نيجيرفان البارزاني.. رئيس إقليم كردستان العراق صديق واشنطن وطهران
في ظل خلافات يشهدها "كردستان العراق" بين الحزبين الكرديين الرئيسين، يطرح رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني نفسه وسيطا لإنهاء الأزمة التي تهدد بتقسيم إلى وحدتين إداريتين، واحدة تضم أربيل ودهوك، والثانية في السليمانية.
بدأت الخلافات بعد اتهام حكومة الإقليم التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني، قيادات بالاتحاد الوطني الكردستاني باغتيال العقيد هاوكار الجاف بمدينة أربيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022، والذي كان قد انشق سابقا عن جهاز أمني تابع للاتحاد الوطني.
ويتقاسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، الحكم في كردستان العراق، في الحكومة وبرلمان الإقليم بعد عام 2003.
كما لا يزال الاتحاد الوطني يتحكم في إدارة محافظة السليمانية منذ تمتع الإقليم بالحكم الذاتي في تسعينيات القرن العشرين.
"رجل التهدئة"
على الرغم من أن نيجيرفان من أبرز قياديي الحزب الديمقراطي، فإنه يلعب حاليا دور الوسيط بين حزبه والاتحاد الوطني الكردستاني.
وأكد نيجيرفان البارزاني خلال بيان صدر عنه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 أن "الحاجة باتت أكثر من أي وقت إلى وحدة الصف والتلاحم بين جميع القوى خاصة بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين".
وأشار إلى أن "بقاء ونجاح وحماية إنجازات إقليم كردستان لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الوحدة"، مؤكدا أن "الانفصال والانقسام والصراع ونبذ البعض للآخر هو فشل لإقليم كردستان".
وجدد البارزاني تأكيده أن "انتصار إقليم كردستان وجميع القوى والأحزاب والطوائف ولا سيما الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لن يتحقق إلا بالوحدة والتضامن".
ويحاول نيجيرفان البارزاني، حل الخلافات التي تتصاعد بين الحين والآخر بين الحزبين الكرديين، ومثلت زيارته إلى محافظة السليمانية في مايو/أيار 2022، والتصريحات التي أدلى بها إيذانا بفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.
أتت زيارة البارزاني إلى السليمانية في ظل خلاف حاد بين الحزبين الكرديين حول منصب رئيس جمهورية العراق.
إذ أصر الاتحاد الوطني في وقتها على إعادة تسمية الرئيس السابق برهم صالح لولاية ثانية، بينما عارض ذلك بشدة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وطالب بتغييره.
وفي زيارته إلى السليمانية، أعلن بارزاني عن التوصل إلى أرضية مشتركة مع الاتحاد الوطني الكردستاني لإنهاء الانسداد السياسي في الإقليم والعراق، مجريا لقاءات مع قيادات في الصف الأول للقوى السياسية الكردية من بينها قيادات في حركة "التغيير" و"الاتحاد الإسلامي" الكردستاني.
وعقب جولته السياسية، وفي كلمة له في مراسم تخرج الدفعة السادسة عشرة لطلبة الكلية العسكرية، قال "لقد نجحنا في إيقاف الحرب الإعلامية بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، كما توصلنا إلى أرضية لحل الانسداد السياسي"، في إشارة إلى اتفاق بين الطرفين حول ملف رئاسة الجمهورية.
وشدد البارزاني وقتها على أنه "لا توجد مشاكل لا يمكن حلها، ولكن هناك الكثير من العقبات التي تظهر بين الحين والآخر". وأوضح البارزاني "مازلنا متواصلين مع الأطراف في العراق وإقليم كردستان لمعالجة الانسداد السياسي الحاصل".
مهندس العلاقات
لم يكن دور نيجيرفان مقتصرا على التهدئة الداخلية، وإنما ساهم في إعادة العلاقات بين الإقليم وتركيا، بعد القطيعة التي حصلت بين الطرفين جراء إقدام رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني على إجراء استفتاء لاستقلال الإقليم عن بغداد في 25 سبتمبر/أيلول 2017.
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كشف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يبحث طلبا للقاء، نيجيرفان البارزاني، والذي كان يشغل في وقتها منصب رئيس حكومة إقليم كردستان.
وتعليقا على طلب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق لقاء الرئيس التركي، قال قالن إنه "سيتم تقييم الطلب والقرار الأخير للرئيس أردوغان"، بحسب ما أعلنه في مؤتمر صحفي نقلته قناة "تي آر تي" التركية.
ونقلا عن موقع "رووداو" الكردي في نوفمبر 2017، قال قالن إن "أردوغان سيستقبل نيجيرفان البارزاني، في الوقت المناسب كما كان يستقبله في السابق بصفته رئيس وزراء إقليم كردستان، وإذا ما تلقينا طلبا بهذا الشأن فإننا سنقوم بتقييمه".
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، قالت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، إن رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، وصل إلى تركيا للقاء المسؤولين الأتراك.
ونقلت الوكالة عن مراسلها في ولاية شرناق الحدودية مع العراق، قوله إن البارزاني دخل الأراضي التركية برا، من معبر خابور الحدودي، قبل أن يستقل طائرة خاصة من مطار "شرف الدين ألجي" بشرناق، وتوجه إلى إسطنبول.
وقبل ذلك، نقلت صحيفة "عربي 21" في أكتوبر 2017، عن النائب في البرلمان العراقي عن الجماعة الإسلامية، زانا سعيد أن "خلافات داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشأن إجراء الاستفتاء موجودة وهناك تباين بين قادته ما قبل الاستفتاء".
وأوضح البرلماني الكردي في وقتها أن "نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم لم يكن متحمسا لإجراء استفتاء الاستقلال في كردستان، على خلاف ما كان عليه رئيس الإقليم مسعود البارزاني".
وأعرب سعيد عن اعتقاده بأن "تصل الخلافات إلى تخلي دول الجوار وخصوصا تركيا وإيران، إضافة للدول الداعمة الأخرى عن مسعود، ليحل محله ابن شقيقه نيجيرفان رئيس حكومة الإقليم الحالية".
وقرر مسعود البارزاني، في أكتوبر 2017 التنحي بعدما أعلن رفضه الاستمرار في منصبه، أو التعديل على قانون رئاسة الإقليم، أو تمديد مدة الرئاسة.
وكذلك، لم يقطع نيجيرفان اتصالاته مع بغداد، وبذل جهودا مكثفة وزار العاصمة العراقية مطلع عام 2018، والتقى رئيس الوزراء وقتها حيدر العبادي بهدف تخفيف الاحتقان الذي تلا الاستفتاء ودخول القوات العراقية إلى محافظة كركوك، وبقية المناطق المتنازع عليها.
وتُحسَب له علاقته الجيدة مع الإيرانيين أيضا، حيث لعب دورا في إعادة العلاقات بين الإقليم وجارة العراق الشرقية التي عارضت خطوة مسعود البارزاني في تنظيم الإقليم استفتاء الانفصال عن العراق والأزمة التي حدثت على إثره.
كما أن لنيجيرفان علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، استغلها للحصول على دعم غربي لقوات "البيشمركة" الكردية، بعضه لا يزال مستمرا حتى هذه اللحظة.
رئيس الإقليم
نيجيرفان إدريس البارزاني المولود في 21 سبتمبر/أيلول 1966 في ناحية بارزان بمحافظة أربيل، هو سياسي كردي عراقي، حفيد مصطفى البارزاني، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وابن شقيق زعيم الحزب الحالي، مسعود.
وفي 28 مايو/ أيار 2019، انتخب برلمان إقليم كردستان العراق، نيجرفان، رئيسا جديدا للإقليم خلفا لعمه مسعود الذي ترك المنصب إثر تداعيات استفتاء الانفصال نهاية عام 2017، وهو ثاني رئيس للإقليم منذ اكتسابه صفة دستورية عام 2005 عقب الاحتلال الأميركي للعراق.
نيجيرفان يعد الرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد زعيم الحزب، هاجر إلى إيران مع عائلته عام 1975 هربا من السلطات العراقية.
ومع ريعان شبابه كانت له ميول سياسية حتى أكمل دراسته في العلوم السياسية بجامعة طهران، وانتمى مبكرا لـ "الحزب الديمقراطي"، وفي عام 1989 أصبح قياديا في الحزب.
يطلق عليه في الإقليم لقب "الابن الأول لمسعود البارزاني" وحوله يُثار كثير من الشائعات، بسبب قربه من الأخير الذي يفضله على أبنائه الأربعة وخاصة مسرور رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، الطامح بقوة لخلافة أبيه بالحزب الأهم في الإقليم.
احتضان البارزاني ابن أخيه كان قد بدا واضحا، منذ وفاة والده إدريس نهاية الثمانينيات القرن العشرين.
فهو متزوج أيضا من نبيله ابنة مسعود البارزاني أيضا ولديه منها أربعة أطفال، وحصل أخيرا على الدكتوراة من إحدى الجامعات الأميركية.
عُرفت عنه هوايته بالخيل والصيد وحبه الأدبَين الكردي والفارسي، إذ يجيد اللغات الكردية والفارسية والإنجليزية بطلاقة، ولا يجيد العربية نطقا لكن يفهمها استماعا ويرد عليها بالكردية أو الإنجليزية.
بدأ نيجرفان رحلته مع المناصب المهمة في إقليم كردستان عام 1996 حين أصبح نائبا لرئيس الوزراء، ثم رئيسا للوزراء في أربيل عام 1999.
وعام 2006 انتخب كأول رئيس حكومة في إقليم كردستان العراق بعد توحيد إدارة محافظات الإقليم، وانتخب في الوقت ذاته نائبا لرئيس "الحزب الديمقراطي"، وعام 2014 جرى انتخابه رئيسا لحكومة الإقليم مجددا.
يتمتع نيجيرفان بشعبية في محافظتي أربيل ودهوك، بعد أن وظف سنوات وجوده في السلطة لإطلاق عدد من المبادرات التي تهدف لتحسين المستوى المعيشي، ورفاهية المجتمع، فضلا عن اهتمامه بالقضايا الاقتصادية في إقليم كردستان.
ومن ضمن تلك المبادرات، اتباعه سياسة تنمية الموارد الطبيعية، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجوار والمجتمع الدولي، وتعزيز الاقتصاد المحلي والاستثمار الأجنبي، والدفاع عن حقوق المرأة، وتنمية وتعزيز عملية التربية والتعليم العالي.