على مناطق المعارضة بالشمال السوري والتي تسفر بعضها عن قتلى وجرحى.
ومع ذلك، فإن ظهور علي عباس، منذ تعيينه في منصبه، يقتصر على مجموعة من المناسبات الشكلية.
وتعرض عباس لإهانة غير لائقة حينما دعته روسيا لحضور احتفالات يوم البحرية الروسية الذي نظمته في ميناء طرطوس، على الساحل السوري، في 31 يوليو 2022.
إذ منع جندي روسي وزير دفاع النظام السوري من مرافقة قائد تجمع القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشيكو، خلال عرض عسكري، عبر إرجاعه بيده.
وهي حادثة تجرعها بشار الأسد نفسه حينما منع أيضا من اللحاق بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال زيارة أجراها إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية عام 2017.
وبمناسبة الذكرى الـ77 لـ"الحرب الوطنية الروسية العظمى والانتصار على النازية"، شارك علي عباس في حفل أُقيم في القاعدة الروسية بـ "حميميم" في 9 مايو 2022.
وألقى حينها كلمة هنأ خلالها الضباط والجنود الروس في القاعدة بـ"اليوم التاريخي"، مؤكدا على تقدير "تاريخ الشعب الروسي العظيم"، وفق ما نقلت وكالة النظام الرسمية "سانا".
كما نفذ جولات عدة على أبرز التشكيلات العسكرية لقوات الأسد، للاطلاع على جهوزيتهم وأوضاعهم وطبيعة مهامهم.
وظهر علي عباس حينما وقع اتفاقية تعاون عسكري مع جمهورية "أبخازيا" غير المعترف بها دوليا، خلال زيارة وزير الدفاع الأبخازي فلاديمير إيفانوفيتش إلى سوريا، في 30 مايو/أيار 2022.
وحضر علي عباس في 10 يونيو/حزيران 2022 تدريبات بالذخيرة الحية لإحدى فرق قوات الأسد، إلى جانب العماد أول إليكساندر تشايكو قائد القوات الروسية العاملة في سوريا.
وكذلك إلى جانب العميد سهيل الحسن الملقب بـ "النمر"، رجل روسيا الأول في سوريا وقائد مليشيا لها تسمى "الفرقة 25 مهام خاصة" وهي الأكثر استخدما للأسلحة الروسية المتطورة في المعارك، فضلا عن دعم وإسناد مباشر من الخبراء والضباط الروس.
وجرى التدريب المذكور، في وقت شاعت فيه أخبار عن إرسال "النمر" مجموعات من مقاتليه إلى جبهات القتال في أوكرانيا، ولا سيما أن النظام السوري أخرج في 12 مارس 2022 شريحة من قواته، للقتال مع الجيش الروسي في كييف.
وجاء ذلك بعد فتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم السادس عشر لغزو بلاده للجارة أوكرانيا، الباب أمام المتطوعين للقتال إلى جانب القوات الروسية، إذ هب رئيس النظام السوري بشار الأسد "ملبيا النداء".
تعيين مدروس
تحول منصب وزير الدفاع منذ عهد الأسد الأب، حافظ، حينما تسلم السلطة عام 1971 إلى منصب فخري دون أي صلاحيات حتى تلك الواردة في نص الدستور السوري المعدل عام 2014.
وهذا ما ينطبق على عباس، الذي تسلم دفة الدفاع لجيش منهار، في وقت تعد المليشيات الإيرانية والروسية أعلى كعبا منه.
وجاء التسلم أيضا في وقت يواجه فيه رأس النظام بشار الأسد ثورة شعبية ما تزال تهدد حكمه بعد أن تسلمه وراثة عن أبيه عام 2000 إثر وفاته.
تقول مصادر عسكرية، إن علي عباس عرف بابتعاده عن العمليات العسكرية خلال الثورة السورية التي تفجرت منذ مارس 2011.
ولعل ذلك، أحد الأسباب الرئيسة للزج به في هذه المرحلة التي حدد فيها الأسد برنامجه لإعادة تعويم نظامه بنفسه في ظل انشغال حليفته روسيا بحرب أوكرانيا.
وفي هذا السياق، يقدم العقيد السوري المنشق عبد الجبار عكيدي، في مقالة صحفية نشرت في 3 مايو 2022، على موقع تلفزيون سوريا المعارض، جزءا من الدور الوظيفي لـ "علي عباس".
يقول عكيدي: "وزير الدفاع الجديد معروف بقربه من استخبارات الأسد، بل ربما على ارتباط مع مخابرات دول أخرى جرى تجنيده بها خلال الدورات الخارجية التي تم إيفاده إليها، والنظام منذ عهد الأسد الأب يتقن جيدا التعامل مع مثل هذه الحالات ويوظفها لتحسين علاقاته بالدول".
ومضى يقول: "قد يكون اختيار الأسد لهذه الشخصية السنية رسالة واضحة إلى بعض الأطراف الخليجية التي بادرت بخطوات تطبيعية معه".
وفي هذا إشارة إلى الإمارات التي استقبلت بشار الأسد في 18 مارس 2022، في أبو ظبي، والتقى رئيسها محمد بن زايد (كان حينها وليا للعهد) وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم.
ويلفت عكيدي، إلى "عدم إمكانية تجاهل العلاقة الجيدة للواء علي محمود عباس بأسماء الأسد زوجة بشار، التي تسعى للسيطرة والتحكم بكل المفاصل المهمة للدولة وعلى رأسها الجيش والأمن".
رسالة الأسد
وبين العقيد أن تعيين عباس أحدث "خرقا كبيرا في معايير الترقي وتولي المناصب، فقد احتاج الأسد لتعيينه تجاوز سبعة عشر ضابطا أقدم منه وأحق بالمنصب".
وأردف قائلا: "أذكر منهم ثلاثة من نواب رئيس الأركان يتقدمونه في القدم العسكري هم اللواءات: سليم حربا، جمال شحود، صالح العلي، وأيضا كفاح ملحم (رئيس شعبة المخابرات العسكرية)، غسان بركات إسماعيل (مدير إدارة المخابرات الجوية) وآخرين أحيل تسعة منهم إلى التقاعد".
وختم قائلا: "يمكننا القول إن الأسد أراد التخلص من هذه الشخصيات التي لم يعد وجودها يجسد ضرورة، بل ربما باتت عبئا عليه".
وسبق أن رأى الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد، في حديث سابق لـ "الاستقلال" أن تعيين علي عباس، محاولة للتغطية على ما مجازر سابقة لقوات الأسد بحق السوريين وإظهار الوجه الجديد أمام الدول العربية عبر مسرحية وتمثيلية على الشعب السوري بأن هناك وزير دفاع من الطائفة السنية.
وتؤكد دوائر بحثية أن نسبة المسلمين السنة في سوريا لا تقل عن 80 بالمئة من إجمالي السكان.
لكن يتحكم 97 بالمئة من ضباط الطائفة العلوية التي يتبع لها رأس النظام بشار الأسد، بفرق الجيش والأولوية والأجهزة الأمنية.
بينما تشكل النسبة المتبقية من باقي الطوائف السنية والمسيحية والدرزية والمرشدية في قوات الأسد.
وكتب فراس نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، الذي خبر دوائر صنع القرار بسوريا قبل عام 2011، في منشور له على صفحته بفيسبوك في 7 مايو 2022، أن أسماء زوجة بشار، كلفت وزير الدفاع الجديد بعدة دراسات أنجزها بشكل جيد فطلبت من زوجها تسميته وزيرا للدفاع.
أما الباحث في معهد "الشرق الأوسط" تشارلز ليستر، وصف عبر تويتر علي عباس بـ"القائد الفخري للفرقة الرابعة".
وأكد ليستر أن التعيين يشكل توحيدا كبيرا لما عدها "سيطرة العائلة الحاكمة على الجيش السوري عبر استخدام الوكيل المفضل لماهر الأسد".
وبحسب منظمة "مع العدالة"، فإن الفرقة الرابعة تولت عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 الدور الرئيس في عمليات قمع السوريين، نتيجة عدة أمور.
أهمها وفق المنظمة، أن الفرقة الرابعة هي وريثة "سرايا الدفاع" التي ارتكبت مجازر في ثمانينيات القرن العشرين ضد أبناء الشعب السوري وخصوصا في مدينة حماة 1982.
كما أن أغلب عناصر الفرقة الرابعة هم من الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار وماهر الأسد.
وأمام سير تطورات المعارك بدأت الفرقة بتجنيد فصائل شيعية عراقية ضمن صفوفها، كمليشيا "لواء الإمام الحسين الشيعي"، لتصبح ضمن المعسكر الإيراني ويحسب ماهر على إيران لا روسيا.