فيصل العرايشي.. رئيس لتلفزيون المغرب اتخذ "وضع النعامة" في مونديال قطر
منذ أن تولى رئاسة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الرسمية في المغرب، عام 2005، يواجه فيصل العرايشي فشلا تلو الآخر انتهى بمطالبات شعبية برحيله، ولكن دون نتيجة.
ومن مناسبة إلى أخرى، يتعرض العرايشي للانتقادات مع المطالبة عبر منصات التواصل الاجتماعي برحيله، فيما يرجح الصمت واختيار "وضع النعامة" حتى تمر العاصفة بسلام.
ومع التغطية "الرديئة" لاستقبال المنتخب الوطني "أسود الأطلس" قادما من مونديال قطر، تعالت من جديد أصوات المطالبة بإقالته.
ونجح "الأسود" في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية بعد تأهله للدور نصف النهائي بالمونديال عقب فوزه على البرتغال، بهدف دون رد في 10 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وبات المغرب ثالث منتخب من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في 2002.
"وضع النعامة"
بعد "النقل الكارثي" بحسب المتابعين لاستقبال "أسود الأطلس" في 20 ديسمبر 2022، طالب عدد من البرلمانيين باجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والتواصل في مجلس النواب.
وفي هذا الصدد، طالب رئيس الفريق الاشتراكي، عبد الرحيم شهيد، بعقد اجتماع "لجنة التعليم والثقافة والاتصال" للانعقاد بحضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، والمدير العام للقطب العمومي، العرايشي، ومديري القنوات التلفزية العمومية.
وبحسب المراسلة الموجهة للجنة في 23 ديسمبر، فإن الأمر يتعلق بمناقشة موضوع "الإعلام السمعي البصري بالبلاد، ومدى مواكبته للتطور التكنولوجي ومساهمته في التطور الاقتصادي والاجتماعي والرياضي والثقافي الذي تعرفه المملكة".
من جانبه، قال الإعلامي، نور الدين اليزيد: "تغطية فريق العرايشي التلفزيوني لحفل استقبال المنتخب الوطني، كانت بدائية وغير احترافية، على مستوى الإخراج التلفزيوني وجودة النقل".
وأضاف في تدوينة نشرها على فيسبوك في 21 ديسمبر، "تخللت (النقل) العديد من التقطيعات، أضف إلى ذلك غياب تعليق احترافي شبه تام، طيلة التغطية الضعيفة، وهو ما أثار سخط الجماهير الذين فضلوا متابعة عودة أسود الأطلس عبر قنوات تلفزيونهم الوطني العمومي".
وبين أن "السخط ترجمه المواطنون عبر صفحاتهم وحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي عبروا فيها عن جام غضبهم، وسخروا من تلفزيون عمومي كيف به ما يزال يستعمل معدات تصوير قديمة بينما في حفلات خاصة يستعمل الناس كاميرات متطورة ثلاثية الأبعاد ودرونات تصوير".
وختم اليزيد تدوينته بالقول "فيصل العرايشي.. سير سير سير فحالك (اذهب إلى حال سبيلك)"، أي استقيل واترك هذه المهمة.
وبدورها، قالت الإعلامية المغربية، فاطمة النوالي: "تخلف التلفزة المغربية موعدها كالعادة مع الأحداث المهمة.. نقل رديء لوصول أسود الأطلس…تصوير بدائي وغياب المهنية في كل شيء.. تعليق، مذيعين، ضيوف، بلاتوهات".
وأضافت في تدوينة على حسابها في الفيسبوك في 20 ديسمبر: "لا شيء يستحق المشاهدة.. اغتيال للفرح ولانتظارات المشاهدين..بلا هذا المباشر .. فضحتونا".
وشددت النوالي على أنه "يلزمنا وليد ركراكي (مدرب أسود الأطلس) آخر لإعادة الحياة للتلفزيون المغربي".
وبشكل دوري، تتصاعد المطالب برحيل العرايشي خاصة خلال رمضان، بسبب السيتكومات (البرامج الفكاهية) التي يصفها المشاهدون عادة بـ"الحامضة"، والبرامج والمسلسلات التي لا ترقى إلى الجودة التي ينتظرها المشاهد.
وفي أبريل/نيسان 2022، احتل وسم "العرايشي ارحل" الصدارة على التريند بالمغرب احتجاجا على بث القناة "الأولى" الرسمية لمسلسل "فتح الأندلس" لمخرجه الكويتي محمد العنزي.
وتداول ناشطون مغاربة الوسم المطالب برحيل المدير العام لـ"الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة"، العرايشي، مصحوبا بتغريدات تستنكر ما عدته تحريفا للتاريخ وإساءة للمغرب.
واتُهم المسلسل بتصوير "المغرب الكبير مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق الأموية، والمغاربة مجرد (كومبارس) تحت قيادة شخصيات شامية، بينما التاريخ المدون كله عكس ذلك".
سيرة وانفتحت
فيصل العرايشي، ولد في 19 يناير/كانون الثاني 1961، بمدينة مكناس (شمال)، وهو الرئيس العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
وهو أيضا رئيس شركة الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (سورياد- دوزيم)، والجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب منذ عام 2009، نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش.
حائز على درجة الماجستير في العلوم من جامعة "ستانفورد" الأميركية عام 1986، عمل بعد التخرج لفترة قصيرة كمهندس في باريس.
بعدها شغل من 1987 إلى 1988 منصب المدير المسؤول عن إعادة هيكلة وإعادة تنظيم "الشركة الشريفة" للأعمال الإفريقية.
كان مؤسس ومدير ""سيغما تكنولوجي، وهي شركة متخصصة فيما بعد الإنتاج، والرسومات الحاسوبية والإنتاج والوسائط المتعددة 1989-1999.
عيّنه الملك محمد السادس لرئاسة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وكذلك شركة "صورياد 2"وهو رئيس تطوير المشهد السمعي البصري في المغرب، على وجه الخصوص.
في عام 2004، عين نائبا لرئيس مجلس إدارة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش. وفي 2012، انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لاتحاد البث الأوروبي. وفي يونيو/حزيران 2017، انتخب رئيسا للجنة الأولمبية الوطنية المغربية (CNOM).
وطوال مشواره على رأس الدارة العاملة للتلفزيون، تعرض العرايشي للاستياء والسخط من المواطنين وأيضا من الموظفين في القطاع التابع له، جراء بث مسلسلات بعيدة عن القيم والهوية المحلية للبلاد، ودون برامج تنقل نبض الشارع وهمومه.
ويصف ناشطون تراجعات المؤسسة بـ"الخطيرة" على مستوى الحقوق والحريات وسوء التدبير وسياسة الريع وتراكم الاختلالات والتضييق على العمل النقابي وحرية التعبير وتردي الأوضاع المهنية.
وأيضا لغياب "إستراتيجية إعلامية للخدمة العمومية وتغليب الهاجس الأمني والمنطق الاستبدادي التحكمي على حساب العمل الصحفي المهني وجودة المنتوج وكرامة العاملين والمهنيين ومتطلبات المواطن"، بحسب بيانات سابقة ومتفرقة لـ"تنسيقية نقابات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة".
وتعيش "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة" بشكل مستمر على أنباء رحيل الرئيس المدير العام للشركة العرايشي.
ويرى مراقبون أن "أكبر مرفق إعلامي عمومي" تغيب عنه معايير الحكمة، مع فشله في منافسة الإعلام المحلي والإقليمي، مما دفع المشاهدين إلى تحويل "أجهزة تحكمهم" إلى قنوات أجنبية.
والقنوات التلفزيونية المعروفة بـ"القطب العمومي" ويترأسها العرايشي، تشمل 9 قنوات تلفزيونية، و16 محطة إذاعية.
والقنوات هي، الأولى، الثانية، الرياضية، الرابعة، المغربية، السادسة للقرآن الكريم، السابعة للأفلام، الثامنة تمازيغت، والجهوية للعيون.
مضمون فارغ
موقع "الصحيفة" يقول عن هذا الأمر: "يعجز الكثير من المتتبعين للشأنين الإعلامي والرياضي في المغرب عن فهم مصدر القوة التي يتمتع بها العرايشي حتى توضع بين يديه مقاليد أهم مؤسسة عمومية للإعلام السمعي البصري وأهم مؤسسة رياضية، دون أن يُكتب في سيرته الذاتية أي إنجاز يشفع له بذلك".
وفي مقال نشره في 10 أبريل/نيسان 2022، أضاف "فلا الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قادرة على منافسة القنوات الأجنبية في زمن أضحى فيه الإعلام ركيزة أساسية من ركائز القوة الناعمة، ولا اللجنة الأولمبية نجحت في صناعة أبطال يعيدون للمغرب أمجاد التتويجات في المحافل الدولية".
وبين أن "المثير في الأمر هو أن الرجل يترقى من موقع إلى آخر دون إبراز أي كفاءة واضحة، رغم أنه لم يُخلف إلا الفراغ في المضمون والتأثير".
وتابع: "في الناحية المقابلة حصد رئاسة اللجنة الأولمبية الوطنية من بوابة رئاسته للجامعة الملكية المغربية للتنس، وهو الذي دخلت هذه الرياضة في عصره حالة من السقوط الحر بشكل يكاد يمحو كل تاريخها المشرق حين كان المغرب ينافس أكبر المدارس العالمية".
وقال موقع "البلد" المحلي إنه "رغم التطورات الكبيرة التي أحدثها في التلفزة المغربية، ظل العرايشي يحصد باستمرار غضب المشاهد المغربي، وخلقت برامجه خصومات كثيرة مع المشاهد، أسهمت بشكل كبير في هجرة المشاهدين لوجهات متعددة".
وأضاف في مقال نشره في 26 يونيو/حزيران 2021 أنه "وحده المشاهد المغربي الذي لا يملك إمكانية الانفتاح على قنوات دولية وعربية، يعتقله العرايشي لمشاهدة شبكة برامجه وعلى مضض".
وشدد على أن "هولدينغ إعلامي عمومي في حاجة إلى إطار قانوني جديد، وفي الحاجة أيضا الى روح جديدة ودماء جديدة ومسؤولين جدد بحجم المرحلة والمتغيرات التي تحدث في قطاع حيوي وكبير".
وقال الكاتب عبد الله الدامون: "العرايشي كان يقال عنه منذ سنوات إنه الرجل الذي قتل التلفزيون، وتبين الآن أنه لم يقتل التلفزيون فقط، بل أيضا كفنه وواراه التراب، وإنا لله وإنا إليه راجعون".
وأضاف في مقال "حتى وزراء الاتصال المتعاقبين لم يستطيعوا الاقتراب من ضيعة العرايشي الكبيرة، ففيها عدة قنوات وتأثيرها لا يصل أنفها".
واستطرد: "كأن العرايشي هو رئيس الحكومة وليس أحدا غيره، وهو لا يسمح لأحد بالاقتراب من مملكته السعيدة، مملكة التلفزيون التي يبدو أنه تمت خصخصتها في اسمه، ومن يقترب من حدودها سيجد في انتظاره الكثير من المفاجآت".
وعد الدامون أن "العرايشي صار اليوم رمزا تلفزيونيا شهيرا، أكثر شهرة من أبطال الأفلام والمسلسلات الرديئة التي يبثها في تلفزيونه. إنه الرجل الذي لم يقتل التلفزيون فقط، بل قتل آمال المغاربة في إعلام حقيقي".
وتابع: "إنه رجل تولى منصبه الحالي قبل أزيد من عقد من الزمن، وهو إلى اليوم لا يزال في نفس المكان، لأن المغرب لا يوجد فيه رجل واحد يمكن أن يتحمل مسؤولية التلفزيون غير العرايشي".
وختم الدامون مقاله بالقول: "إنه ببساطة الرجل الملهم المبدع الخارق، إنه السوبر مان الذي خرق كل قواعد اللعب وصار شبيها بالحاكم المطلق".