بينهم منتمون لحزب الله.. تعرف على أسرار تجنيد إسرائيل عملاء في لبنان

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

وسعت الأزمة الاقتصادية اللبنانية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2019 ولا تزال، من الخرق الإسرائيلي عبر تجنيد العملاء في لبنان الداخل رسميا بحالة حرب مع الكيان ممتدة منذ عام 1948.

وكشفت الانهيار الاقتصادي القاسي الذي ضرب لبنان، وأودى وفق أرقام أممية بـ 90 بالمئة من مواطنيه في براثن الفقر، جانبا خطيرا من استغلال إسرائيل لمشاكل هذا البلد ذي الجذور السياسية العميقة لتوسيع شبكة عملائها هناك.

"رقم قياسي"

وفي "رقم قياسي"، أوقفت القوى الأمنية اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي قبل ثلاث سنوات 185 شخصا يشتبه بتعاملهم مع إسرائيل.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 عن مسؤولين أمنيين لبنانيين، قولهم إن من بين هؤلاء 182 جرى تجنيدهم بعد بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019.

وأُحيل 165 شخصا من الموقوفين إلى القضاء، بينهم 25 صدرت بحقهم أحكام، وبينهم شخصان "أرسلا رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي) يطلبان العمل معه".

وبحسب المصدر الأمني، فإن عدد التوقيفات بالتهمة التعامل مع إسرائيل، لم يتخط أربعة أو خمسة أشخاص سنويا، قبل بدء الانهيار الاقتصادي.

ويبدو أن الإسرائيليين وجدوا في ذلك فرصة مناسبة، ففتحوا حسابات لشركات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تستقبل طلبات توظيف، ويستهدفون عبرها لبنانيين يبحثون عن عمل.

وقد أظهرت التحقيقات، مع الموقوفين أن الإسرائيليين يتواصلون لاحقا مع مقدمي طلبات التوظيف عبر الهاتف، وفق المسؤولين الأمنيين.

ونتج عن الأزمة الاقتصادية، تدني قيمة الرواتب، فضلا عن شح في الوقود ونقص الأدوية وعدم قدرة المرضى على تأمين العلاج، هذا عدا عن ارتفاع معدلات البطالة.

ويبلغ عدد سكان لبنان 6.7 ملايين نسمة، منهم حوالي 1.7 مليون لاجئ سوري وفلسطيني، إذ إن أولئك الذين كانوا فقراء قبل الأزمة، أصبحوا يعيشون في فقر مدقع.

وقد فقدت الليرة أكثر من 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار، وصنف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي الحالي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

ويبلغ المعدل الوسطي لرواتب الموظفين في القطاع العام 1.5 مليون ليرة، وهو ما كانت قيمته تعادل 1000 دولار حتى منتصف 2019، وكان سعره الرسمي مثبتا عند 1500 ليرة.

وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، أن غالبية السكان في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.

ولفت تقرير للمنظمة نشر في 12 ديسمبر 2022، إلى أن المواطنين في لبنان اضطروا إلى تقليص كميات طعامهم، مشيرة إلى أن الحكومة لم تتخذ التدابير الكافية بعد ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

ملف العملاء

وعلى الرغم من أن إسرائيل ولبنان ليس بينهما علاقات دبلوماسية أو حدود مرسومة على نحو واضح ونهائي، فإن مسلسل العملاء والجواسيس المرتبطين بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، هو قديم جديد في آن معا.

لكن عودة ملف العملاء لإسرائيل، للظهور على الواجهة من جديد في لبنان، يؤشر إلى مدى الاختراقات الكبيرة للمجتمع اللبناني، وتوجيه تل أبيب ثقلها بشكل أكبر نحو هذا البلد.

إذ سبق، وأن أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية على مر السنوات الماضية عشرات الأشخاص بشبهة التعامل مع إسرائيل، وصدرت أحكام قضائية في حق عدد من الموقوفين، وصلت إلى حد 25 سنة في السجن.

وتؤكد الأرقام أنه بين أبريل/نيسان 2009 و2014، جرى القبض على زهاء مئة شخص، غالبيتهم من العسكريين أو من موظفي قطاع الاتصالات بهذه التهمة، وفق ما قاله مسؤولون لبنانيون لوكالة الأنباء الفرنسية.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، أكد مسؤول قضائي لبناني، توقيف 21 شخصا في إطار عملية أمنية لتفكيك 17 شبكة تجسس لصالح إسرائيل.

وحينها ذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن هذه الشبكات لها علاقة ببعض التفجيرات التي حصلت في لبنان، الأمر الذي قاد لحدوث تقدم في هذا الملف الأمني.

ولا يعترف القانون اللبناني بإسرائيل، التي سبق أن احتلت مساحات واسعة منه قبل أن تنسحب من قراه الجنوبية عام 2000 باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو يجرم التواصل والتعامل معها، وكذلك التطبيع معها.

وعشية تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو/أيار 2000، هرب ستة آلاف لبناني مع الجنود الإسرائيليين المنسحبين، 1500 عميل لإسرائيل والباقي عائلاتهم.

وفي أغسطس 2015، عاد 3500 من هؤلاء بمساعدة الصليب الأحمر الدولي إلى لبنان، وتسلمتهم المخابرات اللبنانية.

وعاد هؤلاء بسبب معاملة إسرائيل لهم بشكل سيئ، وبعد تقديم بيروت أحكاما بالسجن مخففة عليهم.

لكن رغم ذلك فقد تمكن بعض العملاء اللبنانيين من الهجرة من إسرائيل إلى دول أخرى مثل الولايات المتحدة، وحصلوا على جنسيتها، وعادوا بعد عقود إلى لبنان "متحصنين" بجنسيات أجنبية تقيهم من الملاحقة.

حتى إن واشنطن ضغطت على بيروت لعدم المساس بهؤلاء الذين يلقبون أنفسهم بـ "المبعدين" وليسوا بالعملاء. كما يحظى الحاصلون على الجنسية الأميركية بأرقام تواصل مع سفارة واشنطن في بيروت.

والأسلوب الجديد الذي اعتمده جهاز "الموساد" للنفاد إلى المجتمع اللبناني، من بوابة العوز المعيشي للمواطنين، يؤكد على مدى هشاشة المجتمع اليوم.

استغلال اقتصادي

لكنه بالمقابل، وفق مراقبين، نبه حجم الاختراق الكبير لإسرائيل في لبنان الذي أحدثته ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية، إلى تداعيات ذلك على الوضع الأمني في هذا البلد في حال بلغت هذه الأزمة مرحلة اللاعودة.

وبما أن هذه المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان توقيفات بهذا الشكل الكبير "بتهم العمالة"، يرجح مسؤول أمني لبناني لوكالة الأنباء الفرنسية أن يكون "السبب الرئيسي هو الأزمة الاقتصادية".

وبين أن تلك الأزمة وتداعيات انهيار الليرة ثم انفجار مرفأ بيروت عام 2020، دفع لبنانيين للبحث عن مصدر رزق آخر للحصول على عملة صعبة.

وتؤكد السلطات اللبنانية، أن المعطيات تدلل على تنفيذ هؤلاء العملاء عمليات مسح شاملة وجمع المعلومات عن المقاومة الفلسطينية الموجودة في لبنان، فضلا عن محاولات اختراق فرع المعلومات في البلاد.

وتتهم بيروت هؤلاء بالوقوف وراء تقويض الأمن في لبنان وجمع المعلومات السرية من داخل الأجهزة الأمنية اللبنانية.

ويرى مراقبون، أن القوى الأمنية تواصل الحزم في ملاحقة شبكات التجسس لصالح إسرائيل، وأنها تسعى للسيطرة على مجمل الوضع الأمني في البلاد.

بيئة خصبة

وفي هذا السياق، رأى الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن "الانهيار الاقتصادي في لبنان يسهم في خلق بيئة مواتية للتجنيد لصالح إسرائيل".

وأضاف بشارة لـ "الاستقلال"، أن "عملية تجنيد العملاء قديمة ومستمرة، وبالتالي فإن تركيز إسرائيل هو على تجنيد كثير من الذين يقدمون المعلومات لها".

وأردف قائلا: "وقد استطاعت تل أبيب في فترات معينة أن تجند أشخاصا ينتمون إلى حزب الله بالتحديد وكثير ممن ينتمون إلى القوى والأحزاب وإلى أشخاص يعملون في الإدارة اللبنانية".

ومضى يقول: "لهذا السبب فإن عملية التجنيد هذه تحاول إسرائيل أن تحصل من خلالها على المعلومات المهمة لها".

ويذهب بشارة للقول: "لقد سُجل جهد أمني لبناني في كشف شبكات التعامل مع إسرائيل، وخاصة أن التقنيات الحديثة وبيانات الاتصالات تساعد على كشف تلك الشبكات".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ألقي القبض على مسؤول أمني في حزب الله، بتهمة التعامل مع إسرائيل يدعى محمد شوربا.

وكان شوربا يشغل منصب رئيس فرع في جهاز العمليات الخارجية التابع لحزب الله، وقد تسلم مهامه في هذا الجهاز عام 2008.

واتهم شوربا بتزويد الاستخبارات الإسرائيلية طيلة عمله بمعلومات قيمة عن مجمل النشاط الخارجي لحزب الله.

من جهته، يشير الكاتب والمحلل السياسي، حسين عطوي في لقاء تلفزيوني إلى أن "الكيان الصهيوني دأب على تجنيد العملاء كون البيئة رخوة في لبنان".

خاصة أن باب العمالة فتح بشكل كبير وأصبح مجالا للكسب المادي كون العميل يدخل السجن ويحاكم محاكمة بسيطة لعام أو عامين ويطلق سراحه بعد ذلك بجنحة.

وأضاف في الثاني من يناير 2022: "هناك نوعان من المعلومات التي تجمع من قبل العملاء، الأولى، تتعلق بالضربات الاستباقية التي يمكن أن تنفذها إسرائيل تجاه مواقع المقاومة".

 والثانية، وفق عطوي، "تجمع بشكل تراكمي لتحديد أهداف مستقبلية والتعامل معها لاحقا من قبل إسرائيل" وفقا لما يتطلبه الوضع على الأرض.